حري بنا، عبر العالم العربي، أن نفكر بدقة وحذر، قبل فوات الأوان، لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على مدن عربية عظمى أخذت مياه البحار تهدد، بل وتلتهم حافاتها المحاذية للسواحل، وذلك ببناء الجدران..
حظيت بالاطلاع على مقابلة متلفزة مع عمدة مدينة “ميامي” (ولاية فلوريدا الأميركية)، وقد أرعبني ما قاله حول آثار “الاحتباس الحراري” المتسارع، ذلك التسخين الذي تبتلي به البشرية، خصوصًا عبر ما يتهدد المدن من تآكل المطلة على البحار والمحيطات عبر العالم. وإذا ما كانت مدن أميركية عظمى، مثل ميامي ولوس أنجلوس، تتخذ الإجراءات بصورة فورية للحفاظ على نفسها من “قرض المحيط” المتواصل لجرفها ثم لأجزاء منها، فحري بالقائمين على مدننا البحرية عبر العالم العربي المسارعة لتلافي ما يتهددها، هي الأخرى، بسبب ارتفاع منسوبات البحار والمحيطات التي قد تأكل حافات هذه المدن على نحو تدريجي حتى تختفي في عصور قادمة.
بل إن هذا هو الشبح الذي يطارد عددًا آخر من رؤساء بلديات كبريات المدن المهمة كذلك، كالبندقية والإسكندرية. هم لا ينامون الليل خشية ما يتوعد سكان تلك الحواضر العظمى من مصائر مخيفة، ناهيك عما يتوعد تواريخها وحضاراتها من آثار مجهولة، لبالغ الأسف.
والحق، فإن قصص المدن المندثرة والتي لا تترك آثارًا لها سوى أسمائها الموجودة على صفحات كتب التاريخ وخرائط الآثار كثيرًا للغاية، بدليل مدن تُمثِّل حضارات كاملة كانت يومًا منارات للتقدم والثقافة حتى أخفقت في مقاومة ابتلاع البحار لها، ومن هذه الحواضر مدن بالعشرات كانت تزدهر جنوب العراق وتطل على الخليج العربي، ذلك الخليج الذي راح ينحسر وينكمش جنوبًا بسبب ما تحمله مياه دجلة والفرات من طمي “الغريّن” أي الأتربة والأطيان التي حملهما النهران العظيمان ليصب بها في الخليج، حتى اختفت تلك “المدن الساحلية” مع مرافئها وتجارتها وأساطيلها البحرية لهذه الأسباب. بل ويقال إن مدينة “أور” التي ولد بها سيدنا إبراهيم الخليل (عليه السلام) كانت مرفأً خليجيًّا في غابر الأزمان.
أما اليوم، فإن شيئًا موازيًا يحدث، وهو ارتفاع مناسيب مياه المحيطات والبحار بسبب ارتفاع سخونة الكرة الأرضية، وفشل العالم في إيقاف تآكل ثلوج القطبين الشمالي والجنوبي، ذلك التآكل الذي سيحيل القطبين من قارات جليدية إلى مجرد جزر بعد انقشاع غطائهما الجليدي بسبب دفء الأرض، الأمر الذي سوف يقود إلى ارتفاع أسطح البحار لتضرب بقوى التعرية أجزاء من مدن عظمى مثل نيويورك وميامي.
وحري بنا، عبر العالم العربي، أن نفكر بدقة وحذر، قبل فوات الأوان، لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على مدن عربية عظمى أخذت مياه البحار تهدد، بل وتلتهم حافاتها المحاذية للسواحل، وذلك ببناء الجدران والعمل حثيثًا لمقاومة ارتفاع أسطح البحار والمحيطات والخلجان السريع على نحو فوري كي تبقى هذه المدن العربية منارات حضارية شامخة تعكس عالمًا عربيًّا واعدًا.
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق