الاثنين، 30 مارس 2020

ما الخطب أيها الإعلام العربي؟ بقلم : أ.د. محمد الدعمي


لم أجد مرحلة تخبط و”خفة”، أحيانا، في تاريخ معاصرتي لقنوات وآنية الإعلام العربي، على تنوعها المرئي والمكتوب والمسموع، أكثر وضوحا مما لاحظته مؤخرا، أي بعد تفشي الفيروس المخيف Covit-19، الأكثر شيوعا باسم “كورونا” عبر عالمنا الناطق بلغة الضاد.

من ناحية أولى، برهن هذا الإعلام على إفتقاره لأدوات التحقق العلمي والبحث الصحفي الموضوعي، تلك الأدوات التي رفعت من شأن الإعلام الغربي حد تقرير مصائر ساسة وأوضاع حكومات، بل وحتى شعوب. ودليل هذه “الذيلية” التي عكستها وسائل الإعلام العربية عامة (حكومية وسوى حكومية) إنما يتجسد في اعتمادها التعريب والترجمة، درجة رؤيتي بضرورة إقامة “نصب منحوت ملحمي” للمترجم وللمعرب الذي أدار ويدير عجلة الإعلام الطفيلي؛ أي ذلك الإعلام المعتمد على ما يرفده به الإعلامان الأميركي والأوروبي، بل وحتى نفي الذات. أما النزر اليسير من أنباء “الفيروس” المحلية، التي تقدمها وسائل الإعلام المحلية، فجُلُّها من معطيات البيانات الرسمية الحكومية، من نوع عدد الإصابات هذا اليوم وعدد الضحايا يوم أمس، زد على ذلك ما تجود به حزم النصائح والإرشادات المساعدة على الوقاية وتجنب الإصابة بهذا الفيروس القاتل.
أما الظاهرة “الإعلامية” الأكثر مدعاة للتهكم، وربما للتندر، فتتجسد في التناقض المربك للمستهلك الإعلامي عبر تقديم مسؤول حكومي على الشاشات، مثلا، يقوم بتطمين المواطنين والتخفيف من حدة روعهم عن طريق الدعوة إلى “عدم الهلع” و”تجنب الخوف الهاجسي”، إذ غالبا ما يتبع هذه “الدفقة” الإعلامية أنباء مرعبة عن تضاعف أعداد الإصابات وما بعدها ممن يقضون نحبهم!
وهكذا يبقى المستهلك الإعلامي العربي المسكين حائرا بين خيار تصديق المسؤول الحكومي الصحي والأخذ بنصيحته بتجنب الهلع، من ناحية، وبين التسليم للخوف والرعب من المصافحة والأماكن المكتظة بل وحتى من متابعة مباريات كرة القدم مع أبنائه في منزله، من الناحية الثانية!
وللأمانة، لا يمكن للإعلام المتوازن أن يدق على وترين في وقت واحد، لأن ذلك يعكس غاية التخبط وارتباك الرؤية. وعلى القائمين على وسائل الإعلام الأكثر شيوعا في عالمنا العربي الاختيار بين الاثنين: هل يريدون بث الرعب بين مستهلكي مادتهم الإعلامية، أم هم يرنون لتهدئة الخواطر وتلطيف الأجواء؟ هذا سؤال مهم الآن؛ لأنه هو الذي سيقرر، بالضبط، انتقاء المعلومة وانتخاب دلالاتها، زيادة على استلال المفيد منها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق