هذا هو ما يفسر للباحث الاستقبال الغربي العدائي للعالم الإسلامي في عصر الفتوحات على نحو خاص، بعد أن أخذت الفتوحات تقضم من حدود أوروبا الجنوبية (إسبانيا والبرتغال) وبلغاريا وروسيا والمجر، من بين سواها من البقاع والتخوم المحيطة بما كان يسمى، خطأ، بــ”العالم المسيحي” Christendom!
وإذا ما كانت هذه هي الحقيقة المريرة بالنسبة لأوروبا عصر الحروب الصليبية، فإن أهم مصادر ومنابع التعبئة ضد غارات المسلمين على تخوم أوروبا، قد تمثلت بالكنيسة وبالممالك التي خشيت خشية وجودية من مغازي المسلمين. ولهذا الشعور بالحصار، بل وبالغرق في محيط عالم إسلامي قوي وأكثر تحضرا وعلما وجبروتا عسكريا أسبابا جعلت الكتاب الإكليريكيين يفعلون كل ما بوسعهم من أجل تشويه الإسلام (نظاما روحيا) على سبيل ليّ حقائق الرسالة الإسلامية كي تبدو مشوهة وغير عقلانية في أعين أقوام “الشقر الطوال” هناك!
وقد أمسك هؤلاء الكتاب والمؤرخون بنقطتين أساسيتين لتشويه المسلمين وحرف تقليدهم الروحي الطارئ على أوروبا، وهما: (1) السيف؛ و(2) الحريم The Harem.
من ناحية أولى، عد السيف الأداة الأساس لنشر الإسلام بين الأقوام المختلفة بالقوة، بمعنى أنه أخذ رمزا لمثلبة التبشير على طريقة “اعتنق الإسلام، أو مت!”. وقد كانت هذه من أهم أدوات تشويه الإسلام.
ومن ناحية ثانية، ظفر العالم الغربي آنذاك بمفهوم “الحريم” كأخطر مثالب الإسلام معتنقيه، متهمين إياهم بامتهان المرأة، أختا أو بنتا أو زوجة! لذا اكتسب لفظ “الحريم” هالة واسعة من الدلالات المشوهة المبالغ بها حتى شملت العبودية وتشريع الإساءة إلى المرأة على اساس “الشريعة”، للأسف.
أما عندما تغيرت حركة التاريخ لصالح الإمبراطوريات الأوروبية (الإسبانية والبرتغالية، والبريطانية والفرنسية والإيطالية، من بين سواها)، بقيت أوروبا محافظة على ذاكرتها وعلى تراثها الوسيط الحقود المضاد للإسلام ومعتنقيه، إذ بقي مفهوم “الحريم” مفهوما مفتاحيا، إذ لا يستدعي قيام “الرجل الأبيض” بتحرير الأمم الشرقية (الإسلامية خاصة) فقط، وإنما بفرض تحرير المرأة السمراء القابعة تحت وطأة هيمنة الرجل القاسي عبر العالم الإسلامي. ودليل ذلك متاح حتى اليوم، خاصة في كتاب “لايارد” (بقايا نينوى) The Remains of Nineveh، إذ يوقع هذا الآثاري البريطاني أشد العقوبات الجسدية بالعمال المسلمين الذين كانوا يعملون معه في الحفريات الآثارية حوالي مدينة الموصل آنذاك!
وهكذا، دل مفهوم “الحريم” على قدرته على البقاء والتواصل حتى بعد إسدال الستار على العصر الذهبي للكولونياليات الأوروبية، محالا، أثناء ذلك، إلى القارة الجديدة عبر المحيط الأطلسي!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق