الأحد، 1 يوليو 2018

عالم العلامات والإشارات د. محمد الدعمي




أما إذا ما أراد أحدنا أن يرصد دور العلامات والإشارات، وسائل للاتصال، في حياتنا اليومية، فإنه لا يملك إلا أن يبهر بأهمية دورها في عصرنا هذا: فبدونها لا يمكن للفرد أن يحيا، أو أن يضطلع بعمله، خاصة عندما يعتمد هذا العمل أطقما معينة من العلامات والإشارات ليتحقق: فعمل قائد الطائرة لا يمكن أن ينجز بلا إلمام كامل بالإشارات المعتمدة في حقل الإبحار جوا، خاصة عند الإقلاع وعند الهبوط.

بكل فطنة ودقة، لاحظ الأستاذ الراحل “جون كونستبل”، مؤلف كتاب (معنى المعنى) The Meaning of Meaning (1923) أهمية الإشارات والعلامات في حياتنا، خاصة في عصرنا الحديث الجاري، موجها عناية القارئ إلى أن الإشارات والعلامات غدت من الضرورة بمكان أنها راحت ترقى إلى منافسة اللغة كوسيلة اتصال بين البشر، بل هو ذهب إلى ما هو أبعد، حد عد منظومات العلامات والإشارات، بغض النظر عن تنوعها وتباين حقولها، وسائل اتصال أعلى كفاءة ودقة وسرعة من اللغة أحيانا. لذا، عد علماء الألسنية هذا الحقل نظاما علميا يستحق لدراسة والبحث، فأسموه semiotics أو semi logy.
هذا، بالضبط، هو ما يفسر إصرار ضباط شرطة المرور على اجتياز طالب إجازة السياقة اختبار معاني العلامات والإشارات المرورية، حتى قبل إنزال هذا الفرد إلى الشارع للتأكد من أهليته لقيادة عجلة ما على نحو عملي، إذ غالبا ما يجلس ضابط المرور المخلص (كما كان يفعل العقيد زيا، ضابط زيا، ضابط مرور مدينة الديوانية) في عمله إلى جانب طالب إجازة السياقة ليقود سيارته وهو معه، وغالبا ما يحاول هذا الضابط الحريص على أمن السائق والمواطنين أن يلهي طالب الإجازة كي يتأكد من تركيز السائق على الشارع وأمان وأمن المواطنين والمارة. ولأن عادة التدخين كانت تنتشر كثيرا في مناطق ومدن معينة، يتعمد ضابط المرور هذا إخراج علبة دخانه، فيقدم سيجارة للسائق، أثناء الاختبار، سيجارة: فإذا قبل السائق السيجارة أو وافق على تقديم علبة كبريت لمساعدة الضابط على إشعال سيجارته، فإن الأخير يعلن فشل طالب إجازة السياقة في الاختبار، خاصة عندما لا يعير السائق (تحت الاختبار) إشارات المرور الخاصة بالراجلة أو بتأشير مناطق العبور ومواقع مدارس الأطفال وملاعبهم اهتماما كافيا.
أما إذا ما أراد أحدنا أن يرصد دور العلامات والإشارات، وسائل للاتصال، في حياتنا اليومية، فإنه لا يملك إلا أن يبهر بأهمية دورها في عصرنا هذا: فبدونها لا يمكن للفرد أن يحيا، أو أن يضطلع بعمله، خاصة عندما يعتمد هذا العمل أطقما معينة من العلامات والإشارات ليتحقق: فعمل قائد الطائرة لا يمكن أن ينجز بلا إلمام كامل بالإشارات المعتمدة في حقل الإبحار جوا، خاصة عند الإقلاع وعند الهبوط.
أما صاحبنا، ضابط المرور أعلاه، فإنه غالبا ما يتحسس هذه الأيام من استعمال الهواتف الذكية Smart phones من قبل قائد المركبة، حد فقدان أعصابه، وذلك بسبب الأعداد الهائلة من كوارث السير وحوادث السيارات المأساوية المتأتية من عدم انتباه السائق، أو من انشغاله فيما يسمى بالــTexting، أي إرسال “رسائل نصية” إلى أحد أفراد أسرته أو إلى أصدقائه لهدف معين. هذه الهواتف هي، في حقيقة الحال، من أذكى “وسائل القتل والجرح” في عالمنا اليوم، للسبب أعلاه، بطبيعة الحال.
أما الهواتف، مجردة، فلا يمكن للمرء استعمالها للاتصال والمهاتفات دون الإلمام بأطقم معينة من الإشارات والعلامات التي تساعد من يستعمل “الهاتف الذكي” لتحقيق عملية التواصل وإرسال الرسائل، على تنوعاتها، صوتية أو مرئية.
بل إني قد لاحظت أثناء الأشهر الثلاثة من مكوثي في مدينة عدن، أستاذا زائرا، في اليمن الشقيق أن الإشارات والعلامات المتخذة من حركة أصابع اليد وتأشيراتها إنما تشكل لغة معتمدة للاتصال بين سائقي سيارات الأجرة (الحافلات الصغيرة) Mini Buses وبين الراكبين ممن يرومون الوصول إلى مكان معين من المدينة: فالإشارة للمواطن الذي ينتظر الحافلة الصغيرة تحدد وجهة اتجاه ومسار الحافلة كي يقرر المسافر فيما إذا كان يريد الالتحاق بركابه أو انتظار حافلة أخرى يقصد الوصول إليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق