أ.د. محمد الدعمي
” إن عملية السطو على القطع الأثرية الثمينة في متحف الموصل، ثم مواصلتها نحو خطف المواقع الأثرية ذاتها تؤشر، حسبما أرى، توسع الشبكة الإرهابية بضم المزيد من المتطوعين القادمين من مختلف جهات المعمورة، خاصة هؤلاء المبتلين بالفقر الذين دمجوا البحث عن الغذاء برسالة دينية، زيفاً وتعسفاً. يوّلد الجشع والنهم اندفاع هؤلاء الجياع القادمين من بقاع فقيرة نائية،”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من ومضات العبقرية المحمدية هي أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يحدد عدد جند العدو قبل إحدى مغازيه، عمد الى محطة نزل فيها الجيش المعادي في سبيل معرفة عدد الذبائح التي نحرت لإطعام ذلك الجيش. وبحساب دقيق تمت معرفة عدد المقاتلين الذين تتوجب ملاقاتهم في ميدان المعركة بعدئذ.
وإذا كان علينا أن نستحضر شذرات القدوة المحمدية اليوم، فانه يتوجب تأشير التوسع والجشع السريع لبحث ما يسمى بـ”داعش” عن الموارد النقدية، على سبيل تخمين الزيادة في أعداد المنضمين لصفوفها من الإرهابيين الجدد القادمين من أفقر بقاع الأرض، جرياً وراء الثروات، ولهاثاً وراء إشباع الغرائز الأولية.
قبل أشهر كانت هذه الشبكة الإرهابية تستعين، في العراق، بما نهبته من خزائن الموصل النقدية كالبنوك وأموال السكان ومصوغات ذهب النساء، بل وحتى السيارات وسواها مما يقبل التداول في الأسواق مقابل النقد. هي لم تمس آثار الموصل آنذاك، خاصة عندما كان سيل السحت الحرام يغطي متطلبات أعضائها من آبار النفط السورية، ناهيك عما كان أعضاؤها يغتصبونه من الأموال العينية، الزراعية والصناعية عبر بقاع هيمنتهم.
إن عملية السطو على القطع الأثرية الثمينة في متحف الموصل، ثم مواصلتها نحو خطف المواقع الأثرية ذاتها تؤشر، حسبما أرى، توسع الشبكة الإرهابية بضم المزيد من المتطوعين القادمين من مختلف جهات المعمورة، خاصة هؤلاء المبتلين بالفقر الذين دمجوا البحث عن الغذاء برسالة دينية، زيفاً وتعسفاً. يوّلد الجشع والنهم إندفاع هؤلاء الجياع القادمين من بقاع فقيرة نائية، كشرق آسيا وجنوبها ومن الصحارى الأفريقية (مالي والنيجر)، ومن ثم هو الذي يبرر دمويتهم، خاصة وأن ما تتيحه هذه الشبكة الإرهابية لهم من أموال وأجساد نسائية مغتصبة (جهاد النكاح) هو بدرجة من الكثرة أن من يلتحق بهم يصعب أن يفلت من قبضتهم، طمعاً بالمزيد من خيرات البقاع الخصبة التي يهيمنون عليها بين الموصل وشرق سوريا عبر أعالي الفرات. هذا التخدير، بالضبط، هو ما لاحظته في تحليلي لمنظمة “الحشاشين” في كتابي الموسوم (تخنيث الغرب) بيروت، 2014.
إنه مؤشر خطير ينبغي لشعوب وحكومات منطقتنا الملتهبة ملاحظته، بعد أن تأكد لنا أن هذه الشبكة الإرهابية، المعروفة، اختصاراً بـ(داعش) تختلف عن شبكة “القاعدة” الإرهابية: فهي لا تتفرع عن الأخيرة، برغم قدرتها الذاتية الفائقة على التناسل والتشعب والانشطار كالفطر، كما حدث عندما سمعنا قبل بضعة أشهر عن شبكة “خراسان” الإرهابية.
إن الثروات الوفيرة التي تتيحها الأقاليم الخاضعة اليوم لـ(داعش)، زيادة على اختطافها لأباطرة ولآلهة “آشور” و”نينوى” و”نمرود” و”خورسباد” تعكس توسعاً سرطانياً لا ينبغي أن يمر على النابهين دون ملاحظة وإجراءات طواريء فورية مناسبة لمكافحة آفة الإرهاب التي راحت ثروات الإقليم ذاتها تغذيها، للأسف. بضمن هذا السياق الخطير ينبغي أن نقرأ ما أعلن يوم السبت (7 مارس الجاري) عن انضمام شبكة (بوكو حرام) الإرهابية و”مبايعتها” لـ(داعش)، مؤشراً على بحث فقراء الإرهابيين عن الثروات أينما وجدت بين سهول نينوى الغناء أو تحت أنقاض آلهتها المجنحة.
أما دعوة أحدهم دول التحالف لحماية آثار الموصل، فهو أمر مضحك ومدعاة للتندر بحق: فلماذا طالب هؤلاء بجلاء قوات التحالف إذا لم يكونوا قادرين على تدبر حماية بلادهم؟ هل كان الأمر استعراضياً؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق