صياد .. سمكة وصنارة
للكاتب: فؤاد نقارة (وتين حيفا الثقافي)
د. شادية حامد
تُعنى هذه المداخلة النقدية بمنظورين إثنين:
أولهما تنظيري تأويلي إلى جانب منظور آخر مؤسَّس على مقاربة تطبيقية
تحليلية مستندة في بعض أجزاءها إلى المنهج السيميائي.
"أوقفني
في البحر فرأيتُ المراكب تغرق والألواح تسلم ... ثم غرقت الألواح
وقال لي:
لا يسلم من ركب
وقال لي: خاطَر
من ألقى نفسه ولم يركب
وقال لي: هَلَكَ من ركِب
وما خاطر
وقال لي:
في المخاطرة جزء من النجاة.
النِّفَرِي – من كتاب مواقف ومخاطبات
موقف البحر
مراكب-تغرق-ألواح-تسلم-خاطر- ركب-ألقى بنفسه-هلك-مخاطرة-نجاة
كلها مفردات وردت في سياق البحر، وهي مفردات لصيقة بتجربة
الصياد الذي يبحر في مجاهيله وخباياه، ويوغل في لجاج أسراره وعجائبه وجبروته. إذن
, في البحر إمكانيات عدَّة( كالسلامة والهلاك والمخاطرة ,والمجازفة
والمغامرة والفوز واكتساب المعرفة والخبرة, وذلك على حدّ سواء : إزاء ذلك الذي يخاطر
ويلقي بنفسه فيه فيُكتب له الغرق أو الهلاك أو خلافاً لمن تكون من نصيبه السلامة والخلاص
.وكذلك لمن يُحجم عن المخاطرة ويوثر النجاة فلا يلقي بنفسه ولا يعرضها للهلاك, لكنه وإن سَلِم , يبقى في الحقيقة
بمثابة ميت هالك لا يجرؤ على المجازفة ولا يُقْدِم على المجهول الجديد وعليه, فلا يحمل
معنى لحياته التي بدّدها سدى بسلبيته
وتقاعسه ولم يمنحها شرف التجربة, تلك التجربة التي لم يَخُضها , وبالتالي لم ينل فيها شرف المعرفة. فالبحر هو التجربة التي تخوضها
الذات وبه تكمن الكثير من المعارف والقيم والإجابات عن
أسئلة الوجود. والصياد فؤاد نقارة صاحب الذات المهتمة
المبدعة المقدامة الجرِّيئة من خلال تجربته الذاتية الفردية يُذَكِّرنا بتجربة الصوفي الذي يمرُّ بثلاث
مراحل تجربته نحو المعرفة: ففي بداية التجربة يُسمَّى (مُريداً)-وذلك حينما
يعتريه الفضول ويتحلى بالإرادة عن كشف المجهول، ثم يصبح (سالكا) حينما يسلك
طريق التجربة ويوغل في أعماق المبهم المنشود ويتعرض لما يتعرض له من مخاطر
ومكابدات لكن حينما ينجو ويعود يكون قد أصبح(عارفا) – والعارف هو الذي قبض
على الخبرة وعلى المعرفة النورانية وأحاط بما لم يحطه غيره من العلوم الخفية
السامية.
توطئة
لا شك في ان البحر يشغل موضوعا رئيسيا للعديد من التجارب
الإبداعية. فالبحر مجالا رحبا لاشتغال الأنساق وفضاء خصبا للتشكلات السردية وحركة
دينامية في الزمان والمكان. ريادة البحر "نشطت بدأً على أيدي المستكشفين
القدامى من الفراعنة والفنيقيين والرومان والإغريق"[1] وقد ساهمت اسهاما عظيما في
الكشف الجغرافي وعززت من التواصل بين الشعوب لأنها شكَّلت جسرا للتواصل بين الأنا
والآخر.
ولم تكن بمنأى عنها تلك
الرحلات التي خاضها العرب القدماء، فكانت هب الأخرى لأغراض عدة: كالاستكشاف – أو
الفتوحات الاسلامية – أو لرحلات الحج إلى مكة -كذلك طلبا للعلم في اقطاب الأرض المختلفة،
مما أسهم في ظهور كتابات لرحالين عرب مثل الرحالة الشهير ابن بطوطة (103-779) ,
والعالم الجغرافي أبو عبد الله محمد الادريسي (493-595)وأبو الحسن المسعودي
(283-346)وغيرهم, ممن تركوا كتابات
أسهمت في تشكيل الوعي بالذات وبالآخر، وفسحت المجال للمقارنة بين
الثقافات المختلفة وساهمت في تقييم نظم وتقاليد الشعوب المختلفة. وبما ان "الرحلة"
في الادب عبارة عن نص تتقاطع في نسيجه نصوص عديدة تنتمي إلى المتن المسمى:
"أدب الرحلة" فهي توظف إذن، اللغة الأدبية في تقريريتها، وتستثمر فن
الخبر والحكاية والنثر والشعر والمألوف والعجائبي. وبهذا يتحول هذا النص الرحلي
إلى نص ثقافي يبقى محافظا على حيويته الدائمة. وبناء عليه حين نعود لكتاب الأستاذ
فؤاد نقارة لدراسته نقديا نجد أن أول ما يتجلى لنا: مركزية السفر
(مركزية السفر) في النص البحري للصياد فؤاد نقارة
لطالما كان هنالك تعدد
للأنماط الفنية والاشكال الكتابية عبر التاريخ في الأدب، لكن لم تُكَرَّس غاية الفصل
بين الأجناس الأدبية للمفارقة والعزلة، بل كانت بمثابة فصل جمالي يسمح بالتداخل
فيما بينها حينا والاختلاف حينا آخر. فإذا كان الجنس الادبي قائما على الثبات،
فالثابت في هذه النصوص البحرية هو: هيمنة بُنية السفر، لأنها بنية منظمة
لمسار الرحلة المادي من جهة، ولمسار الكتابة من جهة أخرى. فإذا عُدنا"
لخطاطة البرنامج السردي"[2] للرحلات في كتاب (صياد
سمكة وصنارة) سنجده متوافقا مع الآتي:
1 - الانطلاق
_ ويتعلق بالاستعداد للسفر وما يندرج تحت بابه. وإليكم نص مغامرة خطرة [3] يحدد فيه المؤلف مكان الانطلاق والاتجاه فيقول:
" كان مساء كل جمعة شاهدا على انطلاقنا من حيفا صوب عكا , حيث نركب قوارب الصيد ونبحر في رحلتنا المنتظرة"[4]
2 - طريق الذهاب
–أي تحديد المحطات والأماكن والمسارات مع سرد للأحداث والمشاهدات ضمن فضاء زمني
ومكاني. حيث يحدد المؤلف في المقطع الكتابي ذاته المكان الزمان ووجهة الرحلة يوم
جمعة – مساء- من حيفا حيث يتم ركوب مراكب الصيد نحو عكا
3 - الوصول
\ اللا وصول – تحديد زمنه ومكانه وسرد
مشاهداته ومغامراته في المكان المُرتحل إليه. يقول السيد فؤاد :" جاء يوم
الجمعة ووصلنا إلى عكا لنفاجأ ببحر هائج
تضرب امواجه بعنف"[5] إذن هو يطلعنا على مكان
الوصول , ويسرد ما شاهده من هيجان للبحر ووصف للامواج, ويواصل في سرد الاحداث
المترتبة على ما وجده فيقول:" أخبرنا قبطان المركب "الريّس" ان
جميع الصيادين فضلوا البقاء على اليابسة خوفا من الأمواج العالية....وبعد نقاش
قصير اتفقنا على الاكتفاء بالصيد من على
السور....لكن صديقي لم يرق له ذلك فاستشاط غضبا واتهمنا بالجبن والخوف
...ويتابع انطلقنا من الميناء وعبرنا كاسر
الأمواج...باختصار ثم دب الهلع في قلب صديقي...قم الإبحار باتجاه العمق ظم بعد
ساعتين الوصول إلى منطقة هادئة...بدانا الصيد وبقينا في عرض البحر الى اليوم
التالي"[6]
إذن وفق هذه الخطاطة فالمؤلف يسرد المشاهدات والاحداث والمغامرات في المكان العميق
المرتحل إليه.
4 - الانطلاق
– والاستعداد للمغادرة وذكر وسيلة العودة مع تحديد زمكاني. وفؤاد بعد قضاء ليلة في
عرض البحر يسير على الخطاطة ذاتها فيقول:" عندما هدأت الأمواج قليلا قرر
الريس العودة ومع كل موجه تدفعنا نحو الميناء كان الامل ينمو في قلوبنا"[7]
5 - العودة
–وهو مسار الذهاب في الاتجاه العكسي. ومع الامل بالعودة الذي كان ينمو في القلب
يقول فؤاد :" وصلنا أخيراً , واستيقظ صديقنا مطمئنا , فألقى بقصبة الصيد في
الماء وأقسم أغلظ الايمان ان هذه الرحلة ستكون الأخيرة له في عالم الصيد"[8]
وهكذا بعد أن تجلت لنا مركزية السفر في الرحلات البحرية
للصياد فؤاد نقارة فلا بد لنا ان نقف قليلا عند الرحلة أو السفر
إذ تكاد المعاجم تكرر المعاني نفسها فجميع مشتقات مادة (رحل)
توحي بالسفر كونها تدور حول متطلباته الأساسية "التي يملأها فعل الحركة
والانتقال من جهة، والوسيلة أو المركب من جهة ثانية , والقوة والجهد وتحمل المشاق
من جهة ثالثة وهذه جميعها من متطلبات الرحلة كسفر"[9]
يقول الجوهري:" السفر هو قطع
المسافة , والجمع الأسفار...وسفرت المرأة أي كشفت عن رأسها ووجهها فهي سافر, ومُسافر الوجه ,ما يظهر منه...وأسفر الصبح :أي أضاء , وأسفر
وجهه حسناً أي أشرق"[10]
وهكذا نرى تواشجا في معاني لفظتي (الرحلة والسفر)
لغوياً حيث تترادف دلالاتهما في كثير من المحاور التي تدور حول الانتقال والحركة
وقطع المسافات والقدرة على المسير.
والرحلة مثلها كمثل السفر: على وجهين إثنين:
الأول – وهو (سفر
بالأبدان) –أي انتقال أفقي من مكان جغرافي معين، إلى
مكان جغرافي آخر وهو عبارة عن رحلة (حقيقية) جسدية حسية ينتقل
فيها المرء بجسمه من موضع إلى موضع آخر. كرحلات صيادنا من حيفا إلى عكا والتي يحلو
لنا ان نراها تبدأ من الداخل المادي أي من داخل ميناء مدينة حيفا إلى خارجها نحو
عرض البحر في اتجاه مدينة عكا وبهذا يكون مسارها من الداخل إلى
الخارج
الثاني – يسمى (سفر بالإذهان ) وهو سفر عامودي
معنوي
يُخاضُ داخل الذات المبدعة من خلال
تجربتها ويرتقي من خلال اختمارها إلى
الأعلى في معراج روحي نحو المعرفة ونحو
القيم السامية والمُثُل العليا , ومساره
من الخارج إلى الداخل
أي من المحيط البيئي بكل ما فيه من مرجعية لغوية اجتماعية ثقافية معرفية لدراستها
إزاء الوجود. وهو سفر باطني يحمل معنى (رمزي) لرحلة روحية
قلبية فردانية (كرحلات المتصوفة في معراجهم الروحي) وكما تجلت لنا في
نصوص الأستاذ فؤاد التي كانت تبدأ كرحلة جغرافية حقيقية توازيها رحلة معنوية
روحية تنتهي في كل مرة باكتساب حكمة ما أو معرفة ما.
سِمَات مدارات السارد في كتاب صياد سمكة وصنارة
سبق ان رأينا السمة الأولى وهي: أ -(مركزية بنية
السفر) في الرحلة البحرية للأستاذ فؤاد واطلعنا على صيغتها اللغوية التي تمرر
خطابها عبر وسائط مثل الوصف والسرد والإخبار. ولاحظنا انها تمثيل سردي لأحداث
واقعية تُروى بضمير المتكلم في ترتيب زمني مما يحقق التراتبية. وهو امر يحتم تمظهر
للسارد ويفترض تسلسل أحداث وبروز شخصيات إلى جانب فضاءات وأزمنة وأمكنة. وقد يخلق
هذا تداخلاً مع عدد من الاشكال التعبيرية مثل السيرة الذاتية (الاوتوبيوغرافي)
وكتابة المذكرات. إلا أن السِّمة الثانية
وهي : ب - (القصدية) التي يحددها كتاب الأستاذ فؤاد
والتي تتراوح بين (نشر المعرفة , واكتساب الحكمة, وتوثيق محتويات الثروة
السمكية المحلية ,, وتخليد الموروث الثقافي والاجتماعي في الذاكرة الجمعية وكشفها
على المتلقي الآخر) تجعل كتابه يندرج تحت جنس (أدب الرحلة) لأنها إحدى
السمات التي تميز الكتابة الرحلية , أما كتابة المذكرات والسير الذاتية فلا ترتبط
بقصدية مسبقة.
ج -السمة المميِّزة التالية هي (الرحالة\ السارد)
بمعنى أنه هو الأداة التي تنظم الخطاب السردي, حيث انه يؤدي
دورا مهما في صياغة أدبية الرحلة لأم :"
من أهم خصائص السرد الرحلي استناده إلى سارد محوري يتوزع بين الكتابة والتأليف والسّرد ولعب دور البطولة"[11] فهو الذي يقوم بتحويل الحدث الواقعي إلى خطاب سردي وهو من ينسج
التتابعية والتسلسل وها نحن نرى في كتاب صياد سمكة وصنارة ان السارد لا يستقل عن
المؤلف فهو يظهر كعلامة نصيّة وعلامة
مرجعية بحيث يبدو التداخل بين الرحالة والسارد في تطابق تام لأن ذاته هي
:"ذات تلفُّظية تاريخية حقيقية تقدم الاحداث كسارد وشاهد من خلال ذاكرة
أيقونية مرتبطة بالبصر والبصيرة"[12]
د – السمة الرابعة (الكشف عن غاية الرحلة في عتبة النصّ الرحلي)
أي عن أسباب قيام الرحلة وطاقمها وبرنامجها والهدف منها حيث
تكتب هذه العتبة الرحلية بصيغة خبرية مرتبطة ارتباطا وثيقا بخطاب الرحلة السردي.
فيقول المؤلف في رحلة صيد عكاوية :"
على متن مركب يرقص علي أمواج عكا العاتية , انطلق سبعة من هواة الصيد , يبتغون رزقهم من
خيرات البحر, كان من بينهم ثلاثة أصدقاء يجلسون جنبا إلى جنب, يرمون خيوطهم في
أعماق الماء"[13] إذن (طاقم الرحلة
)مكون من سبعة أشخاص من بين هؤلاء السبعة
هنالك ثلاثة بينهم قاسم مشترك وهو الصداقة.
(هدف الرحلة) = الرزق من خيرات البحر.
(برنامج الرحلة) = صيد في بحر عكا.
ه – السمة الخامسة (حضور السارد على المستوى الواقعي الفعلي)
فهو يروي الحكاية بضمير الأنا أو النحن حيث يقترن ضمير المتكلم بالذات بشكل حميمي.
فهو بدَوْرِهِ الذي" يُراكم الصفات
والموصوفات ويستخدم عناصر المفارقة بين مرجعيتهِ ومرجعية الآخر"[14] وهو يقدم ذاته للمتلقي
"في بداية الرحلة ولا يتركها من البداية إلى النهاية , وحتى حين يغيب صوته وملفوظه"[15] هكذا هو الحال عند
مؤلِّفنا حين يغيب ويصف المشهد من خلال
الشخصيات ثم يعود ليظهر ثانية , لأنه هو السارد الممسك بخيوط السرد فيقول :" راقب
الأصدقاء المشهد بصمت , يملأ صدورهم شعور بالأسف على ما آلت إليه الأمور بين
صديقيهم , لم يرُق لهم هذا الخلاف ولم يَرُق لي أيضا, فكان لزاما علي التدخل
لإنهاء هذا الصراع وإعادة الهدوء إلى المركب"[16]
وهكذا نكون قد وجدنا السمات الخمس التي تخوِّل نصوص السيد نقارة
بالاندراج تحت جنس الادب الرحلي كما سبق ان ذكرناها
أ - مركزية بُنيه السفر
ب – ذكر القصدية
ج – السارد هو الرحالة
د -الكشف عن غاية
الرحلة في عتبة النص
ه – حضور السارد على المستوى الواقعي الفعلي.
حينما نستعرض البحر بتجلياته الأدبية على مدى التاريخ نجده يحتل
فضاءات الاساطير وكتب العجائب باعتباره مادة الخليقة الأولى فالبحر ماء والماء كان
أول مخلوق قبل ان يخلق عرش الخالق كما تذكره الآية الكريمة رقم 7 من سورة
هود:" هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء
ليبلُوَكم أيكم أحسن عملا"[17] كذلك اول فضاء انبثقت منه مظاهر الوجود , وفي
فضائه رُفعت السماوات وبُسِطت الأرض. كما
يظهر في الآية 30 من سورة الأنبياء[18]. وعلى امتداده تأسست الميثولوجيات والأساطير
وعلى مرآته طفت بيوض الخلق التي ولدت منها الآلهة وبُنيت قصورُها وعليه تهادى عرش
ابليس وفي اعماقه وعتمته استقر محبسه، ليصبح مَعينا للخرافات والحكايات ورحماً للعجيب
والغريب كونه يشير إلى الامتداد والجبروت والرهبة والمغامرة بأحواله المباغتة
وغضبه المنذر بالهلاك. مما يجعله سيد الغواية فيستقطب المبدع لعوالمه
ويغريه باستعاراته كقوة مخيفة وغامضة.
ويرتبط البحر في الوعي بالعجائبية ( fantastic)المثيرة
المحيّرة للعقل والمنطق (على الأقل كما
رأيناه في الكتاب من عجائب المخلوقات
البحرية) ففي لِجاجِه تختفي المدن المسحورة وممالك الجن والمّرّدة وحوريات
البحر والقصور المشيدة كقصر سيدنا سليمان الشاهق المشيّد من قاع البحر ولغاية سطح
الماء كله من زجاج ونحاس فسيدنا سليمان كان يحكم الجن ويسجن الشياطين والمِرِّيدين
داخل قوارير زجاجية يختم افواهها بالنحاس ويلقي بها في القيعان في غياهب الظلمات.
ملمح تاريخي عن أدب البحر
ان علاقة البحر بالأدب والفن ضاربة الجذور في عمق التاريخ
الإنساني إذ انها تمتد وتتجسد كصراع بين الانسان وبين قوة جبارة ما فتئت تحتفظ
بأسرارها وغموضها حيث قدّم الاغريق صورا (اسطورية) لها, أضفت ثراءً أدبيا: كملحمة الاوديسة
لهوميروس ثم تتوالى بعدها عبر التاريخ الإنساني روائع البحر: كرواية الأمريكي
هيرمان ميلفيل والحوت (موبي ديك) مع القبطان أيهاب ثم مجموعة موبسان (في
البحر) تليها رواية ): عمال
البحر) لفيكتور هيغو ثم (جزيرة الكنوز) للاسكتلندي
روبير لويس ستيفنسون, فرواية (الشيخ والبحر) لارنست همينغواي كذلك من أعظم ما كتب في أدب البحر ديوان (أوراق
العشب) للشاعر الأمريكي والت وايتمان هذا فضلا عن أعمال هنري دومنفرد أو
الملقب ب (عبد الحي) الكاتب المغامر والبحار والرسام والفوتوغرافي الذي
اتقن اللغة العربية وتحول إلى بحار يتاجر
باللؤلؤ والأسلحة ووضع ما يقارب 75 مؤلفا
عن مغامراته في البحر فترجمت اعماله إلى
اكثر من 12 لغة.
كذلك استقطب البحر الشعراء العرب كموضوع أثير ظهر في قصائد طرفة
بن العبد وامرئ القيس:
عَدَوْلية او من سفين ابن يامن يجور بها الملاح طورا ويهتدي
يشق حباب الماء حيزومها بها
كما شقّ التربَ المفايلُ بالْيَدِ
كما امتد البحر إلى أدب الرحلة ومن منا لم يقرا (ألف ليلة
وليلة) في محكياتها العجائبية ومغامرات السندباد البحري وقصصه العجيبة فالتراث
العربي القديم حافل بالأدب الذي تناول موضوع البحر وأذكر (أدب الرحالين العرب) للمؤرخ
والجغرافي المسعودي من القرن العاشر ميلادي الذي كتب (مروج الذهب ومعادن
الجوهر) أو (تحفة النّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) للرحالة الشهير
ابن بطوطة أو (تاريخ الرسل والملوك) للطبري.
ثم حنا مينا في رواياته البحرية (الياطر – الشراع والعاصفة –
وثلاثية حكاية بحار) كذلك روايات عبد الرحمن منيف (حين تركنا الجسر-ومدن
الملح) فضلا عن رواية (الشراع الكبير) للعماني عبد الله بن محمد الطائي
ورواية (المركب) لغائب طعمة فرمان (الافعى والبحر) لمحمد زفزاف و(الوردة
والبحر) لإدريس بلمليح (ورحيل البحر) لمحمد عز الدين التازي و(بحر
الظلمات) لمحمد الدغمومي و(عشاء البحر) لابي يوسف طة.
صحيح ان لكل نص أدبي من بين هذه النصوص بحره الخاص وتوظيفه الخاص
لكن بإمكاننا تقسيم هذا التوظيف من حيث المستوى المنهجي إلى
أربعة مستويات:
مستويات توظيف البحر في النص الأدبي
1 – البحر كاشتغال فضائي
بمعنى أنه يوّظَّف كفضاء تجري فيه الاحداث وتتحرك فيه الشخصيات
وإطلاع او ايهام المتلقي بالواقع بهدف لإحداث تأثير فيه وبهدف المساهمة في بناء
المعنى أو من أجل تشكيل مواقف الشخصيات من العالم. وهذا ما لمسناه في كتاب السيد
الكاتب فؤاد نقارة حيث كشف لنا عن رحلات بحرية مثيرة كان
البحر مسرحا لفضائها وشخصياتها وأحداثها ممتاحة من معين واقعها فهي قصص حقيقية
يمكننا أن ندرجها تحت خانة الكتابات الاوتوبيوغرافية أو السَّيَر الذاتية والذكريات الشخصية التي تتعدى دورها كمتعة أدبية للتسلية والترفيه لترمي
أبعادها على المعنى المنشود للحكمة والتجربة والمعرفة.
2 – البحر بوصفه رمزا من الرموز
وهو يوظّف كمُتَخَيَّل مرتبط بكل أجزاء النص وهنا وفي أغلب
الأحيان لا يمكن فصله عن رمزية الماء الذي تنبثق دلالاته عن رمزية البحر. لأن
البحر رمز لمادة الخليقة ورمز للحياة وللدينامية وللحركة الحيوية وفعاليتها
كونه مكان الولادة والتحول والانبعاث في جانبه الإيجابي، وصورة للموت في
جانبه السلبي. وقد لمسنا في نصوص الكاتب التي استندت إلى البحر واحواله المختلفة
وتبعاته وتأثيره على تلك الرحلات وما خلّفته من خبرات موحية بالحكمة والخبرة
والمعرفة وتبني القِيَم السامية النبيلة. ناهيك عن ضرورة مادته الحيوية وقدسيتها
في جميع الأديان والمعتقدات فما من ديانة ألا وقدّست الماء
رمز الماء في المسيحية
تجد حوض الماء المقدس في كل الكنائس لأنه علامة للتجديد
والبدايات الجديدة كما وردت في معمودية يسوع وهو قوت الله الابدي كما ورد في سفر
الرؤيا 22:17:" من أراد فليأخذ ماء حياة مجانا"[19]
ويتم استخدام الماء المقدس في كثير من الأحيان في طقوس المباركة وطرد الأرواح الشريرة،
ناهيك عن استخدامه في المعمودية Baptism من أجل خلاصه وذلك وفقا لقول السيد المسيح عليه
السلام إلى نيقوديموس : " الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء
والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله"[20]
رمز الماء في الإسلام
يقول اهل العلم ان الماء هو اول المخلوقات وجودا، حيث قيل انه
خلق قبل العرش ثم بعده خلق العرش الرحماني وحجتهم في ذلك الآية 7 من سورة هود التي
ذكرناها سابقا كذلك يفسرون (كان عرشه على الماء) أن الماء والعرش هما مبدأ هذا
العالم لكونهما خلقا قبل خلق السنوات والأرض ولم يكن تحت العرش (كرسي الله) إلا
الماء. لذا يتجلى الماء في الإسلام على انه أساس الحياة وعنصرها المقدس. ولِما
يتمتع به من قدسية وَجَب على المسلم ان يتطهر بالماء ويتوضأ قبل أداء أي صلاة. حتى
يليق بقدسية المثول أمام الله تعالى.
رمزية الماء في اليهودية
تتجلى في دمج دلالات جسمانية مادية بدلالات معنوية روحية من
خلال طقوس مَتَّبعة كإلزام اليهودي بغسل اليدين بالماء في كل صباح وقبل كل وجبة
طعام. كذلك تطهر النساء من العذر الشهري والاغتسال في מקווה
Mikveh للتخلص
من رجس الدماء. كذلك يستخدم الماء في طقس مهم متبع في عيد يوم الغفران ويسمى طقس
الإلقاء او טקס תשליך يُلقون به بالذنوب والخطايا عن
عاتقهم بوساطة الماء كرمزية للتحول الإيجابي.
3 – البحر بوصفه صورة روائية
حيث يمكن القبض عليها من خلال التشبيهات والاستعارات المنغرسة
في البنية السياقية للنص مثال: (سفينة الصحراء) صورة بحرية برية وهنا لنا
وقفة مع العديد من الصور التي أوردها الكاتب في نصوصه القصيرة الهادفة مثل: (صيد
الأوهام)[21]
–(فارس البحار)[22]- (مُحاربة التيارات)[23] – (جوهرة البحر)[24]
4 – بوصفه ثيمة (موضوع)
وهنا علينا ان نميز بين التيمة (الموضوع) والرمز والصورة
وذلك لوجود تفاعل فيما بينهم في نسيج العمل الروائي
هذا، ونلاحظ مما ينتشر من نعوت في المتن الرحلي البحري أنها
نعوت تقوم على العجائبية والغرابة والجبروت والتوجس في فضاء مائي عصي
على الترويض يغري ويثير الفضول بالمغامرة والمجازفة والكشف والاكتشاف.
فعالم البحر بمظهره واسراره وغموضه وايحاءاته يجتذب الذات الشاعرة ليفتح نافذتها
على آفاق الخيال اللا نهائية.
البحر في الأدب عادة ما يكون رمزا للمطلق، برحابته
وغموضه , وبوصفه كذلك تتوق الذات الخلاقة المبدعة للسكن إليه وللعودة إلى
كنفه والفناء فيه إذ يقول المؤلف "أوطد صلتي بهذا العالم الفسيح المليء
بالعجائب فالصيد بالنسبة لي فلسفة أعايشها اتعلم منها دروسا للحياة...(..) أراقب
أيضا حركة الحياة محاولا فهم تعقيداتها" [25]وكأنه الموطن الأصل
للروح بوصف البحر ماء والماء مادة
الحياة الأولى قبل الخليقة او ما يسمى الهيولى وبهذا المفهوم يصبح البحر فضاء (للاستمرار
في الرحلة إلى العالم الفسيح) والابحار إلى لجاج الحكمة والمعرفة من
خلال العودة إلى الطبيعة الأولية والجبلَّة الأولى للإنسان. واكتشاف ذواتنا
إزاء الوجود والعالم الواقعي بوصفنا كائنات وذوات حائرة قلقة تماما كالبحر
الذي يتجلى بوضعية اللايقين والشكّ كونُهُ صاحب طبيعة متحركة دينامية
بإمكانها ان تنعكس كصورة للحياة او صورة للموت.
نصّ الرحلة البحرية في الادب
تفترض الدراسات النقدية عند انطلاق الناقد في تناوله للنص
الاحتكام إلى مركزية ما , تتراوح ما بين :( لغوية – بلاغية– نحوية – تاريخية-
سياسية-اجتماعية-نفسية-ذوقية) كون النص الرحلي عامة عابر للأجناس الأدبية , وقد يواشج الناقد
فيما بين المجالات المذكورة وفق ذوقه ومرجعيته
الثقافية الفكرية بهدف تكملة رؤيته النقدية.
العتبات النصِّيَة
إذا نظرنا إلى الغلاف (
BOOK COVER)سنجده أحد أهم العتبات النصية , لأن الغلاف من
اول العتبات التي نعبرها للدخول إلى دهاليز عوالم ما زالت مجهولة أمامنا ,مستترة
بين دفتيّ الكتاب , فهو بمثابة باب موصده تثير فينا الفضول لفتحها وكشف أسرارها . إنه الواجهة او العتبة الجمالية التي من شأنها
أن تجذب القارئ. فأهمية المحتوى الإبداعي أو الفني أو المعرفي رهينة بشكل الغلاف. إن الغلاف هو الذي يقودنا لتصنيف المحتوى: تاريخي
طبي،فلسفي ,روائي ,شعري , علمي.....الخ . وعتبة الغلاف في الوقت ذاته بمثابة حدّ
فاصل أو عالم برزخي بِبُعدَين إثنين: اولهما: إبداعي وثانيهما تسويقي
يحاول ان يجذب المشتري... وهو بذلك انما يشكل عتبة وجسرا وإشارة ونداء. ويدخل
الغلاف ضمن ما يسمى بالعتبات النصية للكتاب.
العتبات النصية – (paratexts)
هو مصطلح من مصطلحات النقد الأدبي الحديث، مِن أوائل مَن سلّطوا
الضوء عليه كان جيرار جينيت، وميشيل فوكو ولوسيان كولدمان وكذلك ليو هويك بهدف
دراسة طبيعة صلة هذه العتبات مع المتن النصي لتصبح بناء نصيا متكاملا لها ميزاتها
وخصائصها الشكلية ووظائفها الدلالية التي لا تقلّ أهمية عن متن النص ذاته. بوصفها
موجِّهات خارجية او "مجموعة من الدلائل اللسانية التي يمكنها أن تُثَبَّت في
بداية النص من أجل تعيينه والإشارة إلى مضمونه الإجمالي ومن أجل جذب الجمهور
المقصود"[26]
ما هي هذه العتبات؟
يقول جيرار جينيت في كتابه: (عتبات): انها جزء من
التعالي النصي (المتعاليات النصية)[27] الذي يضم خمسة أصناف [28] من بينها": المناص
او (العتبات النصية) المرتبطة بالنص الموازي أو ما يحيط بالنص (paratexts) ويراد بها فضاء النص من عنوان رئيسي وعنوان
فرعي --ولوحة الغلاف-ولوحات غلاف داخلية-والمقدمة -الديباجات-التصدير -استهلال – التذييلات-التنبيهات-الحواشي
الجانبية – الحواشي السفلية-الرسوم نوع الغلاف – المخطوطات - "[29]
سيميائية الغلاف
من الوهلة الأولى , أول ما يلفت النظر ,في الغلاف – طبعا بغض النظر عن (الشخصية) المشرقة المعتمرة نظارات شمسية , الأستاذ فؤاد الماثل
ببذلته داخل ابتسامة الكون بتلك النظارات الشمسية التي تبدو كما انها تحدّ في الشمس من (البصر) وفي الوقت ذاته
وعلى خلفية البحر تترك الشخصية مجالا من
خلفها لسعة البصيرة (البصر\ البصيرة)- ما يلفت الانتباه هو اللون , لون البحر ,لون الماء الأزرق ,
السائل الأرضي الدنيوي , هو في الآن ذاته انعكاس للسماوي العلوي حيث المُثل العليا والقيم السامية
,انه اللون الأزرق الممزوج بالأخضر بتدرجات لونية متفاوتة ما بين أزرق وفيروزي (تركواز) ,
إلى ماذا يوحي اللون الأزرق؟
انه لون الجرأة والقوة والمجازفة وغيرها من السمات الذكورية، (لون
لصيق بطبيعة التجربة) وفضاءها، إلى جانب أيحائه بالاتساع والرحابة، فهو لون
الهدوء والسكينة، ولون السلم والأمن والطمأنينة بما يثيره من الهدوء النفسي، وما
يجلوهُ عن قلب المرء من مشاعر الحزن والعزلة لذا تجد الكثيرين يجلسون أمام البحر
للترويح عن انفسهم بحرية، وتجديد الأمل بالحياة، انه مرفأ الإبحار المادي والمعنوي
الى الآفاق البعيدة بهدف التجدد والانبعاث.
ثم اختيار الأخضر الأزرق
الفيروزي (او التركواز) الذي ما زال يحيل إلى السماء والماء في الغلاف، ليس عبثيا
على الاطلاق، بل وموفقٌ جدا باعتباره رمزا لمفاهيم عدة من بينها الاستقلال
الذاتي للشخص ومن هنا، فقد يشير إلى طبيعة تجربة فردانية ذاتية لذاتٍ مبدعة،
ناهيك عن إشارته للمُثُل النبيلة كالصداقة والوفاء والمغامرة، جميعها قيم شاهقة سيتم
ذكرها لاحقا عند قراءة النصوص السردية القصيرة لرحلات الكتاب البحرية.
ولو أمعنّا النظر قليلا سنلاحظ بأن هنالك خط فاصل بين البحر
والسماء (خط الأفق) وفي مركز هذا الخط الافقي المتاح للنظر يتدفق
نور باتجاه أعيننا، هنالك بياض نوراني
يبدو وكأنه قادم من البعيد من خلف خط الأفق، من مكان ما، من وراءه، وكأنما قادم من
عالم المارائيات , أو عالم الغيب, المسمى بعالم الميتافيزيقيا metaphysique ولن يخفى على المتلقي أن هذا النور إنما يرمز للحقيقة, للوضوح ,للطهر, للايمان. لأننا بالإيمان
نرى ما يراه الله تعالى وما يريدنا أن نراه، ومن غير النور بايحائه للإيمان سنرى ونشاهد
ما يراه الناس والمخلوقات في عالمنا الأرضي المادي، ولذلك سمي هذا العالم (بعالم
الشهادة) وها هُنا، سندرك أن الغلاف يُشير لنا نحو التجربة
وأبعادها , ليوحي لنا المؤلف من خلال هذه العتبة النصية المهمة:
إلى وجود بُعدين
إثنين لتجربته:
1- بُعد مادي ينتمي إلى عالم الشهادة أي
العالم الأرضي المادي الذي نعيش فيه، وهو الرحلات البحرية
2- وبعدٌ آخر روحي علوي ينتمي إلى الماورئيات
وإلى عالم القيم السامية والمثل العليا. القيم التي اكتسبها صاحب التجربة من خلال
رحلاته وتجربته.
إذن، لغاية الان ومن خلال ملاحظة الغلاف فحسب وربما قبل قراءة العنوان
فان العتبة النصية المذكورة (الغلاف) تساهم في إرشادنا إلى مضمون الكتاب او
تشير إلى التجربة التي يدور حولها. لذا فلا بد أن تترتب لدى المتلقي الحصيف قراءتان:
أ- قراءة للنص الظاهري بكلماته
وفق المعجم وهدفها اطلاع المتلقي على مُجريات التجربة.
ب- وإلى
جانبها قراءة أخرى للنص الباطني المضمر والتي من شأنها أن تزود المتلقي بالحكمة
التي انتجتها التجربة
ثم وبعد هذا فلا بد وان يتحول نظر المتلقي إلى العنوان:
(صياد..
سمكة وصنارة)[30]
سيميائية العنوان
وهو مكوَّن بصري مؤلف من ثلاث لفظات تخلو من أل-التعريف تحقق
ارتباطا مباشرا بموضوع الكتاب، (صياد): دلالة توحي إلى علاقة عميقة وانسجام
وتواصل بين الذات والطبيعة، من خلال تجربة جسدية روحانية. ثم يظهر
فراغا تحتله نقطتان اثنتان قبل ان نقرأ (السمكة): المعروفة كرمز للخصوبة
والثراء والرخاء والوفرة والرزق. فيما تحضر (الصنارة) كوسيلة الصيد أو كهمزة
وصل بين الصياد السمكة وترمز إلى طبيعة التجربة في خوض الذات لها. انها مفردات
ثلاث تصبو نحو سيرة ذاتية أو تجربة لأحداث واقعية تعتبر قالبا يصُبّ المؤلف فيه الأحداث
والعِبَر. أما هذا الفراغ المتخلَّل بنقطتين , عبارة عن احتفاظ المؤلف بمساحة
من البياض على الورق لا مفردات فيها ,
وتعني سيميائيا : الصمت أوانحباس
للكلام بل نوع من تخصيص مساحات لا يشغلها المِداد (الحِبْر) على الورق وهذا ما ما يسمى ب "كتابة
المحو" وهي تقنية
تُميز أدباء الغرب الحداثيين ثم الحداثيون أو الشعراء العرب مثل:( أدونيس محمود درويش وخليل حاوي) , فَوِفق
بلاغة المحوِ وفراغات البياض في
عنوان كتاب الأستاذ نقارة , نجد أن العنوان يرتبط بالصمت من جهة ما , كما
لو كان ايحاءً لسرّ أو غموض في هذا الغلاف
البحري يأبى أن يكشف عنه الكلام , ليبدو كغموض
يشبه السكون وربما من أجل الغرق في أعماق لجّة الفضول , قاصدا فيه المؤلف تعطيل دلالة القول وانحباس الصوت الناطق ليجد القارئ نفسه مجبرا على فك مغاليق الصمت. والمحصِّلة ان مداخلة الصمت
للكلام في العنوان وإضفاء مساحة بيضاء مطعّمة بنقطتين يضفي على العنوان تشكيلا
جديدا يُصيِّرها شبيهة بلوحة مستقلة التصرف بالشكل والمساحة واللون. في لعبة من الكلام والصمت ومراوحة بين
الخواء والامتلاء لاستبطان " ذات المبدع"
صاحب "الذات المتكلمة"
وتمَعُّنِه في أوضاع التجربة المزمع الكشف عنها تارة والحجب عنها تارة أخرى، إنه
تقلص في الكلام وإبدال الدال اللساني بالدالّ الطباعي كوجه من وجوه الصمت
في حين ان هذه المساحة الصامتة تتكلم بصوت غير مسموع وتقول كلاما
يتطلب الانصات وإرهاف السمع لما ظلَّ محتبسا لم ينطق به اللسان، أي: (التجربة
الكاملة بأسرها). انها تقنية يحاول من خلالها المؤلف أن يختزل الكلام ويكثف
التأثير لخلق وقع أعمق في نفسية المتلقي. هذه المفردات الثلاث قد لا تساعد للوهلة
الأولى كثيرا في فك الابهام لكن تواجدها معا لا بدّ وأن يخلق في الأذهان حاجة ماسة
لضرورة استكمالها، تحقيقاً للجمالية وإرضاء للمنطق وتساؤلاته وإيجاد علاقة ما بين
هذه المفردات، وهنا يكون المؤلف الصياد قد رمى أول صنارة تشدّ المتلقي وتفتح أمامه
باب الفضول على مصراعيه، لأن وجود هذه المفردات معا دون ترابط يقتضي وجود سياق ما
, من شأنه أن يلمّ شتات منطق المتلقي
الشريك في عملية انتاج المعنى ويسهل عليه عملية الادراك والفهم . لأن هذه الفراغات
في العنوان قد خلقت له منطقة من النقص
والغموض وهنا يأتي دور (إيزرا فولفغانغ ) ليغيث المتلقي ويطلق على هذه
الفراغات تسمية: (فجوات النص) او ( ثغرات النص ) ويؤكد على "ان
الشيء الأساسي في قراءة كل عمل أدبي هو التفاعل بين بنيته (النصّ) ومتلقيه"[31]
لذا , فكلما سدَّ القارئ هذه الثغرات بدأ التواصل يتطور بين المتلقي وبين النص , مما يعني ان هذه الفجوات هي التي تحفز المتلقي
على تنفيذ عمليات أساسية في النص لأنها هي نفسها تشكّل مواقع( اللا تحديد) فيه وهنا يأتي ايزرا فولوغانغ ليحدد مساهمة
المتلقي في عملية ملئ الفجوات من خلال
إدماج أوضاع النص وإنتاج الجمالي منه. إذن عمليا ما الذي يفعله بنا الأستاذ فؤاد
بهذا العنوان؟ انه يجبرنا كقراء على ملئ الفراغات في العنوان والبحث عن سياق منطقي
يجمع بين مفرداته الثلاث وهذا ما يقودنا اقتيادا حتميا إلى فضاء البحر لأنه هو
الأنسب لتواجد هذه المفردات الثلاث معا حيث يخوض المؤلف تجربته البحرية الذاتية،
في الماء والملح، في مادة الخليقة الأولى، وهناك تدور به كل أحداث تجربته الفيزيائية المادية\والروحية المعنوية يغوص فيها داخل
ذاته من خلال غوصه في البحر , في الماء , فالماء هو أول المخلوقات وجودا حتى قيل إنه خلق
قبل العرش بحجة ما ورد في الذكر الحكيم "وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة
أيام وكان عرشه على الماء"[32] وما هذه المفردات الثلاث
إلا الركائز التي توضع عليها قِدر التلقي لتبدأ عملية القراءة بالنضوج وانتاج
المعنى .
العنوان
لا غرو في أن العنونة ليست اعتباطية، إذ لها:
أهمية ووظيفة ومكانة،
ولا يمكن استقراء النص وتحليله بالتغاضي عن العنوان فالعلاقة بينهما علاقة تلاؤم
وترتيب وتوالي. فالعنوان يدفعنا باتجاه عالم النص من خلال وجوده المستقل وغوايته
المثيرة. ويعدّ مؤشرا حواريا مستفزا لا يمكن تجاوز عتبته لكونه جزءا مسهما في
توضيح دلالة النص. وهذا ما يجعله يحتل في الدراسات النقدية السيميائية ونظريات
التلقي منزلة بارزة تبوّؤه مركزية السلطة المؤسسة لطاقة توجيهية وحِيَل بلاغية
تستوقف الذهن وتنشط الخيال.
مفهوم العنوان
يعرف ليو هوك Leo
Hock مؤسس
علم العنونة العنوان على انه " مجموعة
العلامات السيميائية (...) التي يمكن أن تندرج على رأس نص لتحدده وتدل على محتواه العام وتغري الجمهور
المقصود".[33]
إذ يُعد العنوان نصَّا موازيا يُشَكّل مفتاحا رئيسا لدراسة النص(المتن) ومدخلا
هاما للوصول إليه , فالتحاور مع العنوان يؤدي إلى فتح مغاليق النص والتجوال في
سراديبه وبه يتم تحديد النص والتعرف على هويته
أهمية العنوان
رغم صغره أو قِصَره إلا انه بالغ الأهمية " فلا بدّ
للعنوان من إنتاجية دلالة قادرة على توريط المتلقي"[34] وبما انه العتبة الأولى
التي يقف عليها القارئ "لتفضي به
إلى البهو"[35]
لأن العنوان" أشبهه ما يكون ببطاقة هوية وفي الكثير من الأحيان يكون كاللوحات
الإشهارية الخاطفة وبخاصة حين يكون براقا مغريا"[36]
وبطبيعة الحال فإن العنوان يوضع بعد تفكير لكي يقدم لوظائفه
المتوقعة منه والتي يتوجب ان ترتكز على أسس ثلاثة ألا وهي (المُرسل – المُرسل
إليه-الرسالة) وبكلمات أخرى (المؤلف-المتلقي – النص)
وظائف العنوان
للعنوان وظائف متعددة وفق رومان ياكوبسون في كتابه "قضايا
الشعرية" [37]
1 -وظيفة إحالية أو مرجعية – تحيلنا إلى موضوع الرسالة
باعتباره واقعا ومرجعا. (البحر)
2 – وظيفة انفعالية – والمقصود بها تلك الانفعالات
الذاتية التي يسقطها المؤلف على النص.
3 – وظيفة تأثيرية-أي ذلك التأثير الذي يخلقه النص على المتلقي.
(مثل تأثير لعبة السواد والبياض او الصمت والكلام في العنوان)
4 – وظيفة شاعرية – وهي شاعرية النص مع ذاته وتتحقق
بتحقق الانزياح الذي يفعل الجمالية
5 – وظيفة تواصلية-تهدف إلى تأكيد التواصل واستمرارية
الإبلاغ بين النص والمتلقي
6 – وظيفة تعيينية – Designation-تعمل على تعيين العمل أو تحديده مُخرجة إياه من رحم النص ليحيا
مستقلاً فهي وظيفة تبتعد عن الحوارية وتعمل مستقلة في غياب الوظائف الأخرى. وتسمى
أيضا التمييزية أو التسموية او المرجعية
7 – وظيفة وصفية – Descriptive
وهي وظيفة ذات قسمين: الأول: "يصف العنوان بموجبها موضوع
النص ويتعلق به بعدة طرق وتدعى العناوين التي تقوم بها بالعناوين الثيماتية"[38] ثم القسم الآخر الذي تؤديه
هذه الوظيفة فهي مرتبطة بالجنس الادبي للنص وتسمى " التجنيس الأدبي"[39] مثال : (سير ذاتية
–رباعيات- قصائد).
8– وظيفة إيحائية – وهي التي تدفع بالعنوان إلى حمل
ايحاء معين كإيحاء تاريخي مثلا أو صوفي أو إيديولوجي.
9 – وظيفة الغواية أو الإغراء – ليكون العنوان بمثابة
طُعم لاصطياد القارئ أو لإثارة فضوله من خلال الرمزية.
مكانة العنوان بوصفه وحدة نصية – رغم ان
العنوان في الفنون التشكيلية والموسيقى عادة ما يعتبر وِحْدةً مستقلة إلا أن هذه
الاستقلالية قد لا تتحقق دوما في فنون الكتابة، لأن العمل لا يستطيع ان يعيش
معزولا عن المحيط الذي يوفره له العنوان " لكن يجب التنبيه إلى أن هذا
الارتباط متحقق طالما ان العنوان مصنوع بشكل واع وله أهداف جمالية"[40] وها هو المؤلف يختزل لنا تجربة
ثرّة خصبة تدور رحاها في أفق شاسع يمتد على مدى هذه المفردات الثلاث المذكورة :
صياد سمكة وصنارة.
مقاربة نقدية تطبيقية للنص وفق نظرية لسانية
لقد اخترت نصا من بين نصوص الكتاب لكي نطبق عليه نظرية لسانية
مهمة ونختبر معا توفره على الشروط المطلوبة وتثبت معا انه يستحق تسميته ب (نص)
فوقع اختياري على العنوان الاتي:
(رحلة صيد عكاوية , وصراع على سمكة. ودرس في الاخوة)
[41]
نظرية المعايير النصِّية السبعة لروبرت دي بوجراند
يقول دي بوجراند ان النص ليس مجرد متوالية لسانية، أو مجموعة
كلمات مجتمعة كيفما اتفق، وبدون ترتيب وتنسيق بل هو بناء لساني محكم. وهنا يضيف
اللغوي Brinker. H أن "النص هو تتابع متماسك لعلامات لغويه"[42] ولكي يستحق تسمية (نصّ) فذلك يتطلب تحقيق مجموعة من الخصائص أو الشروط الضرورية لذا يرى بوجراند
وكذلك دريسلر في تعريفهما للنصّ بأنه
"حدث تواصلي تتحقق نصيته إذا اجتمعت له سبعة معايير وهي " الإتِّساق
(الربط.السبك ) – الإنسجام (التماسك)-
القصدية- المقبولية-الإخبارية (الإعلامية) – الموقفية-
والتناص"[43]
1-
الإتساق-
أو السبك cohesion
لغويا
وفي المعجم العربي للاتساق فهنالك معان عدة من بينها " الحمل والجمع والضم
والانتظام والتمام والكمال. فاتَّسَق: أي اجتمع. واتَّسَقَ الامر: أي تمّ
وتكامل"[44]
اما من حيث الاصطلاح فالاتساق قريب من الدلالة اللغوية لأنه بمثابة التماسك
بين عناصر النص يسمح بتلقي النص وفهمه. فالنص بهذا المفهوم عبارة عن "وحدة
لغوية مهيكلة, تجمع بين عناصرها علاقات وروابط معينة"[45] يقول المؤلف:
"
على متن مركب يرقص على أمواج عكا العاتية، انطلق سبعة من هواة الصيد , يبتغون
رزقهم من خيرات البحر, كان من بينهم ثلاثة أصدقاء, يجلسون جنبا إلى جنب, يرمون
خيوطهم في أعماق الماء"[46]
هل هنالك
اتساق؟ هيا بنا نتفحص معا: لقد ذكر المؤلف المكان (عكا) والمكان الأكثر
خصوصية:(البحر) ثم المكان الأدق: على (مركب) ثم ذكر الأشخاص السبعة
ووصفهم من هواة الصيد، ثم ذهب إلى تحديد ثلاثة من بينهم يتقاسمون قاسما مشتركا
واحدا وهو الصداقة، بل وصف طريقة جلوسهم بالمركب: جنبا إلى جنب، ثم ذكر الغاية
من الرحلة: يبتغون رزقهم، ثم الفعل الذي يقومون به من أجل تحقيق هذه الغاية:
يرمون خيوطهم في الأعماق. فهل هنالك تماسك او ترابط او سبك؟ هل هنالك اتساق بين
المفردات التي ظهرت في هذه الفقرة من النص. الإجابة هي نعم. إذن قد تحقق اول شرط
في النص ألا وهو الاتساق.
2 - الانسجام او الحبك او التماسك Coherence
من حيث
اللغة فالانسجام أصله من السيلان، "وصبّ الشيء من الماء والدمع"[47] الانسجام يعني توافق أجزاء
الكلام وعدم تعارضها لأن الكلام المنسجم:
“هو الذي انتظم ألفاظا وعبارات من غير تعقيد ,
وكان سلسا أنيقا, متوافقا في الأفكار والشعور والميول"[48]
"اشتعلت
مشادة كلامية بين الصديقين، كل ينازع الآخر على أحقيته بالسمكة، نسيا لحظة الصيد
والهدف من الرحلة وانغمسا في جدال حادّ عقيم."[49]
طيب بما
أن الانسجام " يختص بالوسائل التي تتحقق بها خاصية الاستمرارية في ظاهر النص،
وظاهر النص هو الاحداث اللغوية التي ننطق بها او نسمعها في تعاقبها الزمني. أو
نخطّها أو نراها , هذه الأحداث او المكونات ينتظم بعضها مع بعض تبعا للمعاني
النحوية ولا تشكل نصا إلا إذا تحقق لها من وسائل السبك ما يجعل النص محتفظا
بكينونته واستمراريته"[50]
فما
رأيكم؟ في البداية حدثت بينهم مشادة
كلامية ثم نزاع على الاحقية ثم نسوا هدف الرحلة،
هل ثمّة
حّبْك جيد؟ هل يصلنا كقراء التماسك الدلالي؟
هل نلاحظ وجود سياق تسلك به أجزاء الكلام؟
فالسياق من أهم شروط الانسجام لأنه " يحصر مجال التأويلات الممكنة
ويدعم التأويل المقصود" [51]
إذن، هل
استطاع المؤلف أن يقربنا من وضعية هذه اللحظة التي يصفها. بسلاسة ودون تعقيد؟
وبالتالي هل وصلنا المعنى؟ لاحظوا معي انه يحرص على ان يذكرنا ان الأصدقاء وقت
انغماسهم بالمشادة الكلامية نسِيَا متعة لحظة الصيد، ونسيا الغاية من الرحلة. إذن
هنالك انسجام واضع لا غبار عليه بين أجزاء الكلام وهذا يحقق لنا الشرط الثاني
المعياري في النص الذي يعتبر بالفعل نصَّا.
3 - المقصدية او
القصدية Intentionality
يقول بوجراند عن معيار القصد أنه " يتضمن موقف منشئ النص
من كون صورة ما من صور اللغة. قصد بها أن تكون نصا يتمتع بالسبك والالتحام , وان
مثل هذا النص وسيلة من وسائل متابعة خطة معينه للوصول إلى غاية بعينها"[52] طبعا وفق هذا التعريف فإن
موقف المؤلف وهدفه قد تم ايضاحه منذ البداية
لتتضح المقصدية الاساس من النص وهي: درس في الأخوة.
4 - القبول أو المقبولية
Acceptance
"يتعلق القبول بموقف المتلقي من قبول
النص"[53]
كيف؟
يقول المؤلف
" راقب الصدقاء المشهد بصمت , يملأ صدورهم شعورٌ بالأسف
على ما آلت إليه الأمور بين صديقيهم" [54] إذن , الإجابة من خلال:" مجموعة الوحدات
الكلامية التي تشكل مُتماسَكاً , ومُتَّسقاً يمسّ المتلقي من طرف ما" [55] بمعنى أنه يؤثر فيه. وهكذا يكون قد تحقق الشرط
المعياري الرابع الذي يثبت أننا أمام نص يستحق تسميته: نصّا!
5 – رعاية الموقف او الموقفية
Situationality
وهي تعني ان يكون النص موجّها للتلاؤم مع موقف معين بغرض كشفه
او تغييره وقد يكون الموقف مباشرا يمكن إدراكه من البيئة، او غير مباشر بحيث يمكن
استنتاجه بواسطة التأمل. وهذا العنصر يفترض وجود إثنين يتعاملان مع النص أحدهما
مُرسل والثاني مستقبل"[56]
" تقدمت نحو الصديقين، وسألتهما: هل ترضيان بما أحكم
بينكما؟، أجابا دون تردد: نعم نقبل. أمسكتُ بالسمكة وقمت بإلقائها في عرض
البحر"[57]
ما رأيكم الآن؟ هل كان هنالك موقفا تطلّب رعاية؟ وهل كان هنالك
طرفان أحدهما مُرسل والآخر مستقبل؟ الإجابة هي نعم وهكذا يكون قد توقر لدينا شرط
معياري خامس يؤكد ان هذا النص يستحق تعريفه بالنص
6 – التناص Intertextuality
والتناص لديه تعريفات عدة , أذكر من بينها "انه ذلك
التفاعل والتعالق والالتقاء والتداخل اللفظي أو المعنوي بين نصّ ما ,وبين نصوص
أخرى سبقته , استفاد منها هذا النص المُراد دراسته"[58] بينما يضيف سعيد حسن بحيري
بأنه " يختص بالتعبير عن تبعية النص
لنصوص أخرى, أو تداخله معها"[59]
"في تلك الرحلة , كان السمك "فاتح تمّه" بحسب
تعبير الصيادين , أي شرِهٌ لا يشبع"[60]
إن
التعبير "فاتح تمّه "سبق ان كان دارجا من قبل كتابة هذا الكتاب. والدليل انه متداول على ألسنة الصيادين مما يعني
انه ليس من ابتكار المؤلف انما هو آت من معجم الصيادين ومن الموروث الشعبي
او المخزون الشفاهي الاجتماعي في عكا. ومن
الواضح ان المؤلف الحصيف أجاد توظيفه بشكل جميل وسلس في النص. وبهذا نكون قد بلغنا
معا الشرط المعياري السادس لتعريف النص.
7 - الإعلامية أو
الإخبارية أو الإبلاغية Informativity
"ويتعلق هذا المعيار بالمعلومات الواردة في النص. من حيث
توقع المعلومات او عدم توقعها"[61] . فوفق دي بوجراند يتوجب على النص ان يشتمل على
قدر من المعلومات الإخبارية، ومن المفضل ان توصف بالجدية والتنوع. وأنوه برأي
اللغوية الفلسطينية المرحومة الهام أبو غزاله أن " لكل نص حظه من الإعلامية فمهما
يكن نصيب الشكل والمحتوى من التوقع فإنه لا مندوحة عن وجود بعض الوقائع المتغيرة
التي يتعذر التنبؤ بها بحذافيرها ومن المحتمل ان يؤدي ضعف الإعلامية الى الارتباك
او الملل بل الى رفض النص في بعض الأحيان"[62]
وها نحن نجد في النص قدرا لا بأس به من المعلومات عن المكان
والأشخاص وصداقاتهم ورحلتهم ولغة الصيادين وممارساتهم ومشادتهم والتحكيم بينهم
وتعويضهم عن السمكة زم الدرس الذي رسخ فيهم عن قيمة الاخوة والتسامح. والان يا
سادتي النقاد المساعدون هلا سمحتم لي بسؤالكم هل استوفينا المعايير السبعة للنص؟
هل نص الأستاذ فؤاد يستحق فعلا أن يسمى نصا؟ وهل نجح في أن يصبح كاتبا؟ وبالتالي
هل تنصحونه بالاستمرار في الكتابة؟ ام تقترحون عليه ان يتابع التنزه في حدائق
المحاماة والحقوق ويستمر في قطف ثمار العدل والانصاف؟
لقد كشف لنا المؤلف عن تجربة فريدة كان قوامها (المحبة)
للبحر بكل درجاتها، والمحبة قيمة سامية مستقاة من الحب الإلهي تتدرج وفق سلم تراتبي:
وضعه ابن قيم الجوزية:
مراتب
المحبة
مثلما يُدَرِّجها ابن قيم الجوزية (ت 751 هجري) عشر مراتب
للمحبة [63]
1- العلاقة
2- الإرادة
3- الصبابة
4- الغرام
5- الوداد
6- الشغف
7- العشق
8- التتيّم
9- التعبد (فتقدير الجمال نوع من العبادة)
10-
الخِلّة
والأستاذ فؤاد هو فعلا خليل البحر
لا يطيق عنه ابتعادا ويلازمه ليل نهار شتاء وصيف قرٌّ وحرّ وعلى هذه المحبة خاض
تجربته المتفردة غائصا في البحر وفي أعماق ذاته ودواخله ليكتشف عن ماهية
هذه الذات المُتأملة المتكلمة المنبعثة والمتشكلة من جديد على قيمها
السامية على الصبر والأخوة والتواضع واحترام الطبيعة وتقدير الجمال في
مخلوقات الله وطبيعة دنياه، هذا التقدير لصنع الخالق تجلى في الكتاب كنوع من
العبادة وتعظيم القدرة الإلهية. فأماط اللثام عن إلمام وموسوعية نادرة
بالمخلوقات البحرية وصفاتها وأشكالها وألقابها وتوثيقها كأسلوب مختلف في تخليد ثروة
الوطن البحرية وتخليد رصيده العضوي المتميز وبالتالي تخليد وجوده وترسيخ كيانه.
فحضرت رؤاه مستندة إلى (الإلهي والإنساني والوطني والخُلقي والاجتماعي والفلسفي
والمعرفي).
لقد أسس المؤلف فكرة تجربته على أعماق الفكر الفلسفي
والتاريخي في استناده إلى قواعد الحق الخير والجمال تلك التي تحدّث عنها
افلاطون مؤسس التصور الأخلاقي في مدينته الفاضلة، أما مؤلفنا، فمن خلال التسامي
والارتقاء بالروح الانسانية من أرض الواقع إلى سماء الفضيلة، يكون قد أدى رسالة
الأدب الملتزم وأدى من خلالها رسالة الفن.
ختاما –
اعترف كقارئه للكتاب،
بأن السيد فؤاد بتجربته
الثرّة المتفردة أثبت أنه :(صيادا وقناصا ماهرا للسمك)، إلى
جانب تفرده (كقناص للرؤى والعِبر) والدليل على كلامي نجاحه في
اصطيادنا جميعا إلى نادي حيفا الثقافي، لكن ومع اعتذاري له عن صراحتي السافرة
وليسمح لي بالاعتراف أمامكم أن هنالك صيادا واحدا فقط أمهر منه، سبقّهُ وتفوق عليه،
حيث لم يفلح الأستاذ فؤاد في الإفلات من صنارته وبالأحرى لم يحتمل الكثير للوقوع
في شِباكِهِ: الأستاذة المحبوبة سوزي!
د. شادية حامد
ناقدة شاعرة ومترجمة
حيفا – 20.2.25
[1] شوق ضيف: فنون الأدب العربي-الفن
القصصي- الطبعة الأولى -دار المعارف – القاهرة مصر- (د.ت)- ص 6.
[2] عبد الرحيم المودن: أدبية
الرحلة - دار الثقافة – الدار
البيضاء- المغرب- 1996 – ص 96.
[3] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025 – ص 20.
[4] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025 – ص 20.
[5] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025 – ص 20.
[6] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025 – ص 20.
[7] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025 – ص 20.
[8] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025 – ص 20.
[9] الطاهر الحسيني: الرحلة
الجزائرية في العهد العثماني، بناؤها الفني أنواعها وخصائصها -أطروحة دكتوراه
-كلية الآداب واللغات جامعة قاصدي مرباح -ورقلة -الجزائر 2013-2014 ص 7.
[10] إسماعيل بن حماد الجوهري:
الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربية – تحقيق احمد عبد الغفور عطار –
الطبعة الثالثة – دار العلم للملايين – لبنان – 984 -الجزء 2 \ 685-687.
[11] حسن لشكر: المتكلم
واستراتيجية الخطاب في الرحلة -مؤلَّف مشترك-المتكلم في السرد العربي القديم
-دار محمد علي للنشر – الطبعة الأولى-تونس – 2011-ص 165.
[12] حسن لشكر: المتكلم
واستراتيجية الخطاب في الرحلة -مؤلَّف مشترك-المتكلم في السرد العربي القديم
-دار محمد علي للنشر – الطبعة الأولى-تونس – 2011-ص 160
[13] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025 – ص 14.
[14] حسن لشكر: المتكلم
واستراتيجية الخطاب في الرحلة -مؤلَّف مشترك-المتكلم في السرد العربي القديم
-دار محمد علي للنشر – الطبعة الأولى-تونس – 2011-ص 158.
[15] حسن لشكر: المتكلم
واستراتيجية الخطاب في الرحلة -مؤلَّف مشترك-المتكلم في السرد العربي القديم
-دار محمد علي للنشر – الطبعة الأولى-تونس – 2011-ص 158.
[16] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025 – ص 14.
[17] في سؤال وجّهه أبو هريرة
للنبي محمد (صلعم) سأله مما خُلِقَ الخَلقُ؟ فأجابه الرسول الكريم من الماء! أي أن الماء أصل جميع المخلوقات ومادتها حيث
خلقت جميعها منه وهو يشكّل دمها ونسغها الذي يجري في عروقها وجذورها وجذوعها
وأغصانها.
[18] القرآن الكريم: سورة
الأنبياء الآية 3 :" أوَلَم يَرَ الّذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رِتْقَاً ففتقناهما وجعلنا من
الماء كل شيء حي أَفَلا يُؤمنون"
[19] إصحاح 22 بند 17 من رؤيا
يوحنا اللاهوتي – سفر الرؤيا. موقع الانبا تكلا هيمانوت st-takla.org
[20] انجيل يوحنا:
الإصحاح 3:5. موقع تكلا هيمانوت st-takla.org
[21] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025. ص 38.
[22] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025. ص 40.
[23] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025. ص 56.
[24] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025. ص 49.
[25] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025 – ص 11
[26] جميل حمداوي: صورة
العنوان في الرواية العربية – مجلة أقلام الثقافية - عدد شهر يوليو- - ص 6 -
2008.
[27] علد الحق بالعابد: عتبات
– الدار العربية للعلوم ناشرون--لبنان – 2000- ص 24-25.
[28] المتعاليات النصية مصنفة
إلى 5 أصناف (التناص-المناص (paratexts)– الميتناص-النص
اللاحق-النص الجامع)
[29] جيرار جينيت: أطراس-الادب
في الدرجة الثانية-ترجمة المختار حسني-موقع alantologia.com تاريخ النشر11.5.2018.
[30] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025.لوحة الغلاف.
[31] ناظم عوده خضر: الأصول
المعرفية لنظرية التلقي-(مقدمة نقدية) ترجمة عز الدين إسماعيل – النادي الأدبي
الثقافي – جدّة- الطبعة الأولى – 1994- ص 220.مقاربة
[32] القران الكريم: سورة
هود- الاية 7 .
[33] محمد فكري الجزار: العنونة وسيميوطيقة
الاتصال الأدبي- الهيئة المصرية العامة للكتاب- الطبعة الأولى- 1998- ص 26..
[34] محمد فكري الجزار: العنونة وسيميوطيقة
الاتصال الأدبي-الهيئة المصرية العامة للكتاب-الطبعة الأولى-1998- ص 26..
[35] إبراهيم محمود خليل: النقد الأدبي الحديث من
المحاكاة إلى التفكيك-دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة-عمان-الطبعة الأولى-ص
173.
[36] نعيمة قرطاس: سيميائية العنوان عند الطاهر
وطّار-ينظر في الموقع: WWW.OFOUQ.COM/TODAY/MODULES.PHP? NAME=NEW&FILE=ARTICSLE&SID=2811 تاريخ الدخول
24.10.2005.
[37] رومان ياكوبسون: قضايا الشعرية-ترجمة
محمد الولي ومبارك حنون-الطبعة الأولى-دار توبقال-الدار البيضاء – المغرب.
[38] نريمان الماضي: العنوان في شعر عبد القادر
الجنابي –أطروحة مقدمة لنيل اللقب الثاني في الآداب – ينظر الموقع: http//elaph.com/Web/ElaphLibrary/2005/115872.html
[39] بسام موسى قطوس: سيمياء العنوان-الطبعة
الأولى - من منشورات وزارة الثقافة- عمان
الأردن – 2001 - ص 51
[40] الطيب بودربالة: قراءة في كتاب سيمياء العنوان
للدكتور بسام قطوس- ضمن محاضرات الملتقى الوطني الثاني – السيمياء والنص
الادبي- منشورات الجامعة- قسم الادب العربي-ة بسكرة – الجزائر- 15-16 ابريل عام
2000- ص 24.
[41] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025 – ص 14.
[42] سعيد بحيري: علم لغة
النص-المفاهيم والاتجاهات – مكتبة لبنان ناشرون-لونجمان-الطبعة الأولى
-1977-بيروت-ص 108.
[43] سعيد بحيري: علم لغة
النص-المفاهيم والاتجاهات – مكتبة لبنان ناشرون-لونجمان-الطبعة الأولى
-1977-بيروت-ص 146.
[44] اسحق بن لبراهيم بن حسين
الفارابي (ت.350هجري) -معجم ديوان العرب-تحقيق احمد مختار عمر-مؤسسة دار
الشعب للصحافة والطباعة والنشر – القاهرة-2003-ج3-ص 280.
[45] محمد الأخضر الصبيحي: مدخل
إلى علم النص ومجالات تطبيقية-الدار العربية للعلوم ناشرون-منشورات الاختلاف-الطبعة
الأولى-2008-لبنان-ص 80
[46] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025 – ص 14.
[47] ابن فارس: معجم مقاييس
اللغة-تحقيق عبد السلام هارون-دار الفكر-(د.ط)- ج 3- 1929- الإسكندرية – مصر -
ص 137,
[48] احمد مختار عمر: معجم
اللغة العربية المعاصرة-الطبعة الأولى – -ج 2 –عالم الكتب-القاهرة -2008-ص
1037.
[49] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025 – ص 14.
[50] سعد عبد العزيز مصلوح: في
البلاغة العربية والأسلوبيات اللسانية-الطيعة 2 -آفاق جديدة-عالم الكتب –
القاهرة-2010-ص 227.
[51] براون ويول: تحليل
الخطاب-ترجمة وتعليق محمد لطفي الزليطني ود. منير التركي – النشر العلمي
والمطابع – جامعة الملك سعود – 1997-الرياض-ص 37.
[52] روبرت دي بوجراند: النص
والخطاب والإجراء-ترجمة تمام حيان – الطبعة الأولى-دار عالم الكتب – القاهرة –
1998-ص 103-104.
[53] صبحي إبراهيم الفقي: علم
اللغة النصي بين النظرية والتطبيق-دراسة تطبيقية على السور المكية-طبعة أولى –
دار قباء – القاهرة – مصر -2000-ج 1-ص 33.
[54] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025 – ص 14.
[55] صلاح الدين صالح حسنين: الدلالة
والنحو-توزيع مكتبة الآداب – القاهرة-(د.ت) -ص 231.
[56] يوسف نور عوض: نظرية
النقد الأدبي الحديث-الطبعة الأولى – دار الأمان – القاهرة – مصر 1994-ص 102.
[57] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025 – ص 14.
[58] احمد عفيفي: نحو
النص-اتجاه جديد في الدرس النحوي-الطبعة الأولى-دار عالم الكتب -مكتبة الزهراء-الشرق-القاهرة
– مصر – 2011 -ص 81.
[59] سعيد حسن بحيري: علم
لغة النص المفاهيم والاتجاهات-الطبعة الأولى – مكتبة ناشرون لبنان-الشركة
المصرية العالمية للنشر – لونجمان-القاهرة –مصر-1997-ص 146.
[60] فؤاد مفيد نقارة: صياد
سمكة وصنارة-الطبعة الأولى-نادي حيفا الثقافي-دار الشامل للنشر والتوزيع –نابلس
فلسطين-2025 – ص 14.
[61] صبحي إبراهيم الفقي: علم
اللغة النصي بين النظرية والتطبيق-دراسة تطبيقية على السور المكية-طبعة أولى –
دار قباء – القاهرة – مصر -2000-ج 1-ص 33.
[62] الهام أبو غزاله وعلي
خليل احمد: مدخل إلى علم لغة النص-تطبيقات لنظرية روبرت دي بوجراند وولف
جانج ودريسلر-الطبعة الأولى – دار الكاتب -1993 – نابلس – فلسطين-ص33-34. -
[63] ابن قيم الجوزية: مدارج
السالكين-تحقيق وتعليق محمد المعتصم بالله البغدادي-الطبعة الثانية-دار الكتاب
العربي – بيروت-1994-ج 3 – ص 29-33.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق