الاثنين، 27 مارس 2023

على هامش روايتين جديدتين

 


على هامش روايتين جديدتين


تُعدُّ قصة العبريين في بلاد ما بين النهرين قصة ملحمية ومأساوية في آنٍ واحد في روايتي القصيرتين القادمة (ابن اليهودية) The jewess’ Son، كما في روايتي السابقة (يهودية من بلاد بابل) The Jewess of Babylonia، بذلت جهدي لإدراك ولإعادة خلق عملية القضاء على ما يُسمَّى بـ»الأقلية اليهودية» في العراق منذ أواسط القرن العشرين.
بالرغم من أن نقل العبريين إلى بلاد الرافدين (بالجملة، شعبًا كاملًا) قد حدث على نحو شمولي من ممتلكاتهم إلى بلاد الرافدين (بالجملة) قد حدث على نحو كامل من خلال نقل ممتلكاتهم كاملة من قبل الإمبراطور البابلي (الكلداني) «نبوخذ نصر» (مرة في عام597 ق.م. والمرة الثانية في عام 586 ق.م) قبل آلاف السنين، وذلك على سبيل تطبيعهم واستقرارهم على أرض «بلاد بابل»، إلا أن اليهود لم يستجيبوا للتغيرات الثقافية والدينية التي طرأت على أحوالهم وهم هناك عبر القرون، على عكس ما حدث للعديد من الجماعات والأقليات الإثنية والدينية التي مرَّت واستقرت هناك على تلك الأرض الخصيبة، ذلك أن اليهود حفظوا وحموا تراثهم وتقاليدهم الروحية بكل صلابة، بفضل كونهم أقلية مغلقة لا تتزاوج إلا بأفرادها من اليهود. وهذا لا يعني أن «اليهود البابليين» (كما عرفوا فيما بعد) كانوا أقلية «منعزلة» أو انعزالية بالمعنى الحرفي للفظين: فقد أسهموا في جميع الأنشطة المدنية للمجتمعات العراقية واشتركوا بها بفاعلية وغزارة، عبر مراحل التقدم ومراحل التراجع في التاريخ، ناهيك عن دورهم الرائد عبر الحقبة الذهبية للحضارة العربية الإسلامية (العصر العباسي) الأول والثاني (خصوصًا على عهدي الرشيد والمأمون). ولا تخلو قوائم الأطباء الكبار والعلماء والفيزياويين والكيمياويين والمترجمين من بين سواهم من المختصين بأسماء يهودية بارزة. هذه حقيقة لم تنتهِ عندذاك الحدِّ، فقد تواصلت أنشطتهم دون انقطاع حتى أوساط القرن العشرين، أي حتى تم تأسيس دولة إسرائيل، إذ استقطبت هذه الدولة «يهود الشتات» من جميع أرجاء العالم (ومنهم البابليون) ولم تزل.
أما المملكة الكاملة التي استأصلها نبوخذ نصر ونقلها (شعبًا وملوكًا وكهنةً) إلى بلاد بابل، فقد أخذت تستجيب لعوامل التفكك والتآكل عبر القرون، فأخذ يهود العراق بالانكماش عدديًّا، مستحيلين إلى «أقلية مجهرية» وذلك لعدَّة مسببات، ومنها الغزوات الأجنبية والتفرقة والحروب والأوبئة الفتَّاكة، من بين سواها من المسببات.
وتأسيسًا على تاريخهم الطويل والغني في العراق، لم يكن أغلب اليهود راغبين بالهجرة إلى إسرائيل، نظرًا لأحوالهم الطيبة في العراق. وعلى أغلب الظن، فقد دُفعوا إلى الهجرة دفعًا، بفعل الضغط المشترك الذي شكَّلته المنظمات الصهيونية العالمية، إضافة على تشريعات الحكومة العراقية القصيرة النظر آنذاك. في روايتيّ الخياليتين (باللغة الإنجليزية) الموسومة (يهودية من بلاد بابل The Jewess of Babylonia)، كما هي الحال في روايتي القادمة (ابن اليهودية The Jewess’ Son)، حاولت أن أسجل شيئًا من مقاساة ومعاناة شاب وشابة يهوديين من هؤلاء الذين استجابوا للبيئة الطاردة في مسقط رأسهم ببغداد، إذ وجدوا نفسيهما بداخلها خائفين خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
والحقُّ، فقد وضعت لروايتي القادمة عنوان: (مأساة ابن اليهودية)، إلا أن الطبيعة الرومانسية للقص، إضافة على نهايتها السعيدة أدَّتا إلى حذف لفظ «مأساة» من العنوان ليكون (ابن اليهودية) فقط، (The Jewess’ Son)!

أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق