السبت، 5 يونيو 2021

البلاغة في خطوات فوق جسد الصحراء بقلم : أ د مصطفى الضبع

 

قبل تقديم الدراسة بلاغة النص، هذا المدخل.




المدخل:

·     رائعة "خطوات فوق جسد الصحراء - مسرحة القصيدة العربية" فاقت كل التوقعات في الانتشار والإصدارات والكتابات النقدية والترجمة.

·     بعد صدور الطبعة الثامنة عن (دار النشر العربية) للأديب الصديق سهيل عيساوي وانتشار هذه الطبعة التي تحتوي على بعض المقالات للأساتذة من الداخل والأساتذة من العالم العربي... الدراسات والمقالات مستمرة تواكب هذا الإبداع بالاهتمام والنشر والكتابة.

·     مقدمة هنا دراسة في البلاغة لهذه الرائعة الإبداعية الأدبية.

·     (البروفيسور مصطفى ابراهيم الضبع / أستاذ البلاغة والنقد الأدبي في كلية دار العلوم جامعة الفيوم، جمهورية مصر العربية. وأستاذ البلاغة والنقد الأدبي في جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل في السعودية(

بلاغة النص

في

"خطوات فوق جسد الصحراء" للشاعر وهيب وهبة

                                                             أ.د. مصطفى الضبع

"تجنب المصادرة على القارئ" يكون المحظور الأول الذي يتحاشاه مقدم أي كتاب، كاتب التقديم، متوخيا الحرص على أن يفتح طرقا للعبور دون المصادرة على ما يمكن للمتلقي أن يكاشفه في النص، وما يمكن للنص أن يطرحه على متلقيه، لذا يكون عليه البدء من العمق دون السطح ومن العلامات المتفرقة جامعا شتاتها، ومن المساحات المغطاة بالمعاني التي قد تخفي وراءها أنساقا غائرة من المعاني، وفي الوقت الذي قد ينشغل فيه المتلقي بما هو منفرد من العلامات يستهدف الناقد الربط بين أشتات من العلامات المختلفة والمتنوعة في النص، وينشغل بما هو كائن وراء ما هو ظاهر.

تستهدف هذه السطور أن تحقق غرضا فنيا في المقام الأول: أن تشتبك مع النص عبر مجموعة من مداخله، مداخل القراءة المتنوعة التي تفرض نفسها على المتلقي طارحة مجموعة من الخيارات: قراءة النص وفق معطياته، قراءة النص وفق علاماته.

فكما أن البلاغة ليست بلاغة القصيدة بقدر ما هي بلاغة النص على تعدد أشكاله (الصورة، الموسيقى، الرسم التشكيلي، النكتة، الأغنية ....إلخ) فإن البلاغة ليست واحدة، وليست قديمة وإنما هي انفتاح يوازي انفتاح العالم وتعدد نصوصه: المقروءة والمسموعة والمرئية.

طوال الوقت تنتمي الصحراء إلى الجغرافيا، لكن الصحراء العربية تنتمي إلى الثقافة منطلقة من كونها لم تتوقف عن كونها مساحة عبور بقدر ما هي مساحة إقامة شكلت ثقافة الإنسان العربي الأول في شبه الجزيرة العربية، وحتى العربي الذي عاش قريبا من الأنهار (في مصر والعراق واليمن) فإنه لم يبتعد كثيرا عن الصحراء وإنما كانت المياه وسيلته للتغلب على الصحراء بوصفها قوة لها جانبها السلبي على الإنسان (البيداء – المهلكة)، والماء طاقة مقاومة لهذا الجانب السلبي، مما يجعل من الصحراء فعلا حياتيا، ومفردة من مفردات الكون الإنساني تجتمع مع غيرها لتشكل عالم النص الشعري.  

يجمع الشاعر الصحراء مع غيرها من مفردات الكون مما هيا بينها وبين الأجناس الأدبية، جامعا بين المفردات النصية والأجناس المعرفية:

"هُنا تَجِدُ الْقمرَ والْبحرَ والرَّمْلَ والصّحراءَ والتّاريخَ وقَدْ دَخَلَ الْواحِدُ في الْآخرِ حتَّى ضاعَتِ الْفُروقُ بينَ الشِّعرِ والنّثرِ بَيْنَ التّاريخِ والْجُغرافيا، بَيْنَ الْمَسرحِ والْقصّةِ وبَيْنَ الْواقعِ والْخيالِ"

والجمع يمثل علامة أولى على الاتساع، اتساع يسمح باستيعاب المفردات المتعددة فالصحراء جغرافيا تطرح مفهوم الاتساع على عالم التلقي مفسحة المجال لتصور قادر على جمع كل المفردات الكونية: القمر – الرمل – البحر – التاريخ – الشعر – النثر – الجغرافيا ....إلخ.

النص على طوله يمنح متلقيه روحا ملحمية تتناسب مع الاتساع النصي عبر مساحات التخييل المطروحة على الوعي، والروح الملحمية تتناسب مع تعدد المفردات من جهة ومع تنوعها من جهة أخرى للدرجة التي تكون فيها مساحة النص منطقة تلاقح بين هذه المفردات ينتج عنها مجموعة من التفاعلات القائمة على شبكة من العلاقات بينها، فمرة يعتمد التفاعل على العلاقة بين الشمس والصحراء، ومرة بين الصحراء والقمر، ومرة بين البحر والصحراء، ومرة بين البحر والقمر وهكذا في مجموعة من المتواليات التفاعلية غير النهائية، وهو ما يعتمد على قراءات متعددة لا حصر لها تعتمد على صيغتين أساسيتين:

-       التجاور: حيث الصورة أو السطر أو الجملة تجمع مجموعة من العناصر المتجاورة في سياق الفضاء، ومن ذلك قوله:

              "ويَسقُطُ رَمْلُ الْخليجِ عنْ جَسدي

تحتَ بَصَري تَسيرُ الْيَمامةُ

وتَستَوطِنُ بُرجَ الْحَمامِ

تخلعُ قميصَ نومِها وتفرُشُ ريشَها

وتنامُ بِسلامٍ..."

حيث الجملة النصية تتشكل من مجموعة من العلامات التي تجمعها صورة واحدة تترابط تفاصيلها بوصفها جملة واحدة، فالجملة التي تبدأ بالفعل "يسقط" لا تنتهي إلا مع شبه الجملة "بسلام"، و يتحقق الترابط بين المفردات المختلفة: الرمل – الخليج – الجسد - اليمامة – القميص .....إلخ منتجة قراءة لها طابعها الخاص القائم على تجاور المفردات النصية على مستوى الجملة النصية الصغرى القائمة على الروابط المنتجة تماسكها النصي،

-       التباعد: وهي قراءة قائمة على الجمع بين المتباعدات حيث يمكن للمتلقي التقاط مجموعة المفردات النصية المتواترة عبر النص، ومنها على سبيل المثال:

1-        البحر: بوصفه مفردة تتكرر سبعا وعشرين مرة.

2-        الصحراء: بوصفها مفردة تتكرر ثلاث عشرة مرة بعد العنوان.

3-        الماء: يتكرر ثلاث عشرة مرة.

4-        الشمس: تتكرر عشر مرات.

وغيرها من المفردات التي تشكل معجما نصيا، وتنتج بدورها قراءتين:

-       قراءة قائمة على تتبع المفردة نفسها عبر تواترها في النص.

-       قراءة قائمة على الجمع بين مجموعة مفردات أو مفردتين منها ربطا بينهما ومقارنة بين حضورهما، والطاقات النصية التي تطرحها كل منها.

إن المفردات على تعددها، واتساع مساحاتها تشكل مجموعة من البلاغات النصية فكل مفردة تنتج بلاغتها الخاصة، وكل مجموعة من مترابطة من المفردات تنتج بلاغتها الخاصة أيضا، وصورة من مثل هذه الصورة:

"كانَ الْقمرُ يتنزَّهُ في بُستانِ الْأرضِ

يُصْغي إلى أصواتِ أُغنياتِ الْمَاءِ 

تَموجُ تَندفِعُ تتدفّقُ في أبراجِ فَلَكِ الرَّغبةِ

ويُدَحْرِجُ نِصفَ الضّوْءِ

فوقَ غاباتِ الشّجرِ الْعالي

نِصفُ دوائرِ أشكالِ ألوانٍ لقوسِ قُزَح

تدورُ في نفسِ الْمكانِ

تَرسُمُ شَكلَ الْوطَنِ الْقائمِ بينَ الْبحرِ وبينَ الرّملِ...

تَرسُمُ خارِطةً على شَكلِ سِكّينٍ

صَنَعَتْ ذاتَ زَمَنٍ مَسكونٍ بِالْمَجْدِ 

إمبراطوريّةً عربيّةً"

تنطلق من مفردة تعتمد عليها اعتمادا كليا "القمر"، اعتماد يشكل مستويين من البلاغة:

-       بلاغة الصورة البلاغية التقليدية "الاستعارة" وهي استعارة ممتدة عبر مجموعة الأفعال التي يكون القمر فاعلها: يتنزه – يصغي – يدحرج ...إلخ، وتتولد منها صور أخرى تستمر على امتداد الصور المتداخلة التالية للصورة المؤسسة على القمر (تدور – ترسم).

-       بلاغة الاتصال عبر ما تنتجه الصور في تراكمها والمفردات في تواليها والعلامات في العلاقات القائمة بينها وقدرتها على تشكيل وعي المتلقي بما تحققه من دلالات تأسيسا على ما يطرحه القمر من معان ودلالات سواء ما تعمد فيه الدلالة على مرجعية القمر الثقافية في التراث العربي، أو ما يحققه من دلالة خاصة بالنص لا تبتعد كثيرا عن المرجعية وإنما تنضاف لها، فالقمر في طرحه معنى الجمال ودلالة التنويع الزمني لا تنتفي هذه المعاني وينضاف لها دلالة القمر الزمنية المطروحة في النص وكذلك دلالة الاستعارة التي تعد توظيفا خاصا بالنص، حيث القمر خارج النص لا يمتلك الطاقة الاستعارية الكائنة في النص وليس كل قمر في النص استعارة، كما أن كل قمر خارج النص ليس كذلك، والنص في توظيفه الطاقة الدلالية للقمر يعتمده وسيلة إضاءة للعالم المتخيل وهو ما يمكن إدراكه حين تخلو الصورة منه (القمر) أو تبقى هناك في عمق الصورة قائمة بوظائفها الدلالية.

السردية:

قريبا من الروح الملحمية، وتشكيلا لنسيج النص فيما يطرحه من علاقات بين تفاصيله، تفرض السردية وجودها النصي، دخولا في إنتاج الدلالة النصية، وتدشينا لبلاغة التلقي القائمة على روح السرد سواء في معناها القصصي في ارتباطه بأحداث ووقائع تشكل مجموعة من اللوحات السردية المتضمنة عناصر السرد التقليدية (حدث - زمان – مكان - شخصية)، أو في معناها الإحكامي حيث السرد يعني الإحكام وهي سمة نصية من سمات جودة النص وقدرته على تشكيل جماليات والتأثير في متلقيه عبر بلاغة الاتصال تلك التي تمنح النص مساحات من التشويق المتجدد بتجدد الصور وتواليها عبر النص في امتداده.

لقد استثمر النص طاقات السرد حيث يؤسسها على مجموعة من العلامات المتصلة بالوقائع التاريخي خارج النص، والنص حين يستقطب هذه العلامات يقيم سرديته عبر أسئلة منطقية يتساءلها المتلقي عن منطقية حلول العلامات في النص، تلك العلامات التي تنطلق من أول ظهور لها في النص:

"بَيْنَ يديْكَ الْآنَ... حريقٌ مِنْ حَطَبِ الْكلماتِ، في مَوْقدِ الشّمسِ الْحارقةِ السّاقطةِ، فوقَ أرضِ الْجزيرةِ الْعربيّةِ"

فتكون "الجزيرة العربية" العلامة الأولى ذات الصلة بواقع متحقق خارج النص يفرض وجوده النصي حين يحل فيه، وتتبعه علامات أخرى شبيهة تتوالى عبر النص وتتشكل من خمسة تصنيفات:

1-             الأمكنة: صنعاء – قصر غمدان ([1]) – اليمن – البحر الأحمر – المحيط الهادي – خليج العرب – خليج العقبة – الفرات – مكة - بئر زمزم – العراق – خليج عدن – طريق الهند – ديار نجد – الجنة – البحرين - سد مأرب - الربع الخالي - اليمامة – المحيط الأطلسي - الصين – الرافدين - وادي النيل - مدين – المغرب العربي - الداخلة – إسبانيا - الصحراء الغربية – عدن – فارس – العراق - بادية الشام – بحر الروم - بيت المقدس - الدار البيضاء يثرب – منى - عرفات – الحرم الشريف.

2-             الأزمنة: الجاهلية – السابع والعشرين من رمضان – ليلة الإسراء – عام الهجرة – يوم الجمعة.

3-             الأحداث: حجة الوداع – داحس والغبراء - حرب البسوس - التكوين – السفر.

4-             الأشياء: قوس قزح – سفر التكوين – قرنفلة – اللؤلؤ – المسك - الزعفران – الزئبق - الكيمياء – نحاس.

5-             الأشخاص: امرؤ القيس - طرفة بن العبد – تأبط شرا – سقراط – أرسطو – أفلاطون - النبي شعيب - عُديُّ بنُ ربيعةِ التّغلبيُّ – الشنفرى – بطليموس - سلمان الفارسي - قيس – هاجر- إسماعيل.

وهي عناصر تحقق عددا من الدلالات وتشارك في تقديم عدد من التأويلات التي تقوم بدورها على عدد من الأسس، التي تمثل فعلها النصي وتؤكد وظائفها في سياق النص:

-       مجرد ظهور العلامات تضع كل منها متلقيها في موقف من موقفين: معرفة العلامة ومرجعيتها وتاريخها فينطلق إلى دلالة وجودها النصي، عدم معرفة العلامة مما يعني توقف إدراك الدلالة المشروط بالمعرفة وهو ما يعني حركة واسعة للعلامة في دائرة التخيل تمنح النص قدرا كبيرا من حيويته وتجعل المتلقي في حالة من الحركة المستمرة حال التلقي.

-       العلاقات القائمة بين العناصر تمثل مساحة من القراءة التي تمثل مستوى أعمق من مجرد ظهورها محتفظة بمرجعيتها المشار إليها سابقا والتي تمثل سببا من أسباب حلولها في النص.

-       إحالتها إلى مرجعيات ثقافية زمانية ومكانية مختلفة فمجرد الجمع بين امرئ القيس ممثلا للثقافة العربية وأرسطو أو أفلاطون ممثلا للثقافة اليونانية فإنه تمثيل لعدد من الثقافات التي تنصهر في سياق النص الذي يكون بمثابة البوتقة التي تصلح لجمع هذه الرموز والعلامات المتعددة على اختلاف مرجعياتها.

-       حين تحل الشخصية في النص فإنها لا تحل منسلخة من مرجعيتها أو من سياقها الواقعي السابق وجودا على وجود النص وإنما هي تحل محملة بمجالها الحيوي فلا يمكنك الفصل بين قيس وليلى أو بين قيس وشاعريته أو بينه وبين شعره مما يجعله محتفظا بوظيفته السابقة وحالا في النص بمجاله الحيوي ذي الصبغة الواقعية.

-       حين تحل الأحداث فإنها لا تنسلخ من زمانها ومكانها وارتباطها بثقافتها الأصيلة، حرب البسوس على سبيل المثال لا تنفصل على سياقها الزمني والمكاني والثقافي بوصفها حدثا ينتمي إلى الثقافة العربية وهو ما ينطبق على بقية الأحداث في كونها تحل في النص محملة بمجالها الحيوي الأصيل.

-       كما أنها وسعت من أفق التلقي فإنها حققت قدرا من التحديد المانع لخروج النص إلى مساحة من التهويم في الخيال دون تحديد من شأنه أن يمد أفق التلقي إلى منطقة الوعي بالأشياء وليس لمجرد الانطلاق في الخيال المفضي إلى التيه، فإن الصورة حين تتأسس أو تعتمد على علامة واقعية من شأنها أن تحقق قدرا من تأمين التنظيم لاستيعاب الصورة ممهدة الطريق للمتلقي إلى الوقوف على علامات ثابتة تحميه من الانزلاق إلى ما هو أبعد من مقصدية النص أو مستهدفات المبدع وما يتغياه من إنتاج الصورة معتمدا هذه العناصر دون غيرها.

-       تحقق الأشياء في اقترابها من حقل دلالي واحد أو وقوعها في مرجعية واحدة مساحة من مراعاة النظير بالمعنى البلاغي المعروف وهو ما يطرح مستوى جديدا من التلقي للعناصر في تجاورها وترابطها وطرحها للمزيد من دلالاتها.

-       إعادة إنتاج المعرفة النصية عبر إعادة طرح المفردات التاريخية والأشخاص القادمين من أزمنة سابقة، وهو ما يوسع المجال الزمني للنص ويؤكد روح الملحمية فيه، ويتيح لمتلقيه فرصة التحرك عبر الزمن عبر عدد من زواياه، واحداثه ومقومات تقديمه وجمالياته سواء ما يخص عنصرا واحدا أو يخص مجموعة من العناصر المنتمية لأزمنة مختلفة وأمكنة متنوعة.

 

الشمس

تمثل الشمس ركنا من أركان الصحراء، كما تمثل واحدة من التيمات المكررة في الأدب الفلسطيني على مدار تاريخه ([2])، لا تغيب عن الإنتاج السردي كما لا تغيب عن الإنتاج الشعري على حد سواء، تتجدد وظيفتها عبر نصوص الأدب الفلسطيني شعره ونثره.

مؤكدا على ارتباط النص بمحيطه الثقافي والجمالي تأخذ الشمس موضعها من النص مشاركة في تشكيل جمالياته ووضع نظام بلاغته والكشف عن آفاقه المعرفية، ولا تكتفي العلامة اللغوية على الظهور مرة واحدة في بداية النص موصوفة بواحدة من صفاتها المؤثرة في البشر:

"بَيْنَ يديْكَ الْآنَ... حريقٌ مِنْ حَطَبِ الْكلماتِ، في مَوْقدِ الشّمسِ الْحارقةِ السّاقطةِ، فوقَ أرضِ الْجزيرةِ الْعربيّةِ".

وإنما يتكرر ظهورها في سياق النص عشر مرات تتخذ فيها عددا من المواضع ويترتب عليها عدد من الوظائف الدلالية، يغلب عليها وضعية الدخول في سبيكة المضاف والمضاف إليه فتكون مضافا إليه في ثمانية مواضع من العشرة: موقد الشمس - معابد الشمس - موسم الشمس - مجد الشمس – غصن الشمس – آلهة الشمس – غضب الشمس - قرص الشمس، وتتخذ موضع الخبر مرة (عباءتي الشمس)، وموضع الابتداء مرة (الشّمسُ هناك مَوقِدٌ "للْخبزِ الْعربيِّ")، وفي كل مرة تفرض الشمس حضورها الجمالي والدلالي ففي الوضع المتكرر، وضع سبيكة المضاف والمضاف إليه تمثل الشمس نقطة انتهاء أو هدف في حد ذاته كأن الرحلة تفضي إلى مكان محدد:

"صحراءُ...

امرأةٌ كالرّيحِ مكشوفةُ الْوجهِ

صَعِدتْ إلى مَعابدِ الشّمسِ

حتّى احترقتْ في مواقِدِ الشِّعرِ والْحَنينِ

وانخفضتْ حتّى لامَسَتْ جدائلَ الّليلِ

ومَغيبَ الْأُفُقِ..."

حيث المكان "معابد الشمس" مكان متحرك إليه تفضي إليه حركة الصعود بوصفها حركة لتجاوز المستوى العادي لحياة البشر وهي حركة في حد ذاتها تمثل حدثا ومكانا يكملان منظومة السرد بما يتطلب اكتمالها من عناصر لا قيام للسرد دونها مما يؤكد السردية أولا ويعمل على تمديد أفق التلقي ثانيا.

لقد لعبت الشمس دورها في إطار الملحمية فالشمس باتساعها وغمرها الكون ملحمة كونية نشطة تفرض نفسها لا بوصفها علامة زمنية وإنما بوصفها حدثا متكررا تقوم عليه الحياة، ويقوم عليه إدراك النص بصورة لها طبيعتها الخاصة حيث الشمس تمنح متلقي النص مساحة من الإضاءة للعالم المسرود والتفاصيل الدقيقة التي ما كان لها أن تتضح دونها.

نحن إزاء نص ثري بتفاصيله، متقن بقدرة كاتبه على إدارة مجرياته، وقدرة اللغة على التعبير عن مضامينه متعددة المستويات، نص لم يكتب بسهولة لذا فهو في حاجة لقدرات خاصة لمتلق يدرك أن الكتابة ليست إزجاء لوقت الفراغ بقدر ما هي تشغيل للوعي لتجاوز الفراغ.

(البروفيسور مصطفى ابراهيم الضبع / أستاذ البلاغة والنقد الأدبي في كلية دار العلوم جامعة الفيوم، جمهورية مصر العربية. وأستاذ البلاغة والنقد الأدبي في جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل في السعودية(

 

 



[1] - قصر في مدينة صنعاء اليمينة عده المؤرخون من عجائب الهندسة المعمارية ومن أقدم القصور الضخمة في العالم، توالي على سكناه عدد من الملوك من أبرزهم سيف بن ذي يزن.

[2] - على مستويي العنوان والمتن تحقق الشمس لشمس حضورها الواسع في الأدب الفلسطيني، ويكفي الإشارة لعدد من النصوص الروائية، منها على سبيل المثال:

- غسان كنفاني: رجال في الشمس- المركز الثقافي العربي – بيروت- ط2، 1980(صدرت في طبعتها الأولى عام 1963).

- عبد الله التايه: الذين يبحثون عن الشمس – وكالة أبو عرفة – القدس 1979.

- ليانة بدر: بوصلة من أجل عباد الشمس – دار ابن رشد بيروت 1979.

- نواف أبو الهيجاء: شمس الكرمل – بيروت 1979.

- سحر خليفة: عباد الشمس – لجنة الأبحاث – بير زيت – القدس 1980.

- بشرى أبو شرار: شمس – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2008. وللكاتبة رواية أخرى: أنشودة شمس – الهيئة العامة لقصور الثقافة – فرع ثقافة الإسكندرية 2009.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق