الأربعاء، 4 فبراير 2015

فكرة الجامعة العراقية / الأميركية ، بقلم البروفيسور محمد الدعمي

لنقطة الأكثر أهمية في سياق مقترحي المهم هذا تكمن في عنوانه “فكرة جامعة عراقية/أميركية”، أي أن هناك اختلافا جوهريا وكبيرا بين جامعة أميركية صرف، في بيروت أو السليمانية أو الإسكندرية أو القاهرة من ناحية، وبين تأسيس جامعة جديدة، لا أميركية خالصة ولا عراقية مجردة، بمعنى كونها جامعة تؤاصر بين ثقافتين متباينتين أو نظامين تربويين عاليين مختلفين مبعثهما مجتمعان وتاريخان متناقضان”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد أن تم الإحتلال الأميركي للعراق، ووضعت الحرب أوزارها، كتبت مقترحاً تربوياً مهماً بعنوان “فكرة الجامعة العراقية/الأميركية”، باللغة الإنجليزية، تم نشره في أحد المواقع الإلكترونية الأميركية آنذاك، إلا أني استذكرته وقمت بنشره بين الشخصيات المهتمة والوكالات المختصة قبل بضعة ايام، نظراً لضرورة ان تفيد تلك المرحلة التشكيلية من تاريخ العراق والعالم العربي العراق الحديث الذي كان دوماً سباقاً في حقول التربية والتعليم العالي منذ أواسط القرن الماضي عندما تأسست جامعة بغداد.
وإذا كان المقترح قد لقي استحساناً وأثار ملاحظة العديد ممن ارسلت نسخاً منه إليهم، فإنه قد أطلق سلسلة من التعليقات والآراء التي لم تكن تعي بدقة ظروف وبيئة كتابته وإشاعته بين سنتي 2003-2004. لذا توجب القاء الضوء على ابعاد الفكرة ثانية، بسبب إساءة فهمها وحرف تأويلها الآن بعد مرور أكثر من عقد عليها، وليس آنذاك.
النقطة الأكثر أهمية في سياق مقترحي المهم هذا تكمن في عنوانه “فكرة جامعة عراقية/أميركية”، أي أن هناك اختلافا جوهريا وكبيرا بين جامعة أميركية صرف، في بيروت أو السليمانية أو الإسكندرية أو القاهرة من ناحية، وبين تأسيس جامعة جديدة، لا أميركية خالصة ولا عراقية مجردة، بمعنى كونها جامعة تؤاصر بين ثقافتين متباينتين أو نظامين تربويين عاليين مختلفين مبعثهما مجتمعان وتاريخان متناقضان: التاريخ الأول (العراقي) هو تاريخ أقدم حضارة في العالم؛ والتاريخ الثاني (الأميركي) هو تاريخ أحدث حضارة في العالم. ولابد من أن مزجهما يؤول إلى شيء جديد، وربما مبتكر. زد على ذلك أني وضعت الفكرة إزاء تجربتين عراقيتين/أميركيتين ناجحتين، هما: (1) تجربة كلية بغداد؛ (2) تجربة جامعة الحكمة.
أما نقطة الإختلاف الثانية، فتكمن في الفروقات الكبيرة بين فتح “فروع” جامعات أميركية في هذه العاصمة أو تلك تلبية لأغراض معينة أو إشباعاً لأهداف بعينها، ذلك أن فرعاً لجامعة “هارفرد” في البصرة أو الموصل أو بغداد، لايمكن أن يسمو بالجامعة المنتظرة إلى مستوى جامعة شاملة تجمع كل الأنظمة العلمية والمعرفية في حزمة أكاديمية واحدة تحت مظلة ثقافتين متباينتين، العراقية (العربية، الإسلامية) والأميركية (المعولمة، والعلمانية). لابد لهذا المزج من إنتاج تفاعل فكري و”كيمياوي” مهم يقود الى معطيات من نوع جديد قد تضيء الطريق الصالحة للأكاديميات والأكاديميين العراقيين والأميركان في آن واحد على حد سواء.
إن فكرة جامعة جديدة، عراقية/أميركية، يمكن أن تخدم أغراضاً تصحيحية وتربوية مثلى، خاصة بعدما لمسناه من هبوط وتدني في الدراسات الجامعية، الأولية والعليا، في الجامعات العراقية. لذا يمكن لهذه الجامعة أن تشكل أنموذجاً تصحيحياً ومعيارياً ومثالياً يمكن أن يساعدنا في قياس الهبوط ودرجاته ويمكن أن يخدمنا عصا لضرب ذلك التراجع، أو مثالاً يمكن محاكاته في الجامعات العراقية التي تتكاثر اليوم بين المدن والقرى كما يتضاعف الفطر على سطح رطب. زد على ذلك كله أهمية مثل هذه الجامعة الفريدة بالنسبة لدول الشرق الأوسط المتوثبة لمشاريع أكاديمية واعدة تتواشج وخطط التنمية من هذا النمط الجديد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق