الجمعة، 10 يناير 2025

صدر حديثا : أسنان الحليب ، قصة للأديبة روان يوسفين






صدر حديثا عن دار سهيل عيساوي للطباعة والنشر ، قصة الأطفال ، بعنوان " أسنان الحليب " للأديبة  والمربية روان يوسفين ، رسومات الفنانة سعاد عمر ، مراجعة لغوية الدكتور فؤاد عزام ، تقع القصة في 32 صفحة من الحجم الكبير ، كتبت بلغة جميلة ،  وأسلوب مناسب الأطفال ، تتناول القصة موضوع أسنان الحليب ، وفقدانها لدى الأطفال والمشاعر التي تنتابهم .





 




الأربعاء، 1 يناير 2025

اتحاد المجرة مقال دارين المساعد كاتبة سعودية

 اتحاد المجرة

مقال





دارين المساعد

كاتبة سعودية

في طفولتي كنت أعيش في منزل  يكتفي بتغطية الغرف الخاصة بالسقوف ويمتد بقيته تحت السماء ، كان هذا سببا في تعلقي بها حيث كنت أشاهد كل ألوانها وتحولاتها . وفي ليلة ظهر جرم غريب سهرت مع والدي طوال الليل أراه يصلي ويتضرع لله بالدعاء ويسأله الخير ويطلبه المغفرة على أن لا يكون هذا من غضبه أو بادرة سخطه ، بقي هذا الحدث مجهولا  في ذهني ، ثم عرفت بعد البحث والقراءة لسنوات أن ما تخبرني به السماء هو ما يحدث على الأرض بأمر الله وحكمته وتقديره ، كأن فيها الحياة الحقيقية وأنا أعيش داخل انعكاسها الأرضي . 

قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ {الشورى:29}، 

أراد الله أن تجتمع دواب الأرض والسماء في نهاية هذا العام عند ظهور الأجسام المضيئة تماما كما رأيت مثلها في طفولتي والتي تبدو أشبه بالمسيٌرات أولا في ولاية. نيوجيرسي _ الولايات المتحدة الأميركية _ ثم ظهرت في نيويورك ويبدو أنها تنتقل بسلاسة حاملة رسالة من السماء إلى العالم .

اتحاد المجرة مصطلح يفسر تحالف بين الإنسانية ومخلوقات تشاركنا الحياة في أكوان أبعد هذا ماقالته وكالات الأنباء وتخبط الكونجرس في حقيقة وجوده أو نفيه ثم اكتفى المسؤولون بالقول أنها لا تشكل تهديدا مع أنها تحوم في سماءهم وتتخطى سيادتهم منذ الحادي عشر من نوفمبر وحتى الخامس عشر من ديسمبر 2024 ثم قرر القائد العسكري في ولاية نيوجرسي فرض حالة الطوارئ المحدودة لمعرفة الأسباب والحقائق . المقاطع المصورة للأهالي وثقت خروج المسيرات من البحر وعودتها إليها هل هذا يعني أن لها ثُّكْنَة على كوكبنا دون أن نعرف ؟  هل يعيشون معنا ؟ هل يتقدمون علينا ؟ هل تم التحالف المزعوم ؟ كل التساؤلات مطروحة والإجابات قيد التداول . 

لا يمكن نفي وجود مخلوقات في السماء لبل لا يمكن نفي أي احتمال أمام العلم والمعرفة حيث التكذيب هو وسيلة جهل واغلاق غير مقبولة في هذا الشأن ، كانت الحياة ضمن المادة والاهتمامات الدنيوية خلال القرون المنصرمة قد حجبت عن الوعي الجمعي قبول رسائل الأكوان الأخرى واكتفى المؤلفون بالحديث عنها في أفلام الخيال العلمي وأفلام الكرتون ، والمعرفة العميقة بها اقتصرت على نخبة العلماء والمفكرين . 

تقنيات مثل الهولوغرام والذكاء الاصطناعي كانت التفسير العام للمشهد من معظم الناس لكن التدليس والتزييف لم يعد ورقة رابحة حيث انفتحت العقول على الحقائق وقربت وسائل التواصل من الآراء وتناول المعلومات . 

أرى أن الأرض تتجه لتقارب فكري ومعرفي من أبعاد كونية أخرى وهذا بسبب نهضة التكنولوجية والتواصل وتمكن العامة من القبض على الحقائق والتحقق منها و قد يكون هذا تأثير لحركة فلكية تجلت هذا العام عندما انتقل كوكب بلوتو المدعو _ بالكوكب المظلم _  المؤثر بالهدم والتغيير والتحويل ثم البناء الجديد داخل الوعي الجمعي فانهدمت مفاهيم كانت محتكرة وبنيت أواصر متينة من التبادل المعرفي بين كل طبقات المجتمع ، وانتقاله البطيء واكتمال دورة مدتها مائتين وأربعين عاما  الى برج الدلو يعني أن البشر سينتقلون إلى مستوى وعي أكبر وآفاق أعلى وأعمق حيث يتبنى الدلو تأثيرات التواصل العبقري داخل كل إنسان ومن خلاله ترحب البشرية بكل معلومة وتقبل وجودها بمفهوم الإبداع والتطور . هذه التأثيرات هي التفسير الفلكي لما يحدث والتفسير الدولي منتظر من الجهات ذات العلاقة وعلى ضوء هذا وذاك نحن المفكرون وصناع الرأي لنا قول يخص كلا بعلمه ورأيه وأرى أننا في مرحلة انتقالية لبٌعد كوني جديد حيث تتميز الأبعاد الكونية بأنها مستويات مختلفة من الترددات والذبذبات تختلف عن بعضها بالطبائع والخصائص والقوانين .

الشاهد أن الأبعاد الاجتماعية انتهت نحن في بداية حقبة يتوحد بها الإنسان مع نفسه وخالقه ، مرحلة عميقة من التسليم لله عز وجل وقدرة عالية يكتشفها البشر داخل أنفسهم تتجلى بالاستغناء والانفراد بغية  التدبر في كل قوانين الإبداع المتاحة . 

نحن الآن نفهم حقيقة أن هذه الرحلة الأرضية فردية وأن التعلق بالأشياء والأشخاص تعطيل يحجًم من قوتنا ويستهلك تركيزنا وأن التواجد على الأرض هبة من الله تقتضي أن تكتب آثارك بمجد يليق بك لأن هذا استحقاقك وهذه مهمة روحك . 

ومني إلى كل مخلوقات الأكوان والمجرات ماعلمت منها ومالم أعلم : 

هذا الكون الفسيح يتسع لنا جميعا ، نحن في هذا البعد  الجديد لا نرفض ولا نستنكر ولا نقاتل    نحن نتعايش ونتشارك ونبني السلام ونسعى له . 

 . 

 


ياسمينات باسمة .. للكاتب الأديب زياد جيوسي بقلم الأديبة الأردنية: هيام فؤاد ضمرة

 



ياسمينات باسمة .. للكاتب الأديب زياد جيوسي

بقلم الأديبة الأردنية: هيام فؤاد ضمرة

 

   حتى تفهم استراتيجية الكاتب في قدراته للوصول إلى عقل المتلقي وذائقته، فإنه يحتاج بطبيعة الأمر إلى استخدام عدة طرق للاستحواذ على اهتمام المتلقي وخطفه من ذاته، بدءًا من بوابة المنجز ممثلاً بعنوانه الجاذب، ومعناه الذي يتيح للمتلقي سبر غور محتواه، وهو يجمع لغتين من لغات التأثير على المتلقي، لغة زهر الياسمين العَطِر الناشر للشذى المنعش، ولغة الابتسام التي تعد لغة التوادد والتقارب العالمية، مروراً إلى متن الكتاب الذي تم تشكيله بشكل فصول، مُنحت هي الأخرى مفاتيح وبوابات لعبورها، ومن ثم تلج المحتوى بخطوة الثبات وما يتداخل فيه من فنيات الكتابة الوجدانية التي لجأ إليها زياد جيوسي واختارها عن صميم قصد، لتكون للمتلقي مغترفاً في الوصول إلى ذائقته وغرْف مشاعر الإعجاب والتفاعل.

   أول ما تلتقط من وجدانيات الكاتب جيوسي ذلك العشق المنتمي للوطن وتضاريسه، فيتعامل معه على أنه المعشوقة التي يأتيها وإلتياعه يُسابقة بكلِّ الشوق واللهفة حاملاً بالأعطافِ مشاعر وِدَادِهِ وانفعالِهِ، ليرتمي في أحضانِها وَلِهاً بإحساسِ عاشق، ويُراقص مدينته (رام الله) بكلّ الحبَّ، وبكثير ودادٍ وشوق يتذاوَبُ مع مسيل المداد ليُسجِّل ياسميناته الباسمة، ولرام الله في ضمير ووجدان الكاتب جيوسي مشاعر خاصة، هي ليست موطئ قدم لزائرٍ عابر يزورها بين حينٍ وحين، بالنسبة له؛ هي عبق تاريخ، وذكرى، وحكايات، واشتعالات صِبا، واشتغالات باح لها بعشق الأماكن، ومزارات تنقلاته في أرجاءِ الوطن، فصارت جميعها معشوقاته العديدة، يمارس فيها ومعها غراميات عاشق وطن!

   وياسمينات باسمة.. هي همسات وجد؛ تُسجل يوميات الجيوسي وهو يمارس عشق اللحظات مع تضاريس الوطن، وقد لامسته منه مشاعر الوصال بأجمل خِصال، فراح يَبثهُ غزله وسحائب أشواقه، بحبٍّ يعبُرُ روحه كاليقين، ويتغلغل هوناً بخافقه كمعزوفة الحنين، كنقرات رشات الماء في الودق الخفيف، يرتدي مشاعراً دافئة بحشو رقيق ناعم، موجهاً إياها نحو لحظات التميز، بعمر الدقيقة والساعة والأيام حتى تقلب السنين، حنين الروح الذي ليس بعده احتمال حنين، كلّ شيء فيه يتمرد حنينا وأنيناً واشتياقاً بجنون عاشق ولهان، داهمته المشاعر في غفلة الغياب، لتقطف من روحه سنبلة المودة المثقلة نعيماً؛ بمنجل الاشتياق.. فيا له من اشتياق؟

   والجيوسي لا يكتفي بقدرته على مناجاة طيف الحبيبة وإفراغ ما في جعبته مما يعتمل داخله من الشوق والهيام، وإنما يجعلها في الجانب الآخر تناطقه الهوى، وتعبر هي الأخرى عن وجدانياتها وعما يجول في مكنونها، فتراه يسكب العبارات والتركيبات اللغوية الرومانسية بكثير مشاعر، فهو يُعايش الطيْف كما يُعايش الحقيقة، ويُناطق نفسه وطيْفه كما الحوار المجدي في الحالة غير الافتراضية، فالطيف دوما في حالة اجتياح لروحه، يجتهد ليستحضر طيفه المُغرد عِشقاً كلّ حين، ويظلُّ عبق الياسمين هو سِحر تلك المشاعر الفياضة المتبادلة، فيرى طيفه الأسطوري ملكة خارقة الجمال مكتملة الأوصاف تفيض بالأنوثة، فيما يرى نفسه أميرها المتيم الهائم بها عشقاً ودلاً.

   وللقهوة في ميزان الكاتب جيوسي قدر عالي من الأهمية، رفيقته التي لا تغيب عندما يتلألأ أكسير الانسكاب من كأس الحروف، ولا تقوى نفسه عنها مغارب الغياب، نبيذ صباحاته ومساءاته وكل وقت تغبطهُ في سلواها الأزمان، لدرجة أنه كثيراً ما يَصفها في كتابهِ على أنها من مُكملات لحظات السعادة حين تلتحف روحه ببرزخ التعمد في دفئها، بل فيها يعثر على سر الحياة وفلسفة الرؤى في آفاق البهجة، من شأنها أن ترفع منسوب جودة المزاج، بحيث تمنح اللحظة طعم البهاء والرومانسية، فلشربها هي الأخرى طقوس وحكاية، تُسكبُ بموصلات الروح غدق الأنس، وسطوع الألق، وفخامة التمازج، وكأنها تفتح العقل لتلقي أبهة الإحساس باللحظة، حتى أننا نستشعره يحصي عدد النبضات في شريان الطيف المتوهج بالإحساس.

تكرار مصطلح التحليق عند الجيوسي دلالة واضحة على ما ترسخ في يقين الكاتب من سمو المكانة التي يرغب الارتفاع إليها مع محبوبته، والتي يواصل الهمة في بثها لوعاته وهمساته ونبضات خافقه، كما يستمر في تبليغها كلّ ما شابَهُ من لوعات، وما غنمت في روحه منْ مكانةٍ سامية، فالروح لها ظمأى، ولحبها عطشى، ولودادِها يُعايش الحلم مستجدياً وصلها كل حين، وهو يحمل بين جنباته قلباً مدججاً  بالرفاه والحب والحنين.

   وكذلك تكرار وصف الأماكن والأشياء بالكرمية عند الجيوسي لهي دلالة على ربط هذه الأشياء بجمالية معرشات الكروم وعنبها العسلي يتدلى كقطوف المجوهرات المتلألئة التي تمثل للكاتب منتهى الخير الوفير مع جمال الطبيعة الخضراء التي تلهب العقل بالإبداع والتفكير الايجابي، لأنها تعبئ النفس البشرية بالايجاب من الشعور، وتُريح النفس، وتُرخي الأعصاب.. كمثل: رُبى كرمية، ومدينة كرمية، ولحظات كرمية، وبستان كرمي، وساحرة كرمية، وغيرها كثير يتكئ عليها الكاتب في دلالته بالوصف لمنحها صفة وفرة الفيض، إذا الكرمية التي يعنيها الكاتب إن هي إلا لطائف ربانية في خلق الله العظيم للكون، وما يشتمل عليه من خير كثير وجمال فاخر.

   ولصومعة الكاتب موقع أثير في نفسه فهي مكان عيشه، وجلوسه، وأنسه، وشاهدة انسكباته، حيث يجد راحته بين أشيائه الخاصة، ووسائل اشباعاته العقلية الكامنة ككاتب وباحث وموثق، ففضاء الكاتب في الغالب يكون حيزه الأثير الذي يوفر له كل أسباب تدفق ابداعاته، فهو وطنه الصغير ومحتواه الكبير حيث يعثر فيه على دالته مما يطمح الوصول إليه في عمله الكتابي، فالكاتب هنا يصف صومعته بكل وصف باتع مملوء بالنور والبخور، تكاد تنشده لروعته حتى الطيور، متجلياً بروائع ما تتجاذبه داخله تلويحات مشاعر الطلاوة، وتنتابة إلى عوالم طيفه العبور .

   ومن البداهة أن تتملك نفس الكاتب السعادة داخل صومعته، حيث يعثر في زواياها على قدراته في العمل الخلاق، غير منسلخ عن تراثه الموروث العريق، ورموزه التي تعيش في كنف وطن عزيز حبيب يئن تحت سطوة الاحتلال، وليلج ذاكرته القديمة والجديدة على حد سواء، يشهدها تتحرك معاه وترافقه كيفما اتجه، وعبق القرية يُعَشعِش في عقله وخياله وواقعه المُعاش، فهو يرى في قريتِهِ ودارِهِ القديمة خاتمة المطاف، ومحطته الأخيرة الزاخرة بالمحبة والأسرار.

    فالمبدعون بالعادة يميلون نحو التقوقع في زواياهم الأثيرة التي تفتح لهم بوابات الإبداع على مصراعيها، فالكاتب زياد جيوسي ليس ممن يترك الأشياء خلفه ولا يوليها اهتمامه، وإنما يمنحها فسحة من بحثه التاريخي في الأماكن القديمة والمتروكة دون توثيق لائق، تشده قرى بلاده ومدنها على ما احتوتها من أماكن هجرها أهلها وبانوها، وتركوا في زواياها قصصاً وأسراراً وأحداثاً جسام.

   فزياد جيوسي ممن هوى الوطن وأوفى إليه حقه، بأن منحة ما تبقى من عمره، ليوثق الأماكن بالصورة والخبر، فالكاتب يمتلك في مدادِهِ شُعباً من وجدانيات يلجها بثبات واثق الخُطى، ليس ليعيش عاطفة هوجاء يخطها بمداد الأشواق، بل ليجعلها مدخله إلى الهدف الأسمى والأجل.

   وكالعابر للضفة الأخرى للقلب تأتي الولادة بمخاض رحيم..ولادة حب منتظر سخي الاشتهاء، ولد ذات مساء يصهل به الشعر وتترنم به أوتار العزف والغناء، وإذا الروح تبرأ من كل الجراح، حين العمر يهديها شطراً من زمن السعادة، وإذا شرايين القلب تقطرُ شعورها وميضاً يُضيء سماء الوجود، ليختار كاتبنا أنْ يتبعَ نبض أحساسه بهذا العِشق الذي شقّ عن قلبه ظلمة الماضي، فليس مِنْ شيءٍ قادرٍ على أنْ يَسُدّ عنه أنفاس الحياة وهي تمنحه وعد الحُلم بعد طول صيام، وحين تتحقق الأحلام يضرب القلب طبول النصر في استعراض قصيدة (ساحرة الشفاه الكرمية) وأنوثة صارخة تنادي أنفاس عشقه لوطن يحلم به حراً طليقاً.

   هي واحة فرح مخضرة وجد نفسه يُحلّق بين أفنانها بشوق متلهف غير صبور؛ لطالما انتظرها، بل بحث عنها دون تعب ولا كلل، حتى الصخر نبش في جلمودِهِ وحفر ملامحها المتخيَّلة على صلادته، وكان القمر دوماً شاهدهُ يرقبُ لهفته ويتابع خطواته، فحين تبتسم له الحياة تشرق شمسه المضيئة بسطوع عجيب، فهل تراه ذلك المتسمر على حدس الروح على مذبح العشق العاصف، ليتطهر بابتسامة محبوبته من رحلة شتاته العصيبة؟..

   هي وحدها من تستطيع أنْ تروي ظمأه؛ وتعالجُ تشقق شفتيه، وهي الوحيدة التي لطالما تمنى أنْ يقف أمامها كالآلهة لينثني لها خشوعاً واعتمالاً، فيا لخالقٍ أبدَع في خلقها فجمَّل كل ما فيها حتى العُمق، إلى قاع روحها العابقة بسحر الخلود.. أتراها ولدتْ له ولأجله؟.. وانتظرت على مشارف سنينها العجاف لتقول لنفسها: نعم ها قد وصلت غيمة غيثي التي أبغي وأريد؟!

   وكلما تقدمتُ بالمطالعة في أعماق متن مؤلف الجيوسي، أجدني بلا سيطرة مني أتحول لطير محلّق في فضاءات ليست كأيِّ فضاءات، مفتوحة هي إلى ما لا نهاية في امتداد الضوء، أضواءٌ تناديك بصوتٍ حانٍ، وتشدك منْ تلابيبك أنْ أقبل وعانق دفء حروفي بفضولِ منْ يَنشدَ العُبور إلى تراتيل الوصال، لتجتاحك مشاعر مِنْ نور تُلهِبُ عقلك بغراميات عاشق، عشق مدينته رام الله بقدر عشق طيفه الأنثوي الذي راح يَسكبُ له الكثير مِنْ أفكاره وغزلياته وبوح ليله ونهاره، ومع مطلع كلّ نهار تجد عاشق رام الله؛ يفتحُ عيون يقظته على تفاصيل المدينة ليعانقها بوجدِ عاشقٍ ولهٍ، يُبعثِر أسفارهِ في فضاء المدينة، فنراه يتقلب بين عشقين مجنونين، عشق رام الله وعشق طيفه الأسطوري حتى لنكاد نسمع لنبض قلبه طرقاً عالياً يوقف رحيل الشمس من شروقها حتى غروبها ليُحملها رسائل وداده وانسكاباته، فكيف لعاشقٍ ولهٍ لا تأخذه ريشته إلى عرين التضاريس ليُمارس معها كتاباته مع بوح الذات للذات.

   لكنه لا يني يربط ذلك العشق المجنون بين حبين لا ثالث لهما إلا الوطن الأم الذي يستحوذ على كيانه حتى العمق، وأحلامه تعفر داخله بالرغبة الجامحة بتحريره وفك قيده، وإطلاق أجنحة طيره عبر فيافيه وسهوله وجباله ووديانه، ليستنشق هواءه وعبق أزهاره وأشجاره عله يلقى أنثاه التي لطالما انتظرها، وأخيراً وجدها في طيفه الملازم لحظات تدفق مشاعره.

   والجيوسي لا يخفي سره فهو يخبرنا أنّ معشوقته هي أنثى كنعانية فلسطينية الوشم، مهرة برية لم تروض بَعد، تطلقُ عطرها ياسميناً يعربش صدرها وقامتها، فيحرسها بروحه ووجدانه، ويطعمها هواه، ويشبعها بقبلاته، فقد اشتعل بعشقها واشتعلت بعشقه حتى تمازجا روحاً وحياة ومشاعر، ويجدُ أنّ القهوة التي تشاركه عشقه تمتزجُ على شفتيهما بطعم القبلة اللذيذة، وحكاياهما معاً في معاناة وطن استبدل مناضلوه البندقية بالعصا، وتقزموا ببطاقة انتماء لنظام احتلال، وبقليل من تسهيلات لا تصنع لهم حرية، ولا تمنحهم حتى حق انتماء حقيقي، يعيشان توجع وطن اغتُصب مرتين، مرة بقوة السلاح وأخرى بسحر الوعود الهزيلة، والاتفاقيات المنحازة.

   والجيوسي يُحوِّل رؤياه مع أنثاه لحوار رومانسي متبادل بينه وبين المعشوقة التي ساكنته حياته، وأقامت معه في صومعتهِ الصغيرة أسفل المبنى الكبير، حيث وجد فيها عالمة المتخيل في أعماق شعوره، عثر فيها على حدائقه السرية التي أذهلت العشاق وتاهوا على أسوارها، فيبثها حبه لحظة أنْ يُطوِّقها بساعدية ويجول مجاهلها وهضابها ويغيب في أنحائها سياحته الأجمل.

   هذا العشق الساري عبر أوردته، الحب اللابد في أعماق نفسه الولهة، هذا العالم اللازوردي الذي يتحوطه ليس حلماً، ليس وهماً، إنه تدفق وجداني حقيقي، لا هي بالسيرة الذاتية، ولا هي بأساطير يتردد صداها في أعماق الذات لينتشلها هوناً، بل هي مشاعر شفافة متدفقة مبهرة الرؤية، ولسانٌ ناطقٌ يُترجمُ إحساس ونبض ووجد، هي مضاجعة حروف تجري رخوة سلسبيلاً لا تعترضها أي عقبات، تُسجِّلُ نبضاً، تسكبُ دفقاً، تُمارس رقصاً أثيرياً مُعبراً حالماً، يُحلّق من خلاله في ملكوت أحاسيس تُقبلُ كالموج المتلاحق لتذوي في نهاية المطاف بسكون وهدوء على رمل الشاطئ وتبلل خده بشوق من وصل منتهاه.

   فالعِشق عند زياد جيوسي حالة طفولة مُكتملة، يَتشبثُ من خلالِهِا بمفتاح الحياة ناشداً سعادته القصوى في بيت مكنونه، طفلٌ ما زال يحملُ في أعماقهِ الحنين لأنثى هي من تمنحه الحياة كما الأم الرؤوم، فالرجل لا يترك صدر أمه إلا ليعاوده ذات الحنين إياه من جديد، ليرتمي على صدر محبوبته فيعود في حضنها ذاك الطفل المُهاجر الذي ينشد مكمن أمن نفسه وراحتها، فيبثها غرامه وهيامه، ويَفردُ بين يديها سِقام ولعه واشتياقه وانسجامه، لينبثق في داخله ربيعاً يَفيضُ زهره في أعطاف روحه، ويُناثِرُ الطلح مع الريح لواقِحاً عِذاباً، ويموجُ الحِسُّ في لجة عقله وقلبه، ويفتحُ للنبض بصيرة عاشق يَخِرُّ في حضرة أنثاهُ مُسبحا خاشعاً، طفلٌ يتجلى بالعبادة ويُساكِنُ أمنه ومُناه.

   فاخلع نعليك أيها المتلقي ها هنا، واعبر إلى متن منجز زياد جيوسي بقدمك اليمنى، ولا تخشَ شيئا ولا تُبادرك  الأفكار المُسبقة، فستجد نفسك تدخل عرين عاشق وَلِه، يتماهى مع مشاعر جميلة تتدفق بانسياب جميل، وبأفكار يتجمل عزفها بكل نوتات الحس والذوق الجميل، حسٌ ينبض، ونبضٌ يعبق بأريج ربيع دائم تخال نفسك تلِجُ جنته المحفوفة بكلِّ الروعة والإثارة، وأنت موقن على أنك مقبلٌ على التمازج مع موجوداته.

   ولاستشهد هنا بعشق نزار قباني الذي حدد لنفسه القرار واتخذه بكل إصرار، وعمد إلى شروحاته متخذا لنفسه معها الحوار، على غرار كاتبنا هنا الأديب زياد جيوسي

إنّي عشِقْتُكِ.. واتَّخذْتُ قَرَاري

فلِمَنْ أُقدِّمُ - يا تُرى - أَعْذَاري

لا سلطةً في الحُبِّ.. تعلو سُلْطتي

فالرأيُ رأيي.. والخيارُ خِياري

هذه أحاسيسي.. فلا تتدخَّلي

أرجوكِ، بين البَحْرِ والبَحَّارِ..

ظلِّي على أرض الحياد.. فإنَّني

سأزيدُ إصراراً على إصرارِ

ماذا أَخافُ؟ أنا الشّرائعُ كلُّها

وأنا المحيطُ.. وأنتِ من أنهاري

وأنا النّساءُ، جَعَلْتُهُنَّ خواتماً

بأصابعي.. وكواكباً بِمَدَاري

خَلِّيكِ صامتةً.. ولا تتكلَّمي

فأنا أُديرُ مع النّساء حواري

وأنا الذي أُعطي مراسيمَ الهوى

للواقفاتِ أمامَ باب مَزاري

وأنا أُرتِّبُ دولتي.. وخرائطي

وأنا الذي أختارُ لونَ بحاري

وأنا أُقرِّرُ مَنْ سيدخُلُ جنَّتي

وأنا أُقرِّرُ منْ سيدخُلُ ناري





مهارات التفكير الإنساني

 مهارات التفكير الإنساني

مقال

دارين المساعد

كاتبة سعودية

 


 

 

من خلال قراءتي لكتاب ( بتفكيري أنا إنسان )  للكاتب المصري: حسين صبري  والذي يتناول الكتاب مهارات التفكير العليا للإنسان، وهي التفكير النقدي والإبداعي وصناعة القرار وحل المشكلات،خلصت إلى أنه..

لقد خلقنا الله بتكوين دماغي معقّد ليس فقط لأننا الكائن السامي في هذه الدنيا . بل لأننا خلفائه الموكلين بإعمار الأرض وبناءها . وهذا لا يكون إلا عندما نطرح الأسئلة بطريقة صحيحة وصحية . حيث نفعّل عمل الدماغ والتفكير والنتيجة تكون الاختراع والتطوير والابداع .علمياً التفكير يفسّر بأنه المعرفة المنظمة التي تنقل الإنسان من المجهول الى المعلوم . وبدونها يلجأ إلى التقليد والظن والخرافة والضلال والوهم والجهالات . 

عندما يتبلّد الدماغ ويستسهل الأفكار الجاهزة ويتقلب لوقت طويل داخل التبعيّة ومصفوفة الوعي الجمعي ينحدر الى مكانة حيوانية أو آلية لا تليق بالبشر وانسانيتهم . 

أن لا نتقبل الأفكار الجديدة بسهولة ونقاومها بشراسة هذا أسلوبنا في الدفاع عن الاستقرار ومناطق الراحة . وانفتاح العقل على الآراء والتجارب يطور مهارة التفكير ويعزز من أساليب الإنتاجية . ولكن ماذا يحتاج الإنسان ليغير من توجه دماغه المرتاح في الروتين الاجتماعي ونقله إلى مرحلة التفكير الصحيح وتكوين الرأي واختيار التوجّه والهدف !؟ 

الحقيقة الثابتة أن العقل نعمة متساوية بين البشر . لكن قدرتهم على توظيفه والاستفادة منه هي الحقيقة المجهولة . أن الغالبية العظمى من سكان الكرة الأرضية يعيشون ضمن المجموعات وبثقافة الاستئناس والتدجين حيث يقوم كل فرد بدوره ويرعى مصالح الآخرين دون وعي منه . وهذا هو مبدأ المجتمع . حتى التحرك والتنفس داخله يجب أن يتفق مع الآخرين ويتوافق مع أفكارهم وهذا لا ينفي أهمية النظام لكن يقلل من اهمية العقل البشري ويهدم الإنسانية ، إذن ما هو السلوك المُعبر عن الإنسانية إن لم يكن بناء المجتمعات ؟ . 

الأسئلة هي التي تحدد تفكيرك ومنهجيته ! قبعة التفكير تضع لك النقاط الأولى حيث ترسم بعدها الصورة كاملة وتتحرر من أمامك اللقطة من الضبابية والحقائق المفبركة . 

هذا يعني كيف تصيغ سؤالك الأول تبعاً للون قبعتك ! . تعلّم مهارة صياغة السؤال بمعرفة أي الألوان ترتدي ! هل تفكر بالعاطفة ، بالحيادية ، بالايجابية والتفاؤول، بالسلبية والنقد ، أما بالإبداع والتفكير المنطلق فوق الحدود . 

معرفتك بأي قبعة تسير وكيف تبدّل بينهم يدلك على أن التفكير مهارة قابلة للتعلم والاكتساب ، خاضعة للتدريب والممارسة . نستطيع الاستفادة من نتائجهاًً ، ومن خلالها تتطور إلى امتلاك الكثير من مهارات التفكير العليا . يقول ماسلو : الأعمال العظيمة بحاجة الى العمل الجاد والتدريب الطويل المتقن . المجتمعات ليست خيبات إلا إن عاش أفرادها داخل دائرة المقارنة وأنشأ

 كلاً منهم سياج مادي وأطاح بالسياج الأخلاقي . 

تساؤل آخر سأجيبك عليه يخص المعرفة والتعلم لأنك بالتأكيد شاهدت أشخاص على درجة علمية مرتفعة بدون مخزون لغوي ومهارات حوار وقدرة على توظيف المعلومات والسبب أنهم يعيشون ضمن الواقع المتتابع والمحدود لم يتم تقليب المعرفة في عقولهم بين مهارات التفكير للخروج بالفكرة الإبداعية . 

وتبعاً لمستويات التفكير يمكن الخروج بأفضل نتيجة عند معرفة الفروق بينها والذي يبدأ بالمستوى الحسي المعتمد على المراقبة والتحليل . أما المستوى التصوري يبني روابط بين المشاهدات والأحداث لخلق النتائج . والأخير هو المستوى المجرد الذي يصل بكل ما سبق الى المفاهيم والقناعات والقيم وتحديد الاتجاهات المساهمة البناءة في لاسعادك واسعاد من حولك . 

كن واعياً أن التفكير يتأثر بالميول والتوجه والعواطف ويتدخل كثيراً في النقاش والفهم وتحديد المواقف والأحكام تجاه الأشياء والأشخاص . وكلما كانت مهارتك أعلى استطعت توسيع نظرتك . لذلك لا تعتبر آراءك وآراء الآخرين حقائق وتقف عندها . الآراء متغيرة تبعاً للزمان والمكان . ارفع المشهد الى بُعد آخر حتى لا تختلط أفكارك بين الاستناد على حقيقة وعرض رأي ومناقشته ، ولا تبني الأحكام على رأي بل ابنيها على الحقائق لانك بذلك تجني معرفة علمية وتفكر ضمن قواعد وأصول . 

مثل أسلوب سقراط حيث كان يحدد ويتفق قبل المناقشة والتعلم على مفاهيم ومصطلحات اساسية يعتمد عليها أطراف الحوار لأن الاتفاق حول ماهية الشيء أول طرق تبادل التعلم والفائدة بين المتحاورين . تكوين الرأي يكون بتسمية الأشياء بمسمياتها . 

لا تلون القيم بمصطلحات زائفة كأن تسمي الكذب ذكاء أو الفساد خبرة اجتماعية او النفاق مجاملة .ويندرج تحت هذا البند أسلوب الكوميديا السوداء . يعني السخرية من المشاكل يترك لها طابع متعة وتسلية دون التفكير في حلّها كما يعم الشعور لدى الآخرين بأن هذا الحال واقع ومستدام ومقبول . 

الكوميديا ليست لغة لحل المشكلات وطرحها . وأضرار اعتمادها أسلوب مناقشة تسبب في تنويم شعوب كاملة على جروحها النازفة دون ألم ورغبة في العلاج . 

بقي أن أذكر أهمية العقل الباطن والواعي في تنشيط الأفكار لأن لهما سلطة واسعة في الدماغ . والترفيه المستمر الذي يعيشه الأفراد بحثاً عن التنفيس من زحمة الحياة يلقن العقل الواعي ويدوّن فيه كل سبل التبلّد والاسترخاء . وهذا يترك العقل الباطن في صراع مع الذكريات والمشاعر والصدمات . يخبئها أكثر ويحرص على دفنها في أعماق الإنسان حتى تترسب اوجاعها في جسده وعضلاته . ثم تتوالى الأمراض والشكاوى . ويكتشف المرفّه عقلياً بعد كل هذا الوقت أن سميّة الترفيه غيبت عقله وأفكاره . 

مهارة التفكير تصنع لك حاضر واعي ومستقبل ابداعي . أنت المتحكم الوحيد بكل هذا . وعند قوة عقلك تسقط كل قوة تؤخرك . التفكير سلوك انساني وعليك أن تعيش بحقيقتك الانسانية وليس كما تسيّرك الحياة . 

 

 

 


الفنانة ايمان حليحل ومعزوفة الألوان لجمهور مسرحيد

 


الفنانة ايمان حليحل ومعزوفة الألوان لجمهور مسرحيد








 

*على هامش مهرجان مسرحيد والذي سيفتتح في 25/12/2024 سيقام في أروقة المهرجان معرض للفن التشكيلي للفنانة إيمان حليحل، بعنوان "معزوفة الألوان".

الفنانة إيمان حليحل هي مرشدة مؤهلة للفنون التشكيلية وتساعد الطلاب والشبيبة بالتقدم نحو النجاح والاستمرارية بقدرة لغة الفن، وتمرر ورشات رسم وفنون للطلاب بالمدارس العربية وورشات للجيل الذهبي والشباب في ضائقة وتعمل على توجيه معلمين بموضوع" تمرير الدرس عن طريق اللعبة" وقد درست أيضًا تصميم الأزياء وموضوع الفن التصالحي.

وقد شاركت إيمان في العديد من المهرجانات المحلية والدولية، أبرزها مهرجان دهب الدولي بمصر ومهرجان العقبة بالأردن.

طرف الخيط سيكون في مهرجان مسرحيد عكا

 

طرف الخيط سيكون في مهرجان مسرحيد عكا












 

*من خلال مطاردة خياليـّة لرجل هارب من واقعه الغارق في العالم السفلي للعنف والجريمة والأتاوى، حيث يختبئ في مكان وهمي ويصادف أشخاص وهميين، يصحبونه إلى مصير مثير وغامض... صراع بين التفكير السلبي والايجابي لتحرير النفس من الأوهام والسعي نحو حياة أفضل.

هذا هو محور مسرحية "طرف الخيط" المشوقة والغامضة والتي تمزج بين الخيال والواقع، التي ستشارك في مهرجان مسرحيد ابتداء من 25/12/2024، في عكا القديمة، والمسرحية من إنتاج: مسرح سينما دراما، بإدارة عدنان ذياب/ طمرة، كتابة واعداد: عدنان دياب ومهند الشيخ خليل، إخراج: محمود أبو جازي، تمثيل: سعيد ذياب، شروق حجازي، مهند الشيخ خليل، سماح ياسين، سينوغرافيا وتنفيذ ديكور: مروان صباح، موسيقى: الياس غرزوزي، تصميم ملابس: صابرين حسون طافش، تصميم حركة: حلا سالم، تصميم إضاءة: نزار خمرة.

في مهرجان مسرحيد هناك أيضا تماثيل وكلاب

 


في مهرجان مسرحيد هناك أيضا تماثيل وكلاب

 

بعد نقاش يدور بين حارسين لتمثال الدكتاتوريـّة، ينهار التمثال فيطرد الحارس المتمرّد ويعين الحارس الموالي للدكتاتور، مفتـّش متسلط في السوق العام، ويعود الحارس الآخر للعمل كخياط في السوق، وهناك يحدث الصدام مرّة أخرى... ويتعرّض الحارس المتمرّد لعضة كلب... فنشاهد تحقيق مع بائع الصحف وبائع الملابس وفلاحة، حول صاحب الكلب، حينها نشاهد صورة جلية للتزلف لأصحاب المناصب... مؤامرة تحول الحارس الضحية إلى مطلوب القبض عليه... ونهاية غير متوقعة.

هذا هو محور مسرحية "تماثيل وكلاب" القادمة من مسح "سنابل" المقدسي، والتي ستشارك في مهرجان مسرحيد ابتداء من 25/12/2024 في مقر المهرجان المحاذي لبستان الباشا والمطل على مدينة عكا القديمة.

المسرحية من إعداد وإخراج: أحمد ابو سلعوم (عن مسرحية "القربان" للسوري أحمد إسماعيل)، تمثيل: عدنان أبو اسنينه، محمود أبو الشيخ، مايا نشاشيبي، نضال أبو احمد، أحمد أبو سلعوم، إضاءة: رمزي الشيخ قاسم، موسيقى: خالد المحتسب، إشراف عام: وائل أبو سلعوم.

 

 

همسات مع المشاعر والأحاسيس في صدى الصرخات بقلم: زياد جيوسي

 



 

   صدى الصرخات.. ديوان شعر للشاعرة سعاد بيكة الشاعرة المغربية الرقيقة وذات المشاعر الحساسة والرهيفة، صدر في المغرب في عام 2024 من 94 صفحة من القطع المتوسط، ولوحة غلاف من تصميم اوبحامو الحسين، تصور امرأة رسمت باللون الأسود وكأنها ظل لامرأة بدون أن يظهر أي من ملامحها وتحني رأسها للخلف وتصرخ، وهي تقف في منطقة لونها أشبه بلون الصحراء والأفق مع السماء باللون الأزرق الداكن ولا تظهر في الأفق إلا بعض الألوان الحمراء وكأنها نيران مشتعلة، والغلاف الأخير تعريف بصاحبة الكتاب وصورتها، والاهداء كان لوالدتها ووالدها وابنها، وعرفت الكاتبة على كتابها بمقدمة جميلة قالت في عبارة منها: "إذا لم أستطع أن أدهش القارئ بما أبدع بشكل عام فليس هناك شعر ولا زجل"، والكاتبة عرفتها من خلال ما كنت اقرأ لها على صفحتها في صفحات التواصل الاجتماعي، وكان يلفت نظري مدى حساسيتها واعتزازها بنفسها ورقتها في كلماتها، فجمعنا القلم عبر الفضاء الافتراضي وتبادل الملاحظات ووجهات النظر، وأسعدتني بطلب تقديم كتابها "صدى الصرخات"، ورغم الظروف التي نمر بها في فلسطين المحتلة وتعرضي لحالات صحية متعبة مع تغير الجو وسفري المتكرر، إلا أني وافقت على ذلك وشعرت بفرح وأنا أقرأ ما باحت به روحها من نصوص نثيرة ممتعة وجميلة، وهذا ما يمكن أن نلاحظة في كافة نصوصها بدءًا من "برهة خاطفة" وصولا الى "خلخلة التمني"، فالكاتبة في شعرها النثري وما أسميه "نصوص نثيرة" حفلت بالفكرة والجمال.

    وفي هذا المقال سأمر على بعض نصوص الكتاب ومحاوره التي كتبت بها الكاتبة، فهناك فارق بين توطئة كتاب وبين قراءة نقدية من حيث الأسلوب ومساحة الكتابة لكل صفحات الكتاب من الغلاف للغلاف، وقبل ذلك أشير للعنوان فالصدى لغويا له معاني متعددة ولكن هنا يعيدنا العنوان للمعنى اللغوي الأقرب للعنوان وهو الصوت الذي يرتد اليك بمثل صوتك في الجبال، فهنا سنجد صرخات الشاعرة ترتد اليها وتسمعها هي وحدها، وهذا ما هو واضح في صورة الكتاب فالمرأة تقف في الفلاة وحدها وتصرخ ويرتد لها صدى الصرخات، فهل هناك من يسمع صرخاتها أو حتى صدى صرخاتها غيرها؟ هذا ما سنراه مع الشاعرة في ديوانها الشعري النثري الأول فلعلنا نسمع معها صدى الصرخات، حيث سنجد الشاعرة باحت بنصوصها في عدة محاور أساسية ومنها:

  الألم والحزن: وفي النص الأول في الكتاب "برهة خاطفة" سنجد كماً كبيراً من المشاعر الانسانية حيث أن هذه البرهة الخاطفة أتت ورحلت بسرعة لكنها تركت أثارها النفسية بقوة حيث تقول الكاتبة:"برهة خاطفة رحلت، وتركتني بكماء، صماء، أعاود تفاصيل الحكاية"، حيث نلاحظ مدى حساسية الشاعرة للألم ومشاعر الحزن بحيث أن اللحظة والبرهة الخاطفة التي قالت عنها في بداية النص: "برهة خاطفة، ذكرتني، أفاقت أوجاعي، بذكريات مؤلمة"، وهذا الألم والحزن يثير لدى القارئ تساؤلات عدة وأهمها: أليس في حياتها ذكريات سوى الحزن والألم ولا يوجد لحظات فرح تتذكرها فلا تتذكر سوى الألم؟ ويبقى هذا التذكر قائما حتى لو أن البرهة كانت خاطفة وسريعة ورحلت؟ وهذا الحزن ما تؤكده بقولها: "إنه الصبح، صبح بلا فجر، ويوم من يوميات، حزن معتاد"، ونرى الحزن يتجدد في نص "درب المستحيل" حين تبث ألمها وتقول: "فأحتار، حين يسكن الشوق، في درب المستحيل، ويكاد النبض يتوقف، وأنهار..".

   التمرد والاصرار: بينما في نصها "ضجة العبث" نجد مشاعر الاصرار تتجلى في النص بقوة ويليها المشاعر الانسانية حيث تقول: "وأحلام تنجز في وطن، المرارة، بعزم وإصرار"، ورغم المعاناة "وأحلام وردية ضائعة" نجدها في نهاية النص تتألق بمشاعر انسانية راقية تدلل على روحها وفكرها فتقول: "واتركيني في وطني المختار، وطن، كل الجنسيات فيه تذكر"،   بينما في نص "يا بحر" تؤنسن البحر وتتحدث اليه وتقول: "أنا شبيهتك يا بحر، ومثلك حين تثور"، وفي نص "سيدتي" وهو على الأغلب على لسان ذكر تقول: "ناضلي سيدتي، كسري القيود، تجاوزي القمع، والخوف، والتجاهل، لا تترددي"، ورغبتها في التغيير في نصها "عالمي المختلف".

   المجتمع ومشكلاته: حيث نجدها تعالج بعض القضايا الاجتماعية وهذا ما نجده في نص "ما بعد الصمت" والذي أوردته على لسان ذكر يخاطب امرأة: "ما بعد الصمت، قلت لها أحبكِ، تجاهلتني، واكتفت بالصمت"، فهو هنا يمارس ذكوريته ولا يحترم صمتها وموقفها حين تجاهلت تصريحه بالحب، ولم يقدر ولم يحترم أنها ربما مرتبطة  بمشاعرها بغيره، فلم ترد عليه ولم تناقشه فاعتبر موقفها عجرفة فقرر أن يثأر لذكورته وليس لرجولته فهذا ليس بسلوك رجل فيقول: "فأقسمت، أن أقتحم دربها"، وفي نصها "سراب مبعثر" سنرى فيه حالة من رؤيتها الأشياء كسراب مبعثر يختلف عن السراب الذي يراه السائر في الصحراء فيظنه ماء من البعيد وحين يقترب منه يجده وهما سببه انعكاس الشمس، فهنا ترسم لنا الشاعرة صورة عدة ولكنها تراها سراباً مبعثراً وقد تكون جوانب منها حقيقية وليست وهما، فهذه الصور التي تراها وتشعر بها تجعلها تتساءل بنصها: "الفضاء الحزين" بمشاعر صادقة أمام ما تراه  فتقول: "لكن، الى أين المسير، إلى البحر الهائج، أم إلى الغدير".

   وحين نتجول في النصوص نجد مشاعر مختلفة مثل رفض الواقع السلبي في نص "زمن العجز" حيث تقول بعد استعراض كل الصورة السلبية والمظلمة في المجتمع الذي يحيط بها: "أما أنا، فليس لي في دنيا الطغيان، كلمة ألقيها"، وفي نصها الجميل "رعشة قلب" تقول: "لكن الأرض تدور، وتدور، لذلك جعلت الدموع، مدادا، وريشتي رعشة قلبي، تكتب السطور"، وفي نص "غضب" تعري المجتمع بوصفها إياه: "زمن الصرخات، والعبودية، وقهر النفوس"، وتكمل تشريح المجتمع بنصها "ماذا عساني أكتب" بالقول: "أحلام في دروب القمع، تحتضر، ومن يوميات حزن، لا ينتهي، ماذا عساني أكتب"، بينما في نص "عبء مدمر" نجدها تتحدث عن الصراصير التي تملأ المجتمع في إشارة للفساد بينما تشير للورود التي تظهر فوق الكثبان الرملية في اشارة لقوى التغيير فتتساءل: "أتقتل الصراصير؟ أم تقطع أجنحتها؟"، وتواصل الحديث عن قضايا مجتمعية في نصوصها ومنها "الزمن الحزين" و"تخريب النفوس" و"أسدلوا الستائر" و"الخديعة"، لتختم عشقها في نص "خلخلة التمني" بقولها: "معا مجانين، على إيقاع العشق المعذب".

   الحب والعشق والفراق: والقارئ سيلاحظ هذه المشاعر الانسانية الراقية في العديد من النصوص، فنجدها في نص "حلاوة المجد" تعود من جديد للحديث على لسان ذكر يعشق المرأة فتقول: "تدللي يا سيدة النساء، واشربي من نخب الهوى، ما يكفيك" ، وتتألق بمشاعر الحب والعشق بنص ممتع الصور وهو نص "موطن العشق" فتقول فيه بعد أن وصفت مشاعر حبها الكبير بصور مرسومة بالكلمات: "عشقت فيكَ، ما لم تعرفه النساء، أتلذذ بسحر جنونك، وأمتطي بساط العشق، وفي أعماقك أنام، ولا أستفيق"، فتخيلوا معي كم هو حب وعشق رائع وصفته بهذه الكلمات والصور وعلى مساحة النص وليس هذه الشطرات فقطـ، وهذا العشق يتكرر أيضا في نص "بلاد الجنة"، ويشتد الحب في نص "تتوقف كلماتي"، ونجد عمق مشاعرها تجاه أمها في نص "أمي" وهي تخاطبها من خلال نص حافل بمشاعر المحبة للأم بالقول في مقطع منه: "يا قطرة الندى، ونور، به أبصر أمي".

   وتجدد سعاد بيكه الحديث عن العشق في نص "سلطان الهوى" فتقول: "فيا عاذلي، في العشق لا تسأل، وسجل حبي له، فيك للأزل"، بنما نراها في نص "حب عذري" تقول: "أعود من جديد، ليحملني الشوق والحب إليك، عبر الأنفاس كلها"، وفي نص "خليلي" يتجلى العشق بقولها: "ذاك الشرود، في حب فاتن مغري، مجنون، فأسكر أنا، بلذة العشق"، وفي نص "رعشة قلب" تقول: "ألا أنني عاشقة الدنيا، أهيم في بحر العشق، واللقاء"، ويستمر الحديث عن الحب والعشق في نصوص مختلفة منها: "ذكرني بإسمي" و"دمعتي" وبساط العشق" و"بَعدك"، بينما نص "الوطن المفقود" نجدها تنتقل للفراق فتقول: "كان حلما وألما لا ينسى، لقد كنت أحفر في أرض بور، لعلها تنبت شيئا"، وكذلك نرى الفراق في نصها "قدر محتم" بالقول: "سنفترق، من أجل غيرنا، ونحترق".

   الوطن: والوطن لم يفارق روح الشاعرة سواء وطنها الذي تعيش فيه أو الوطن المحتل البعيد أو معاناة الشعوب، فتقول في نص "عبء ثقيل": "هات لا تنسى أو أتناسى المشهد المثير، والمسيرات الحاشدة والتقصير، طوبى لشعب مناضل يخلق الأحداث، ويكمل المسير"، ونراها في نص "وطن العشق" تقول: "ما عهدت، أن للعشاق وطن، تجتمع فيه باقي، الأوطان"، وأيضا تعبر عن حب الوطن في نص "أرض الشهداء" حين تهمس: "وأداعب جبيني، بتربة الأرض الصامدة، فأغطيها، بأوراق الزعتر والزيتون، والبرتقال"، وفي نص "وطن الأحرار" كانت تحلم وتسعى إلى وطن: "لا تغرب فيه الشمس"، وتعلو بصوتها بمشاعر انسانية برفض التمييز العنصري ومعاداة أصحاب البشرة السوداء في نص "أفيون الشعوب" بالقول: "إنسان أنا، ولي حلم وقضية، أن تسقط معاداة السود".

   في النهاية سنرى أن كل نص نمر عليه في صدى الصرخات نجد مشاعر مختلفة وأفكار متنوعة تدلل على مدى رحابة أفق الكاتبة وحجم مشاعرها، ومثال لذلك نصها "رعشة قلب" ونصها "وطن العشق" ونصوص متعددة أخرى ومنها "أحلام مقيدة"، وهذه المشاعر والأحاسيس تتكرر في المحاور التي أشرت اليها وفي كافة النصوص ومما لفت نظري لجوء الشاعرة سعاد بيكه لتقمص شخصية الذكر في العديد من النصوص في كتابها، ورغم أن الديوان كان بحاجة لمراجعة بعض الأخطاء الطباعية التي سقطت سهوا، إلا أني وجدت أنها تبحث في قضايا مختلفة تشير لانصهارها بمحيطها وتجارب حياتية، فنلاحظ جمالية الصور الشعرية والتعابير العاطفية وجمالية التعبير، ومعاناة الانسان والألم والحزن ومشكلات المجتمع وعشق الوطن والحب والتمرد بأسلوب سهل يلامس الروح، وهنا سنلاحظ قدرة الشاعرة على البوح بمشاعرها والتمرد والإصرار في روحها، إضافة للوطن ومشكلات المجتمع والحب والعشق والفراق والألم والحزن، فقلمها وروحها تفاعلت مع ما حولها من بيئة ومجتمع، فعكست هذه الهموم وتمردت عليها، بأسلوب شعري حافل بالأحاسيس والمشاعر والعمق، بحيث لم تخل نصوصها من الاستعارات والتشبيهات بعيدا عن التعقيد مع المحافظة على سلاسة اللغة، ونلاحظ الثنائية في نصوصها، فهناك الحب وهناك الفقد، وهناك الألم وهناك الأمل، وهناك الفرح مقابل الحزن، والتمرد ورفض الخنوع وهذا ما نراه كمثال في نص "الوطن المفقود" حيث ترتفع نغمة الأنا والاعتزاز بالذات، والدعوة للتمرد والثورة في نص "سيدتي"، ويرتفع مستوى الحلم والرغبة في التغيير في نص "مساحة العشق"، والشاعرة من خلال انصهارها بمجتمعها أضفت على الديوان روح الانتماء، حيث ظهر بوضوح ارتباطها بجذورها ووطنها والقضية الفلسطينية إضافة للروح الإنسانية والتمرد على الظلم ورغبتها في التجديد، فكان ديوانها "صدى الصرخات" عبارة عن رواية لتجربة الشاعرة الحياتية والإنسانية من خلال شعر النثيرة، ومن خلال ما طرحته من أفكار وتساؤلات وما اسبغته على الديوان من أحاسيس ومشاعر.

"طولكرم 13/12/2024"