مدونة سهيل عيساوي الأدبية
مدونة الأديب سهيل ابراهيم عيساوي , تعنى بقضايا الأدب والفن والمسرح والثقافة والأدباء في العالم العربي والاصدارات الادبية ، أدب الأطفال ، النقد ، مقالات ، دراسات ، جوائز أدبية ، ورصد الحركة الأدبية المحلية .بامكانك ايها الكاتب اثراء المدونة بنتاجك الأدبي وأخبارك الثقافية ،من خلال مراسلتنا على البريد الالكتروني : sohelisawi@yahoo.com ص .ب 759 ، كفرمندا 1790700 ، هاتف نقال 0507362495 المواد المنشورة في المدونة لا تعبر بالضرورة عن راي صاحب المدونة
السبت، 10 مايو 2025
صدر حديثا ؛ نظرة مستقبلية لموضوع الرياضيات والموهبة في الوسط البدوي للدكتورة ميادة عرجان
يقع الكتاب في 166 صفحة من الحجم المتوسط ، طباعة قشيبة ، مراجعة لغوية الاستاذ رياض مخول ، يضم الكتاب عدة ابحاث ومقالات محكمة ، من مواضيع الدراسة ؛ تصور المعلمات البدويات لاستعمال الوسائل التكنولوجية في مهنتهن ، التعليم عن بعد والتدريس خلال جائحة الكورونا في المجتمع البدوي ، نظرة الآباء ومديري المدارس إلى الموهبة في المجتمع البدوي ، تأثير دمج الألعاب المحوسبة في تعليم الرياضيات على موقف الطلاب والمناخ الصفي .
الأربعاء، 7 مايو 2025
همسات على عتبات الذّاكرة لسعيد ياسين خواطر لاسعة ملتزمة د. نبيل طنّوس
همسات على عتبات الذّاكرة لسعيد ياسين
خواطر لاسعة ملتزمة
د. نبيل طنّوس
"الدّموع لا تستردّ الضّائعين
ولا المفقودين ولا تجترح المعجزات! كلّ دموع الأرض لا تستطيع أن تحمل زورقًا صغيرًا
يتّسع لأبوين يبحثان عن طفلهما المفقود". (غسّان كنفاني، من كتاب عائد إلى حيفا)
مدخل
الانتماء هو حاجة نفسيّة -اجتماعيّة مهمّة جدًّا وتشمل مجموعة من الحاجات
مثل المحبّة وقبول الآخرين والصّداقة والعلاقات الوجدانيّة مع شخص آخر، والحاجة
إلى أن يكون الفرد عضوًا في جماعة أوّليّة مثل الأسرة أو جماعات ثانويّة منظّمة،
ومن هنا تأتي ضرورة العمل على تنميّة الانتماء إلى شعب لوجود تنوّع في الشّعوب
وإلى وطن لوجود تنوّع في الأوطان. لتحقيق هذا يتوجّب العمل على إكساب النّاس معرفة لجغرافيّة بلادهم
وتاريخها وعاداتها وتقاليدها وتراثها، في الماضي القريب والبعيد. بمعنى،
"معرفة البلاد" هو واجب وطنيّ وقوميّ واجتماعيّ وأخلاقيّ وسياسيّ، وعلى
مؤسّسات المجتمع المختلفة القيام به بشكل عامّ والعائلة والمدرسة بشكل خاصٍّ. مسؤوليّتنا أكبر بكثير
ممّا نستطيع تقديره. كلّ هذا من منطلق: أن تحبّ بلادك عليك التّعرف إليها أوّلًا.
همسات على
عتبات الذّاكرة
الكاتب سعيد ياسين يعلن
أنّ نصوصه الأدبيّة هي: "همسات على عتبات الذّاكرة" ويعلن في الغلاف
الداخليّ أنّها "مشاكسات مع كلّ الجميلات الّتي نحبّ وعددها خمس مائة وثلاثون
وأربع".
مضمون الكتاب: 257 همسة، تفصل بين كلّ همسة وهمسة وردة وهمسة أخرى على الغلاف الخلفيّ وهي
تكرار جزئيّ للهمسة الثّانية (في عيدك أعترف، ص 16)، وتحتوي على سبع لوحات داخليّة، ولوحة غلاف أماميّ مُرفقة بنصّ أدبيّ وغلاف خلفيّ تزيّنه صورة الكاتب سعيد ياسين وهمسة
أدبيّة مرفقة بخارطة فلسطين. يحتوي الكتاب على إهداء المؤلف وعتبة بقلم الكاتب
سعيد نفّاع الأمين العامّ للاتحاد العامّ للكتاب الفلسطينيّين، الكرمل-48 ومقدّمة بقلم الشّاعر الإعلاميّ محمّد بكريّة.
نطلق على هذه الهمسات "خواطر أدبيّة".
الهمسة هي الخفاء أو الصّوت الخفيّ وتعتمد على جريان الهواء داخل الفم أكثر من
جريان الصّوت، بكلمات أخرى التّحدث بوشوشة وغالبًا ما تكون الهمسة للحفاظ على
مضمون الحديث ولإثارة الانتباه عند المستهدف.
لوحة الغلاف الأماميّة تحتوي على آلة الكمان
(الكمنجة) الموسيقيّة وفانوس وفردة حذاء لعامل أو لمحارب، فيها وردة ودرج يصعد إلى
غرفة بابها مُغلق. هذه رموز إيجابيّة: فالكمان يعني الموسيقى والفانوس مصدر النّور
والحذاء مع الوردة ترمز إلى أهميّة العمل أو إلى السّلام. يرافق هذه اللّوحة نصّ
أدبيّ فيه مسار الشّمس فوق فلسطين من النّهر إلى القدس إلى البحر. هذه تجعلنا نتوقّع
أنّنا أمام نصوص أدبيّة في مركزها فلسطين بكلّ ما تعنيه الكلمة: أناس، مجتمع،
تاريخ وجغرافية.
الغلاف
الخلفيّ صورة الكاتب مرفقة بنصّ أدبيّ يُبرز قرية حطّين المهجّرة في الجليل وهي
مرفقة لصورة المؤلّف لإبراز محبّته لها ولأخواتها القرى المهجّرة الأخرى، ويؤكّد ذلك
إرفاق خارطة فلسطين مع الغلاف.
الإهداء: يهدي الكاتب كتابه بكلّ محبّة إلى ابنته نداء، الابنة المُلْهمة وإلى كل
اللّاجئين الحالمين بعودتهم المَيْمُونة.
اللّوحات الدّاخليّة في المتن هي لوحات تحكي عن القضيّة الفلسطينيّة، عن التّهجير وعن الحلم
بالعودة والحريّة والحقّ في تقرير المصير.
الكاتب سعيد
نفّاع يشيد بخطابه بنصوص الكِتاب وبمؤلّفه خاصّة أنّها بعيدة عن نظريّة
"الفنّ للفنّ" الّتي اتّخذ منها الكثير من الكتَّاب أسلوبًا في كتاباتهم،
ويعلّل ذلك بقوله "نحن ما زلنا نعيش قضيّة وطنيّة وقضيّة قوميّة صاخبتين بكلّ
المعاني"، ويؤكّد أن سعيد ياسين في نصوصه الأدبيّة يحمل رسالة وطنيّة وقوميّة
وبعيدة جدًّا عن "طقع الحكي".
الشّاعر محمّد
بكريّة يشيد بالكاتب سعيد ياسين: عاشق الأرض والبلد فهو "الوطنيّ الأصيل، النّاشط
الاجتماعيّ، المولع بحبّ الإنسان، الطّافح بعشق الوطن". ويشيد بإنتاجه الأدبيّ
ككاتب متمرّس"
الهمسات:
خواطر أدبيّة
كَثُرت تسميات هذا
النوع الأدبيّ، مثل: البرقيّة، الومضة، المقطع، المشهد، الخاطرة وغيرها. اقترحنا
أعلاه تسميتها "خواطر أدبيّة". ما هي الخاطرة الأدبيّة؟ كيف تُكتب؟ ما
هي مكوناتها وصفاتها؟ هل الخواطر الأدبيّة في كتاب هذه الدراسة لها ميزات خاصّة
بها وتميّزها؟
الخاطرة الأدبيّة هي نصّ
نثريّ خفيف وبسيط يميل إلى اللّغة الشّعريّة، هي كتابة حرّة، لا تتقيّد بنظام صارم كما هو في الشّعر كما يقول ريفلين (1988، ص 62)
ويتميّز بذاتيّة كاتبه وبالأحاسيس العميقة الجميلة والوجدانيّات، وهي عبارة عن نصّ
قصير يتمحور حول الطّبيعة أو الحبّ، أو قضايا اجتماعيّة، أو سياسيّة أو
أيّة مواضيع أخرى، ويعبّر فيها الكاتب عن رؤيته وأحاسيسه وتجاربه الشّخصيّة.
بشكل عامّ، تعتبر الخاطرة الأدبيّة من الأنماط
الأدبيّة غير محدّدة الشّكل، إذ أنّها تكتب بمرونة وحرّيّة شديدة، ويمكن للكاتب أن
ينظّمها بالأسلوب المناسب ليعبّر عن فكرته.
يعيش الفرد في بيئة
معيّنة، في تأثير متبادل وتفاعل دائم: يفرح ويحزن، يربح ويخسر، يعفو ويغضب، يتقبّل
ويرفض، يصادق ويعادي، يقترب ويبتعد، مفعم بالحنين، والأشواق، يتفاعل مع الطّبيعة ويعيش
كلّ الحالات المذكورة وغيرها من الأمور وضدّها ويعمل على التّعبير عن كلّ ما يجول
في خاطره كتابيًّا ويسرد أفكاره ومشاعره بشكلٍ إبداعيّ خاص به. وأكثر الأنواع الأدبيّة شيوعًا هي الخاطرة.
يقول الكاتب والباحث
بولات جان، Polat Jan (2009): "الكتابة ضروريّة في حياة الإنسان فما
قولك إن كان الإنسان ثوريًّا" ويطرح أهمَّ الأسس في كتابة الخاطرة:
1.
العنوان: يجب أن يكون العنوان
قويًّا، قصيرًا، معبّرًا، مثيرًا للانتباه ومؤثّرًا في النّفوس ليضمن نجاح الخاطرة
أو إقبال القرّاء عليها. يجب أن يكون العنوان إيحاءً للبّ الخاطرة، أو مرآةً لما
في داخلها.
2.
الطّول: الخاطرة عادةً قصيرة
تتألف من ثلاث أو أربع فقرات أدبيّة.
3. الأسلوب: أسلوب الخاطرة یكون دائمًا مرتّبًا، أدبيًّا، یحمل مفردات راقية ومختصرة
وتعابير شاعريّة مؤثّرة. كما يجب أن تكون واضحة من حيث استخدام الكلمات المناسبة
والقويّة الّتي تعبّر عمّا نريده، لكن لا يجب أن يكون الوضوح تامًّا، فالوضوح التّامّ
مُنافٍ لأسلوب الخاطرة، فالوضوح التّامّ يقتل الدهشة ويشلّ الإثارة ويضعف التّفاعل
معها. فالوضوح التّامّ يحوِّل الخاطرة إلى مقال.
4. الوزن والقافية: الخاطرة الكلاسيكيّة كانت تُكتب مع قوافٍ وإيقاعات
وأوزان خاصّة أما الخاطرة الحديثة فلا تحمل أي وزن ولا قافية في نهاية الأسطر، بل
هي تعبير بسيط نرید منه توصيل ما نشعر به إلى الآخرين.
5. المغزى: المغزى هو الهدف الذي نعمل على إيصاله للقرّاء. حيث هنالك حركة وروح في
الكتابة المتسلسلة التي تستدرج القارئ إلى تعقّبها لإدراك مغزى الخاطرة ويعي هدفها
ويفكّ شيفراتها عندما يصل إلى نهاية الكتابة.
6. السّرد: الأسلوب السّرديّ الصّحيح في كتابة الخاطرة يكون كالتّالي: فعندما نريد
التّحدّث عن أنفسنا علينا استخدام ضمير المتكلّم (أنا)، أمّا عندما نريد التّحدّث
عن هموم وعواطف الآخرين فيجب استخدام ضمير الغائب (ذاك أو هو أو هي).
7. المواقف: لكل خاطرة موقف خاص بها، علينا وصف وتصوير هذا الموقف عبر جملة أو تعابير
مختصرة تجعل القارئ يرى بمخيّلته الموقف الوارد فيها.
8. التّناسق: التّناسق بين الخاطرة وبين فقراتها وأقسامها. التّرتيب والتّناسق والتّجانس
عوامل مهمّة جدًّا في نجاح الخاطرة وإظهار قوّتها الأدبيّة والسّرديّة. فالخاطرة
قصيرة لا تسمح لنا بالتّطرق إلى الكثير من الأمور والمواضيع، بل يجب أن يكون الخطّ
مستقيمًا وهادفًا لا نحيد عنه حتّى النّهاية. كذلك يجب إزالة كلّ الكلمات والجمل
المتكرّرة والتي لا تنفع الخاطرة في شيء. من الخطأ استخدام خدع الزّركشة وحشر
الكثير من الكلمات المنمّقة في الخاطرة معتقدين بأنّنا بذلك نُظهر قوّتنا وسعة
خزينتنا في التّعبير والمرادفات.
9. الرّموز والتّشبيهات الخياليّة: يجب أن نبتعد عن الكتابات الخشنة أو عديمة اللّون والنّكهة وقليلة المتعة
والإثارة. علينا استخدام التّشبيهات والأوصاف الشّاعريّة الّتي تضيف النّكهة الرّومانسيّة
والمحبّبة على كتابتنا. فليس شاعريًّا
إن قلنا "الفراشات تطير" فهذا تعبير واقعيّ ولا تشبيه فيه، وحينما نقول
بأن "عرائس الفجر الذّهبيّة كانت تمتطي صهوة أفراس النّور القادمة من
المشرق" فهنا نقصد إشعاعات الشّمس ساعة الفجر. فهنالك" قمرٌ يغنّي"،
"وزهورٌ حزينة" و" جبالٌ تصلّي للشّهيد"...الخ.
ما هي مكوّنات وصِفات
خواطر الكتاب؟ هل لها ميزات خاصّة بها؟ أين هي من أسس بولات؟
1.
العنوان: لم يُعْطِ الكاتب
عناوين لخواطره، ولكن لم نشعر بضرورة هذا، فكلّها تقع تحت العنوان الرّئيسيّ
للكتاب "همسات على عتبات الذّاكرة" وكأنّه يقصد أن لكلّ خاطرة عنوانًا
هو "همسة على عتبة الذاكرة 1" و"همسة على عتبة الذّاكرة 2" وهَكَذا دَوالَيْكَ.
2. الطّول: الخواطر قصيرة تتراوح بين خمسة أسطر حتّى ثمانية.
3. الأسلوب مرتّب والمفردات راقية، مختصرة وشاعريّة، تكثر فيها اللّغة المجازيّة
وتحتوي على الكثير من الاستعارات الصّعبة ويصعب أحيانًا فهمها، مثلًا: "شكرًا
لمرايا المراكب، ليتنا ما ركبنا المراكب" (ص 32). "وضوءُ الشّمسِ يصيرُ ستائرَ من الظّلام"(ص42). "لم تكن خطيئتي رصاصة في خاصرة
مهرك" (ص 57).
"يرهقني ألَمُكِ المنتشر كشذا الأقحوان بين خلاياي" (ص 98).
4. الوزن والقافية خواطر حديثة بدون وزن وقافية وهي ليست ضروريّة وفيها إيقاعات مناسبة
وجميلة لرومانسيّة التعابير.
5.
المغزى في بداية القراءة غير
واضح وذلك بسبب البنية الخاصّة للخواطر، بعد نهاية القراءة تتّضح الصّورة. البنية
الخاصّة والمميّزة للخواطر، كما يلي:
مثال على بنية الخاطرة من الكتاب ص 19
الرّسالة العامّة للمُخاطَب |
رحلتْ همساتُنا اللَّيلية، رحلتْ صباحاتُنا أمَّهاتُ البداياتِ. رحلتْ أيقونةُ الأبديَّاتِ، رحلتْ!!!!! غاليتي: هلْ تذكرينَ؟؟؟ رحلتْ كلُّ زغاريِد العصافير، وبقيتْ في القَلبِ فراشةٌ. وبقيَ في الرّوح شوقٌ للحيَاة وشظايا حلْمي بالفَرحِ. |
النّقطة الأساسيّة
(لسعة) بالفرنسيّة pointe main point |
أنا أحبُّ عكبرة وأخواتها |
في الكتاب "همسات على عتبات الذّاكرة" لسعيد ياسين تعتمد الخواطر جميعها على الخاتمة المفاجئة والّلاسعة (البوينتا pointe) وهي "تَحَوّل مفاجئ في
النّصّ الأدبيَ، عادةً عند النّهاية أو بالقرب منها. تظهر من خلال المعلومات الّتي
يتمّ إبرازها بواسطة الرّاوي. في أعقاب ظهورها يحدث تغيير في الفهم عند الرّاوي
وعند المتلقّي. في كثير من الأحيان، تؤدّي هذه الخاتمة إلى مفاجَأة لاسعة تُحدِث
تغييرًا في معنى المضمون، وعادة ما تكون مفارقة تؤدّي إلى إعادة قراءة النّصّ
ثانيةً، وكثيرًا ما يتمّ العثور على رموز وتلميحات وإشارات على طول النّصّ، ولكن
لم يتمّ في البداية فهمها بشكل صحيح" (تسيونيت دينا، 2003). وجدنا الكثير من الإشارات والتّلميحات الّتي تأخذنا إلى مغزى الكاتب ورسالته،
مثلًا: تكرار بعض التّعابير في الخواطر، وطن 45 مرة، العودة 26، الشّهيد 16، الغربة 12، الهجر 11، المنفى 7، "أنتِ الأرضُ" (ص 16)، "وبالَ صغيري على اتّفاقيّات أوسلو"، "وطني
الجريح" (ص 92)، "الطّنطورة"
(ص 94)، "رجل سياسة ...حلب...فحلب ... فضاؤُنا
العربيّ ... معذرة أطفال وشهداء حلب" (ص 95)، تحمّلتُ اليوم بقريةِ الشَّجرة المهجرة"،
"ذكرى شهداء آذار الأرض" (ص 143). وغيرها.
الخاتمة المفاجئة والّلاسعة في كلّ
الخواطر الأدبيّة في الكتاب هي "أنا أحبُّ ... وأخواتها" (اسم
البلد / الموقع بدلاً من النّقاط) في نهاية كلّ خواطر الكتاب ما عدا
الخاطرة في ص 52 وتكرارها
في ص 144 والّتي خصّص لها بوينتا (لسعة) خاصّة بها: "أنا أحبُّ الشّهداء ...
قناديل الطّريقِ" (ص 52)، و"أنا أحبُّ الشّهداء ... قناديل طريقِنا إلى المجد"(ص 144). هذه الخاتمة توضّح مغزى الكاتب.
6. الأسلوب السّرديّ مُتَخَيَّل كلعبة أدوار، فالكاتب يقوم بدور العاشق ويخاطب معشوقته بضمير
المتكلّم (أنا وأنتِ): اشتقتكِ، فخديني" (ص 16)، ما أجملك يا قلبي" (ص 21). أحيانًا يستثمر ضمير المخاطَبْ (أنتَ) عند
الحاجة، مثلًا: "انتظرني أيُّها الحلم". أحيانًا يخاطب بضمير الغائب
عندما يتحدّث بشكل عام ويقدّم النّصيحة، مثلًا: "تواضعوا في الحبّ حتّى لا
تفقدوه" (ص 15)، "السّائرون في خطوط متوازيّة لا يلتقون" (ص 18)، أحيانًا يستثمر ضمير الغائبة (هي): "رحلتْ
همساتنا اللّيليّة" (ص 19). أحيانًا يكون السّرد ذاتيًّا يخاطب فيه الرّاوي ذاته، مثلًا: "أنا
لا أحلم بغير مصالحة مع ألمي" (ص 96) "أعلم أنَّ القلوبَ وطنٌ للفراشات" (ص 126) كلّ هذا التّنوّع حسب الضّرورة.
7. الموقف: في القسم الأوّل من الخاطرة، ما أسميناه في
الرّسم "الرّسالة العامّة للمُخاطَب".
يعتقد المتلقّي
أنّه أمام خاطرة غزليّة والصّور متكرّرة في بعضها، ولكن يتّضح موقف
الكاتب في القسم الثّاني من الخاطرة، ما أسميناه " النّقطة الأساسيّة (اللّسعة)
بالفرنسيّة pointe وبالإنجليزيّة main point فمعشوقته المقصودة هي موقع مُهَجَّر. (قرية،
مدينة أو أيّ مكان فلسطينيّ).
8.
التّناسق: الخواطر متناسقة، فهي
مختصرة وتعابيرها جميلة ومثيرة على الرّغم من التّكرار في التّعابير الوجدانيّة والشّعريّة.
9.
الرّموز والتّشبيهات: الإشارات والتّلميحات
الّتي ذكرناها في البند الخامس أعلاه ضروريّة لفهم رسالة الكاتب، فهي تأخذنا إلى المغزى المقصود،
مثلًا: تكرار بعض التّعابير في الخواطر الّتي تحتوي على موتيفات خاصّة بالنّكبة، مثل: تهجير، منفى، عودة، شهيد
وغيرها.
المضامين الأدبيّة لخواطر الكتاب
الحقول الدّلاليّة
العالم اللّغوي دي سوسير هو أوّل من طرح نظريّة الحقول الدّلاليّة عندما
أشار إلى الرّوابط المتداخلة الموجودة بين كلمات، مثل: خاف وخشيَ وتوجّس، الّتي
ترتبط في حقل دلاليّ واحد هو حقل الخوف. وحسب مفهوم الحقول الدّلاليّة فإنّ
الكلمات تُدرج على هيئة مجموعات، تعبِّر كلّ مجموعة منها عن مجال مفاهيميّ يسمّى
ب"الحقل الدلالي"، وهذا الحقل يتأسّس على جمع الكلمات الّتي تكون لها
معانٍ متقاربة، ولها سمات دلاليّة مشتركة، توضع تحت لفظ عامّ يمكن أن يجمعها،
فيتطلّب تصنيف مجموعة من الكلمات في حقل إلى معرفة العلاقات الدّلاليّة الرّابطة بينها،
ويرى بعض الباحثين الّذين اهتمّوا بفكرة الحقول الدّلاليّة أنّ فهم معنى كلمة ما
يتطلّب معرفة مجموعة الكلمات المتّصلة بها دلاليًا، ذلك أنّ معاني الكلمات لا توجد
منعزلة في ذهن الإنسان بل مرتبطة بمجموعتها الدّلاليّة (سوسن قاسم، 2022) .
وجدنا في
كتاب "همسات على عتبات الذّاكرة" التّكرار التّقريبيّ التّالي في
الخواطر الأدبيّة في الكتاب:
الحبّ 418، الحياة 192، الشّوق 70، الوطن 45، الحنين 25، الانتظار 40، الذّاكرة 30، العودة 26، اللّقاء 75.
الموت 62، الرّحيل والسّفر 42، الغياب 35، الشّهيد 16، الفراق 13، الغربة 12، الهجر 11، المنفى 7.
حصلت الحياة والحبّ
والشّوق والحنين معًا على مكانة بارزة في المضامين وهذه تشير إلى اتّجاهات الكاتب
نحو الواقع. يعرف ألبورت الاتّجاه (Attitude)
بأنّه "حالة استعداد عقليّ عصبيّ يكتسبها الفرد عن طريق الخبرات الشّخصيّة"
وتفاعله مع البيئة من حوله، فهو يعيش مع أسرة وأصدقاء وجيران ومدرسة وطوائف عديدة
وبلد وبلدان مجاورة وشعوب ويسير في الشّارع ويقرأ الصّحف ويسمع ويشاهد الأحداث
والاخبار المحليّة والعالميّة وغيرها وهو يتفاعل معها كلّها وهي تؤدّي في نهاية
المطاف إلى تكوّن اتّجاهاته والّتي يقول عنها مورغان (يونس، 1995، ص 212) "هي محصّلة المعاني التي كوّنها الفرد
من خبراته السّابقة والّتي تميل بالسّلوك نحو موقف معيّن فربّما يكون معه أو
ضدّه". وتجدر الإشارة إلى أنّ للأسرة تأثيرًا كبيرًا في تكوين اتّجاهات
اطفالها وبما أنّ للفرد قدرة على التّعلّم فهو يثبّت ما تعلّمه أو يعدّله أو
يحسّنه أو يغيّره وكلّ ذلك حسب تفاعلاته مع من يلتقي بهم من أُناس وأحداث وغيرها.
من الجدير به أن نذكر بأنّ اتّجاهات الفرد تتكوّن من ثلاثة مركّبات حول كلّ أمر:
1. ماذا يفكّر عن ذلك الأمر وما هو رأيه.
2. كيف يشعر حوله.
3. كيف يتصرّف.
ردود فعل الأفراد قد
تكون تصرّفات أو أعمال أو تطوّع أو تبرّع أو نضال أو إبداع كتابيّ وغيرها. بالنّسبة
للكاتب تشهد له نصوصه على حقيقة أفكاره ومشاعره نحو مضمون المتن، ونحن، من منطلق
معرفتنا بالكاتب، نشهد له على واقع تداخله ومشاركته العمليّة بقضايا مجتمعه
الوطنيّة والسياسيّة.
لغة المناجاة Apostrophe
المناجاة هي الدّعاء
والتحدث إلى الله. وهي إخلاص
في الدّعاء، والتّقرّب إلى الله. تعتبر المناجاة
أعلى درجةً من الدّعاء. وفي الأدب هي مناجاة الحبيب وهي فكرة أدبيّة تتمحور حول
توجّه الكاتب نحو الحبيب في نصوصه الأدبيّة وخصوصًا في اللّغة الشّعريّة، يُعَبَّر
فيها الكاتب عن أحاسيسه تجاه الحبيب بطريقة مباشرة وشخصيّة. في المناجاة يوجد تركيز
على الاندماج والتّوحّد مع الحبيب، يعبِّر فيه الكاتب عن أنّ الحبيب هو جزء أساسيّ
من كيانه الذّاتيّ.
في كتاب "همسات
على عتبات الذّاكرة" يكثر الكاتب من استثمار التّعابير "غاليتي،
حبيبتي، أحبّك" عشرات المرّات وأكثر في مخاطبة الهدف، ويتماهى التّعبير
مناجاة مع كلمة "همسات" في اسم الكتاب، فالمناجاة هي مخاطبة أو توجّه أو
التفات هامس إلى الهدف.
اللّغة الشّعريّة
يقول سعيد نفّاع في مقدّمته
لكتاب سعيد ياسين: "لو أخذنا نصّ "ميعار" مثالًا، أليس هذا شعرًا
"ومن قاع الدّست"؟!
"عودي إليّ
فقصيدتي لم تكتمل بعدُ
وحروفي ظمأى لعذوبه
الهمس في عينيك
ودفء الحنين حين يثور
في صدرك الحنينُ
غاليتي!
لا تصدّقيني ... فأنا
أداعب كبرياء ألمي
وأنا لا أريدك أن تعودي
أنا أحبّك
"ميعار" وأخواتك" (بدلًا من "أنا أحبّ ميعار وأخواتها)
ونحن نقول: ألا ينطبق
هذا على قول الشّاعر الفرنسيّ بول فاليري (Paul Valéry):
"الشّعر هو التّردّد الدّائم بين النّغمة والمضمون، كما يعتقد، ويقول أيضًا الموسيقى
قبل كلّ شيء" (منور، 2024، ص 135).
الشّعر هو لغة منفصلة، أو على وجه التّحديد
هو لغة داخل اللّغة. الشّعر يعني أن تكتب قليلًا وتثير أفكارًا كثيرة، أن تثير
تعابيرك تداعيات للأفكار، أن تفاجئ وتدهش.
يستخدم الكاتب الكثير
من اللّغة الشّعريّة في خواطره، مثل الانزياحات اللّغويّة والتّشبيهات
والاستعارات، مثلًا: "أنت السَّماءُ دموعُها مطرٌ وابتساماتُها شلّالاتُ
أملٍ" (ص16).
"في سوريا تمطرُ
السَّماءُ نصرًا وحبًّا للحياةِ" (ص 29).
"حجراتُ قلبي
الأربعةُ حديقةُ أحلاميَ الأماميَّةِ" (ص 62).
"كأنَّكِ الحلمُ
قادمٌ على صهوةِ خيول سماويَّةٍ تُسابقُ الرّيحَ" (ص 132).
الخلاصة
قمنا في هذه الدّراسة
بعرض النّصوص الموازيّة: العنوان، الأغلفة، الإهداء، اللّوحات الدّاخليّة. وفي
المتن تطرّقنا إلى أسس الخاطرة الأدبيّة وقمنا بتشخيص خواطر الكتاب وفحص ميزاتها
ولغة المناجاة واللّغة الشّعريّة ووجدنا أنّ الكاتب استثمر في سرده اللّغة الشّاعريّة
المفعمة بالمجاز والتّشبيهات والاستعارات والصّور الشّعريّة الذّهنيّة.
يجدر بنا الإشارة إلى الجانب الوطنيّ والقوميّ إذ يعلن الكاتب محبّته للقرى وللمواقع
الفلسطينيّة المهجّرة كموتيفات هامّة للنّكبة ولم ينسَ "فضاءَنا العربيّ،
شهداء حلب وأهل حلب".
سعيد
محمد ياسين
مولود في مدينة عرّابة
البطّوف ويسكن فيها. معلّم ومربٍّ متقاعد، خرج من سلك التّعليم مبكّرًا لينتقل إلى
عالم الأشغال الحرّة والتّجارة. هو كاتب ملتزم وناشط سياسيّ واجتماعيّ، مهتمّ
بقضايا شعبه الوطنيّة والقوميّة. سعيد محمد ياسين نقابيّ مخضرم فهو "سكرتير
كتلة الجبهة في نقابة المعلّمين" وعضو إدارة في نقابة المعلّمين العامّة في
الدّولة ممثّلا لكتلته.
المصادر
بولات، جان. (2009). فنّ الخاطرة. في الحوار المتمدّن-العدد:
2809-24.10.2009 https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=189168#google_vignette
تسيونيت، دينا. (2003). البوينتا pointe
النّقطة الأساسيّة، معجم مصطلحات أدبيّة. مركز التّكنولوجيا التّربويّة. متاح.
(بالعبريّة).
ريڨلين، آشير. (1988). مصطلحات أدبيّة. مكتبة بوعاليم. تل
أبيب. (بالعبريّة).
قاسم، سوسن. (2022). الحقول الدّلاليّة. موقع موضوع، 13.10.2022. https://mawdoo3.com/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85
منور، دوري. (2024). بركة بابل. تأملات عن الشعر واللُّغَة.
إصدار هكيبوتس همؤحاد. بني براك. (بالعبريّة).
ياسين، سعيد. (2023). همسات على عتبات الذّاكرة. إصدار
دار الحديث. عسفيا.
يونس انتصار. (1995). السّلوك الإنسانيّ.
إصدار دار المعارف بمصر.