الاثنين، 3 نوفمبر 2014

من الممكن إلى المستحيل بقلم البروفيسور محمد الدعمي



أ.د. محمد الدعمي
” .. إذا كانت المتغيرات الإقليمية قد أطلقت العنان لمتوالية تغيرات، كانت أهمها هزائم العرب فيما يسمى بـ”الحروب العربية الفلسطينية”، من بين سواها من الارتطامات العسكرية، فإن المعضلة المعقدة الأكبر قد تمثلت بتفجر الثروات النفطية عبر الساحل الغربي للخليج العربي، إذ جسدت هذه الثروات آثارها في ظهور مشكلة معيقة حقة، هي مشكلة توزيع الثروات العربية.”
ـــــــــــــــــــــ
عندما وضع الزعماء العرب إمضاءاتهم على “بروتوكولات الإسكندرية”، خطوة أولى لتأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، لم تكن الوحدة العربية في منظورهم سوى حلم يتحقق، قاب قوسين أو أدنى. إلا انك إن سألت اليوم شاباً عربيًّا من أية نقطة من “الخليج الثائر” إلى “المحيط الهادر” عن شيء اسمه “الوحدة العربية”، فربما هو يضحك حد القهقهة باعتبار أنك إنسان “خفيف الدم”، غالباً ما تقدم الطرائف والمفاجآت.
كان ذلك قد حدث قبل تأسيس إسرائيل، إذ شارك ممثلون عن الأحزاب الفلسطينية في الإمضاء على البروتوكولات، إلا أن تأسيس إسرائيل بعد التاريخ أعلاه ببضع سنوات قد شكل العقبة الأولى على طريق الوحدة، فصارت “فلسطين” هي قضية العرب الأولى قد تم أول اجتماع لما سمي بـ “الجامعة العربية”، فعدت بيتاً للعرب، بمباركة بريطانيا.
وهكذا شببنا ثم شبنا ولم نر أثراً للوحدة العربية، فكانت تجارب الوحدة بين سوريا ومصر، والوحدة الثلاثية، بإضافة العراق محض إخفاق للرؤيا. ولم يزل ـ على الأقل بعض ـ آباؤنا يستذكرون الوحدتين أعلاه بوصفهما “استحواذاً” مصريًّا على ثروات سوريا والعراق، وهكذا، للأسف، برغم وجود عبد الناصر على رأسيهما!
وإذا كانت المتغيرات الإقليمية قد أطلقت العنان لمتوالية تغيرات، كانت أهمها هزائم العرب فيما يسمى بـ “الحروب العربية الفلسطينية”، من بين سواها من الارتطامات العسكرية، فإن المعضلة المعقدة الأكبر قد تمثلت بتفجر الثروات النفطية عبر الساحل الغربي للخليج العربي، إذ جسدت هذه الثروات آثارها في ظهور مشكلة معيقة حقة، هي مشكلة توزيع الثروات العربية. فإذا كنت تريد الوحدة القومية بصدق وإخلاص، عليك أن تضحي بجزء من ثرواتك الطبيعية لصالح مراكز كثافة سكانية كبيرة، تمتد بين مصر والمغرب، لأن الكلام لوحده لا يشبع من جوع.
وهكذا صار النفط العربي من العوائق الكأداء على طريق تحقق الوحدة. إلا ان الأمر لم يقف عند هذا الحد. فإذا كان نوري باشا السعيد (العراق) متسامحاً في هذا الموضوع مع زميله النحاس باشا (مصر)، فإن موضوع الثروات النفطية كان لم يزل موضوعاً ثانويًّا، لا أهمية له بقدر أهمية الكثافة السكانية. واستمرت هذه الحال حتى أمضى زعماء العراق ومصر وسوريا على الوحدة الثلاثية، بل وحتى بداية سلسلة وحدات العقيد الراحل القذافي الذي تأمل ضم جزر في البحر المتوسط ودول إفريقية سوداء للوحدة كذلك.
ومع هذا راح الحلم يتحول إلى كابوس، درجة أن عرب العراق منقسمون اليوم بين شيعة وسنة، وكذا الحال مع حرب سوريا وبلاد الشام عامة، ناهيك عن المصريين الذين راحوا يتخلون عن الحلم، بعد عبد الناصر، فبرزت نزعة القبطية المصرية، دليلاً إضافيًّا على أن مصر التي كان ينبغي أن تكون نواة الوحدة العربية على سنوات عبد الناصر، هي الأخرى تعاني من شيء من عدم الاتساق وغياب التجانس الداخلي. أما في المغرب العربي، اي بين ليبيا وتونس والمغرب، فقد ظهرت عقدة “البربر” الذين راحوا يسابقون مواطنيهم العرب في الشعور القومي بالانتماء إلى “أمة بربر”، لها لغة وثقافة خاصة بها. وكما فعل الكرد في شمالي العراق وسوريا، عندما طالبوا حكوماتهم باستثنائهم عن اي مشروع وحدة عربية، لأنهم ليسوا عرباً، يفعل الآن البربر الذين يطلبون بتجاوزهم عن اي مشروع من هذا النوع، باعتبار استقلالهم الثقافي واللغوي. بل إن ما حدث من تنابز بالألقاب وإساءات بين المصريين والجزائريين بسبب مباراة كرة قدم قبل مدة لدليل على أننا لم نبق من الوحدة سوى لفظة تشبه “طرفة ظريفة” وليس “طرفة بن العبد”!

                                                                                                عن صحيفة الوطن العمانية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق