أنَّ المطالعةَ هي عادةٌ تُكتَسبُ منذُ الصغرِ وتشكّلُ جزءاً من ثقافةِ الشعوبِ. فهي سِمةٌ من سماتِ الشعوبِ الأوروبية بشكلٍ عامٍّ، هم يقرأونَ في الميترو، وفي الباصِ، وفي الحديقةِ العامةِ، كما يرتادونَ المكتباتِ العامةَ المتواجدةَ في الأحياءِ وفي المقاهي فالكتابُ بمتناولِ الجميعِ. حبُّ المطالعةِ يولدُ في الأسرةِ، أولاً، ثم ينمو في المدرسةِ، لكي يصبحَ عادةً مكتسبةً كما قال جان جاك روسو في كتابِهِ "إميل" والذي نادى فيه بالاهتمامِ بالطفلِ والطفولةِ وأجمعَ الكلُّ بأن الطفلَ يحتاجُ إلى الكتابِ منذ نعومةِ أظفارِه، قبلَ تعلمِهِ القراءةَ والكتابةَ، فالكتابُ هو الحجرُ الأساسُ في خلقِ طفلٍ قارئٍ.
قرأت كتاب "دراسات في أدب الاطفال المحلي" للأديب سهيل ابراهيم عيساوي من كفر مندا الجليليّة – يحوي في طيّاته 135 صفحة ولوحة الغلاف للفنانة فيتا تنئيل ، وله إصدارات عديدة، منها قصص للأطفال (يارا ترسم حلما، احذر يا جدي، طاهر يتعثر بالشبكة العنكبوتية، بجانب أبي، الأميرة ميار وحبات الخوخ، الصياد والفانوس السحري، ثابت والريح العاتية، توبة الثعلب وغيرها)، ومنها أشعار (وتعود الأطيار إلى أوكارها، وتشرق أسطورة الإنسان، قصائد تغازل الشمس، عندما تصمت طيور الوطن وغيرها)، ومنها دراسات وأبحاث تاريخية (بين فكي التاريخ، ثورات فجرت صمت التاريخ الإسلامي، معارك فاصلة في التاريخ الإسلامي وغيرها) وكتابات نقديّة في هذا المجال.
يهدي الكاتب كتابه "إلى أطفال العالم الذين يرسمون الابتسامة العذبة على وجوه الكبار"!
وجدت قصصِ الكاتب سهيل عيساوي تحملُ رسالةً واضحةً غايتُها تربيةُ الطفلِ، تنميةُ القيَمِ، تحسيسُ الطفلِ بعالمِه وتحسيسُه بشخصيّتِه مراعيًا قدراتِهِ العقليّةِ وعمرِه الزمني ومراحلِ نموِّهِ، ميولُه ومواقفُه واتجاهاتُه معتمدًا على الحدثِ والشخصياتِ والحبكةِ واللغةِ والخاتمةِ.
نجحَ سهيل في قصصه بتوظيفِ الصورِ والرسوماتِ لنقلِ الرسالةِ للطفلِ المتلقّي، فهناكَ صورٌ ورسوماتٌ فارغةٌ لا يرافقُها أيُّ نصٍّ وهناك ما يرافقُها نصٌّ قصيرٌ جدًّا، فالطفلُ في مراحلِه الأولى يهتمُ بالصورةِ وينْشَدُّ اليها، فهي عبارةٌ عن خطابٍ منفتحٍ ومتعدّدِ القراءاتِ كالصورِ المتحرّكةِ، فللصورةِ ميزةٌ حاصةٌ بالنسبةِ الى النصِّ، فهي تنقلُ الرسالةَ فورًا حين أن الكلماتِ تتسلسلُ حسبَ نظامٍ محدّدٍ بينما تُظهرُ الصورةُ الرسالةَ منذ الوهلةِ الأولى.
استعملَ سهيل لغةً بسيطةً وسهلةً نسبيًّا وخاليةً في مجملِها من غريبِ اللفظِ، أحاديّةُ اللغة، اعتمدَ لغةً عربيّةً فصحى ذاتَ أصواتٍ متعدّدةٍ : الراوي، صوتُ الشخصياتِ وصوتُ الصورِ.
أما بالنسبةِ لدراساتِه في أدبِ الأطفالِ المحلّي : أُعجبتُ بوُجهتِه الدراسيّةِ النقديّةِ الموَجِّهَة الجريئة وكونِه لا ينتمي لمدرسةِ عُشّاق "الليلكة".
تطرّق سهيل لدورِ المرأةِ في أدبِ الأطفالِ المحلّي فانتقدَ بشدّةٍ النظرةَ النمطيّةَ المتكلّسةَ والمُتَقوقعةَ حولَ دورِ المرأةِ في مرآة أدبِ الأطفالِ ويثورُ على النظرةِ الدونيّةِ للأمِ/المرأةِ (قصّة "وحيد في البيت" لعواطف بصيص أبو حية، قصّة "القرد بعين إمّه غزال" لميسون أسدي، قصّة "بطاقة من أمي" لعليا أبو شميس)، يُصوّرُها أدباءُنا بأنها غيرُ مثقّفةٍ (قصّة "أنا ... معلمة أمي" لحنان جبيلي-عابد)، والأمُ الجيّدةُ هي الميّتةُ والغائبةُ (قصّة "عيد الأم" لزهير دعيم) .
نادى سهيل عبرَ كتاباتِه بتغييرِ دورِ المرأةِ في قصصِ الأطفالِ، الكتابةِ بصورةٍ إيجابيّةٍ عن دورِ المرأةِ، وإعطاءِ أسماءَ مؤنثةٍ أو مشتركةً للقصصِ فأغلبُها اليومَ يحملُ أسماءَ الذكورِ من الأطفالِ.
تطرّقَ سهيل للإعاقةِ وتقبُّلِ الآخرَ في أدبِ الأطفالِ المحلّي فنادى بتقبُّلِ الآخرَ المختلفَ، ودعم ذوي الاحتياجاتِ الخاصّةِ وطرْحِ الموضوعَ بجسارةٍ وبأسلوبٍ مُشوّقٍ دونَ الاختباءِ وراءَ الحيواناتِ وقصصِها.
كما تطرّقَ سهيل للتحرّشِ الجنسيِ في أدبِ الأطفالِ المحلّي فنادى بالتطرّقِ له وتدريس موضوعَ التربيةِ الجنسيّةِ من خلال أدبِ الأطفالِ وعدم إنكارِ الظاهرةِ والتهرّبِ من مواجهتِها ونادى بتسخيرِ الأدبِ المحلّي لخدمةِ الطفلِ وصقلِ شخصيّتِه في مواجهةِ الحياةِ بحلوِهَا ومُرِّها وهناك حاجةٌ ماسّةٌ لتأليفِ ونشرِ قصصٍ جديدةٍ تتناولُ الموضوعَ بطرقٍ جديدةٍ ومبتكرةٍ.
كما تطرّق سهيل لافتقارِ أدبِ الأطفالِ المحلّي للخيالِ العلمي فنادى بتكثيفِ الكتابةِ في هذا المجال بدلًا من اجترارِ وتكرارِ مواضيعَ وصل بها الطفلُ الى حدَّ الاشباعِ، هذا الطفلُ المتعطّشُ الى هذا اللونِ الأدبيِ الجميلِ والمثيرِ، إضافةً الى القيمةِ الأدبيّةِ والعلميّةِ والفكريّةِ خاصّةً لما يدورُ حولَه عبرَ شاشةِ التلفزيون أو الشبكةِ العنكبوتيّةِ.
أوصي بالالتزام باللغة العربية الفصحى في الخطاب المقروء والمسموع لأن الطفل العربي يفهم هذه اللغة وإن لم يكن قادراً على إنتاجها كي يذوّتها ولا نسلبه لغته ونشوّش أفكاره.
وأخيرًا أضمُّ صوتي لصوتِ سهيل بأنَّ أدبَ الأطفالِ رسالةٌ وأمانةٌ، فالقصصُ تعلّمُ الطفلَ فنَّ الاصغاءِ والتركيزِ والتعرُّفِ والتمتّعِ بلغةِ الأمِّ التي هي بمثابةِ ركيزةٍ قويّةٍ تُشكّلُ عمقًا إنسانيًا وتربويًّا وثقافيًّا وإرثًا حضاريًّا للطفلِ وجزءٍ من هُويّتِه وشخصيّتِه وبطاقةٍ لدخولِه عالمِ المعرفةِ والنجاحِ والتفوّقِ والتميُّزِ.
وأنهي بمقولةِ جون بول سارتر :"إن الكتابَ, وهو مُلقى على الرفِّ، أشبه بالجسمِ الميّتِ، تدُبّ فيه الحياةُ إذا امتدّتْ إليه يدُ القارئِ" . فلنقرأْ !!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق