بقلم: سهيل إبراهيم عيساوي
قصة المطر، للشاعر الأديب المبدع وهيب نديم
وهبة، القصة
معدة للفتيان، تقع في 96 صفحة
بحجم 17/25،
إصدار دار
الهدى للطباعة
والنشر كريم،
صدرت الطبعة الأولى بالعربية عام 2015، ترجمت
للغة العبرية
ونشرت ضمن
كتاب وأحد
على يد
المترجمة البارعة
بروريا هورفيتس، تزين القصة
رسومات الفنانة، سهاد عنتير – طربيه،
غلاف سميك
ومقوى.
الآن صدرت النسخة
الثالثة لقصة المطر باللغة الإنجليزية 2018، ترجمة الشاعر الأديب الباحث: محمود
عباس مسعود من الولايات المتحدة الامريكية.
الفكرة في غاية الجمالية والفكر، ترجمة أدبنا إلى لغات عالمية راقية، هي رسالة مباشرة
للتحاور والتبادل الفكري والثقافي والأدبي.
عنوان القصة: اختار لنا
المؤلف عنوان
"المطر"،
كلمة واحدة
لكنها تحمل
في طياتها
الكثير من
الإيحاءات الإيجابية، التفاؤل، الخير، البركة،
الأمل، رياح
التغيير، فكل
الكائنات الحية
تفرح للمطر،
الماء سر
الحياة، وعماد
الوجود الإنساني، وكانت أهمية كبيرة
للماء عند
العرب، وخاصة
في شبه
الجزيرة العربية، فكان الماء سببا
للترحال والخصام، كذلك ذكر الماء
في عدة
آيات في
القران الكريم،
نذكر منها:
أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴿٢٢ البقرة﴾
وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴿١٦٤ البقرة﴾
أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ﴿١٧ الرعد﴾
وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴿٣٢ ابراهيم﴾
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ ﴿١٠ النحل﴾
وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ﴿١٨ المؤمنون﴾
وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴿٢٤ الروم﴾
وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴿30 الأنبياء﴾
كذلك ذكر
الأدباء والشعراء العرب المطر
وتفننوا في
وصفه.. وجعلوا ماهية المطر وأهمية النزول – هطول المطر- كالوحي
من السماء.
القصة: القصة تحدث
عن الخيال
العلمي، بأسلوب
شيق ولغة
رشيقة، منسوجة
على أنغام
مدرسة جبران
خليل جبران،
تروي لنا
القصة عن
طفلة اسمها
"سارة" ابنة
طبيب معروف،
على وقع
المطر، يطرق
بابه رجل
غريب، يلح
عليه أن
يرافقه لعلاج أبيه، رغم
أن الليل
بسط سلطانه
على الكون،
وابنته "سارة"
نائمة، بعد
توسل وإلحاح
وافق الطبيب،
لكن العقبة
الوحيدة أن
أبنته "سارة"
تغط في
سبات عميق،
وهي وحيدة
في البيت،
كيف يتركها،
يخاف أن
تستيقظ، أخيرا
كتب لها
رسالة شرح
لها إلى
أين هو ذاهب، بعد مغادرة الطبيب
في مهمته
الإنسانية، يدخل
رجل غريب
الأطوار يشبه
هيكل الإنسان، قادم من الفضاء
الخارجي، يحمل
رسالة عاجلة
إلى "سارة"، يحثها
على مرافقته
إلى العالم
الخارجي، لإنقاذ
كوكب الأرض،
والبشرية، من
الحرب العالمية القادمة.
جاء إلينا "رجل
الفضاء" من
بلاد لا
تعرف الحرب
ولا القتل
ولا الشر،
من خلال
الرحلة الشيقة
التي تشبه
السحر الممتع،
تطرح "سارة"
أسئلة فلسفية
عميقة وجودية،
حول الكون
ومشاكله، الحرب،
والسلام، التلوث
البيئي، انتشار
الأمراض الفتاكة، الحقد والحسد، وعن
أهمية إحداث
تغيير في
تفكير الإنسان، تنتقل "سارة" والرجل
الطائر، القادم
من الفضاء،
بين الكواكب..
وتشاهد بأم
عينيها الخراب
والحروب في
الكون، وتقتنع
إلى وجوب
التغيير، لان
الإنسان يحلم
بحياة أخرى
على كواكب
أخرى ولا
يفكر إلا
بتدمير الأرض
وجعلها خرابا،
القتل والدمار
من صناعة
الإنسان، وفي
نهاية القصة
"يشير الآن
بيده إلى
جمال الطبيعة، ويخرج من هناك
ملايين الأطفال، يحملون تاج الشمس ومنارة المستقبل وأغصان السلام ورايات
الفرح" والمفاجأة كانت عند عودة
الطبيب من
مهمته، يجد
ابنته "سارة"
ما تزال
تغط في
سبات عميق،
تحلم وترسم
الحلم الجميل
للبشرية.
تقنية الحلم: نجح المؤلف
في استغلال
تقنية الحلم
لإيصال أفكاره
التي يؤمن
بها، وفي
نسج قصة
جميلة، تحمل
في طياتها
رسائل كبيرة
عبر الخيال
العلمي، لان
الحلم يمكن
المبدع من الإبحار بعيدا
والتوغل في
عالم الادب
لأبعد الحدود
كاسرا أغلظ
القيود.
الرسالة: أراد المؤلف
وهيب نديم
وهبة إيصال
حزمة من
الرسائل الهامة
للمجتمع وللبشرية:
- الدعوة
للسلام، الحلم
ببناء عالم
جديد، الحب والإنسانية، العدل والسلام والحرية، الدعوة للمحافظة على
كوكب الأرض،
تشجيع القراءة
والتمسك بمتعة
ملامسة الكتاب،
دعوة مفتوحة
للعطاء، ضرورة
تنشئة الأطفال
وتربيتهم وسط
بيئة سليمة،
يخرج المؤلف ضد استغلال الشعوب، هنالك ضرورة لإرساء
الحق والعدل
واذابة الغبن
الحاصل.
- ضرورة تقبل
الآخر، وسماع
المختلف عنا
واحترامه، انتقاد
لاذع لسباق
التسلح بين
الدول والجماعات،
تأثير الإشعاعات القوية.
- دعوة للكتاب الى
انتهاج نهج
المؤلف في
طرق باب
الخيال العلمي،
توسيع أفاقه
وفكره، العلاقة
الوطيدة بين
العلم والتكنولوجيا وعالم الاختراعات، وأدب
الخيال العلمي،
فالكثير من
المخترعين والباحثين، يستلهمون أفكارهم من
قصص الخيال
العلمي، وما
كان أسطورة
قبل مئات
السنين اصبح
حقيقة لا
تقبل الشك.
- الاهتمام برعاية
الطفل اليتيم،
قدسية مهنة
الطبيب، إمكانية التعايش بين
الشعوب، دعوة
لوقف القتل
والحروب والدمار، لوقف
هدم المنازل.
- ضرورة احترام
حقوق الأطفال، وفق العقود والمواثيق الدولية.
مكان القصة: المؤلف لا يشير
الى مكان
وقوع أحداث
القصة على
الأرض، لكنه
في موضوع
واحد بإشارة
ذكية يذكر
"كي يهبط
السلام من
السماء في
بلاد الأنبياء"
ص 34،
هي إشارة
إلى بلادنا.
لغة القصة: المؤلف وهيب
نديم وهبة،
بارع في
تطويع اللغة،
لتصبح مثل
قطعة حلوى
لذيذة على
كل لسان
يتذوق أدبه،
يوظف اللغة
الشعرية إلى
أقصى الحدود،
من تشبيه
واستعارة، وبناء
جمل جديدة
بكريه مبتكرة،
لا تخلو
صفحة من
الكتاب، من
جمل منسوجة
بذكاء وتمرس،
مجبولة بأصابع
الإبداع والذوق
الرفيع. وهيب
وهبة، رائد
في تقديم
لغة جميلة
لأطفالنا، يخدم
اللغة العربية، ويثري قاموس القارئ.
خلاصة: قصة جميلة
مثقلة بالحكمة
والفلسفة، والخيال
العلمي، مغموسة
بالفكر العميق،
تحمل في
طياتها رسالة،
قوية للبشرية، من أجل الإيمان
بقيم عليا،
لنبذ العنف،
الحروب الأحقاد، التمسك بالسلام والحوار
أو احترام
الآخر، كنهج
حياة، من
أجل أطفالنا ومستقبلنا، ومستقبل
كوكب الأرض
الجميل، لكن
بسبب سوء
تفكيرنا، تنتشر
الحروب، الأحقاد، لكن المؤلف يؤمن
بالجيل الجديد،
بعالم جديد،
يحترم الإنسان، وحقوقه، وحرياته وفكره.البطلة سارة تجسد الجيل المرتقب،
لعله يفلح في
احداث تغيير
عميق في
تصرفات الانسان
التي تعود
عليه بالشر.
وقد نجح
الكاتب في
بناء قصة
متينة من
حيث اللغة
ومن حيث
البناء القصصي،
المؤلف نجح
عبر أدبه
في الوصول
إلى العالمية، وحصد العديد من
الجوائز محليا
وعربيا، وقد
ترجمت أعماله
إلى لغات
أجنبية عديدة.