أ.د. محمد الدعمي
” بالكثير والمفرط من التفاؤل الذي يضع المرء تحت انطباع قوي مفاده أن المقصود من تقديم صورة وردية لعالمنا العربي اليوم، لا يزيد عن نوع من التعامي المطابق لدفن طائر النعّام رأسه عند شعوره بالخطر الداهم؛ أو ربما هي صورة ترسمها أقلام وريش المسؤولين في الهيئات القومية على سبيل التشجيع ومنع الانهيار، من خلال التشبث بالمستقبل وبالأمل.”
ـــــــــــــــــــــــــــ
مثلما يحتاج المرء الى مراجعة نفسه من آن لآخر بهدف التقييم والتقويم، تحتاج الأمم لذات العملية الدورية من عصر لآخر على ذات السبيل، أي في سبيل التقييم والتقويم.
والحق أقول، أنني طالما تقمصت ملكات ووظائف المؤرخ عندما حاولت جاهداً أن أمرر تقييماً لحال عالمنا العربي، تأسيساً على وظيفة المؤرخ في عملية “التحقيب”، بين حقب التقدم، وحقب الجمود وحقب التراجع، من بين سواها. هل نحيا في عالمنا العربي اليوم حقبة تقدم، كما تشير بيانات وإعلانات قمم واجتماعات وأنشطة النظام العربي المشترك، بالكثير والمفرط من التفاؤل الذي يضع المرء تحت انطباع قوي مفاده أن المقصود من تقديم صورة وردية لعالمنا العربي اليوم، لا يزيد عن نوع من التعامي المطابق لدفن طائر النعّام رأسه عند شعوره بالخطر الداهم؛ أو ربما هي صورة ترسمها أقلام وريش المسؤولين في الهيئات القومية على سبيل التشجيع ومنع الانهيار، من خلال التشبث بالمستقبل وبالأمل.
هذه جميعاً مبررات عقلانية، إلا ان التمادي في رسم صورة وردية لا يمكن أن يغير من الحقيقة شيئا. ربما كانت مواجهة الحقيقة بمرارتها وقبحها مهمة بقدر تعلق الأمر باستنهاض الإرادة نحو التغيير وإطلاق دافعية التقدم.
إلا أن الصورة، بلا رتوش، هي مدعاة للابتئاس، بحق. وإذا شئنا استعراضاً جغرافياً، من الشرق الى الغرب لأوضاع العالم العربي، فاننا لايمكن إلا أن ننتهي الى مشهد محزن يشوبه التشاؤم: إذ يرزح ثلث العراق تحت هيمنة ما تسمى بـ”الدولة الإسلامية”، وليدة داعش الأكثر شمولية. سوريا، هي الأخرى ممزقة بين شد الدولة وجذب القوى المتمردة عليها. أما لبنان، فانه يحيا أزمة تهدد ديمقراطيته العريقة نسبياً عبر الانقسامات الداخلية المتبلورة على نحو لا يقبل الشك في العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية، على عكس ماكان يحدث على عصر “شارل حلو” رحمة الله على روحه. الأردن مستقر نسبياً، والحمد لله، برغم ما يعتوره استقراره من تظاهرات احتجاج وتخريبات تطفو على السطح من آن لآخر، للأسف. أما دول مجلس التعاون الخليجي، فهي في حال أفضل من سواها في الاستقرار والهدوء النسبي، لولا ماحدث في اليمن من صراع مسلح مؤسف، راح يبتلع طاقات دول المنطقة.
أما كبرى الدول العربية، مصر، فهي الأخرى تقبع تحت ضربات مطرقة الإرهاب التي يبدو أنها لا ترضخ لقوة ردع الدولة القديمة التنظيم والعريقة التقاليد. وبالانتقال عبر حدود مصر الغربية الى ليبيا، نقف، مجروحين، أمام مشهد مأساوي واضح المعالم لآثار التشرذم والانقسام الداخلي الذي تلا إسقاط سلطة الدكتاتورية التي تمكنت من الإمساك بالسلام الأهلي لعقود متعددة. أما تونس الخضراء، فبرغم استقرارها النسبي كذلك، إلا أنها لم تزل في حال من الانذار، المشوب بالحذر، ليس فقط بسبب ما شاب أمنها من أعمال تخريب إرهابية قبل فترة قصيرة، ولكن بسبب ما يلوح في الأفق عبرها، بل وعبر بقية الدول المغاربية الشقيقة من صحوة مدسوسة للولاءات الثانوية الصغيرة التي تجسدت على نحو مؤلم للغاية في واحدة من أكثر الدول العربية استئناساً بالاستقرار عبر ما تناهى الى مسامعنا من نجاح لقوى التفتيت والتشذرم في إشعال فتيل الصدام بين العرب والبربر في بعض النواحي من البلاد. هذه فتيل ينذر بالمزيد، نظراً لصحوة وانتشاء روح الولاءات الفرعية على حساب الولاء الأساس والشامل للمواطن.
وتأسيساً على ما مر أعلاه من استعراض مبتسر وسريع، لا يمكن للمحقق والمحقب التاريخي أن يمرر تقييماً معيارياً ناطقاً بما يدعو للتفاؤل، حقاً: فحذار عوامل التجزئة والتفتيت التي تضرب بمطارقها الأطر الصلبة التي حافظت على دولنا العربية سليمة منذ حصولها على الاستقلال السياسي في القرن الماضي حتى اللحظة.
والحق أقول، أنني طالما تقمصت ملكات ووظائف المؤرخ عندما حاولت جاهداً أن أمرر تقييماً لحال عالمنا العربي، تأسيساً على وظيفة المؤرخ في عملية “التحقيب”، بين حقب التقدم، وحقب الجمود وحقب التراجع، من بين سواها. هل نحيا في عالمنا العربي اليوم حقبة تقدم، كما تشير بيانات وإعلانات قمم واجتماعات وأنشطة النظام العربي المشترك، بالكثير والمفرط من التفاؤل الذي يضع المرء تحت انطباع قوي مفاده أن المقصود من تقديم صورة وردية لعالمنا العربي اليوم، لا يزيد عن نوع من التعامي المطابق لدفن طائر النعّام رأسه عند شعوره بالخطر الداهم؛ أو ربما هي صورة ترسمها أقلام وريش المسؤولين في الهيئات القومية على سبيل التشجيع ومنع الانهيار، من خلال التشبث بالمستقبل وبالأمل.
هذه جميعاً مبررات عقلانية، إلا ان التمادي في رسم صورة وردية لا يمكن أن يغير من الحقيقة شيئا. ربما كانت مواجهة الحقيقة بمرارتها وقبحها مهمة بقدر تعلق الأمر باستنهاض الإرادة نحو التغيير وإطلاق دافعية التقدم.
إلا أن الصورة، بلا رتوش، هي مدعاة للابتئاس، بحق. وإذا شئنا استعراضاً جغرافياً، من الشرق الى الغرب لأوضاع العالم العربي، فاننا لايمكن إلا أن ننتهي الى مشهد محزن يشوبه التشاؤم: إذ يرزح ثلث العراق تحت هيمنة ما تسمى بـ”الدولة الإسلامية”، وليدة داعش الأكثر شمولية. سوريا، هي الأخرى ممزقة بين شد الدولة وجذب القوى المتمردة عليها. أما لبنان، فانه يحيا أزمة تهدد ديمقراطيته العريقة نسبياً عبر الانقسامات الداخلية المتبلورة على نحو لا يقبل الشك في العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية، على عكس ماكان يحدث على عصر “شارل حلو” رحمة الله على روحه. الأردن مستقر نسبياً، والحمد لله، برغم ما يعتوره استقراره من تظاهرات احتجاج وتخريبات تطفو على السطح من آن لآخر، للأسف. أما دول مجلس التعاون الخليجي، فهي في حال أفضل من سواها في الاستقرار والهدوء النسبي، لولا ماحدث في اليمن من صراع مسلح مؤسف، راح يبتلع طاقات دول المنطقة.
أما كبرى الدول العربية، مصر، فهي الأخرى تقبع تحت ضربات مطرقة الإرهاب التي يبدو أنها لا ترضخ لقوة ردع الدولة القديمة التنظيم والعريقة التقاليد. وبالانتقال عبر حدود مصر الغربية الى ليبيا، نقف، مجروحين، أمام مشهد مأساوي واضح المعالم لآثار التشرذم والانقسام الداخلي الذي تلا إسقاط سلطة الدكتاتورية التي تمكنت من الإمساك بالسلام الأهلي لعقود متعددة. أما تونس الخضراء، فبرغم استقرارها النسبي كذلك، إلا أنها لم تزل في حال من الانذار، المشوب بالحذر، ليس فقط بسبب ما شاب أمنها من أعمال تخريب إرهابية قبل فترة قصيرة، ولكن بسبب ما يلوح في الأفق عبرها، بل وعبر بقية الدول المغاربية الشقيقة من صحوة مدسوسة للولاءات الثانوية الصغيرة التي تجسدت على نحو مؤلم للغاية في واحدة من أكثر الدول العربية استئناساً بالاستقرار عبر ما تناهى الى مسامعنا من نجاح لقوى التفتيت والتشذرم في إشعال فتيل الصدام بين العرب والبربر في بعض النواحي من البلاد. هذه فتيل ينذر بالمزيد، نظراً لصحوة وانتشاء روح الولاءات الفرعية على حساب الولاء الأساس والشامل للمواطن.
وتأسيساً على ما مر أعلاه من استعراض مبتسر وسريع، لا يمكن للمحقق والمحقب التاريخي أن يمرر تقييماً معيارياً ناطقاً بما يدعو للتفاؤل، حقاً: فحذار عوامل التجزئة والتفتيت التي تضرب بمطارقها الأطر الصلبة التي حافظت على دولنا العربية سليمة منذ حصولها على الاستقلال السياسي في القرن الماضي حتى اللحظة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق