أ.د. محمد الدعمي
”لا بد للمرء أن ينوه الى مخاطر إمكانية نزع سلاح “العقوبات الاقتصادية” من ايدي واشنطن في حال فشل الاتفاق، لأن هذا السلاح الفعال اليوم يمكن أن يفقد فاعليته على حين غرة غداً؛ أي عندما تقاومه وتعاني منه دول كبرى مثل روسيا أو الصين. هذه الدول تتربص الآن بهذا السلاح كي تنتزعه من واشنطن لأنه يشكل “عصا غليظة” وضغطاً اقتصاديًّا وسياسيًّا عليها،”
ـــــــــــــــــــــــــــ
يقال المثل الشعبي المعبر أعلاه بمعنى: “ترقب أصوات الخلافات بعد منتصف الليل”، إذ إن التفاعلات والنتائج النهائية والخلافات بين الأفراد والجماعات، غالباً ما تبقى في حال من السكونية حتى هبوط الليل حيث يوقظ الظلام الأفكار الشريرة ويحفز الضغائن بسبب مواجهة الأفراد أفعالهم أثناء النهار. للمرء أن يستحضر هذا المثل المشحون بالمعنى وهو يراجع الاتفاق النووي الذي توصلت إليه الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية مع الجمهورية الإسلامية الايرانية.
يبدو أن أدق ما يمكن أن يؤشر حول هذا الاتفاق التأطيري (الأولي) هو ما يشوبه من غموض وضعف في دقة التفاصيل لبرنامج وتوقيتات التنفيذ والمراقبة والتحقق، الأمر الذي يجعل المراقب يستبق سماع صوت (حس) صياح (صراخ) المتبارزين، مع أو ضد الاتفاق، على حلبات برلمانات الدول التي شاركت في المحادثات الماراثونية قاطعة الأنفاس أعلاه، من الكونجرس الأميركي إلى البرلمان الإيراني، إضافة على برلمانات دول الـ(1+5). وأغلب الظن، حسب المعطيات الأولية التي تابعتها عبر الإعلام الأميركي فإن تبادل اللكمات والركلات قد بدأ فعلاً بين أعضاء الكونجرس الأميركي الآن، ذلك أن غموض العديد من جوانب الاتفاق المبدئي راح يشرع الأبواب على النقد والنقد المعاكس، زد على ذلك الصراع المتوقع بين البيت الأبيض (مؤسسة الرئاسة) والكابيتول (الكونجرس)، خاصة بعدما أفصح عدد من الجمهوريين عن نظرة دونية لسياسات الرئيس أوباما الخارجية، وعلى نحو سافر لا يخلو من التجاوز الاعتباري للياقات في بعض الأحيان (لاحظ ما قاله السيناتور غراهام لينزي Graham Lindsey في برنامج “واجه الأمة” Face the Nation صباح يوم الأحد الماضي.
ولا يمكن للمرء، من ناحية ثانية، أن يتكهن بعدم حدوث خلافات قوية في البرلمان الإيراني الذي، هو الآخر ينبغي أن يمرر “الصفقة” كي توقع حكومة الجمهورية الإسلامية عليها.
ويبدو أن الخانق الذي يلوح به المعارضون للاتفاقية في أميركا يمكن أن يكون مدمراً، بمعنى الكلمة، خاصة باعتبار تحذير الرئيس حسن روحاني الذي حذّر من أن رفض الاتفاق من قبل واشنطن والعواصم الغربية الأخرى لا يمكن إلا أن يفهم من قبل إيران باعتباره “إطلاق يد” لأن تفعل طهران ما تشاء في مضمار مشروعها النووي، لأن الاتفاق يعني فرض الكوابح والمراقبة وبرامج التحقق الدائمة، أما عدم الاتفاق، فيعني: لا مراقبة ولا تحقق ولا كوابح على المشروع النووي الإيراني. بل إن الأخطر بالنسبة للعقل الإداري الغربي، وبالنسبة للحكومة الإسرائيلية كذلك، هو خطر انطلاق سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، الأمر الذي يعني أن دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط خاصة، ستطالب باستحقاقات نووية موازية لما أحرزته الجمهورية الإسلامية وربما أكثر، متذكرين أن دولنا الغنية بالنفط تمتلك المال الذي يؤهلها لتأسيس مشاريع نووية موازية أو متفوقة على مكافآتها الإيرانية، فهي لا تعاني من حصار ولا عقوبات لاجمة كما تعاني إيران.
ومن منظور آخر، لا بد للمرء أن ينوه الى مخاطر إمكانية نزع سلاح “العقوبات الاقتصادية” من ايدي واشنطن في حال فشل الاتفاق، لأن هذا السلاح الفعال اليوم يمكن أن يفقد فاعليته على حين غرة غداً؛ أي عندما تقاومه وتعاني منه دول كبرى مثل روسيا أو الصين. هذه الدول تتربص الآن بهذا السلاح كي تنتزعه من واشنطن لأنه يشكل “عصا غليظة” وضغطاً اقتصادياً وسياسياً عليها، بدليل ما حدث عقب الأزمة الأوكرانية، حيث لم تتردد واشنطن في استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية على اقوى مرشح في العالم لمنافستها، الاتحاد الروسي، الأمر الذي يعني بأن موسكو ستعمل بكل حماسة لأن تكسر العقوبات الغربية على إيران باعتبار هموم “العقوبات” المشتركة بين طهران وموسكو، الأمر الذي يفتح آفاق صراعات كتلوية وتحالفية ثقيلة العيار قد تسحب العالم الى ما لا تحمد عقباه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق