” في حقل الصعيد السياسي بالتحديد، يمكن للمرء أن يلاحظ هذا الاختلاط والتداخل الاجتماعي الصحي الذي أضفى عليه الكرد صفته الرائعة والجميلة المتفردة. لقد عمل الكرد بكل نشاط وذكاء بداخل الحركات السياسية الوطنية والديمقراطية في العراق حتى صارت بعض أسمائهم جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الحركة الوطنية في العراق.”
اضطلع كرد العراق بأدوار طيبة وأساسية في بناء الدولة العراقية الحديثة وفي تشكيل مجتمعها المتنوع والمتماسك، حيث كان للتصاهر والاختلاط أثراً إيجابياً في تشكيل المجتمع العراقي المتنوع الذي جعل من وجود الكرد فيه مجتمعاً مختلفاً عما يجاوره من مجتمعات، سواء عربية أو غير عربية. وقد لعبت شخصيات كردية مبرزة أدواراً رائدة في بناء صرح الثقافة العراقية، بل والعربية والإسلامية في الماضي وفي الحاضر، كما لاحظنا ذلك في الحلقة السابقة. ولم نزل نقف أمام مثل هذه الشواخص بكل احترام وتفاخر واعتزاز. ونتيجة لهذا النوع من التلاقح الثقافي والسكاني ظهرت، لأول مرة في التاريخ الشرقي، فئة من الكرد الذين أطلق عليهم البعض إسم “المستعربين”: وهم هؤلاء الذين شكلوا جزءاً رئيساً من سكان المدن العراقية الكبرى كبغداد والموصل. وكان هؤلاء كرداً أساساً (من الناحية الإثنية) ولكنهم أنصاف عرب (من الناحية الثقافية)، بقدر تعلق الأمر بثقافتهم وإسهاماتهم الفكرية والعملية المحترمة، فبرز منهم أساطين من كبار الساسة والأطباء والأساتذة والمحامين والتجار، مشكلين جزءاً رئيساً مما يمكن أن نطلق عليه اليوم بـ”النخبة السراتية” الثقافية في العراق.
في حقل الصعيد السياسي بالتحديد، يمكن للمرء أن يلاحظ هذا الاختلاط والتداخل الاجتماعي الصحي الذي أضفى عليه الكرد صفتهم الرائعة والجميلة المتفردة. لقد عمل الكرد بكل نشاط وذكاء بداخل الحركات السياسية الوطنية والديمقراطية في العراق حتى صارت بعض أسمائهم جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الحركة الوطنية في العراق. كما كان لبعض الكرد (في أحيان عدة) “حصة الأسد” في تشكيل وإدارة الحكومات العراقية الناشئة منذ بدايات القرن الزائل، فكان منهم رؤساء الوزارات والوزراء والمحافظين وكبار الضباط. بل ويقال بأن أقوى شخصية في تاريخ النظام الملكي في العراق طوال أربعين عاماً، المغفور له نوري باشا السعيد، إنما هو من أصول كردية. كما كان أقوى وزير داخلية حقبة ذاك رجلاً كردياً وطنياً لم يزل يُذكر من قبل العراقيين نظراً لشجاعته وحبه لوطنه، سعيد قزاز. حتى مؤسس الجمهورية العراقية، المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم، كان نصف كردي، لأن والدته تنتمي عرقياً إلى هذه القومية الطيبة. ومن الظواهر الملفتة للنظر أن يبرز ساسة كرد في الحركات القومية العربية التي تطالب بالوحدة العربية وبالاندماج الوطني بين القوميتين الرئيسيتين في العراق. ومن هؤلاء رجال تسنموا مراكز قيادية في الحكومات العراقية المتعاقبة السابقة، من أمثال علي صالح السعدي، وطه الجزراوي وطه محيي الدين معروف، الرجل الثاني و الثالث أهمية بعد الرئيس السابق المخلوع، وهم كرد كذلك. زعيم اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي العراقي السابق، عزيز محمد، كان كرديا ، كما كان عليه الحال مع أعداد كبيرة من القيادات والحركات السياسية في العراق، في النظام وفي المعارضة قبل الغزو الأميركي (2003)، ناهيك عن أن الجيش العراقي كان يزخر بعدد من أشجع وأبرز ضباطه من الأكراد، والقائمة تطول، إن أردنا استذكار آخرين من الأطباء والمهندسين والفنانين ورجال الدولة.
إن الفسيفساء العراقي الذي يضفي عليه الأكراد لونه ومزاجه المتفرد لا يمكن أن يُفهم أو يُدرك بدقة بدون فهم طبيعة الكرد ودورهم المهم في تشكيل العراق الحديث. ويبدو أن وجود قوميتين رئيسيتين في العراق (العرب والكرد) يمكن أن يُشكل سلاحا ذا حدين: فمن ناحية أولى، يؤول هذا التنوع العرقي واللغوي إلى التنافس البنّاء وإلى التفاعل فهما العنصران اللذان يمثلا الشروط المسبقة للتقدم والابتكار والإبداع. ومن ناحية ثانية، ولكن سلبية، يخدم هذا التنوع العرقي الرئيسي في العراق مصدراً للمشاكل والفوضى عندما يحاول جزء من قومية معينة مصادرة حقوق وتطلعات القومية الأخرى، كما حدث عبر عقود وسنوات تاريخ العراق الحديث. ولا يبالغ المرء إذا ما ذهب إلى أن هذه الثنائية الإثنية الأساس، إنما يمكن أن تُحال إلى عنصر تآصر وتجاذب، بدلاً من أن يساء استخدامها بوصفها عنصراً للتنافر والتناقص. وللمرء أن يستذكر مدينة كركوك الغنية بالنفط، كقنبلة موقوتة (كما وصفها أعضاء لجنة الحكماء الذين زاروها بعد الاحتلال، ومنهم جيمس بيكر وجو بايدن)، أو كفضاء للتعايش والتفاعل بين الأجناس والأديان.
في حقل الصعيد السياسي بالتحديد، يمكن للمرء أن يلاحظ هذا الاختلاط والتداخل الاجتماعي الصحي الذي أضفى عليه الكرد صفتهم الرائعة والجميلة المتفردة. لقد عمل الكرد بكل نشاط وذكاء بداخل الحركات السياسية الوطنية والديمقراطية في العراق حتى صارت بعض أسمائهم جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الحركة الوطنية في العراق. كما كان لبعض الكرد (في أحيان عدة) “حصة الأسد” في تشكيل وإدارة الحكومات العراقية الناشئة منذ بدايات القرن الزائل، فكان منهم رؤساء الوزارات والوزراء والمحافظين وكبار الضباط. بل ويقال بأن أقوى شخصية في تاريخ النظام الملكي في العراق طوال أربعين عاماً، المغفور له نوري باشا السعيد، إنما هو من أصول كردية. كما كان أقوى وزير داخلية حقبة ذاك رجلاً كردياً وطنياً لم يزل يُذكر من قبل العراقيين نظراً لشجاعته وحبه لوطنه، سعيد قزاز. حتى مؤسس الجمهورية العراقية، المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم، كان نصف كردي، لأن والدته تنتمي عرقياً إلى هذه القومية الطيبة. ومن الظواهر الملفتة للنظر أن يبرز ساسة كرد في الحركات القومية العربية التي تطالب بالوحدة العربية وبالاندماج الوطني بين القوميتين الرئيسيتين في العراق. ومن هؤلاء رجال تسنموا مراكز قيادية في الحكومات العراقية المتعاقبة السابقة، من أمثال علي صالح السعدي، وطه الجزراوي وطه محيي الدين معروف، الرجل الثاني و الثالث أهمية بعد الرئيس السابق المخلوع، وهم كرد كذلك. زعيم اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي العراقي السابق، عزيز محمد، كان كرديا ، كما كان عليه الحال مع أعداد كبيرة من القيادات والحركات السياسية في العراق، في النظام وفي المعارضة قبل الغزو الأميركي (2003)، ناهيك عن أن الجيش العراقي كان يزخر بعدد من أشجع وأبرز ضباطه من الأكراد، والقائمة تطول، إن أردنا استذكار آخرين من الأطباء والمهندسين والفنانين ورجال الدولة.
إن الفسيفساء العراقي الذي يضفي عليه الأكراد لونه ومزاجه المتفرد لا يمكن أن يُفهم أو يُدرك بدقة بدون فهم طبيعة الكرد ودورهم المهم في تشكيل العراق الحديث. ويبدو أن وجود قوميتين رئيسيتين في العراق (العرب والكرد) يمكن أن يُشكل سلاحا ذا حدين: فمن ناحية أولى، يؤول هذا التنوع العرقي واللغوي إلى التنافس البنّاء وإلى التفاعل فهما العنصران اللذان يمثلا الشروط المسبقة للتقدم والابتكار والإبداع. ومن ناحية ثانية، ولكن سلبية، يخدم هذا التنوع العرقي الرئيسي في العراق مصدراً للمشاكل والفوضى عندما يحاول جزء من قومية معينة مصادرة حقوق وتطلعات القومية الأخرى، كما حدث عبر عقود وسنوات تاريخ العراق الحديث. ولا يبالغ المرء إذا ما ذهب إلى أن هذه الثنائية الإثنية الأساس، إنما يمكن أن تُحال إلى عنصر تآصر وتجاذب، بدلاً من أن يساء استخدامها بوصفها عنصراً للتنافر والتناقص. وللمرء أن يستذكر مدينة كركوك الغنية بالنفط، كقنبلة موقوتة (كما وصفها أعضاء لجنة الحكماء الذين زاروها بعد الاحتلال، ومنهم جيمس بيكر وجو بايدن)، أو كفضاء للتعايش والتفاعل بين الأجناس والأديان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق