-
أ
بقلم
: حاتم جوعيه -
المغار - الجليل
مقدِّمة ٌ : الشَّاعرة ُ والكاتبة ُ " دوريس خوري " أصلُها من لبنان (
لبنانيَّة الأصل ) متزوِّجة ٌ وتسكنُ في
قريةِ " البقيعة "
الجليليَّة . تكتبُ الشِّعرَ
والخواطرَ الأدبيَّة والمقالات السياسيَّة والإجتماعيَّة
والأدبيَّة ...وغيرَها . لها كمٌّ كبيرٌ
من الإنتاج الشِّعري والأدبي،
ولكنَّها بدأت تنشرُ إنتاجَها
وكتاباتها منذ فترةٍ قصيرةٍ
في الصحفِ والمجلاتِ
المحليَة وفي مواقع
الأنترنيت الكثيرةِ ورغم الكم والرَّصيد الكتابي الكبير الذي لديها تأخرت كثيرا في صددِ
طباعة كتباتِها ( كتبت هذه المقالة قبل أن يصدر لها أيُّ كتاب
- شعرا أو نثرا ) ... والكثيرون من الكتاب
والشعراء
والأصدقاء كانوا يسألونها دائما وباهتمام بالنسبةِ لهذا الموضوع ( طباعة إنتاجها في كتب
) .. ولكنها قد أجَّلت طباعة
كتبها ودواوينها الشعريَّة وتركت هذا
للظروف .
وَمِمَّا يُلفِتُ الإنتباهَ أنها كانت دائما تنشرُ
مقالاتها وأشعارَها في الصُّحف
المحليَّة من دون صورةٍ
لها ( في البداية ) فتضيفُ وتلقي
على كتاباتِهَا وشخصيتِها وهويَّتها نوعا من الغموض والحيرة والإهتمام في
نفوس القرَّاء ، مَمَّا يدفعُ
فضولَ وتطفلَ الكثيرين من القرَّاءِ إلى التساؤُل لمعرفةِ الحقيقةِ ولماذا
لا تنشرُ صورتهَا
في الجرائد بجانب مقالاتِها... وكيف شخصيَّتها وشكلها في الحقيقة ..هل تتطابقُ مع
كتاباتها الإبداعيَّة ؟؟ وهل هي
جميلة جدًّا لكونها لا تنشرُ
صورتها ..أم على العكس ليست على مستوى
مقبول من الجمال .. إلخ .
وهذه الأشياءُ الشكليَّة ُ لا
تعنيني أنا شخصيًّا
( كاتب هذه السطور ) والمُهمُّ لديَّ
هو المستوى الكتابي والإبداع
شعرا ونثرا ) لدى
الزميلة " دوريس خوري "
.
مدخل : الشَّاعرة ُ
والأديبة ُ دوريس خوري من الشاعراتِ والكاتباتِ المتميِّزات فنيًّا
والمُبدعاتِ على الصَّعيد
المحلِّي . لقد أتحفت
الصحفَ العربيَّة بالكثير من
مقالاتها وكتاباتها الرَّائعة الخلابة
التي تركت أصداءً
واسعة ً على الصَّعيدِ المحلِّي
بين الأدباءِ والكتابي والمُثقفين
وكافة أبناء المجتمع .
تمتازُ كتاباتها بالشَّفافيَّةِ
والرومانسيَّةِ وبالعباراتِ الحلوةِ
الجميلةِ وباللغةِ القويََّةِ
الصَّافيةِ الجزلة وبالمعاني الفلسفيَّةِ العميقةِ وبالرُّؤيا الإنسانيَّةِ
السَّامية الشَّاملة . ولا أخطِىءُ
إذا
قلتُ إنَّ لديها
أسلوبا وطابعا خاصًّا
وَمُمَيَّزا في كتاباتها يختلفُ عن
جميع الكتابِ محليًّا وعربيًّا .
ولكتاباتِهَا جاذبيَّة ٌ وسحرٌ
أخَّاذ ٌ تشدُّ القارىءَ.. ومهما كانت نوعيَّتهُ
ومستوى ثقافته فسيقرأ كتاباتها بشغفٍ وحُبٍّ
كبير ولا يستطيعُ أن يتركَ مقالا أو قصيدة ً لها حتى يأتي على آخرها، وهذه الجاذبيَّة ُ
العظيمة ُ التي تتمتَّعُ وتتحلَّى بها والسِّحرُ
الخاصّ قد نجدُهَا عند
بعض الشُّعراء والكتاب العرب الكبار
.. وخاصَّة ً عند بعض شعراء المهجر، مثل:
جبران خليل جبران .. والجديرُ بالذكر انَّها
قد تأثَّرت كثيرا من جبران وببعض شعراءِ المهجر واللبنانيِّين الذين كانوا
في طليعةِ المُجدِّدين في العصر الحديث للشعر والأدب العربي ، وعالجوا في كتاباتِهم القضايا
القوميَّة العربيَّة المصيريَّة
وجميعَ الأمور والقضايا
الإنسانيَّة والأمميَّة الشَّاملة .
فدوريس خوري مِمَّا
يُمَيِّزُهَا عن الشُّعراءِ المحليِّين
أنها في
كتاباتِها تهتمُّ
للجانِب الإجتماعي والإنساني ولعنصر الطبيعةِ ولفلسفةِ
وأسرار الوجود والكون .. فنجدُ فيها الإنسانَ بكلِّ
معنى الكلمة... الإنسان الذي على
أهبَةَِ الإستعداد لكيّ
يهبَ ويقدِّمَ كلَّ شيىءٍ...جَسدَهُ وروحَهُ قربانا لأجل
شعبهِ ولأجل الإنسانيَّة . فكتاباتها ترفلُ وتزهو
وتسطعُ بالقيم الإنسانيَّةِ المُثلى وبالمبادىء والمُثل السامية الرائعة ويشوبُها ويترعها روحُ الإيمان العميق والعظيم . فهيَ تكتبُ من منطلقِ مبدإ وضمير حيٍّ
وَحِسٍّ
شاعريٍّ قوميٍّ وطنيٍّ إنسانيٍّ
مُرهفٍ ومُؤمن ٍ . تكتبُ ليسَ من
أجل الإستهلاك أو للشُّهرةِ والمكسِب
كالكثيرين من الكتاب والمستكتبين
المحليِّين المُرتزقين ...بل انها تكتبُ من منطبق رسالةٍ إنسانيَّةٍ خالدةٍ
لأجل شعبها وأمَّتها
العربيَّة ولجميع
شعوبِ الأرض..لأجل إنارةِ وهدي الناس
فكريًّا وثقافيًّا وأدبيًّا وسياسيًّا وإنسانيًّا ... كتاباتها على مختلفِ
أشكالها وأنواعها تدعو الإنسانَ
أينما وُجدَ إلى التمسُّكِ
بالقيم والمبادىء وإلى الثقةِ بالنفس والسير في
الطريق القويم والصحيح
والإستقامة الأخلاقيَّة وإلى الإيمان
بالخالق جلَّ جلالُهُ ...هذا إضافة ً إلى كون
كتاباتها على مستوى فنيٍّ راق ٍ .
وبالنسبةِ للقضايا السياسيَّةِ نجدُهَا
جريئة ً جدًّا وصادقة ً. وقد أعجبني مقالٌ
لها موضوعُهُ جائزة التفرُّغ السلطويَّة
التي تُمنحُ كلَّ عام
لمجموعةٍ من الكتابِ والشعراءِ المحليِّين، وهي كانت مقاطعة ً لهذهِ الجائزةِ
في البدايةِ كالعديدِ من الشعراءِ المحليِِِّين الملتزمين الذين لهم موقفٌ واضح من هذه الجائزةِ ..هذه الجائزة ُ التي يراها الإنسانُ الوطنيُّ الحُرُّ والشريفُ أنَّها لا تشرِّفهُ
وأنَّهُ مشكوكٌ في أمرها من ناحيةِ مستوى ونزاهةِ الحكَّام ومن
الناحيةِ السِّياسيَّةِ والجهة
التي تمنحُهَا... وهذه القضيَّة مهمَّة ٌ جدًّا، ولكنَّ القليلين الذين كتبوا عن هذا الموضوع بمصداقيَّةٍ
وأمانةٍ وجرأةٍ . ونحنُ دائما نرى الكثيرين من الكتابِ
والشُّعراءِ المحليِّين يتهافتونَ ويتسابقون كالكلابِ المسعورةِ الجائعةِ
لنيل هذه الجائزة المشبوهة، والبعضُ يُشَغِّلُ
كلََّ الواسطاتِ والمعارف والجهات التي يعرفها لكي يعطوهُ الجائزة َ... وما هذه الجائزة الماديَّة في مفهوم كلِّ إنسان ٍ فلسطينيٍّ وطنيٍّ
وصادق يُحبُّ شعبَهُ
ويحترمُ نفسَهُ سوى الذلِّ
والعار والإنحناء والتمرُّغ
على أعتابِ السلطةِ وبيع ماء
الوجهِ
والكرامة والضمير واستجداء
أذنابها من المستأجرين الذين لهم
باعٌ ويد في قراراتِ التحكيم لهذه الجائزة ..( هكذا ينظرُ للجائزةِ بعضُ الكتاب الملتزمين وكما يشيرُ
فحوى
ومضمونُ مقال دوريس )... ولكنَّ دوريس
غيَّرتْ رأيهََا وموقفهَا في الفترةِ الأخيرةِ وأصبحت تقدِّمُ لهذه الجائزةِ منذ
سنوات ولكنهم لم يعطوها هذه
الجائزة رغم مكانتِهاَ الأدبيَّة ومستوى
كتاباتها العالي شعرا ونثرا ) ..
وأمَّا في
كتاباتِهاَ الشعريَّة فنشعرُ وَنحِسُّ بروح ونفس شعراءِ المهجر
والشعراء العمالقة من اللبنانيِّين
والعرب الكبار . هي لا تلزمُ في
الكثير من قصائدِها بالوزن ولكن يوجدُ عندها
موسسيقى داخليَّة أخَّاذة ..وأحيانا تأتي التفاعيل
متكاملة ( حسب بحور الخليل) كما أنها
تلتزمُ بالقوافي في شعرها الذي
معظمهُ يشبهُ شعرَ التفعيلة . وفي الفترةِ
الأخيرة بدأت تكتبُ شعرا كلاسيكيا تقليديًّا ملتزمة فيهِ
بالوزن والقافية...ولها قصائد موزونة
على نمط شعر التفعيلة )
فهي متمكنة جدا من
اللغةِ العربية وقواعدها
ونحوها ومن البحور الشعريَّة...وجميعُ قصائِدِها في منتهى العذوبةِ.. وقمَّة في الجمال اللفظي والمعنوي وغنيَّة بالصور الشعريَّة الحلوة المستوحاة من الطبيعةِ ومن صميم الواقع الذي
تحياه . والجديرُ بالذكر أنَّ شاعرتنا
درست موضوعَ اللاهوت والفلسفة وتأثرت
به كثيرا وانعكسَ على مجرى حياتها
... ونجد هذا التأثيرَ أيضا في
كتابتِها، ونشعرُ دائما بروح الإيمان
القويّ والعظيم يتراقصُ ويتماوجُ في كلِّ سطر من كتاباتِهَا . في أشعارها نحسُّ بل
نرى جمالَ لبنان ( وطنها الأم ) متجليًّا
وَمُتجَسِّدًا أمامَنا ونرى شموخَ الأرز والجبال
والشلالات والسهول الخضراء
والزهور اليانعة وننبهرُ ونتِيهُ بالجوِّ الشَّاعري السحري الأخَّاذ وبالحياةِ الجميلةِ البريئةِ الخالية من الكدر والحقد يُترعُها الصَّفاءُ والنقاءُ، فالطبيعة ُ عنصرٌ أساسيٌّ هام
في شعر دوريس خوري فتستوحي شاعريَّتهَا منها وتأخذ ُعناصِرَهُا ورموزها وأسرارَها وتوظفها
في أشعارها وكتاباتِها ، كما أنَّها
تستعملُ بعضَ المصطلحاتِ والتعابير
والرُّموز التاريخيَّة واللاهوتيَّة وتدخلها بشكل
متجانس متناغم في قصائدِها...فجاءت
قصائِدُهَا حلَّة ً جميلة ً قشيبة فاتنة ً كالرَّبيع في عنفوانِهِ يزهو ويتبخترُ في
ثيابِ السُّندس والجمال والبهاء .
وأخيرا : إنَّ دوريس خوري
هي إنسانة ٌ ٌ قبل كلِّ شيىء
تتجَلَّى وتسمُو بكلِّ المزايا والقيم والمناقب المثلى وكاتبة ٌ وشاعرة ٌ مُجيدة ٌ وَمُبدِعَة بكلِّ معنى الكلمةِ وركنٌ أساسيٌّ
هامٌّ في حركتِنا
ومسيرتِنا الشِّعريَّةِ والأدبيَّةِ المحليَّةِ ...فنتمنِّى لها العُمرَ المَديدَ والمزيدَ من العطاءِ
الأدبي والفكري والإصداراتِ الإبداعيَّة الجديدة
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق