ن غاية ما يخشاه المرء هو أن تتم عملية ليّ أحداث باريس على نحو مبيت وسيء النية باتجاه تحويل التهم من “الإرهاب” إلى “الإسلام” على نحو جارف متعام. ولكن للأسف، تشير الدلائل في باريس وبرلين، من بين سواهما من لا حواضر الأوروبية، إلى أن هناك ثمة اصابع تعمل في الظلام على طريق تشويه الإسلام، ديناً، والعالم الإسلامي، كتلة سكانية هائلة الحجم. ”
ـــــــــــــــــــــــــ
بقيت الشعوب الأوروبية في بواكير العصر الوسيط تشعر بالاختناق قروناً، نظراً لأن أوروبا كانت، عمليًّا،، محاطة بالأمم الإسلامية من جميع الجهات. بعد الفتوحات الإسلامية المبكرة وصل المسلمون حدود أوروبا الجنوبية حتى القسطنطينية، أو بيزنطة، بينما كانت لهم صولات وجولات على حدود فرنسا الجنوبية، لم تنته إلا مع هزيمة عبد الرحمن الغافقي في معركة بلاط الشهداء. أما حدود أوروبا الشرقية فقد راحت تحاول امتصاص زخم القبائل البدوية المغولية التي بقيت تطلق الهجمات عليها عن اصقاع متجمدة غير قابلة للوجود البشري أو المجتمعي، بينما كان بحر الظلمات يحد أوروبا غرباً، إضافة للبحر المتوسط الذي يشكل حدود اوروبا جنوباً بالكامل.
لا غرابة، إذاً، من أن تطور أوروبا خوفاً هاجسيًّا ضد الإسلام والمسلمين بعدما خبرت قوة وعنف هجماتهم على حدودها الجنوبية، من الجهتين الشرقية والغربية. لقد كان تفوق العالم الإسلامي عسكريًّا وفكريًّا عبر العصر الوسيط هو المسؤول عن تنادي رجال الكنيسة واتحادهم على سبيل صد خطر المسلمين القادم، كما بدا لهم، من كل الجهات. الخوف الهاجسي والمرضي من الإسلام يعود للعصر الوسيط بكل تأكيد. بل إنه تكرس أثناء وبعد الحملات الصليبية بسبب التزام مسيحيي الشرق، بلاد الشام خاصة، بالدفاع عن أوطانهم ضد الغزاة الصليبيين.
وإذا كان تراث العلاقة بين أوروبا والعالم الإسلامي ملبداً بالغيوم تعتوره العواصف، فإن هذا لم يمنع تبادل السفارات بين بغداد الرشيد وباريس شارلمان، لأن روح التسوية والتوفيق غالباً ما تجد لها موطئ قدم في جميع الأجواء الساكنة والمتكهربة.
وإذا كانت هذه العلاقات متذبذبة، فإن الخوف من الإسلام الذي أرق ملوك أوروبا الإقطاعية المتحالفين مع الكنيسة الوسيطة، قبل حركة الإصلاح الديني، فإن عملية إحياء التراث العدائي المشحون بالضغائن والخوف لا ينبغي أن تجري، كما يحدث اليوم، حيث يشعر المرء بثمة “انتفاضة” مفاجئة ضد الإسلام، للأسف.
إن غاية ما يخشاه المرء هو أن تتم عملية ليّ أحداث باريس على نحو مبيّت وسيء النية باتجاه تحويل التهم من “الإرهاب” إلى “الإسلام” على نحو جارف متعام. ولكن للأسف، تشير الدلائل في باريس وبرلين، من بين سواهما من لا حواضر الأوروبية، إلى أن هناك ثمة اصابع تعمل في الظلام على طريق تشويه الإسلام، ديناً، والعالم الإسلامي، كتلة سكانية هائلة الحجم.
صحيح أن الرئيس الفرنسي قد خاطب شعبه، طالباً منه التمييز بين الإسلام الأصل، من ناحية، والإرهاب، من الناحية الثانية، إلا أن مسار الأحداث ومؤشرات التطورات تصب في خلاصات تختلف تماماً عما دعا إليه الرئيس أولاند، بدليل ارتفاع موجة الأحقاد ضد المسلمين عبر أوروبا. لذا ينبغي التنبه لذلك ولا تنبيه إليه لأن هذه الموجة العاطفية قد تكتسح ثوابت أوروبا وتجرف شعوبها نحو غياهب الكراهية والعداء.
لذا يتوجب على أوروبا الالتزام بقيمها الإنسانية المثالية، كما ينبغي لحكوماتنا في العالم الإسلامي معاونة الحكومات الأوروبية على تخطي المحنة دون المساس بجوهر الإسلام السلمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق