تعتمد كافَّة المخلوقات الحيَّة (طائرة أو ماشية أو زاحفة أو غاطسة أو سابحة) على عنصر هوائي غازي اسمه «الأوكسجين». وإذا ما كان الخالق جلَّ وعلا قد أتاح هذا العنصر الذي ترتهن به حياة الموجودات في كُلِّ مكان، فإنَّه قد نفث به سرَّ الحياة وضمَّ فيه كينونتها كَيْ تكُونَ ممكنة، ليس للأغنياء فقط، وإنَّما للأغنياء والفقراء على حدٍّ سواء. وربَّما كانت حادثة انكماش implosion الكبسولة التي نزل بها «المليارديريَّة» الخمسة أميال إلى قاع موقع حطام الباخرة تايتانك (التي زعم بأنَّها لا تغرق) قد حملت من الحكمة والموعظة الكثير: فهؤلاء كان لدَيْهم المال الفائض لشراء رحلة سياحيَّة إلى قعر المحيط الأطلسي من أجْل الاطلاع على حطام الباخرة المنكوبة، أقول هم لَمْ يخطر ببالهم بأنَّهم سيموتون «مخنوقين» يحلمون بنسمة من الهواء المحتوي على الأوكسجين من أجْل البقاء والحياة. هم ربَّما حسدوا أفقر البَشَر (في لحظة معيَّنة) لأنَّهم يتنفَّسون الهواء الذي حرمهم الخالق منه هناك بعيدًا في قاع المحيط الأطلسي.
والحقُّ، لَمْ تزل أسرار هذه السياحة الغريبة والنادرة خفيَّة: فلماذا قرَّر هؤلاء الذين لا ينقصهم شيء بسبب ما حباه الله لهم من ثراء القيام برحلة مميتة من هذا النَّوع؟ علمًا أنَّ هناك الكثير من التكهنات والفرضيَّات، ومِنْها تلك التي تزعم وجود كنوز من الذهب والجواهر لَمْ تزل موجودة في الباخرة المنكوبة الغارقة «تايتانك» التي تحطمت قَبل عشرات السنين، كما أنَّ هناك مَن يفترض «براءة» الرحلة السياحيَّة القاتلة التي اضطلع بها هؤلاء الذين يملكون خزائن قارون وهارون، براءتها من الدوافع المادِّيَّة العمياء.
هذه أسئلة ستبقى، كما بقيت الغوامض تكتنف الباخرة الغارقة «تايتانك»، دفينة المحيط الأطلسي: لا أحد يُمكِن أن يصلَ إليها بحثًا عن الكنوز المكنونة في حجر المسافرين الذين كانت الباخرة العملاقة تعجُّ بهم لحظة ارتطامها بجبل الجليد لتغرقَ بما فيها وبمَنْ بقيَ على مَتنها مذاك حتى اللحظة.
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق