( بقلم : حاتم جوعيه - المغار - الجليل )
مقدمة : تقعُ
هذه القصَّةُ ( في ضيافةِ رجال الفضاء في (
28 صفحة ) من الحجم الكبير، تأليف الأستاذ
سهيل عيساوي ، رسومات الصفحات الداخلية والغلاف مصطفى حاج وجميع الحقوق محفوظة للمؤلف .
مدخل: ينسجُ الكاتبُ القصة َ بأسلوبٍ
سردي وعلى لسان بطل القصة وهو طفل في المدرسة في العاشرة من عمره فيروي حادثة
هامَّة جرت معه وأخفاها فترة طويلة ولم يبح بها من قبل. ويَدخلُ في
القصَّةِ عنصرُ الحوار في العديد من المشاهد الدراميَّة بين أبطال وشخصيات القصة.
يقول الطفلُ :عندي لكم حكاية عن
حادثة وقعت لي عندما كنتُ في العاشرةِ من
عمري ولم أبُحْ بها
من قبل لأنني خفتُ ألا يصدقني أحدٌ
حتى أقرب الناس منِّي،وأمِّي والأصدقاء ومعلمتي.. سيقولون : إنه كان يحلمُ أو هذا من نسج
الخيال أو انها كذبة بيضاء (مثل كذبة
أول نيسان )، ولهذا لاذ الطفلُ بالصمتِ فترة
طويلة ولم يفصح ويكشف عن هذه الحادثةِ
الهامة التي جرت معه. ويتابعُ الكاتبُ القصة على لسان الطفل الذي يقول : بعد مدةٍ
من الزمن سمحَ لنفسه بالفضفضَةِ عن السرِّ
الخفي الهام بعد أن أصبح يعتلي صهوة القلم وأصبحَ كاتبا وله العديد من
القرّاء، وخاصة من الأطفال . ذكر الكاتبُ
هذه الجملة ( وخاصة من الأطفال ) لكي يرغب
الأطفال في قراءة القصَّة
ويشوقهم لسماعها لأنها كتبت لهم ) .. ويتابعُ الطفلُ حديثة : بينما كان ذاهبا للمدرسةِ في الصباح الباكر والشمس تدغدغُ جبهته، ويدندنُ
ويترنَّمُ بكلماتِ قصيدةٍ لدرس المحفوظات ( مسطرتي مقسَّمة
أجزاؤُها منظمة ) حيث كان يحفظ
قصيدة المسطرة عن ظهر
قلب لكي ينجو
من مسطرة المعلمة الشرسة واستهزاء وسخرية
أولاد صفه .. فهذه المسطرة اللّعينة - حسب تعبير الكاتب على لسان الطفل - كم تذوَّقت جلودَ
الأطفال الغضَّة ( الطريَّة) ولا تفرّق
بين بليد وذكي،ويظنُّ انها أصبحت تميِّزُ أصواتَ الأطفال وآهاتهم وتوسُّلاتِهم جميعا .
( يعطينا الكاتبُ هنا على لسان الطفل
صورة ووصفا عن عقاب المعلمة للأطفال الطلاب إذا أخطؤوا في
دروسهم...هذا العقابُ كان ساريا قبل أكثر من 15 سنة،
أما اليوم فممنوع الضرب في المدارس والمعلم الذي يقوم بضرب طالب ويشتكي عليه الطالبُ
والأهلُ فربما يُسجن وحتى يفصل من مهنةِ التدريس) . ويتابعُ الطفلُ حديثه فيقول : وفجأة ظهرَ أمامي خمسةُ رجال عمالقة أحاطوا بي من الجهات الأربعه ( قال الطفلُ: الجهات الأربع ولم يقل
من كلِّ
الجهات لأن الجهات هي أربعة وأراد
الكاتب هنا من خلال الطفل أن يعلمَ الأطفال
بشكل غير مباشر أنَّ الجهات هي أربعة وليست
خمس أو ستة )...وعلى وجوههم أقنعة عجيبة ويصوِّبون نحوهُ قطعا وأشياء صلبة تشبه المسدسات
ويتحدثون مع بعضهم بلغة غريبة وإشارات عجيبة فظنَّ الطفلُ نفسَه في الوهلةِ الأولى أنهُ يحلمُ ( الوهلة
كلمة عربية فصيحة لا يفهم معناها كل شخض ولكنها تُفهم بسهولة
من خلال وجودِها وموقعها في الجملة ) .
وسرعان ما سدَّدوا أسحتهم صوبَه (
نحوه) فانطلق منها غازٌ لونهُ أخضر ورائحته كريهة
فأصيب بالإغماء ووجدَ نفسَهُ بعد قليل مقيَّدا ( مكبَّلا ) من يديه ورجليه
وعرفَ أنهُ موجود في مركبةٍ فضائيَّة . وبدأ
يهمسُ في فكرِهِ : يا لعظمةِ ما
صنعه العلمُ .. أنا في داخل مركبة فضائيَّة
واسعة الأرجاء تحومُ في السماء، مليئة
بالأجهزة الألكترونيَّة والحواسيب بأشكال هندسيَّة جديدة مبتكرة،ومعامل ومعدَّات
طبيَّة،وحولي مخلوقات من الفضاء..وصرخَ وصرخَ كثيرا حتى بُحَّ
صوتهُ وقلبه غار وانكمش في صدرهِ
وتجمَّدت دموعهُ في عيونهِ
ولم يعد عقلهُ يستوعب ما يدورُ
ويجري حوله ( يعطينا الكاتبُ هنا على لسان الطفل صورة للتقدّم العلمي والتيكنيلوجي الموجود
في الكواكب والعوالم الأخرى غير عالمنا وكرتنا الأرضيَّىة - وكما يتخيلهُ ويتوقعهُ العلماء اليوم ) . ويقول الطفل
: لقد اقتربَ منِّي أحدُ رجال المركبةِ
الفضائيَّة فتجمَّدتُ مكاني وأمرَهُم بفكِّ
قيودي فخفَّ الرُّعبُ والقلق من
نفسي . وقال الطفلُ في نفسه : أنا متأكد انهم أخطؤوا العنوان لأنهُ ما زال طفلا
في عمر الورود
ولم يقترف أيَّ ذنب بحقِّ
البشريَة ... وألقى هذا الرجل السلام باللغةِ العربيَّة
فتعجَّبَ الطفلُ واستجمعَ ما تبقى
من قوَّة وجسارةٍ وسألهُ
ما الذي تريدونهُ منِّي ؟؟ أنا تلميذ مدرسة
.. هل اقترفتُ جرما . فأجابهُ المخلوق الفضائي : لا .. أنتَ في ضيافتنا ( صفحة 10 )
فطلبَ منه الطفلُ أن يعيدوهُ إلى المدرسةِ والبيت فاليوم هو الأربعاء
وهنالك حصَّة حاسوب وحصَّة رياضة ، وحصَّة محفوظات
.. ويريدُ أن يُسمعَ للمعلّمة قصيدة المسطرة .. فأجابهُ المخلوق الفضائي : نحنُ نريدُ أن
نتابعَ ونستزيدَ في دراسة الجنس البشري فاسمح لنا
أن ناخذ
عيِّنةً من دمك
وخصلة من شع رأسِكَ ..فأجابهُ الطفل: بشرط أن أرجعَ إلى الكرة الأرضيَّة (
لأنَّ المركة كانت مسافرة ومنطلقة في الفضاء وبعيدة كثيراعن الأرض) . فقالَ لهُ المخلوق الفضائي : سوف نعيدُكَ
اليوم لا تقلق .
وبعدَ هذا الحوار الطريف بين المخلوق الفضائي والطفل المخطوف تتقدّمُ فتاةٌ
من الطفل معها جهاز يخرجُ
ويصدرُ
صوتا موسيقيًّا فشعرَ الطفلُ
أنَّ قلبَهُ توقَفَ برهة ( أي لحظة ) عن النبض ، وحاولَ إزاحة َ يديهِ قليلا
كي لا تأخذ جرعة من دمه
الأحمر .. فتفاجأ أنها استطاعت أن تأخذ عيِّنة
صغيرة من دمهِ عن بُعد ومن دون أن
يشعرَ بوخز أو ألم أو تراق قطرةُ دم إضافيَّة ..كذلك كان
الأمرُ أيضا مع شعرهِ حيث حصلت على خصيلةٍ من شعرهِ الأسود من بُعد . وقالت له الفتاةُ : نحن حريصون
جدا على سلامتِكَ سوف نعاملكَ برفق . فتنفسَ الطفلُ الصّعداء (
إصطلاح أدبي بلاغي جميل يستعمله الشعراء والأدباء
كثيرا ولكنهُ تقليلٌ على
ذهن وعقلية الأطفال الصغار) . وتبدَّدَ
الخوفُ الجاثم على كتفهِ الصغير ( تعبير بلاغي جميل ) " صفحة 14 " . وبعد ذلك
تقدّمَ من الطفل رجل فضائي آخر ...وكما
جاء على لسان الطفل في القصة حيث يقول: وأظنُّهُ زعيمهم وقال لي : نريدُ أن نحتفظ بحقيبتكَ المدرسيَّة لندرسَ لغتكم وأفكاركم وكتبكم
لنسهّلَ التواصل مع الجنس البشري
في المستقبل..وبالطبع يَحتجُّ الطفلُ ويعترضُ بشدّةٍ على هذا
القرار لكنَ الرجل الفضائي حسب
قولِه لم يكترث
لغضبِهِ... وقال لهُ بوضوح : إنَّ لديهم رسالة شفهيَّة
يريدون منهُ أن ينقلها لسكان
المعمورةِ مفادها وفحواها :
هنالك ثلاثة أمور تُقصِّرُ أجلَ
الكرةِ الأرضيَّة وتثير غضبهم وتستفزُّهُم .
الأمر الأول هو : أزيز الرصاص
وأصوات المدافع ودوي المتفجرات والحروب ( صفحة 16 ) التي يفتعلها البشرُ..وهذه
الأصواتُ والإزعاجاُت تصلهم وتمنعهم من النوم الهانىء .
الامر الثاني هو : استفخال الظلم
والجور بحق المستضعفين والفقراء في الأرض
فهم يسمعون صرخاتهم وآلامهم
وآهاتهم وتنهداتهم .
والأمرالثالث هو : التلوُّث البيئي وحرق طبقة الأوزون من جرَّاء التلويث الذي تخلفهُ
المصانعُ الثقيلة ودخان السيارات
الأسود. ... ( يشيرُ الكاتبُ هنا على لسان الطفل إلى الأشياء الخطيرة التي تُسَبِّبُ
الكوارثَ للبشريَّةِ وللكرةِ الأرضيَّة وَتُبعدُ
أجواءَ السلام والمحبَّة على وجهِ الأرض ..وان الإنسان إذا لم يأخذ هذا الأمور الهامَّة بعين الإعتبار ويخفف ويقلص كثيرا من ممارسة هذه الاشياء الخطيرة ستصبح
الكرةُ الأرضية
ميتة بكل معنى الكلمة ) . ويتابعُ الطفلُ حديثه قيقول : لقد وجدتُ نفسي بالقرب من البيت ولم
أعرف بالضبط كيف تمَّ انزالي
من تلك المركبةِ الفضائيَّة ..أظنها سارت بسرعة الضوء . ومن خلال سردِ القصة من قبل الكاتبِ
على لسان الطفل الذي كان يتحدّثُ مع رجل الفضاء وكان يروي لهُ الأخير عن الأمور التي يجبُ أن يمتنعَ
عنها سكانُ الأرض وعن الرسالةِ التي سترسلُ لهم من خلاله وفجأة يقولُ
الطفلُ ( كما يريدُ الكاتب ) : وجدتُ نفسي
بقرب البيت.. تؤكد هذه الجملُ والعباراتُ لكلِّ شخص يقرأ القصَّة أو
يستمع إليها أن المركبة الفضائيَّة تطير بسرعة أكبر من سرعة الضوء ففي خلال ثوان تقطع مئات
آلاف الكيلومترات ( صفحة 18) . ويقول
الطفلُ : إنهُ وجدَ نفسَهُ بالقرب من
البيت وكان وجهه شاحبا وشعرُهُ منفوشا
وأفكاره مضطربة وبلا حقيبة مدرسيَّة
ويكادُ يسقطُ ويتهاوى من شدَّة الجوع ..
فهو لم يأكل من فلافل العم صالح ولم يشرب
من شرابهِ المخلوط بالماء الصافي وبالتأكيد إنَّ جميعَ الأطفال أبناء صفه قد عادوا إلى بيوتهم إلا هو .
ويدخلُ هذا الطفلُ الذي اختطفهُ رجالُ الفضاء
إلى البيت على رؤوس أصابعهِ ، حتى لا تشعر وتحسّ بهِ أمُّهُ .. لكن عين الأم
الثاقبة كعين الصقر ( تشبيه بلاغي
جميل وأول مرة يطلق على الأم ) لمحتهُ
وسألتهُ : أين كنتَ يا فارس ( وهنا ولأول مرة
يذكر الكاتبُ اسمَ الطفل بطل القصَّة الذي تُروى القصَّة على لسانهِ من خلال الحوار
مع أمِّهِ ) . فيصمتُ الطفلُ برهة من الزمن ثمَّ يجيبها : كنتُ أبحثُ عن
حقيبتي يا أمِّي.. فيرتفعُ صوتُها قليلا : أينَ حقيبتُكَ
، فيجيبُها : لقد فقدتُها عندما كنت
ألعبُ مع الأصدقاء
في الإستراحة ، فقالت لهُ : والدُكَ يشقى ويتعب
ويعملُ في البناء من الصباح حتى المساء
معلقا بين الأرض
والسماء وأنت تهدرُ
جهدَهُ بطيشك . (
يُعطينا الكاتبُ هنا، من خلال حوار الأم مع ابنها، صورة للعامل
العربي الكادح الذي يقضي طيلة يومه، بل عمرهِ وحياتهِ في العمل الفيزيائي الشاق والمضني والخطير
لكي يُؤمِّنَ لقمة َ العيش الشريفة والكتب واللوازم المدرسيَّة والملابس وجميع الإحتياجات الحياتيَّة لأسرتهِ وأولادِهِ . فقسمٌ كبير من مجتمعنا العربي سابقا، واليوم
أيضا ما زال الكثيرون في مجتمعنا يعملون في الأعمال
الشاقة والصعبة لأجل تأمين
لقمة العيش لعائلاتهم وأولادهم . وهنالك العديد من العاملين
الميعلين لأسرهم سقطوا في ورشات وأماكن البناء والقصارة من ارتفاع عال أثناء
عملهم وقضوا نحبهم .
وتتابع الأمُّ حديثها فتقول: عندَ
المساء يعودُ والدكَ من العمل ويشتري لكَ حقيبة جديدة من مكتبةِ ( الصدق)،وصاحب
المكتبة هو صديق حميم لوالدكَ وسيصبرُ
علينا حتى يتقاضى والدكَ راتبَهُ آخر
الشهر . ويقولُ الطفلُ - كما جاء في القصَّةِ - :
في داخلي شعرتُ بالسَّعادةِ العارمةِ
لفقداني الحقيبة (
صفحة 22 ) فهي تلازمني منذ سنين،
منذ أن كنتُ في الصف الثاني ابتدائي ألوانها باهتة تزينها شقوقٌ
وثقوبٌ
تدخلها أشعةُ الشمس مع كلِّ
صباح لتغازلَ الكتبَ
والدفاتر ولتفحص إذا ما قمتُ
بواجباتي المدرسيَّة على أكمل وجه ( إنهُ تشبيهٌ ووصفٌ شاعري بلاغي جميل جاءَ بهِ الكاتبُ سهيل عيساوي على لسان الطفل بطل القصة ) . ويعطينا الكاتبُ هنا أيضا صورة صادقة
وحزينة ومؤلمة نوعا ما لواقع ووضع المجتمع العربي في الداخل،في جميع قرانا
العربيَّة، قبل أكثر من ثلاثين عاما حيث
كان القسمُ الكبيرمن هذا المجتمع فقيرا مادِّيًّا،وكان طلابُ المدارس
يستعملون الحقائبَ المدرسيَّة لعدةِ
سنوات لأنهُ ليس مع الأهل نقود ليشتروا لأولادهم حقيبة جديدة كلَّ سنة...والكتبُ أيضا كان
يتداولها الطلاب الأخوة بالتدريج فالأخُ الكبير يعطي الكتبَ التي لم يعد يستعملها
في السنةِ القادمة للأخ
الأصغر وهلمَّ جرَّا..
واليوم تقلَّصَ كثيرا هذا السيناريو
والوضع الصعب ، ولكن ما زالت هنالك عائلات
عرييَّة في القرى والمدن في الداخل تعيش تحت خط الفقر وتسيرُ أمورُها بصعوبة...وتتخذ هذا النمط والأسلوب المذكور في الإقتصاد والتوفير لأنَّ امكانيَّاتها الماديَّة
ضعيفة جدا . ويتابعُ الطفلُ حديثه في نهايةِ القصَّة ( حسب ما يريدهُ
المؤلف ) فيقول :
تركتُ أمِّي تتمتمُ
بكلمات وعبارات خاصّة بها وتناولتُ
منقوشة شهيَّة خرجت من الفرن للتو ( يذكر اسم ونوع طعام شعبي مألوف ومتداول وشهي
لدى الجميع وخاصة الأطفال) لإسكات عصافير بطني . أمعائي الخاوية استسلمت لبطش الجوع ، فالتهمتها دون رحمة أو بسملة على عجلة . أي انه لم يذكر
الله ويقول : ( بسم لله الرحمن الرحيم )
فاحترقت أصابعهُ قليلا واكتوى بنارها
لسانه السليط صفحة 24) .
وفي الجمل والفقرات الأخيرة من القصَّة يقولُ الطفل : بسطَ الليلُ ثيابه على الكون (
وعادة تستعمل كلمة سدوله وليس ثيابه، وربما يكون الكاتب سهيل عيساوي أول من
وضع واستعملَ كلمة ثيابه بدل
سدوله .... والمعروف أنَّ الشاعر الجاهلي امرؤ القيس هو أول من ابتكرَ
هذا التشبيه البلاغي في هذا البيت الشعري من معلقته وهو :
( " وليلٍ كموج البحرِ أرخى سدولهُ
عليَّ بأنواعِ
الهمومِ ليبتلي
" ) وما زال يُستعملُ هذا التعبير والتشبيه بكثرةٍ إلى يومنا هذا
من قبل معظم الكتاب والشعراء) . لم أستطع إنتظار أبي، ألقيتُ بجسدِي المثقل بالأعياء والتعب وبروحي المسكونة بالخوف على
سرير أخي الصغير، ورحتُ أغطُّ في سبات
عميق ( صفحة 26 ) ...وتنتهي القصَّةُ هذه
النهاية المفتوحة على نمط معظم قصص الأستاذ
سهيل عيساوي التي يكتبها للأطفال .
تحليلُ القصَّة : هذه القصَّةُ مثل جميع القصص التي كتبها الأستاذ سهيل عيساوي للأطفال فهي جميلةٌ
وممتعةٌ وغنيَّةٌ بأهدافها
وأبعادها ومضامينها ومواضيها
وفوائدها : الأدبيَّة والفنيَّة والإنسانيّة
والتعليميّة والأخلاقيَّة
والترفيهيّة وغيرها.والقصّةُ كُتِبَتْ وَنُسِجَتْ بأسلوب سلس يفهمها ويتذوّقها الصغير
والكبير.. ويشوبُ ويملؤُ القصَّة
َ الكثيرُ من الكلماتِ المُنمَّقة الصعبة،ولكن يُفهم فحواها ومعنانيها من خلال تقنيَّةِ أدرجاها في الجمل..وهذا ما يميِزُ اللغة العربية عن
غيرها من لغات العالم لأنهُ أية كلمة صعبة
وعسيرة على الفهم ومن القاموس القديم وغير مستعملة اليوم فعندما توضع وتدرج بشكل تقني صحيح يُفهم معناها بسهولة من دون
اللجوء إلى المعجم ... وهذا هو سر وسحر اللغة العربية ( اللغة لتي نزل فيها القرآن الكريم ) . ويستعمل ويدخل
الأستاذ سهيل عيساوي الكثير من المصطلحات والتعابير البلاغيَة الجميلة والبعض منها مبتكر
. والقصَّة يترعها العديدُ من الشطحات
والجمل الشاعريّة المليئة بالصور واللوحات الرومانسيَّة الحلوة والملوَّنة .
ومن
المصطلحات البلاغيَّة والتعابير والكلمات
الحلوة التي استعملها سهيل، مثل : تجثمُ
على صدري ( صفجة 2 ) .صخرة حدباء ( صفحة 2) .
ألوذ بصمت أبي الهول ( صفحة 2 ) . المتواري في حجيرات القلب ( صفحة 2 ) . إعتليتُ صهوة القلم ( صفحة 2 ) . الشمسُ تدغدغُ جبهتي ( صفحة 3 ) . تذوَّقت من جلودنا الغضَّة ( صفحة 4 )
. للوهلة الأولى ( صفحة 6 ) . فانفرجَت أساريري ( صفحة 10 )
.
توقفَ لبرهة (
صفحة 14 ) . تنفستُ الصُّعَداءَ وتبدَّدَ الخوفُ الجاثم على كتفي الصغير صفحة 14 )
. تبدَّدَ جبلُ المخاوف
( صفحة 14 ) . عينيها
الثاقبة كعين الصقر ( صفحة 20 ) .
أنفاسي المُبعثرة ( صفحة 20 ) .
تهدرُ جهدَهُ ( صفحة 20 ) . السعادة
العارمة ( صفحة 22 ) . إستسلمت
لبطش الجوع أمعائي الخاوية ( صفحة 24 ) . بسطَ الليلُ
ثيابهُ ( صفحة 24 ) . روحي المسكونة
بالخوف ( صفحة 26 ) . واكتوى بنارها لساني
السليط ( صفحة 24 ) .
ولهذه القصَّة كما- ذكرت سابقا -عدَّةُ
أهداف وأبعاد وجوانب . وأولُ جانب هو الجانب والعنصر الفانتازي،والقصَّةُ كلها من
أولها إلى نهايتها فانتازيَّة خياليَّة،ولكن من المحتمل أن تحدث في
المستقبل . أو ربَّما حدث ما يشابهها على أرض الواقع . فالجانبُ الفانتازي مهمٌّ جدًّا للطفل حيث يشدُّهُ
ويجذبهُ ويشوِّقهُ كثيرا للإهتمام ولقراءة هذا النوع من القصص.إنَّ موضوعَ الفضاء والكائنات من كوائب
أخرى والصحون الطائرة لموضوع شائق ومثير بغض النظر إذا كان
خيالا وخرافات أو صحيحا، فهذا
الموضوع يجذبُ ويثيرُ اهتمامَ الكبار قبل
الصغار...وكيف بالأحرى إذا كُتبت قصَّة ٌ
للأطفال تتطرَّق وتتحدث بتوسع بإسهاب
في هذا الموضوع .( مركبة فضائية أو صحن طائر وأشخاص من كواكب وعوالم
أخرى قادمون إلى كوكب الأرض ويختطفون أطفالا ويجرون عليهم تجارب
علميَّة ) .
والجديرُ بالذكر انَّ العلمَ يؤكدُ أو بالأحرى يرجِّحُ أنهُ لا بدَّ من وجود حياة ومخلوقات على كواكب أخرى غير كوكب الأرض .وقد تكون
هنالك أحياء ومخلوقات متطوّرة أكثر من سكان الكرة الأرضيَّة بكثير وعندهم تكنولوجيا متطورة جدا لا يستطيعُ تخيُّلها العقلُ
البشري وعندهم سفن ومركبات فضائيَّة تفوق سرعة الضوء.. وكما أنَّ ظاهرة الصحون الطائرة هي أكبر إثبات لصحة ذلك الأمر.وهنالك الكثير من
الروايات والحكايات تؤكدُ وتثبتُ حقيقة
الصحون الطائرة ، والصحون الطائرة هي عبارة عن سفن فضائيةَ على متنها مخلوقات من كواكب أخرى
تزور الأرض كلَّ مدة زمنيَّة . وبعضُ الحكايات الروايات تقولُ : أنهم
كانوا يأخذون عيِّنات من أشجار ونباتات وأحجار وحيوانات وغيرها ليجروا عليها التجارب والإختبارات مثلما العلماء والباحثين والأطباء عندنا على هذه الأرض يعملون تجاربهم على الحيوان والقرود والفئران والحشرات
وغيرها... فالكرة الأرضية والإنسان وباقي المخلوقات التي عليها قد
تكون جميعها مختبرا وحقل تجارب بالنسبة لهم لأنهم متطورون جدا ويتفوقون علينا ويسبقوننا كثيرا في التقدم العلمي والتكنلوجي . فالصحون
الطائرة كانت تأتي إلى الأرض ويشاهدها الناس في بعض المواقع والأماكن في
العالم، في كرتنا الأرضيَّة، قبل أن يخترع الإنسان الطائرة والصاروخ والسيارة بمئات السنين . وهنالك الكثير من الإنجازات
العلمية والإختراعات الفذة والحقائق
العلميّة الملموسة والمتداولة بشكل يومي
الآن كالصاروخ والطائرة
والتلفزيون والبيلفون والكومبيوتر
كانت هذه الأشياء قبل مئات السنين
غير موجودة وأشياء خياليَّة حتى لا يمكن أن يتخيلها العقلُ البشري آنذاك وأنها ستصبح حقيقة في المستقبل ..فمثلا
:البيلفون اليوم كلُّ الناس تستعمله ولكن قبل أكثر من 40 سنة لم يكن موجودا،والذي
كان يقول أنهم سيخترعون في المستقبل جاهز
اتصال يلتقط المكالمات ويمكن الإتصال به من كل مكان وبقعة في
العلم كانوا يتهمونه بالجنون والتخلف .. وأما اليوم فمع كل
طفل صغير يوجد
بيلفون(خلوي ) أو جهاز كومبيوتر. وربما بعد عشرات ومئات السنين تصبح حقيقة
الصحون الطائرة وغزو الفضاء
والسفر إلى كواكب أخرى بعيدة وفيها
حياة وتبعد عنا مسافات ساحقة جدا
وتحتاج لسرعة الضوء لنصل إليها وزياتها
وزيارة مخلوقات من كواكب أخرى للكرة الأرضية شيئا طبيعيا ويوميا وحقيقة وواقعا ملموسا
والله أعلم . ولأنهُ
لا يعقل أنَّ الحياة موجودة فقط على
وجه كرتنا الأرضيَّة لأنه توجد مليارات
المجرات والمجموعات الشمسيَّة وليست
مجموعتنا الشمسيَّة هي الوحيدة في هذا الكون الواسع والعظيم، ولكل مجموعة حولها العديد من
الكواكب التي تدور حولها ... ولا بدَّ من
وجود كواكب تشبه
الأرض في ظروفها
ومواصفاتها وشكلها وتكون الإمكانيَّات مهيأة للحياة
والعيش على سطحها وتوجد مخلوقات عليها. والجدير بالذكر أنهُ في الآونة
الأخيرة اكتشفَ علماءُ الفضاء في وكالة الأبحاث الفضائيَّة الأمريكيَّة
ناسا نظاما شبيها
بالنظام الشَّمسي يضمُّ سبعة كواكب بحجم الكرة الأرضيَّة . وتدور ثلاثةٌ من هذه الكواكب حول
نجم اسمهُ ترابست 1
ويقع على مسافة مناسبة لاحتمال وجود
مياه على هذه الكواكب أو أن تكون
قابلة لوجود الحياة . ويبعد عن الأرض مسافة 40 سنة ضوئيَّة . ورصدَ
العلماء حركة الكواكب عن طريق
تيلسكوب في تشيلي وأظهرت الصور أنَّ اغلب الكواكب شبيهة في
الحجم والتكوين بكوكبي الأرض والزهرة .
وفي مجموعتنا الشمسيَّة هذه أيضا عدا كوكب المريخ الذي يشابه الأرض
نوعا ما في مواصفاته وشكله فهنالك أحد
الأقمار التي تدور حول كوكب المشتري
شبيه جدا بكوكب الأرض وَيُرَجِّحُ العلماءُ أنهُ ممكن أن
تكون هنالك مياهٌ وحياة على سطحِهِ .
ولنرجع إلى القصة ومضامينها حيث يظهر في القصة مضامين وجوانب عديدة هامة ،مثل :
1- الجانب
الأدبي والبلاغي
2- - الجانب الفني
3- عنصر التشويق والإثارة .
4- عنصر
المفاجأة . ويظهر قليلا
5- الجانب
الإنساني والأسري والإجتماعي
6- الجانب التراثي
والشعبي .. ( يذكر الكاتب أسماء أكلات
شعبية كالمناقيش بالزعتر والفلافل ) ..
7- العنصر
الفانتازي الخيالي .. والقصَّة كلها خيالية .
8- الجانب التثقيفي والتعليمي .
وتنتهي القصةُ نهاية مفتوحة - كما
ذكرسابقا - عندما ينامُ الطفلُ فارس من شدة التعب ، ولا يتابعُ الكاتبُ القصة وما سيجري
من أحداث وأمور بعد أن يصحو الطفلُ ومجيىء الأب
وماذا سيكون تصرُّف الأب تجاه ابنه
العاق الذي أضاع حقيبته كما سيفهم الأب الموقف والحدث .
ويشوبُ القصَّة
َ ويترعُها الجانبُ الإجتماعي والأسري والإنساني
فتتحدثُ عن الوضع المادي
الصعب وحالة الفقر والقلة التي
كانت تحياها عائلةُ الطفل فارس والكثير من العائلاتِ العربيَّة...وكان يظهُر
وينعكسُ هذا الأمر بوضوح من خلال الأطفال
وطلاب المدارس الذين لا يستطيعُ الأهلُ ان
يشتروا لهم كلَّ سنة حقيبة جديدة وكتب جديدة
فكانت الكتبُ يتداولها الأخوة من الكبير إلى الأخ الأصغر فالأصغر وهكذا
دواليك.والقصة تعطينا صورة مثالية رائعة
للأب العربي الكادح والمكافح الذي يقضي طيلة النهار في العمل الشاق ومعلقا ما بين الأرض والسماء
وفي مواقع الخطر لكي يعيلَ أولاده وأسرته . فالقصَّةُ تعكسُ محبة الأهل ( الأب والأم ) لأولادهم
وأطفالهم ، ولكنَّ الأبناءَ لا يشعرون ويحسُّون كما يجب
بتضحية وتفاني الأب والأم وبرسالتهم
المقدسة لأجل تربيتهم وتعليمهم وتحقيق
وتأمين مستقبلهم . ومن خلال الحوار الذي جرى بين الأم وطفلها في
القصة يريدُ أن يقول الكاتبُ والمؤلفُ لكلِّ
طفل ولكلِّ ولد في العالم وفي كل مجتمع أنَّ عليه أن يشعرَ بأهميةِ دور الأهل
( الآباء ) في كفاحهم وشقائهم وتعبهم
لأجل تأمين المستقبل الزاهر والمشرق لهم - المستقبل الإقتصادي والعلمي والمهني والإنساني
.
وبإختصار: هذه القصَّة إبداعية ناجحة جدا ومميَّزة على جميع المستويات والمفاهيم ، ويكفيها الجانب والطابع الفانتازي
الخيالي ليضيفَ إليها سحرا ورونقا ونكهة خاصة وتجعل الطفلَ الصغير ينجذب ويندفع بكلِّ مشاعره ولواعجهِ وأحاسيسهِ وذهنهِ لسماعها
وقراءتها وللإستمتاع بمجرى أحداثها وأجوائها الفانتازيَّة المُثيرة .
وأخيرا : نهنىءُ الشاعر والأديب والمؤرخ الأستاذ سهيل عيساوي على
هذا الإنجازالأدبي الجديد الرائع..على هذه القصَّة الإبداعيَّة الجميلة والقيِّمة والمميزة والتي تستحقُّ أن تدرجَ ضمن المناهج
الدراسيَّة وتدرسَ في المدارس
والمعاهد للكبار وللصغار وأن تترجمَ إلى
العديد من اللغات الأجنبيَّة والعالميَّة.. فهي في شكلها وطابعها
وأسلوبها وفحواها ومستواها
وجماليَّتها وقيمتها الفنيَّة تضاهي مستوى القصص العالميَّة التي كتبت
للأطفال .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق