أ.د. محمد الدعمي
لست أشك بأن معظم الذين جايلوني يوازون بين الفنان المصري، المرحوم محمود المليجي، وبين نمط الشخصية الشريرة، وتنطبق ذات الحال على المرحوم إسماعيل ياسين، الذي تكفي صورة مجردة لوجهه كي تضحك. وبطبيعة الحال، فإن الواقع يختلف تمامًا عمّا كرسه هذان الفنانان في دواخلنا عبر الأدوار التي أدوها: (1) الشريرة في الحال الأولى، و(2) المضحكة في الحال الثانية. ربما كان الرجلان يختلفان تمامًا في تعاملهما الحياتي اليومي عما اختزنته ذاكرتنا (مشاهدين) من انطباع عنهما.
للمرء أن يلاحظ بأن هذه الحال من التقمص بين المؤدي والدور الذي يعتاد تقديمه عبر الدراما إنما هي حال كونية، لا تخص الذين شاهدوا الأفلام المصرية عبر عقود الماضي، بدليل المفاجآت التي يقدمها لنا المتقمصون من الممثلين بين الفينة والأخرى. وإذا كنا قد سمعنا جميعًا عن فضيحة الممثل الأميركي الشهير بيل كوزبي Cosby الذي أقيمت التماثيل على شرفه باعتباره، نموذج الأب الأميركي، أو أبو أميركا America’s father، إذ إنه يعاني اللحظة من سقطة مدوية قادت إلى رفع تمثاله وإلى إلغاء جميع عقوده مع الشركات الكبرى للمشاريع الفنية المستقبلية. نهايته المأساوية جاءت بواعثها منذ أواسط العقد الأخير من القرن الماضي، إذ تقدمت شابة بدعوى قضائية ضده، تدعي فيها بأن كوزبي كان قد سقاها مشروبًا مع حبة مخدرة، نامت على أثرها، ولم تستيقظ إلا بعد ساعات كي نجد أن “بابا أميركا” كان قد اغتصبها وهي مبتسمة تحت تأثير المخدر.
وإذا كانت دعوى هذه الشابة قد “حفظت” ثم نسيت، إلا أن تقدم عدد يزيد على العشرين من النساء بشكاوى مماثلة بالضبط قد دفع إلى أن يطلب الإعلام الأميركي من المحكمة، التي سبق وأن حفظت الدعوى أعلاه، في سبيل إعادة التحقيق فيها، مع إضافة ما جاء من عشرات الاتهامات المماثلة التي تتحدث عن ذات الطريقة “الميسرة” في الاغتصاب وخرق المحرمات. وهكذا لم يزل الجمهور الأميركي يحاول جاهدًا إزالة صورة الأب الحنون التي كرسها “برنامج عرض كوزبي” The Cosby Show عبر العقود؛ في سبيل استبدالها بصورة كوزبي الأب الحنون الذي يعبث مع بناته جنسيًّا! بمعنى المستذئب الذي يستغل ثقة البنات الشابات بأبوته كي يلقنهن درسًا لن ينسى في خطورة وضع الثقة في غير محلها من البشر.
المؤكد في مآسي هذا الرهط من المستغفلات يتجسد بأنهن قد صدقن بأن كوزبي هو أب حنون وحقيقي، فذهبن إلى صدره الدافئ بحثًا عن الشهرة، معتقدات بأنه يمكن أن يتعاطف معهن ويستخدم نفوذه في سبيل دفعهن للمشاركة في أعمال فنية تدفع بهن إلى الشهرة. ولكن لسوء طالعهن وقصر نظرهن، قام كوزبي باستخدام شيء آخر، سوى نفوذه وماله، لدفعهن!
وتنطبق ذات الحال على الممثل الشهير توم سيليك Selleck، الذي اشتهر بدور مدير شرطة مدينة نيويورك المبدئي (مسلسل، دماء زرقاء Blue Bloods) الذي لا يسمح قط لأي اختراق لجهاز شرطة المدينة بسبب التزامه المذهل بالقوانين وقدرته المثيرة للإعجاب كذلك على تخطي وتجاهل العواطف الشخصية/ حتى مع أفراد أسرته، من أجل تنفيذ القوانين والتعليمات بحذافيرها. لذا فقد استحق “سيليك” إعجاب المشاهدين كرجل بوليس مثالي لا يمكن أن تمر عليه جريمة أو جنحة دون الإمساك بخيوطها لحلها على النحو المثالي ليعيد العدل إلى نصابه والحق إلى أهله. قبل بضعة أيام أعلنت وسائل الإعلام الأميركية بأن صاحبنا “سيليك” كان لمدة طويلة يسرق المياه من أحد المشاريع في سبيل سقاية مزرعته الخاصة. والمعنى النهائي لذلك هو أن “حاميها حراميها”!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق