المؤكد أن لغة النثر فسيحة أكثر من لغة الشعر، لكن أحد الشعراء البارزين قال ذات مرة "الشعر لم يعد بالنسبة لي إبداعاً بل صناعة". ومضى في قوله "أستطيع التلاعب بالكلمات متى أريد وفي النهاية ستكون هناك قصيدة". إلى أي مدى يصح ما قاله هذا الشاعر؟
هناك من يرى الآن أن الشعر تراجع أمام ركام النثر الذي أصبح يفيض عن الحاجة بعد أن امتلأت الشبكة العنكبوتية "بكل شيء". بعض الناس يعتقدون أن النثر تداخل مع الشعر بعد أن أصبحت "القصيدة نثراً". آخرون يقولون إن "زمن الشعر" من زمن الإنسان. في رأيهم أن عدد الشعراء تقلص لكن الشعر سيبقى. في هذه الحوارات نستمع للشعراء يقولون.
هناك من يرى الآن أن الشعر تراجع أمام ركام النثر الذي أصبح يفيض عن الحاجة بعد أن امتلأت الشبكة العنكبوتية "بكل شيء". بعض الناس يعتقدون أن النثر تداخل مع الشعر بعد أن أصبحت "القصيدة نثراً". آخرون يقولون إن "زمن الشعر" من زمن الإنسان. في رأيهم أن عدد الشعراء تقلص لكن الشعر سيبقى. في هذه الحوارات نستمع للشعراء يقولون.
- نجد في الآونة الأخيرة العديد من اللقاءات الأدبية وفي مدن عدة بالمغرب، فإلى أي مدى يمكن لهذه اللقاءات أن تخدم الشعر؟ كيف ذلك؟
اللقاءات مهمة في توطيد العلاقات بين الشعراء والأدباء، وإتاحة فرص للنقاش وتبادل الآراء بشأن مختلف المظاهر التي تهم الوضع الثقافي بشكل عام. كما أنها تفسح المجال للمبدعين للقاء محبي الأدب، وبالتالي خلق بعض الدينامية المفتقدة حاليا في ما يخص الاهتمام بالأدب.
هذا الوجه الأول للعملة، أما الوجه الثاني، فهو أن هذه اللقاءات أضحت مبتذلة بسبب كثرتها من جهة، حتى ليخيل إليك أن كل المغاربة شعراء وأدباء، ومن جهة ثانية، بسبب الرتابة التي تخلقها هذه الكثرة، تضاف إليها أسئلة تنظيمية لم يتم تجاوزها، وعلى سبيل المثال، لا أجد مسوغا لدعوة 50 أو 60 شاعرا أو قاصا للقاء شعري أو قصصي من يومين. وأعتقد أن هذا لا يتيح للجمهور (القليل في العادة) الذي يحضر هذه التظاهرات الوقوف على حقيقة تجارب هؤلاء المبدعين. بهذا الشكل قد يكون لهذه اللقاءات أثر عكسي.
من هنا ربما تتوجب إعادة النظر في هذه اللقاءات من خلال تنظيمها بشكل مختلف أو بالاقتصار على عدد قليل من المدعوين للمشاركة لا يتعدى 10 شعراء أو كتاب قصة، وتكريس جلسة نقدية لهؤلاء تحديدا، وتنظيم معارض على الهامش للكتاب الإبداعي المغربي عموما، وتوقيعات لكتب المشاركين، وهذا مع مراعاة عدم دعوة نفس الأسماء دائما.
- من خلال التطورات التي تعرفها الأجناس الأدبية، ووصولا حتى إلى تشعبها وتنوعها، وإلى مرحلة اللاتجنيس أحيانا، فهل يمكن أن يتطور الشعر إلى جنس آخر؟
هل ما زالت هناك حدود بين الأجناس الأدبية؟ الواقع ينفي ذلك، بل على العكس هناك تداخل أكيد بينها، ويكاد المبدعون كافة ينخرطون في هذا التوجه، بحيث أصبحت الأجناس مستوعبة لبعضها، وإذا تأملنا الأمر بشكل جيد فهذا لا يختلف عما هو حاصل في دينامية الحياة البشرية، حيث اختلاط وتداخل الشعوب.
لهذا، فتطور الشعر هو باتجاه اللقاء بالأجناس الأخرى، والعكس صحيح أيضا، فقط هناك تلك الخصوصيات التي تبقي لصيقة بكل جنس أدبي على حدة. فمثلا إذا كانت الرواية تجنح للتفاصيل، فإن الشعر، وهو يكتب هذه التفاصيل أيضا، يفعل ذلك باقتصاد في اللغة، وبكثافة في التصوير.
- هناك العديد من المسابقات الشعرية في القنوات التلفزية أو في المجلات والصحف، هل يجدها الشاعر ضرورية، وما يمكن أن تضيفه لرصيده؟
ما ينطبق على المسابقات هو نفسه ما أشرت إليه بشأن المهرجانات الشعرية. فهي حافز للشاعر ونوع من الاعتراف والاعتبار لكتاباته، وتكريسا له في الساحة الشعرية في حالات أخرى. بيد أن كثرة المسابقات والجوائز ليست بالأمر الصحي دائما، بحيث تصبح مبتذلة ولا قيمة لها، وأنها لا تؤول دائما للأجود.
- هل الشاعر مجبر على التصريح بمواقفه السياسية والفكرية، أم يكفي التعبير عنها بإبداعه حتى لا يتحول إلى داعية أو بوق لجهة معينة؟
ما معنى مجبر؟ وهل هناك أحد ما أيا كان، وليس بالضرورة الشاعر، مجبر على أن يفعل ذلك؟ إن الأمر متروك له كي يفعل أو لا يفعل وفقا لما تمليه قناعاته وإيمانه بقضايا معينة أو عدم إيمانه بذلك.
بالمقابل، الشق الثاني من السؤال على درجة عالية من الأهمية. الإبداع في نظري هو دائما حاملُ فكر، وموقف، ورأي وأحيانا رسالة. ولا أتصور شعرا حقيقيا لا يحمل أيا من هذه العناصر. القصيدة تعبير عن خلفية معينة، وهذا التعبير، حتى في الحالة التي تكون فيه هذه الخلفية إيديولوجية أو سياسية ليس ضروريا أن يتم التعبير عنها على طريقة سبعينيات القرن الماضي التي أملتها الدينامية النضالية بتغذية من المد اليساري في العالم، حتى نقول إن الأمر يتعلق بتعبير عن موقف. إن القصيدة في النهاية نسيج متشابك، يتزاحم فيها الفكر والعاطفة والانفعال الإنساني تجاه ظواهر معينة. وبالتالي، فالشاعر الذي يميل إلى أن يكون بوقا لغيره، فذلك نوع من الفاوستية إذا جاز القول، مع أن الغاية التي قد يفعل ذلك من أجلها قد تتحقق وقد لا تتحقق.
- تتنوع الساحة الشعرية في المغرب إلى ما بين شعر التفعيلة وقصيدة النثر والشعر العمودي، إضافة إلى الزجل، فإلى أي مدى يمكن لهذا التنوع أن يخدم الكلمة الشعرية؟
في نهاية الأمر، كل كتابة هي غنى للحقل الأدبي بشكل عام. وبالتالي، فهذا التنوع من الأفضل أن يكون موجودا، وأن يتم احترامه والدفاع عنه. صراع الأشكال هذا لا معنى له. الزمن وحده الكفيل بالتخلص من الأشكال التي لم يعد لها لزوم بالنظر إلى تطور المجتمعات وارتقاء الفكر. هناك في الطبيعة ما يعرف بانقراض الأحياء بسبب تغير أسباب العيش والمناخ وغير ذلك بحيث تختفي الأنواع التي لم تتمكن من التأقلم، وأعتقد أنه من الممكن إسقاط هذا القانون على مجالات أخرى، ولعلنا في الشعر يمكن أن نعثر على انقراض بعض الأغراض مثل المديح والهجاء، وإذا وجدا فلا نقرأهما إلا بنوع من الاستهجان.
- الشذرة بنفحتها الفلسفية وتناسقها هل يمكن أن نعتبرها تطورا للكلمة الشعرية؟
الشذرة نوع من أنواع الكتابة. الكثافة التي تنفرد بها تفترض أن يكون كاتبها قد تمكن من الفكرة ومن الأداة اللغوية ليجعل منها نوعا من الحكمة أو ليمنحها كما قلت تلك النفحة الفلسفية. إنها ليست تطورا للكلمة الشعرية باعتبار أنها ليست حديثة الوجود، فآثار المتصوفة على سبيل المثال مليئة بهذا النوع من الكتابة، ويمكن أن يضاف إليها ما يسمى بقصيدة البيت الواحد أو البيتين في الشعر العربي القديم.
- ما الذي تضيفه الأسماء العربية إلى الملتقيات الأدبية الوطنية؟
الأسماء العربية (وغير العربية) في الملتقيات الثقافية بالمغرب أمر يساعد على توطيد جسور التواصل بين التجارب الإبداعية والتعارف عن قرب بين المبدعين المغاربة وغيرهم.
فقط تجب الإشارة إلى أنه ليس كل من يدعى لهذه الملتقيات هم أو هن من خيرة الأسماء الموجودة في هذا البلد أو ذاك، وإذا كان من سلبية للأنترنت في المجال الإبداعي فهي أن الشبكة فتحت المجال واسعا لكل من "هب ودب" في المغرب وفي غير المغرب ليكتب أي شيء ويصبح شاعرا أو قاصا، ثم يستثمر وجوده على الشبكة في نسج علاقات افتراضية قد تتوج، لاعتبارات معينة، بدعوة لهذا الملتقى أو ذاك دون أن يكون قد قدم شيئا إضافيا لما هو كائن أصلا.
- الدراسات النقدية كانت ومازالت الرفيق الأمثل والموجه لأي إبداع، فإلى أي مدى ينجح الناقد المغربي في تقييم التجربة الشعرية، وما مدى تأثيره فيها؟
من قبل، كنت، مثل كثيرين، أتساءل عن غياب النقد وانحساره عن متابعة الإنتاج الإبداعي في المغرب. الآن صراحة بدأت أغير رأيي قليلا لأنني خلصت إلى أنه ليس بإمكان النقد متابعة كل هذا الزخم الذي نقترفه باسم الإبداع، كما أن وظيفة الناقد في الوقت الراهن ربما تغيرت هي الأخرى بحيث لم يعد تقييم التجارب إحدى مهامه الأساسية بقدر ما أصبح ميالا أكثر لتشريح النصوص ومساءلة حمولتها. وقد يكون التخلي عن هذه المهمة أي تقييم التجارب الإبداعية من أفظع المصائب التي حلت بالنقد وانعكست على الإبداع أيضا بحيث فسح المجال لزحف الرداءة.
يضاف إلى ذلك أن النقد قليل حتى في المجالات الحياتية الأخرى، فالفكر النقدي نفسه تضاءل ونالت منه دوامة الاستهلاك التي تتجه بالإنسان نحو نوع من النمطية التي تجعله فاغرا فاه أمام تطورات الحياة في الواقع.
إن أقصى ما يحتاج إليه المبدع في الوقت الراهن هو الترويج لمنتوجه من خلال وسائط الإعلام، وبالتالي ثمة حاجة إلى نوع من الصحافة الأدبية التي تجعل القراء على علم بما يصدر من كتب، وتقوم بنوع من التحريض على الإقبال على القراءة.
*******************
سيرة الشاعر:
جمال الموساوي من مواليد (1970). مسؤول وحدة التنسيق والتعاون الوطني بالهيأة المركزية للوقاية من الرشوة. صحافي سابق بصحيفة "العلم". عضو المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب لدورتين. عضو بيت الشعر في المغرب. عضو هيأة تحكيم جائزة المغرب للكتاب دورة 2005. عضو هيأة تحكيم جائزة بيت الشعر للديوان الأول، دورة 2008. عضو الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة. عضو اللجنة الوطنية للحوار حول المجتمع المدني. نشرت له العديد من المقالات في الصحف والمجالات المغربية والعربية. شارك في العديد من الملتقيات الثقافية، وفي مجموعة من البرامج الإذاعية والتلفزية المغربية والعربية.
صدر له:
ديوان "كتاب الظل" (2001)، و"مدين للصدفة" (2007)، و"حدائق لم يشعلها أحد" (2011).
هذا الحوار لصحبفة العاصمة أجراه خالد أبجيك الصحفي بالجريدة ذاتها. وقد نشر في النسخة الورقية يوم الجمعة 3 أكتوبر 2014، ويوم 7 من نفس الشهر في الموقع الألكتروني.
اللقاءات مهمة في توطيد العلاقات بين الشعراء والأدباء، وإتاحة فرص للنقاش وتبادل الآراء بشأن مختلف المظاهر التي تهم الوضع الثقافي بشكل عام. كما أنها تفسح المجال للمبدعين للقاء محبي الأدب، وبالتالي خلق بعض الدينامية المفتقدة حاليا في ما يخص الاهتمام بالأدب.
هذا الوجه الأول للعملة، أما الوجه الثاني، فهو أن هذه اللقاءات أضحت مبتذلة بسبب كثرتها من جهة، حتى ليخيل إليك أن كل المغاربة شعراء وأدباء، ومن جهة ثانية، بسبب الرتابة التي تخلقها هذه الكثرة، تضاف إليها أسئلة تنظيمية لم يتم تجاوزها، وعلى سبيل المثال، لا أجد مسوغا لدعوة 50 أو 60 شاعرا أو قاصا للقاء شعري أو قصصي من يومين. وأعتقد أن هذا لا يتيح للجمهور (القليل في العادة) الذي يحضر هذه التظاهرات الوقوف على حقيقة تجارب هؤلاء المبدعين. بهذا الشكل قد يكون لهذه اللقاءات أثر عكسي.
من هنا ربما تتوجب إعادة النظر في هذه اللقاءات من خلال تنظيمها بشكل مختلف أو بالاقتصار على عدد قليل من المدعوين للمشاركة لا يتعدى 10 شعراء أو كتاب قصة، وتكريس جلسة نقدية لهؤلاء تحديدا، وتنظيم معارض على الهامش للكتاب الإبداعي المغربي عموما، وتوقيعات لكتب المشاركين، وهذا مع مراعاة عدم دعوة نفس الأسماء دائما.
- من خلال التطورات التي تعرفها الأجناس الأدبية، ووصولا حتى إلى تشعبها وتنوعها، وإلى مرحلة اللاتجنيس أحيانا، فهل يمكن أن يتطور الشعر إلى جنس آخر؟
هل ما زالت هناك حدود بين الأجناس الأدبية؟ الواقع ينفي ذلك، بل على العكس هناك تداخل أكيد بينها، ويكاد المبدعون كافة ينخرطون في هذا التوجه، بحيث أصبحت الأجناس مستوعبة لبعضها، وإذا تأملنا الأمر بشكل جيد فهذا لا يختلف عما هو حاصل في دينامية الحياة البشرية، حيث اختلاط وتداخل الشعوب.
لهذا، فتطور الشعر هو باتجاه اللقاء بالأجناس الأخرى، والعكس صحيح أيضا، فقط هناك تلك الخصوصيات التي تبقي لصيقة بكل جنس أدبي على حدة. فمثلا إذا كانت الرواية تجنح للتفاصيل، فإن الشعر، وهو يكتب هذه التفاصيل أيضا، يفعل ذلك باقتصاد في اللغة، وبكثافة في التصوير.
- هناك العديد من المسابقات الشعرية في القنوات التلفزية أو في المجلات والصحف، هل يجدها الشاعر ضرورية، وما يمكن أن تضيفه لرصيده؟
ما ينطبق على المسابقات هو نفسه ما أشرت إليه بشأن المهرجانات الشعرية. فهي حافز للشاعر ونوع من الاعتراف والاعتبار لكتاباته، وتكريسا له في الساحة الشعرية في حالات أخرى. بيد أن كثرة المسابقات والجوائز ليست بالأمر الصحي دائما، بحيث تصبح مبتذلة ولا قيمة لها، وأنها لا تؤول دائما للأجود.
- هل الشاعر مجبر على التصريح بمواقفه السياسية والفكرية، أم يكفي التعبير عنها بإبداعه حتى لا يتحول إلى داعية أو بوق لجهة معينة؟
ما معنى مجبر؟ وهل هناك أحد ما أيا كان، وليس بالضرورة الشاعر، مجبر على أن يفعل ذلك؟ إن الأمر متروك له كي يفعل أو لا يفعل وفقا لما تمليه قناعاته وإيمانه بقضايا معينة أو عدم إيمانه بذلك.
بالمقابل، الشق الثاني من السؤال على درجة عالية من الأهمية. الإبداع في نظري هو دائما حاملُ فكر، وموقف، ورأي وأحيانا رسالة. ولا أتصور شعرا حقيقيا لا يحمل أيا من هذه العناصر. القصيدة تعبير عن خلفية معينة، وهذا التعبير، حتى في الحالة التي تكون فيه هذه الخلفية إيديولوجية أو سياسية ليس ضروريا أن يتم التعبير عنها على طريقة سبعينيات القرن الماضي التي أملتها الدينامية النضالية بتغذية من المد اليساري في العالم، حتى نقول إن الأمر يتعلق بتعبير عن موقف. إن القصيدة في النهاية نسيج متشابك، يتزاحم فيها الفكر والعاطفة والانفعال الإنساني تجاه ظواهر معينة. وبالتالي، فالشاعر الذي يميل إلى أن يكون بوقا لغيره، فذلك نوع من الفاوستية إذا جاز القول، مع أن الغاية التي قد يفعل ذلك من أجلها قد تتحقق وقد لا تتحقق.
- تتنوع الساحة الشعرية في المغرب إلى ما بين شعر التفعيلة وقصيدة النثر والشعر العمودي، إضافة إلى الزجل، فإلى أي مدى يمكن لهذا التنوع أن يخدم الكلمة الشعرية؟
في نهاية الأمر، كل كتابة هي غنى للحقل الأدبي بشكل عام. وبالتالي، فهذا التنوع من الأفضل أن يكون موجودا، وأن يتم احترامه والدفاع عنه. صراع الأشكال هذا لا معنى له. الزمن وحده الكفيل بالتخلص من الأشكال التي لم يعد لها لزوم بالنظر إلى تطور المجتمعات وارتقاء الفكر. هناك في الطبيعة ما يعرف بانقراض الأحياء بسبب تغير أسباب العيش والمناخ وغير ذلك بحيث تختفي الأنواع التي لم تتمكن من التأقلم، وأعتقد أنه من الممكن إسقاط هذا القانون على مجالات أخرى، ولعلنا في الشعر يمكن أن نعثر على انقراض بعض الأغراض مثل المديح والهجاء، وإذا وجدا فلا نقرأهما إلا بنوع من الاستهجان.
- الشذرة بنفحتها الفلسفية وتناسقها هل يمكن أن نعتبرها تطورا للكلمة الشعرية؟
الشذرة نوع من أنواع الكتابة. الكثافة التي تنفرد بها تفترض أن يكون كاتبها قد تمكن من الفكرة ومن الأداة اللغوية ليجعل منها نوعا من الحكمة أو ليمنحها كما قلت تلك النفحة الفلسفية. إنها ليست تطورا للكلمة الشعرية باعتبار أنها ليست حديثة الوجود، فآثار المتصوفة على سبيل المثال مليئة بهذا النوع من الكتابة، ويمكن أن يضاف إليها ما يسمى بقصيدة البيت الواحد أو البيتين في الشعر العربي القديم.
- ما الذي تضيفه الأسماء العربية إلى الملتقيات الأدبية الوطنية؟
الأسماء العربية (وغير العربية) في الملتقيات الثقافية بالمغرب أمر يساعد على توطيد جسور التواصل بين التجارب الإبداعية والتعارف عن قرب بين المبدعين المغاربة وغيرهم.
فقط تجب الإشارة إلى أنه ليس كل من يدعى لهذه الملتقيات هم أو هن من خيرة الأسماء الموجودة في هذا البلد أو ذاك، وإذا كان من سلبية للأنترنت في المجال الإبداعي فهي أن الشبكة فتحت المجال واسعا لكل من "هب ودب" في المغرب وفي غير المغرب ليكتب أي شيء ويصبح شاعرا أو قاصا، ثم يستثمر وجوده على الشبكة في نسج علاقات افتراضية قد تتوج، لاعتبارات معينة، بدعوة لهذا الملتقى أو ذاك دون أن يكون قد قدم شيئا إضافيا لما هو كائن أصلا.
- الدراسات النقدية كانت ومازالت الرفيق الأمثل والموجه لأي إبداع، فإلى أي مدى ينجح الناقد المغربي في تقييم التجربة الشعرية، وما مدى تأثيره فيها؟
من قبل، كنت، مثل كثيرين، أتساءل عن غياب النقد وانحساره عن متابعة الإنتاج الإبداعي في المغرب. الآن صراحة بدأت أغير رأيي قليلا لأنني خلصت إلى أنه ليس بإمكان النقد متابعة كل هذا الزخم الذي نقترفه باسم الإبداع، كما أن وظيفة الناقد في الوقت الراهن ربما تغيرت هي الأخرى بحيث لم يعد تقييم التجارب إحدى مهامه الأساسية بقدر ما أصبح ميالا أكثر لتشريح النصوص ومساءلة حمولتها. وقد يكون التخلي عن هذه المهمة أي تقييم التجارب الإبداعية من أفظع المصائب التي حلت بالنقد وانعكست على الإبداع أيضا بحيث فسح المجال لزحف الرداءة.
يضاف إلى ذلك أن النقد قليل حتى في المجالات الحياتية الأخرى، فالفكر النقدي نفسه تضاءل ونالت منه دوامة الاستهلاك التي تتجه بالإنسان نحو نوع من النمطية التي تجعله فاغرا فاه أمام تطورات الحياة في الواقع.
إن أقصى ما يحتاج إليه المبدع في الوقت الراهن هو الترويج لمنتوجه من خلال وسائط الإعلام، وبالتالي ثمة حاجة إلى نوع من الصحافة الأدبية التي تجعل القراء على علم بما يصدر من كتب، وتقوم بنوع من التحريض على الإقبال على القراءة.
*******************
سيرة الشاعر:
جمال الموساوي من مواليد (1970). مسؤول وحدة التنسيق والتعاون الوطني بالهيأة المركزية للوقاية من الرشوة. صحافي سابق بصحيفة "العلم". عضو المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب لدورتين. عضو بيت الشعر في المغرب. عضو هيأة تحكيم جائزة المغرب للكتاب دورة 2005. عضو هيأة تحكيم جائزة بيت الشعر للديوان الأول، دورة 2008. عضو الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة. عضو اللجنة الوطنية للحوار حول المجتمع المدني. نشرت له العديد من المقالات في الصحف والمجالات المغربية والعربية. شارك في العديد من الملتقيات الثقافية، وفي مجموعة من البرامج الإذاعية والتلفزية المغربية والعربية.
صدر له:
ديوان "كتاب الظل" (2001)، و"مدين للصدفة" (2007)، و"حدائق لم يشعلها أحد" (2011).
هذا الحوار لصحبفة العاصمة أجراه خالد أبجيك الصحفي بالجريدة ذاتها. وقد نشر في النسخة الورقية يوم الجمعة 3 أكتوبر 2014، ويوم 7 من نفس الشهر في الموقع الألكتروني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق