أ.د. محمد الدعمي
ثمة رعب لا يمكن للمرء تجنب الشعور به وتوقعه، خاصة عندما يدرك بأن قوات “داعش” تطبق بإحكام الآن على واحدة من أكبر مدن الشرق الأوسط وأكثفها سكانيًّا قاطبة، بغداد، ومن عدة محاور. وإذا كان الإعلام الرسمي يسلك سلوكًا شبيهًا بسلوك النعامة بتعاميه عن حقائق دامغة بهدف استغفال المستهلك الإعلامي وإبعاده عن التحضير لمقاومة القوات المهاجمة، زد على ذلك ما يتم ضخه من مبالغات حول دور القوات الرسمية وصدها لكذا هجوم وقتلها لكذا عدد من “الدواعش”. فإن علينا كمراقبين، لا نقبل بأن نستغفل أو أن يضحك على ذقوننا، أن نعرف وندرك جيدًا أن بغداد الآن كـــ”صابونة” بقبضة داعش: فمن الغرب (محافظة الأنبار) وصل الدواعش أبا غريب (موقع السجن السيء الصيت) وراحوا يقصفون مطار بغداد، أي أنهم على مسافة ثلث ساعة بالسيارة عن أطراف بغداد، ومن الشمال الشرقي (محافظة ديالى) تطبق قواتهم على أطراف بغداد، ويخشى المرء أن يعيد مقاتلو داعش تنظيم صفوفهم في جنوب بغداد (محافظة بابل)، بمعنى إمكانية إسهامهم بعملية الإطباق على بغداد، وبعملية أخرى تهدف إلى منع وصول الإمدادات والنجدات من محافظات الجنوب إلى بغداد كي يخلو “الفضاء” للقوات المهاجمة للقيام بحمّام الدم.
ولم يزل المرء يجهل معنى التعامي ودلائل التعمية عن الخطر المحدق ببغداد، لأنه غدا اليوم على حافة مأساة من النوع الذي قد لا يتكرر في تاريخ النوع الآدمي حتى في الحروب العالمية. وإذا كانت دموية وانتقامية داعش بدرجة تقشعر لها النفوس في المدن الشمالية التي استدرجت أو خدعت نفسها بأن داعش إنما هي “سفينة النجاة”، فإن الذي يمكن أن يحدث في مجال سكاني كثيف كبغداد لا يبقي ولا يذر بمعنى الكلمة. هذا ما يحاول الكثيرون، حتى من سكان بغداد الذين ينتظرون حمام الدم، أن يصرفوا النظر عنه وكأن لسان حالهم يقول ما قاله الشاعر الجاهلي “اليوم خمر وغدا أمر”، للأسف.
وإذا كان البغاددة سيقاسون ما لم يقاسه أجدادهم على أيدي هولاكو خان سنة 1258م إن لم يفعلوا شيئًا، فإن الأخطر هو ما ستقاسيه دول الإقليم بعد أن يتم حمام الدم بنجاح ساحق ودون أن يتحرك أحد قيد أنملة، للأسف.
وعلى المرء التنويه على أن المأساة أعلاه، إذا ما حدثت، فإن العراق لن يبقى، إذ ستعلن دولة خلافة في فضاء دولي عابر للحدود السياسية بين العراق وسوريا. وهذا، كما أظن، هو ما تحاول الولايات المتحدة ودول الإقليم تناسيه اللحظة، وهي حال تشبه حال النعامة كذلك، عندما تدفن رأسها في التراب لتجنب الخطر المحدق بها. إن اختلاط الأمور في العراق وتهاويه مع سوريا، دولًا، سيهز بنية الشرق الأوسط الركيكة أصلًا بدرجة من القوة أن التشققات والشروخ ستمتد عبر دوله على نحو مفاجئ وشديد السرعة، درجة إمكانية أن يستيقظ المرء صباحًا ليجد نفسه أمام خريطة جديدة للإقليم، سوية مع عناوين لكيانات سياسية وحدود دولية لم يعهدها من ذي قبل.
وبالمناسبة، يعرف الأميركان جيدًا أين تتموضع داعش، حوالي بغداد، وهم يهيئون مطار سفاراتهم الخاص للجلاء بسرعة خاطفة حال تدهور الأوضاع وتفكك الأحياء البغدادية الواحد تلو الآخر. إنها، أخي القارئ، صرخة استغاثة صادقة من أجل البقاء، كتلًا سكانية وكيانات سياسية.
نقلا عن صحيفة الوطن العمانية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق