لم يبارح وليام (بيل) بيرنز Burns، مدير وكالة المخابرات المركزية CIA، الصواب عندما تساءل بحذر بائن: «هل نتجه إلى حرب باردة جديدة؟» علمًا أن هذا التساؤل مشروع حسب جميع المعايير، خصوصًا عندما نأخذ الحروب أو الصراعات الجارية اليوم عبر العالم بنظر الاعتبار.
في أوكرانيا، تميط أكثر من سنة كاملة من المواجهة وسفك الدماء، اللثام عن مواجهة، ليست بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي، كدولتين كبريين فحسب، ولكنها مواجهة خطيرة للغاية بين السلاح الأميركي (بأيدٍ أوكرانية)، وبين السلاح الروسي (من بقايا الحرب الباردة التي أسدل الستار عليها في بداية تسعينيات القرن الماضي.
ولي أن أجتهد شخصيًّا بافتراض وجود، بل وتواصل هذه الحرب الباردة التي تدور رحاها (هذه المرة) بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأوروبيين، من ناحية، وبين روسيا والصين وحلفائهما (مجتمعتين)، من الناحية المقابلة.
زد على ما تقدَّم ذِكره من بوادر واحتقانات وعلامات مخيفة، نلاحظ تزايد الحديث عبر العالم بأسره عن أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا (برغم طاقاتها التدميرية المرعبة)، إنما هي عملية مرشَّحة لتطول عدَّة سنين، ناهيك عن احتمالات انتشار ألسن نيرانها وشرارتها نحو أوروبا الوسطى (بمعنى اقترابها من دول أوروبية مركزية في حلف «الناتو» مثل فنلندا وألمانيا، خصوصًا وأن الرئيس فلاديمير بوتين «يعتقد بأنه أفضل الجميع، لذا فإنَّه لا يستمع لأحد»، حسبما قال بيرنز قبل أسبوعين!
أما الأكثر إثارة للحذر وللمخاوف، فهو اصطفاف كافة أعداء الولايات المتحدة الأميركية خلف موسكو: ليس حبًّا ببوتين وسياساته، ولكن كرهًا وعداءً لواشنطن، بل إن هذا هو ما أفرزته شحنات الأسلحة الكورية الشمالية والإيرانية لدعم المجهود الحربي الروسي، وذلك على أمل إدامة المواجهة في أوكرانيا واستنزاف الأموال والأسلحة الأميركية المرسلة إلى زيلنسكي الذي يدفع ببلاده (أوكرانيا) سريعًا إلى حرب قد لا تبقي ولا تذر، بدليل ترحيل القوات الروسية آلاف الأطفال الأوكرانيين إلى روسيا، على سبيل إنشاء جيل أوكراني (مروّس) جديد، جيل يتكلم الروسية ويدين بالولاء لموسكو!
والحقُّ، فإنَّ هذه التداخلات الشائكة، بما يعتورها من «لخبطة» مربكة تضعنا، نحن العرب، في موقف محرج لا يحسد عليه، إذا كان على كل دولة عربية (من المحيط إلى الخليج) أن تتخذ موقفًا حازمًا وثابتًا حيال ما يجري عبر العالم بين أوروبا وجنوب شرق آسيا، خصوصًا وأن العالم يحبس أنفاسه الآن خشية من مواجهة لا تبقي ولا تذر إذا ما حذت الصين حذو روسيا من خلال «عملية خاصة» من أجل ضمِّ «تايوان»، باعتبارها جزءًا من صين اليابسة، أي «الصين الأُم»!
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق