تجسدت واحدة أخرى من المفارقات المعيقة في العلاقة المكهربة بين الدولة والنخب الثقافية، وهي علاقة الشد والجذب التي تزداد تعقيدًا لتتجسد في صيغة “السلطة نقيضًا للثقافة”. لقد كانت هذه واحدة من أكثر العلاقات إرباكًا وتوترًا؛ لأنها تخضع شراكة الدولة مع الدين للاختبار، وهي ذلك أنها الشراكة التي اعتمدها بعض الحكام الذين استحوذوا على كتابة التاريخ الحديث
للإقليم، خصوصًا وأنهم وظفوا الدين لمصالحهم، علمًا أنها شراكة تيسر ضم الاستبداد ذاته إلى طرائق الخالق نحو الإنسان. وهنا يتيسر استخدام الدين في صناعة الفردية وإدامتها.
أما الأكثر إحباطًا وإثارة للهواجس وللمخاوف، فيتجسد في شراكة المنظورات وأنماط السلوك بين الحكومات والمعارضات (كما حدث في عراق ما بعد 2003)، أي في الخلل الذي تشترك به الحكومة مع أحزاب وجماعات المعارضة في آن واحد. لذا استحالت الآمال المعقودة على المعارضات خيبات بسبب سقوطها في ذات الأخطاء والاختلاطات.
في مقدمة العوامل التي أدامت هيمنة حلم الأسلاف المعيق جاء التشكيل الغريب للأنظمة التربوية من المراحل الابتدائية صعودًا حتى مراحل الدراسات العليا. هذه الأنظمة، كما لاحظنا أعلاه، تبذر بذور الرجوعية في تربة الطفولة الخصبة، ثم تحصد أثمارها المؤسفة في الجامعات، بل وحتى فيما بعدها من مراحل التنشئة. تخضع هذه المفارقة التربوية كلًّا من الثقافة الشائعة ووسائل الإعلام لسطوتها في سبيل تكوين أطر رأي عام خانقة توصد جميع أبواب الخروج من سلطة قِيَم العصر الوسيط وتقاليده الشائعة بين أغلب شعوب الشرق الأوسط، للأسف.
وأخيرًا، يتجسد أمامنا رهاب الأجنبي xenophobia والحساسية المفرطة منه، عائقًا، مع إشارة خاصة إلى التحسس من التأثيرات الغربية، وهي حال يمكن أن تبرر إخفاق رؤية تحرير أمم الشرق الأوسط من الغلاف القديم المتكلس الذي يلفها. وإذا كان قد تم استحضار هذا التعقيد بواسطة الاحتلال الأميركي للعراق سنة 2003، فإنه قد أماط اللثام عن محركات لا واعية تدور عميقًا في دواخل النفسين الأميركية والرافدينية على طريق بلوغ رؤية عالم جديد يتبلور من قلب الإبحار الكولومبي من العالم القديم إلى “العالم الجديد” في سياق مطاردة أسطورة جمعية أميركية ترنو إلى زواج الشرق من الغرب لولادة نوع جديد من البشر؛ لأن هذا الاقتران الثقافي لا يمكن أن يخلو من الثمار المفيدة، بقدر تعلق الأمر بالمقاومة الارتدادية التي جسدها الكتَّاب والمؤلفون العراقيون من دواخل “الفضاء المؤنث” لأرض العراق المحتلة. لا ريب في أن استجابات هؤلاء الكتَّاب مهمة في سياقنا هذا؛ لأنها تجسد “الضوابط الثقافية” الكابحة على أوضح صورها، خصوصًا في توظيف تلك الضوابط المرتكنة إلى ذات الحلم الوسيط، أداةً، لمقاومة وصد القوة الغربية الذكورية الغاشمة.
لذا، يتوجب تقييم آثار الحلم الوسيط على الطرائق التي يتم بموجبها ائتلاف وتفاعل البترودولار وحركات الإسلام المتطرفة في الشرق الأوسط من أجل سحب شعوب الإقليم إلى الخلف أكثر، باتجاه ماضٍ طللي جامع لغبار الزمن، ماضٍ غير قادر على الإنتاج أو ا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق