إن ظروف التنافس الاقتصادي والتجاري يمكن أن تحتدم وتتصاعد بين ليلة وضحاها، أي على نحو سريع للغاية، خاصة عندما تشعر القيادة الصينية بأنها يمكن أن تخفق في إطعام شعبها الملياري، وتنطبق ذات الحال على القيادة الروسية التي يتربع على رأسها رئيس جهاز الــKGB (الاستخبارات السوفييتية السابقة)، السيد “فلادمير بوتين”.
عندما “الحرب الباردة”، الكلاسيكية الأصل، قد بوشرت بين المعسكرين الغربي بقيادة الولايلات المتحدة الأميركية، من ناحية، والشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق، من الناحية الثانية، على أطلال “الرايخ الثالث” بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية لم يعِ الكثير من المراقبين بإمكانية تحول المنافسة بين المنتصرين أنفسهم في الحرب (أي واشنطن وموسكو) إلى شبح مرعب بقي يطارد العالم بأسره لعقود، خشية نشوب حرب ذرية أو أخرى فضائية (حرب النجوم).
ويبدو لي اللحظة، أن التاريخ يعيد نفسه، ولكن بحسب الظروف الجديدة، والمعايير والمصطلحات التنافسية المتعلقة بالمال والثروات، أكثر من تعلقها بالصواريخ والاستخبارات، كما كانت عليه الحرب الباردة الأولى. ومرة ثانية، ليس هناك عدد كافٍ من المراقبين السياسيين ممن يعتقد بأن حربا باردة جديدة إنما تطل بأنيابها المرعبة على العالم اللحظة. ربما كمن سبب ذلك، أي سبب مرور الحرب الباردة الجديدة الآن دون ملاحظة كافية، في عدم وجود سباق تسلح من النوع المرعب العابر للقارات الآن، كما حدث من ذي قبل. إلا أن المؤكد هو إمكانية الارتجاع إلى سباق تسلح ثانية في أية لحظة حال شعور المتنافسين في الحرب الباردة الجديدة بثمة تهديد وجودي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعملاق الصيني الذي لم يكن موجودا بالمرة في “الحرب الباردة الأم”، على سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية.
إن ظروف التنافس الاقتصادي والتجاري يمكن أن تحتدم وتتصاعد بين ليلة وضحاها، أي على نحو سريع للغاية، خاصة عندما تشعر القيادة الصينية بأنها يمكن أن تخفق في إطعام شعبها الملياري، وتنطبق ذات الحال على القيادة الروسية التي يتربع على رأسها رئيس جهاز الــKGB (الاستخبارات السوفييتية السابقة)، السيد “فلادمير بوتين”، وهذا يعني أن القيادة الروسية لا يمكن أن تكون قد محت تنافسها مع الأميركان حتى وقت قصير مضى، أي مع النصف الأول من عقد التسعينيات الذي لم نزل نتذكر معه صور سقوط جدار برلين، ومعه إعدام تشاوتشيسكو وهونيكر وسواهم من قيادات الكتلة الشيوعية.
إننا عبر دول العالم العربي، ينبغي أن نرتقي بأنفسنا إلى وعي كوني من نوع جديد يلاحظ تدشين الحرب الباردة الجديدة ليستثمرها لنفسه: التي ستكون تجارية أولا، ثم لا تلبث أن تتفرع وتتشظى باتجاهات متنوعة، منها ما يسمى بــ”حرب السايبر”، أي حرب الفضاء الإلكتروني الرقمي المرتكن إلى التنافس من أجل المعلومات والمعارف عن كل ما يخص بقية أنحاء العالم وعن مكامن ثروات الدول المتنوعة، شرقا وغربا. يمكن للقيادات العربية أن تنأى بنفسها عن الحرب التجارية المندلعة الآن بين واشنطن وبكين، وبين الأولى وموسكو: هي حرب من نوع جديد لا يمت بصلة للصواريخ ولا للرؤوس النووية. بل ويمكن للقيادات العربية كذلك، بعد أن ترصد تفاصيل هذه التنافسات أن تستثمر منافسات الكبار (كالروس والصينيين والأميركان) لصالحها عبر توظيف أسواق العالم العربي الشرهة للسلع والخدمات، من بين سواها من الأساليب ومن أدوات الاستفادة المجربة.
إلا أن الأهم من هذا كله هو التيقن من تدشين حقبة حرب باردة جديدة، حرب قد لا تتطلب إطلاق رصاصة واحدة، وقد لا يحتاج المتنافسون بها لسوى العقول الذكية القادرة على التصرف بالشبكات الرقمية و”فضاء السايبر” على النحو الكفوء الذي يمكّن قياداتنا من الإفادة من منافساته والاستعداد الكافي عبر تهيئة جيل منتقى من العلماء القادرين (في أقل تقدير) على تجنيب شعوبنا ويلات وثبور التجويع والانقسام!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق