والي تراجع النظرية القومية، جاء طوفان النزعات الدينية والطائفية، وتشرذم الأقليات، الأمر الذي أطلق عصرًا جديدًا استحوذت فيه الهويات الثانوية على العقل الجمعي للجمهور، فطلّق هذا الجمهور فكرة الوحدة القومية ثلاثًا.
إنه لمن الصعوبة بمكان أن يجد المرء معيارًا دقيقًا لقياس درجة تحدب الخط النازل من أعالي الاندفاع إلى الوحدة القومية، هبوطًا، إلى القعر: فلرجل من أمثالي، ليس من اليسير أن تنسى هبّات الوحدات القومية التي ارتفعت موجاتها أواسط القرن الماضي بعدما أطلقها كل من الرئيس جمال عبدالناصر (مصر) وحزب البعث العربي الاشتراكي (سوريا والعراق)، الأمر الذي زاد من مقدار الوقود المدور لمؤسسة القمة العربية التي بقيت تدور بقوة حتى ضعفت وفقدت معناها إلى حد بعيد اليوم، بالضبط مع إغلاقنا “فصل الوحدة القومية”، وفتحنا “فصل الوحدة الوطنية”.
إن أية مراجعة لأنشطة الوحدة القومية خلال المرحلة المشار إليها في أعلاه، لن تخفق قط في تجسيد جدية هذا الهدف الذي اشتركت به الجماهير مع بنى الدولة القومية على تنوعات مشاربها حقبة ذاك: فقد شهدنا أعدادًا من الوحدات، التي كان جلها اندفاعيًّا عاطفيًّا، بدليل فوريته وعدم ارتكانه إلى قاعدة علمية مدروسة، قاعدة تمكن الفكرة من التحول إلى حقيقة على الأرض. والحق، فإن الفكرة الأساس كانت غالبًا ما تعتمد على هدف تحرير فلسطين، إلا أن بدايات ضعف سطوة عبدالناصر وتوافق ذلك مع تراجع نفوذه قوميًّا، بعد هزيمة يونيو/حزيران (1967) قد أذنت بتجاوز هذا الهدف (باعتبار أن الوحدة طريق تحرير فلسطين، وفلسطين طريق تحقيق الوحدة). لقد بدأ الخط التنازلي يأخذ شكل منحنى حادًّا مع ما أبداه عبدالناصر من لين أو مرونة في تعامله مع ما سمي بـ”مشروع روجرز” للتوفيق بين مصر وإسرائيل وقتذاك.
وهكذا راحت هزائم الدولة القومية تتوالى تترى برغم الوحدات الثنائية والوحدات الثلاثية (الاقتصادية والإدارية والاندماجية، من بين سواها من الأنواع). والوحدات الإقليمية التي لم تحقق أية واحدة منها اندماجًا حقًا يمكن التعويل عليه للتشبث بالفكرة القومية الأصل.
ومع توالي تراجع النظرية القومية، جاء طوفان النزعات الدينية والطائفية، وتشرذم الأقليات، الأمر الذي أطلق عصرًا جديدًا استحوذت فيه الهويات الثانوية على العقل الجمعي للجمهور، فطلّق هذا الجمهور فكرة الوحدة القومية ثلاثًا.
وهكذا، وبعدما كان الزعماء العرب يتناقلون من عاصمة لأخرى لإطلاق البشارات بالوحدة، راح مشروع التفتيت يأخذ مداه بعد الحرب الأهلية بلبنان على نحو خاص. لذا طوي فصل الوحدة القومية نظرًا لعدم تحقيقه أي شيء يذكر، وفتح فصل الحفاظ على وحدة الدولة القطرية، أي فصل بقاء الدولة الوطنية التي راحت تتعرض لأشرس الهجمات على طريق تقسيمها كذلك، تأسيسًا على ولاءات لم تكن تخطر على بال أحد على عهود مضت وطوي أمر فاعليها من أمثال عبدالناصر والقذافي والبعث في كل من سوريا والعراق. وللمرء أن يلاحظ ما الذي تبقى من الدول المحورية التي نادت بالوحدة: أي سوريا والعراق ومصر. إن أي نظرة مسح لتضاريس السياسة القومية ستميط اللثام عن حقيقة مريرة مفادها أنك لو تكلمت مع شاب أو شابة من إحدى هذه الدول حول “الوحدة العربية” الآن، فإنك لن تجد منه سوى التندر بخطابك باعتبارك منشدا لا مجد يغرد في جزيرة غير مأهولة!
إن أية مراجعة لأنشطة الوحدة القومية خلال المرحلة المشار إليها في أعلاه، لن تخفق قط في تجسيد جدية هذا الهدف الذي اشتركت به الجماهير مع بنى الدولة القومية على تنوعات مشاربها حقبة ذاك: فقد شهدنا أعدادًا من الوحدات، التي كان جلها اندفاعيًّا عاطفيًّا، بدليل فوريته وعدم ارتكانه إلى قاعدة علمية مدروسة، قاعدة تمكن الفكرة من التحول إلى حقيقة على الأرض. والحق، فإن الفكرة الأساس كانت غالبًا ما تعتمد على هدف تحرير فلسطين، إلا أن بدايات ضعف سطوة عبدالناصر وتوافق ذلك مع تراجع نفوذه قوميًّا، بعد هزيمة يونيو/حزيران (1967) قد أذنت بتجاوز هذا الهدف (باعتبار أن الوحدة طريق تحرير فلسطين، وفلسطين طريق تحقيق الوحدة). لقد بدأ الخط التنازلي يأخذ شكل منحنى حادًّا مع ما أبداه عبدالناصر من لين أو مرونة في تعامله مع ما سمي بـ”مشروع روجرز” للتوفيق بين مصر وإسرائيل وقتذاك.
وهكذا راحت هزائم الدولة القومية تتوالى تترى برغم الوحدات الثنائية والوحدات الثلاثية (الاقتصادية والإدارية والاندماجية، من بين سواها من الأنواع). والوحدات الإقليمية التي لم تحقق أية واحدة منها اندماجًا حقًا يمكن التعويل عليه للتشبث بالفكرة القومية الأصل.
ومع توالي تراجع النظرية القومية، جاء طوفان النزعات الدينية والطائفية، وتشرذم الأقليات، الأمر الذي أطلق عصرًا جديدًا استحوذت فيه الهويات الثانوية على العقل الجمعي للجمهور، فطلّق هذا الجمهور فكرة الوحدة القومية ثلاثًا.
وهكذا، وبعدما كان الزعماء العرب يتناقلون من عاصمة لأخرى لإطلاق البشارات بالوحدة، راح مشروع التفتيت يأخذ مداه بعد الحرب الأهلية بلبنان على نحو خاص. لذا طوي فصل الوحدة القومية نظرًا لعدم تحقيقه أي شيء يذكر، وفتح فصل الحفاظ على وحدة الدولة القطرية، أي فصل بقاء الدولة الوطنية التي راحت تتعرض لأشرس الهجمات على طريق تقسيمها كذلك، تأسيسًا على ولاءات لم تكن تخطر على بال أحد على عهود مضت وطوي أمر فاعليها من أمثال عبدالناصر والقذافي والبعث في كل من سوريا والعراق. وللمرء أن يلاحظ ما الذي تبقى من الدول المحورية التي نادت بالوحدة: أي سوريا والعراق ومصر. إن أي نظرة مسح لتضاريس السياسة القومية ستميط اللثام عن حقيقة مريرة مفادها أنك لو تكلمت مع شاب أو شابة من إحدى هذه الدول حول “الوحدة العربية” الآن، فإنك لن تجد منه سوى التندر بخطابك باعتبارك منشدا لا مجد يغرد في جزيرة غير مأهولة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق