من وراء القضبان
بقلم : سهيل ابراهيم عيساوي .
الكاتب سهيل عيساوي
الكاتب سمير الفيل
في
غرفة التحقيق أغمي على أحمد ، بينما كان المحقق صاحب العضلات المفتولة
والعيون النارية ،والصوت المجلل والمقزز ،يمطره بالتهم التي تمزق روحه، عندها أحس أحمد
، أن الدنيا تطبق عليه بفكيها ، وجسمه يذوب على أرضية غرفة التحقيق ،أفاق في
زنزانته المظلمة ،الملطخة بالأوساخ، تكاد تضيق بجسمه النحيل ،والأفكار السوداء
الداكنة تتراقص في رأسه الصغير ،لم يدر بخلده أن يزج يوما في زنزانة ، ويقف في هذا
الموقف المحرج ، فهو رجل مجتمع محترم ، مسالم ، يطعم العصافير كل يوم ، والقطط تنظره بفارغ الصبر، لتنال بعض قطع الدجاج الطازجة، خيل اليه أن
الدنيا هي سجن كبير ، له الف الف باب وقفل، والطامة الكبرى أن الناس تعتقد أنها
تسبح في جنة صغرى ،تذكر ضحكات صغيره تتراقص أمام وجهه الذي طبع بخرائط العالم
القديم ،حاول أن يحرر دمعة يتيمة، لكن الدمع غاب في جب عينيه، دق بكفه الرقيق
،جدار الزنزانة ،مرات ومرات ، حتى تيقن ، لا أحد
يكترث به، أو يسمع لوعته ، ، في العتمة لمح قطرة دم تلمع ، عندها نادى
بأعلى صوته باسم زوجته شريفة ..شريفة ...شريفة .
*******
النص مشترك في الورشة السردية (5) التي ينظمها الكاتب المصري القدير سمير الفيل
تحليل للقصة بقلم : الناقد المصري الكبير سميل الفيل
بطل قصتنا هذه شخص سوي ، محترم بكل معنى الكلمة ، يفيض إنسانية ، فهو على سبيل المثال يطعم العصافير كل يوم ، وتنتظره القطط بلهفة كي تنال منه قطع الدجاج الطازجة.
هو الآن يمر بتجربة قاسية ، داخل زنزانة ضيقة ، حيث يمارس عليه المحقق كل أدوار الترهيب ، والتهم تحاصره من كل جانب .
" أحمد" بطل النص ، يشعر بالألم الشديد وجسده الضعيف يكاد يذوب على أرضية غرفة التحقيق ، فيما تحاصره الجدران الصماء البليدة ، بصمتها الذي لا تخترقها صرخاته الواهنة .
هو في قبضة من لا يرحم ، والتهم تمزق روحه ، والأفكار السوداء تتراقص في رأسه ، فهو لا يستطيع أن يجد سببا للمحنة التي يمر بها ، ولم يمر بباله أن يخضع لتلك التجربة المهينة.
بطل سهيل عيساوي ، في ارتباطه بالعالم المادي يتعثر حين توخزه الأسئلة ، وينبع من داخله إحساس متزايد بالاغتراب ، حيث لا معنى لما يحدث معه. لا معنى بتاتا .
السلطة القاسية المدججة بمظاهر العنف والقوة تحاصره ، وحدها تعرف تهمته ، فيتأكد مرة أخرى أنه يعيش في سجن كبير.
وينتقل الشعور بالألم إلى مستو آخر حيث الإحساس الأقوى باللامعنى ، حين تسقط دمعة من مآقيه ، يمسحها بكفه الرقيق . وفي العتمة تتساقط قطرة دم ، عندها ينادي على زوجته ، علها تنقذه من مصيره المؤلم.
ملاحظتنا الأولى حول النص ، أن الكاتب لم يحدد لنا تهمته فهذا لا يعنيه ، الملاحظة الثانية هي تصاعد وتيرة الضغط على المتهم دون إدراكه سبب محاصرته، أما الملاحظة الثالثة والأخيرة فهي أننا إزاء شخص رقيق لم يمر بمحنة مماثلة. الشيء الذي يرشحه للسقوط الكلي في براثن الموت. كأنه قدر لا فكاك منه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق