أ.د. محمد الدعمي
بيد أن للمرء أن يلاحظ جهد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لتطمين الأميركان في مقابلته المهمة مع فضائية الـCBS، لأنه حاول جاهدًا تطمين الرأي العام والإدارة الأميركية بأن إرسال قوات جوية إلى سوريا لا يقصد منه منافسة النفوذ الأميركي في إقليمنا بقدر ما يقصد منه درء مخاطر الإرهاب عن روسيا، علمًا أن مخاوفه من انتقال الإرهاب إلى روسيا مبررة نظرًا لأنها عانت من عمليات إرهابية عدة دلت على أنها ليست بمنأى عن استهداف هذا النوع من الشبكات الإرهابية الخطيرة. زد على ذلك ما أباح به الرئيس بوتين من أن المتطوعين لصفوف هذه الشبكات من القادمين من الروس قد أضحى ظاهرة خطيرة، خاصة بعد أن تجاوز أعدادهم الآلاف. لذا يكون التدخل الروسي المؤثر بالقوة الجوية مبررًا لأنه تدخل استباقي لإجهاض العمليات الإرهابية المتوقعة من هؤلاء الإرهابيين الروس العاملين الآن في سوريا.
ولكن تأسيسًا على تجربة الولايات المتحدة وأوروبا مع التدخل الروسي في أوكرانيا، ذلك التدخل الذي نتج عنه ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، فإن المخاوف الحقيقية تكمن في أن التدخل الروسي إنما يعني بقاء الرئيس بشار الأسد على سدة الحكم في نهاية المطاف، الأمر الذي يخالف رؤية الولايات المتحدة وخطة حلفائها في الشرق الأوسط المتأسستين على الإطاحة بالرئيس بشار الأسد قبل كل شيء. وبكلمات أخرى، يعد التدخل العسكري الروسي في سوريا خطوة على طريق إسدال الستار على الهدف الغربي والإقليمي النهائي بالتخلص من نظام الرئيس السوري ونظامه.
وحسب رأي السيد مايكل موريل Morrel الرجل الثاني في وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA سابقًا، فإن التدخل الروسي له مبرراته في الصراع العالمي ضد الإرهاب، لأنه محاولة مهمة لمنع الشبكات الإرهابية التي تسيطر على ثلث أراضي سوريا وثلث أراضي العراق إنما هي الآن على حافة اجتياح دمشق، وإن تدخلًا من هذا النوع الكابح واللاجم إنما يمنع مثل هذه الكارثة. بيد أن مخاوف هذا الخبير تتلخص في وجود طائرات روسية وأميركية في فضاء واحد، الأمر الذي يتطلب التنسيق اليومي بين القوتين الجويتين الأميركية والروسية خشية التصادم.
أما قلق الأميركان من أن خططهم وحلفائهم لإسقاط النظام السوري القائم قد فشلت من الناحية العملية بناء على التدخل الروسي، فتبريرها هو أن الطائرات الروسية لم تستهدف تجحفلات الإرهابيين في يومي عملياتها الأول والثاني بقدر ما استهدفت مراكز تجحفل “المعارضة السورية المعتدلة” التي تراهن عليها واشنطن وبعض عواصم الشرق الأوسط على سبيل خطة ترنو إلى نقل السلطة إليها، بديلًا للنظام القائم اليوم.
إن خلاصة الأميركان الأساس، بعد هذه التطورات الجذرية الخطيرة، لا تتلخص بالقلق من عدم بقاء فضاء الشرق الأوسط خاليًا إلا من اللاعب الأميركي فقط، ولكنها تتلخص بأن واشنطن لن تتمكن من تلبية رغبات هؤلاء الذين يتوقعون منها إزالة النظام السوري القائم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق