لماذا لا يعلجبهم العرب؟
أ.د. محمد الدعمي
”.. أما الزوبعة التي رافقت عنوان “الربيع العربي”، فلم تعد كما كانت في بداية الأمر، صراعاً ثورياً يعد بالكثير، بل استحال هذا العنوان الذي أحال العديد من مجتمعاتنا إلى سلة المجتمعات المبتلاة بالفوضى وبالميليشيات والفساد، خاصة وأن اللفظ هنا قد غدا أقرب إلى سبة، والعياذ بالله، بالنسبة للعقل الغربي،، منه إلى ما يستحق التفاخر والاعتزاز.”
ــــــــــــــــــ
استئنافاً للجدل الذي طورته في حلقتين من مقالتي بعنوان “كان”، يلاحظ المتابعون للسياسة والإعلام عبر العالم أن العالم الغربي، حكومات ومؤسسات، بل شعوباً ونخباً ثقافية كذلك، لا يحبذ توظيف صفة “عربي”، لا في السياسة ولا في الإعلام. هذه ليست من تمظهرات ردود الفعل الكونية ضد الفكر القومي والنزعات الشوفينية فقط، لأنها كذلك من تمظهرات الإساءات للعرب وللقومية العربية التي قدمناها نحن العرب بأنفسنا طوعاً، خدمة لكل من يشعر بـ”التكهرب” عند سماع لفظ “عربي” أو “عرب”.
هذه ليست مبالغة يراد منها الإساءة إلى انتماء المرء الوراثي والثقافي، ولكنها حقيقة قد تتبلور أمامك عندما تستفسر منك شابة شقراء (على سبيل المثال) في إحدى دول العالم الغربي: “هل تشعر بالإحراج لأنك عربي؟”، استجابة لتبخترك بالانتماء لهذا الجنس الصحراوي من البشر.
وللمرء أن يلاحظ كذلك، أن العالم الغربي لا يحفل بما نعتز به قومياً ولا يوافق على توظيف لفظ “عربي” الذي نفتخر به كثيراً لأسباب وراثية، لأن هذا العالم يفضل توظيف ألفاظ “الشرق الأوسط” أو “شرق أوسطي” تجنباً لألفاظ “عرب” أو “عربي”.
هناك، قلما تسمع شيئاً عن العرب، اللهم باستثناء حالات إكراه الغربيين على استخدام اللفظ من خلال توظيفه عنواناً لهيئة إقليمية لا يمكن التلاعب أو العبث باسمها، عنوان من نوع “جامعة الدول العربية”. وللمرء، في هذا السياق، محاولة كنه سر تجنب الغرب والغربيين ألفاظ “عرب” وعربي”: ربما هم يجدون في اللفظ تذكيراً بالنزعات الفاشية والنازية الكريهة في ثقافتهم مابعد الحرب العالمية الثانية؛ أو ربما هم يعدون اللفظ “أسطورة” وراثية لم تعد مقبولة في عالم تتلاطمه معطيات العولمة والتداخلات الجنسية والعنصرية واختلاط الأنواع. بل وربما، لأن الكلام عن الصراع “العربي/الإسرائيلي” لم يعد دقيقاً، خاصة بعد تطورات القرن الماضي وعقود القرن الجاري. هم يفضلون تعبيري “الصراع في الشرق الأوسط” أو “الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي”، تجنباً للفظ “عربي”! زد على ذلك حقيقة قبولهم بالألفاظ أعلاه، وأقصد “عرب” و “عربي”، في دراسات علم الإنسان، ولكن ليست في السياسة والإعلام.
أما الزوبعة التي رافقت عنوان “الربيع العربي”، فلم تعد كما كانت في بداية الأمر، صراعاً ثورياً يعد بالكثير، بل استحال هذا العنوان الذي أحال العديد من مجتمعاتنا إلى سلة المجتمعات المبتلاة بالفوضى وبالميليشيات والفساد، خاصة وأن اللفظ هنا قد غدا أقرب إلى سبة، والعياذ بالله، بالنسبة للعقل الغربي،، منه إلى ما يستحق التفاخر والإعتزاز.
في الثقافات الغربية يتبلور ميل العقل الآري إلى حصر ألفاظ “عرب” أو “عربي” بالبداوة وباللغة فقط، لا بالإسلام ولا بالبنايات الشاهقة، لا بالمطارات الكبيرة ولا بالفكر أو الثقافة! لذا فهم يخصون كتاباً بعنوان (الفكر العربي في العصر الليبرالي 1798-1798) لإلبرت حوراني، بنظرة دونية بوصفه عملاً تنقصه الواقعية والدلائل الدقيقة على “وجود” مثل هذا الفكر الذي قاده واشتهر بإغنائه العديد من الرجال من غير العرب، أو من المنتمين للعرب بواسطة الإسلام أو بواسطة الثقافات المحلية السائدة.
ولايدري المرء إن كان اللفظان، “عرب” و”عربي”، سيقاومان تيارات التعرية والكسح الثقافية، ليبقيا صامدين بعد نصف قرن من هذا اليوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق