مدونة الأديب سهيل ابراهيم عيساوي , تعنى بقضايا الأدب والفن والمسرح والثقافة والأدباء في العالم العربي والاصدارات الادبية ، أدب الأطفال ، النقد ، مقالات ، دراسات ، جوائز أدبية ، ورصد الحركة الأدبية المحلية .بامكانك ايها الكاتب اثراء المدونة بنتاجك الأدبي وأخبارك الثقافية ،من خلال مراسلتنا على البريد الالكتروني : sohelisawi@yahoo.com ص .ب 759 ، كفرمندا 1790700 ، هاتف نقال 0507362495 المواد المنشورة في المدونة لا تعبر بالضرورة عن راي صاحب المدونة
الأحد، 3 يناير 2010
كتاب بين فكي التاريخ للكاتب سهيل عيساوي - اكثر االكتب تحميلا في المكتبات العربية على الشبكة
بين فكي التاريخ
سهيل ابراهيم عيساوي
الإهداء
إلى شهداء السيف .
إلى شهداء الكلمة .
إلى شهداء الفكر .
إلى أبطال كتابي الذين حاول الطغاة إزهاق أرواحهم وطمس فكرهم وإقصاءهم عن مواقع التأثير .
إلى كل من يحب الوجه الآخر للحقيقة .
إلى كل الذين يسيرون نحو الشمس .
إلى كل الذين يقدّسون الحقيقة ويشيدون معبدها ويُقتلون عند محرابها .
سهيل إبراهيم عيساوي
البوابة الأولى
1 - "لا يستوي الخبيث والطيّب ولو أعجبك كثرة الخبيث"
(سورة المائدة 100)
2 - "فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"
(سورة الرعد 17)
3 - "إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده"
(سورة الأنفال 43)
4 - "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا موقنين"
(سورة السجدة)
5 - "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتّقين"
(سورة البقرة 83)
6 - "ومن المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا"
(سورة الأحزاب 23)
البوابة الثانية
لو تعرف الشمس من تشعُّ لهم
ما طلعت يوماً على البشر
(أحمد الصافي النجفي)
بنيت لهم بالسيف مجداً مشيّداً
فلما تناهى مجدهم .. هدموا مجدي
(عنترة العبسي)
إنَّ صدقاً لا أحـسُّ بـه
هو صدق يشبه الكَذِبـا
(إيليا أبو ماضي)
وهكذا كان أهل الأرض مُذ فُطِروا
فلا يظنُّ جهولٌ أنهم فسدوا
كذبٌ يُقال على المنابـر دائمـاً
أفلا يميل لِما يُقال المنبـر؟
(أبو العلاء المعرّي)
ولو برزَ الزمانُ إليَّ شخصاً
لخضَّب شعر مفرقه حُسامي
(أبو الطيب المتنبي)
والعدل في الأرض يُبكي الجنَّ لو سمعوا
بهِ ويستضحكُ الأمواتَ لو نظروا
(جبران خليل جبران)
الشهادة
جسدي في الغياب
وروحي حضورٌ، وصوتي
أنا الطفل ما اخترت للجسد الاحتراقَ
بنارِ التغرُّبِ عنكِ
ولكنه وطني اختار صوتي
وأطلقني في عيون المنافي
بكاءً وجرحاً
وأخَّرَ موت دمي
ربما احتاجني ..
حين أخّرني وطني للشهادة
(عبد العزيز المقالح)
البوابة الثالثة
المعزوفة الأولى
أنا لا أعرف متى أموت
ولكنني اعرف:
حين يجفّ الحبر وينفذ المداد
يكون الموت قد تمكّن مني
وقهرني للمرة الأولى
المعزوفة الثانية
أنت وغد..
وما دامت عينك الثالثة
تلاحقنا في كل شارع وزقاق
في ليلة القدر
سنظلّ نطلب من الله
أن يخرس قلمك..
ما بال الرب
لا يصغي لهمساتنا؟!
المعزوفة الثالثة
آه منك ..
لو يعود ضميرك من إجازته
ولو لجزء من الثانية
آه ..
لو ولدت في زمن آخر
في ثوب آخر ..
المعزوفة الرابعة
إن صودر القلم ..
كتبتُ لكم بدمي الأبيض ..
بسنا الشمس
كي لا تموت الحقيقة
(س. أ. ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
دائماً، وفي جميع مراحل دراستي للتاريخ، كنت أتعاطف مع بعض الشخصيات، وأشعر أن المكائد حيكت حولها، وان الشرّ تربّص بها.
وما كانت تلك الشخصيات تستحق كل هذا المكر... وكان الكائدون الحاقدون.. يصافحون بيد دافئة وقلب كبير وابتسامة ساحرة، تحسبها صادقة، ويضربون بيد من حديد وقلوب مسكونة بالحقد، وابتسامات صفراء جوفاء..
ترتوي الأرض بالدماء الطاهرة.. دماء من جعلوا لأنفسهم قضية يعيشون من اجلها وينذرون عمرهم في سبيلها.. فحاربهم الكائدون..
ترتوي الأرض بالدماء.. دماء نسوة يولولن هنا.. وأطفال يبكون هناك... ويطوي التاريخ صفحة بطل سطّر أروع أساطير الفداء والنصر.. ولم يكن جهاده في سبيل ملك أو مجد أو عظمة، وإنما لدفع عجلة التاريخ والإنسانية بضع خطوات إلى الأمام.
وأمام صمت المؤرّخ.. وذاكرة الإنسان الصغيرة الغافلة، قررت الكتابة عن هؤلاء الأبطال العباقرة، كي لا يضيع دمهم هدرا، في محاولة لصيانة تاريخهم وأعمالهم والحفاظ عليها، ولو على الورق، وحتى تبقى ذكراهم الطيبة شذا يعبق في سماء الحرية..
ويعرف القارىء المتفهم جيداً ، ان التاريخ يوجَّه من قبل أصحاب الأمر، مما يؤثر على أمور مستقبلية، ويرفع معنويات قوميات معينة، ويركل في نفس الوقت إلى زاوية بعيدة من التاريخ أمجاد أمم أخرى بغير حق.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن منهاج تدريس جميع المواضيع، بما في ذلك السياسة والتاريخ في المدارس العربية في البلاد، يخلو من كلمة فلسطين!! ولا ذكر لأبطال فلسطين مثل عز الدين القسام والشاعر إبراهيم نوح، ولا ذكر لشعراء فلسطين، وقصائدهم ممنوعة في مدارسنا وفي كلياتنا ومسموعة في بلاد ما وراء البحار.
أين قصائد توفيق زياد، وسميح القاسم، وراشد حسين، ومحمود درويش، ومحمود دسوقي،وجمال قعوار، وطه محمد علي؟ أين قصص غسان كنفاني ورسومات ناجي العلي، وكل الذين كتبوا جميع ألوان الحقيقة غير منقوصة؟!
والحال في الوطن العربي الكبير ليست بأحسن من هنا، فالقصائد الجياشة بالصدق والوطنية لشوقي وحافظ والبارودي طويت وألقيت في سلة النسيان! وعلى سبيل المثال فإنّ واضعي المقررات الدراسية يحذفون عن عمد قول ابي الطيب المتنبي لسيف الدولة:
ولست مليكاً هازماً لنظيره ولكنه الإسلام للشرك هازمُ
ويقيناً إن مسؤولي التربية في الأردن لن يجيزوا تدريس مواد عن مذابح أيلول الأسود، وفي سوريا لن يذكروا مذابح حماة!
ومما لا شكّ فيه أن أعداء الحق يسيطرون على مساحات واسعة من الأفق ... من الأقلام... من القلوب... من الضمائر... وقلّة من البشر يحملون رايات الحقيقة وصوتها المميز، ويسيرون بها في غابة مظلمة... يتحيّنون الفرص وينتظرون الوقت للجهر بما اشتعلت به قلوبهم ورؤوسهم.
وليس يهم من هم مثل هؤلاء أن يموتوا، فهم يموتون كي لا تموت الحقيقة في بطن الأرض .
وربما أكون في كتابي هذا قد أهملت بعض الأسماء التي لاقت الويلات في سعيها لإيصال كلمة الحق... والتي تستحق أن تدخل كتابي، فالمعذرة.. فنسياني لا ينقص من حقها التاريخي ومن مجدها الإنساني. ولعلّ هذا البحث المتواضع يفتح الطريق أمام كل الذين يبحثون عن الحقيقة ليسطّروا لنا ألوانها الحقيقية..
المؤلف: سيل إبراههيم عيساوي
آب 1999
الإمام عليّ ابن أبي طالب
كرّم الله وجهه
هو عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم . أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم . وهو ابن عم النبي محمد صلى الله عليه وسلّم ، وزوج فاطمة الزهراء ابنة الرسول . رزق منها ثلاثة من الذكور هم: الحسن، والحسين، ومحسن وبنتين هما : زينب وأم كلثوم .
ولد الإمام عليّ في مكة سنة 601 م، وهو أوّل من أسلم من الصبيان ولم يسجد لصنم. لهذا نقول "عليّ كرّم الله وجهه".
اشترك في جميع الغزوات عدا تبوك . وامتاز بكونه شاعراً وخطيباً بارعاً ويعدّ من الخلفاء الراشدين الصالحين .
وتعتقد طائفة من الشيعة أن عليّاً معصوم عن الكبائر والصغائر ، وأن فيه جزءا لإله اتّحد بعبده ، وأنه يعلم الغيب.
والصحيح أن الإمام عليّ أحسن الإسلام علماً وفقهاً .
بعد وفاة النبي بويع أبو بكر بالخلافة ، وأوصى بها قبل وفاته لعمر بن الخطاب . وبعد مقتل عمر انتقلت الخلافة إلى عثمان بن عفّان . إلاّ انه ، وبسبب سياسته ، قتل سنة (656) م ، واستلم عليّ الخلافة ، فيما الصعاب والمؤامرات أحاطت به من كل جانب . فكانت معركة الجمل ، وهي المعركة التي وقعت بين الفريق الذي جمع أنصار الإمام علي وبين فريق طلحة والزبير وعائشة الذين طالبوا بدم عثمان ، ووضعوا اللوم على عليّ واتهموه بقبول دعوة الثوار ، ومن ثم ضمّهم إلى صفوف جيشه . وكان النصر في هذه المعركة حليف عليّ .
بعد أن انتهى من حرب الحجازيين ، كانت معركة صفين (عام 657 م) بينه وبين معاوية بن أبي سفيان . وكاد علي أن ينتصر لولا خدعة عمرو بن العاص الذي دعا إلى رفع المصاحف على أسنّة الرماح ، أي جعل القرآن حكماً بين الناس . وقد قبل عليّ التحكيم تحت ضغط جنده الأمر الذي أضعف مركزه .
في سنة 661 استشهد الإمام عليّ على يد خارجي يدعى عبد الرحمن بن ملجم .
الإمام عليّ بين فكّي التاريخ
مما لا شك فيه أن الإمام عليّ لاقى الويلات أثناء حكمه من جميع الأطراف . وقد استطاع بما عُرف عنه من كرم وشجاعة الاستمرار والثبوت .
لكنّ أهل العراق خذلوه ، والخوارج اغتالوه . فاتجهت عجلة التاريخ اتجاهاً لم يكن يرغبه الإمام الذي سار إلى موقعة الجمل وصفين محاولاً إحقاق الحق وتوحيد صفوف المسلمين ، لكنه أخفق ، بعد أن لم يستطع حسم المعركة ضد معاوية .
وهناك الكثير من الباحثين العرب والمستشرقين الذين يتهمون الإمام علي بأنه لم يكن رجل سياسة ناجحاً ، وانه أكثر من الأخطاء وخاصة عندما عزل معاوية بن أبي سفيان ، والي الشام منذ زمن عثمان بن عفّان .
لكننا حين نقلّب صفحات التاريخ نستطيع أن نقول إن الإمام عليّ كان رجل دولة وإنساناً ذكياً وشجاعاً . وإلاّ فكيف نفسّر أن الخلفاء الراشدين عمر وأبا بكر وعثمان اتخذوه مستشاراً لهم؟!
كما أن صفاته تدلنا على مدى قوته الجسدية والنفسية ، فهو يميل إلى القصر ، آدم ، أصلع مبيض الرأس ، طويل الرقبة، ثقيل العينين في دعج وسعة ، حسن الوجه ، واضح البشاشة ، عريض المنكبين لهما مشاش ، ضخم العضلة ، ضخم الذراع ، تمتّع بقوة بالغة ، فربما رفع الفارس بيده فجلد به الأرض غير جاهد . وقد اشتهر عنه انه لم يصارع أحداً إلا صرعه . ولم يبارز أحداً إلا قتله .
وهو لا يهاب الموت . فقد اجترأ وهو فتى ناشىء على عمرو بن ورد فارس الجزيرة العربية الذي كان يقوم بألف رجل . وكان ذلك يوم وقعة الخندق أو الأحزاب ، حين خرج عمرو مقنعا بالحديد ينادي جيش المسلمين : "من يبارز؟ " فصاح علي : " أنا يا رسول الله " فقال له الرسول " اجلس انه عمرو " . وفي النهاية أذن له الرسول ، فنظر إليه عمرو فاستصغره ، لكنّ عليا قتله .
ألا يحق لعلي ما يحق لغيره من الخلفاء الراشدين؟
نعم، لقد قام عليّ بن أبي طالب بعزل ولاة عثمان . ومعروف أن عثمان ولّى أقرباءه الذين بذّروا الأموال . والحقيقة إن العزل لم يتم إلا في حق معاوية بن أبي سفيان وخالد بن أبي العاص والي مكة.
وقد قام عمر الفاروق رضي الله عنه بعزل خالد بن الوليد والمثنى بن الحارثة ، وهما قائدان كبيران . وكذلك ولّى عمر بن الخطاب عمرو بن العاص مصر وهو الذي فتحها ، وولى المغيرة بن شعبة على الكوفة ، فعزلهما عثمان .
وهكذا نجد أن لكل خليفة ظروفه واعتباراته واجتهاده في تعيين الولاة لضمان نجاعة العمل .
ثم إنّ الولاة الذين عيّنهم الإمام عليّ هم من كبار الصحابة ولهم فضل في الإسلام مثل : سهل بن حنيف ، قيس بن سعد بن عبادة ، عبد الله بن عباس بن عبد المطّلب .
مهزلة التحكيم ...
اجتمع الحكمان بدومة الجندل، التي وقع عليها الاختيار لكونها وسطا بين العراق والشام . وقد مثّل الإمام عليًّاً أبو موسى الأشعري الذي كان شيخاً طاعناً في السن ، أما معاوية فمثّله عمرو بن العاص الملقب بثعلب العرب .
وكان القرار معروفاً لمن عرف الحكمين ، فأبو موسى الأشعري أراد حقن دماء المسلمين ووقف القتال ، لذا رأى انه يجب عزل علي ومعاوية . ويرجع هذا القرار لعمرو بن العاص الذي اقنع أبا موسى الأشعري بذلك ، والذي لجأ إلى هذه الحيلة لإرضاء صاحبه معاوية .
أراد أبو موسى الأشعري تولية عبد الله بن عمر خليفة ، وأراد عمرو بن العاص تولية ابنه عبد الله . وكاد أبو موسى الأشعريّ يوافقه ولذا قررا خلع الاثنين دون الاتفاق على غيرهما .
تقدّم أبو موسى الأشعري وقال " نخلع عليا ومعاوية ونستقبل الأمة بهذا الأمر فيولّوا منهم من أحبّوا عليهم .. وإني قد خلعت علياً ومعاوية فاستقبلوا أمركم وولّوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلاً ".
وتلاه عمرو فقال: "... إن هذا قال ما سمعتم وخلع صاحبه ، وأنا اخلع صاحبه كما خلعه ، واثبِّت صاحبي معاوية فإنّه وليّ عثمان بن عفّان رضي الله عنه ، والمطالب بدمه أحقّ الناس بمقامه ".
فغضب أبو موسى وصاح به : "ما لك لا وفّقك الله غدرتَ وفجرت؟ إنما مثلك مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث وان تتركه يلهث".
فابتسم عمرو بن العاص وهو يقول: " إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا ".
وهنا .. انتهت المهزلة ، ورجع الخلاف إلى ما كان عليه في السابق . ووقع الإمام عليّ في كمين ، لأنه وافق على التحكيم ، الأمر الذي رفع من مكانة معاوية وجعله ندا مساوياً له ، وهو خليفة المسلمين ورابع الخلفاء الراشدين .
كما أضعف موقفه أن يمثّله رجل طاعن في السن مثل أبي موسى الأشعري وأن يمثّل معاوية رجل هو داهية العرب وصاحب مشورة رفع المصاحف في صِفّين . ومن الطبيعي أن يبدع رجل كهذا مكراً آخر .
ثم ماذا كانت صلاحيات الحكمين لعزل علي أو معاوية أو أحدهما ؟! إنّ هذا التحكيم أضعف من مكانة عليّ السياسية ، وهو ربح آخر لمعاوية وعمرو بن العاص . زد على ذلك خروج الخوارج من جيش عليّ وانشغاله بقتالهم ومن ثم استشهاده على يد واحد منهم .
استشهاد الإمام عليّ (661 م)
اجتمع ثلاثة رجال من الخوارج واتّفقوا على قتل عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص . وقد أخذ عبد الرحمن بن ملجم على عاتقه قتل عليّ .
دخل بن ملجم المسجد في بزوغ الفجر وجعل يكرر الآية : "ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضاة الله "، فاقبل عليّ وظنّ أن الرجل ينسى نفسه فيها ، فقال : "والله رؤوف بالعباد " ثم انصرف عليّ ناحية عبد الرحمن بن ملجم ، وعندها ضربه بالسيف المسموم على رأسه . فقال علي : " احبسوه ثلاثاً وأطعموه واسقوه ، فإن أعش أرَ فيه رأيي ، وإن متّ فاقتلوه ولا تمثّلوا به ". لكنّ الإمام عليّ مات من الضربة ، فأخذه عبد الله بن جعفر فقطع يديه ورجليه ثم قطع لسانه وضرب عنقه .
أما الخارجي الثاني الحرث بن عبد الله التميمي الذي أخذ على عاتقه قتل معاوية ، فلم يجد إلى ذلك سبيلا .
أما الخارجي الثالث عمرو بن بكير التميمي فنوى قتل عمرو بن العاص لكن لسوء حظه وحسن حظ عمرو بن العاص ، انه أرسل مكانه للصلاة رجلاً يقال له خارج فضربه الخارجي وقتله.
قال الحسن صبيحة تلك الليلة: أيها الناس انه قتل فيكم رجل كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبعثه فيكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فلا ينثني حتى يفتح الله له . وما ترك إلا ثلاثمائة درهم .
وها نحن نرى كيف تتجلى عظمة الرجل حتى وهو يموت ، وذلك من خلال معاملته لقاتله ، الذي ضربه بالسيف في المسجد في شهر رمضان ... فهو يأمر قبل موته بان يتم سجن القاتل ، فإذا مات فليقتل على أن لا يُمَثَّل به . ورغم كونه خليفة ، وهو الذي يدير شؤون الدولة الإسلامية إلا انه عاش فقيراً ومات فقيراً ، ولم يترك إلا ثلاثمائة درهم .
وأروع ما ترك لنا الإمام علي عدا سيرته الطيبة كتاب " نهج البلاغة " الذي جمعه الشريف الرضي . وإن نظرة سريعة للكتاب تكشف شخصية الإمام عليّ الفذّة ، صاحب الخيال الواسع والإيمان الراسخ بالله تعالى ، الذي يحمل الرأي السديد في الدين والاجتماع .
ومن روائع الإمام عليّ خطبة الجهاد المعروفة .
قصة عن شجاعة الإمام عليّ
ونورد فيما يلي هذه القصة التي تدلّ على شجاعة الإمام علي بن أبي طالب ومهابة الفرسان منه .
في معركة صفين ، وبينما كان القتال على أشدّه بين جيش عليّ وجيش معاوية ، كان لمعاوية مولى يدعى حريث ، وكان حريث هذا فارس معاوية الذي يعدّه لكل مبارزة ولكل عظيم . وكان حريث يلبس سلاح معاوية ، متشبهاً به، فإذا قاتل قال الناس ذاك معاوية .
وقد دعاه معاوية في معركة صفين وقال له: يا حريث .. ضع رمحك حيث شئت، لكن اتَّقِ علياًً .
ولكنّ عمرو بن العاص المعروف بمكره قال له : لو كنت قريشياً لأحبّ معاوية أن تقتل علياً ولكنه كره أن يكون لك حظها ، فإن رأيت فرصة فأقدِم ...
وخرج علي أمام الخيل وحمل عليه حريث فنادى : يا عليّ هل لك في المبارزة؟ فأقدم عليّ وهو يقول :
أنا عليّ وابن عبـد المطَّلِبْ نحن لعمر الله أولى بالكُتُبْ
منا النبيّ المصطفى غير كذبْ أهل اللواء والمقام والحُجُبْ
نحن نصرناه على جلّ العربْ يا أيها العبد الضرير المنتدَبْ
ثم ضربه عليّ فقتله فجزع عليه معاوية وعاتب عمرو بن العاص وقال له :
حُريثُ ألمْ تعلمْ وجهلُكَ ضائرُ بأنّ عليّاً للفوارسِ قاهِرُ
وإنّ عليّا لم يبارزه فارسٌ من الناس إلا أقعدته الأظافر
أمرتك أمراً حازماً فعصيتني فجدّك إذ لم تقبل النصحَ عاثر
ودلاّك عمرو والحوادث جمّة غروراً وما جرّت عليك المقادِر
وظنّ حريث أنّ عمرواً نصيحَهُ وقد يهلك الإنسان من لا يحاذر
من أقواله المأثورة
1 - لا رأي لمن لا يطاع .
2 - القناعة كنز لا يفنى .
3 - ليس كلّ من رمى أصاب .
4 - التواضع نعمة لا يفطن إليها الحاسد .
5 - لا قرين كحسن الخلق .
6 - لا علم كالتفكير .
7 - لا ميراث كالأدب .
8 - لا إيمان كالحياء والصبر .
9 - الناس أعداء ما جهلوا .
10 - لا تطلب الحياة لتأكل ، بل أطلب الأكل لتحيا .
الحسن بن عليّ
أبوه الخليفة الراشديّ الرابع علي بن أبي طالب وأمه فاطمة بنت رسول الله. ولد في المدينة في شهر رمضان سنة ثلاث للهجرة، وهو بكر أبويه. سمّاه الرسول "الحسن.
كان كثير الزواج والطلاق. وكان له خمسة عشر ولدا بين ذكر وأنثى وهم: زيد والحسن وعمرو والقاسم وعبد الله وعبد الرحمن والحسن الأكرم وطلحة وأم الحسن وأم الحسين وفاطمة وأم سلمة ورقية وأم عبد الله وفاطمة .
صفاته
كان أبيض اللون مشرّباً بحمرة أدعج العينين، سهل الحديث، كثّ اللحية، جعد الشعر، ذا وفرة، حسن البدن، بعيد ما بين المنكبين، ليس بالطويل وليس بالقصير.
أخلاقه
قال ابن الزبير: "والله ما قامت النساء عن مثل الحسن بن
عليّ". وقال محمد بن اسحق: "ما بلغ أحد من الشرف بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ما بلغه الحسن بن عليّ".
كان كريما يجيب السائل. قال:
نحن أناسٌ سؤالنا خَضِلْ يرفع فيه الرجاء والأمـلْ
تجود قبل السؤال أنفسنا خوفاً على ماء وجه من يسَلْ
بيعة الحسن
بعد اغتيال علي، بايع أهل العراق الحسن في شهر رمضان سنة 40 هجرية، فكتب إليه ابن عباس يقول: إن الناس قد ولّوك أمرهم بعد عليّ. فاشدد عن يمينك وجاهد عدوّك.
وكان علي بن أبي طالب، وهو يصارع الموت، قد أمره بان يصلي في الناس، وأوصى إليه عند وفاته قائلا: "يا بنيّ أنت وليّ الأمر ووليّ الدولة". وبايعه الناس راغبين من أهل العراق والحجاز واليمن وفارس.
وجاء في خطابه بعد البيعة:
"نحن حزب الله الغالبون. وعشرة رسول الله الأقربون. وأهل بيته الطيبون الطاهرون. فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة، اذا كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة".
بعد البيعة أخذت تظهر عناصر مفتنة في الكوفة عاصمة أبيه. وقد شجّعها على ذلك وجود معاوية والي الشام، الذي كان يغدق على المعارضين بوفير المال والوعود. كما أن وجود الخوارج في الكوفة أجّج الوضع.
أراد الحسن القتال فجمع جيشا وفيرا لكنّه خاف من تلوّنهم، فلا يمكن الثقة بمثل هذا الجيش الذي تحركه الشائعات، بل ويفتعل الشائعات، وفيه قسم كبير أراد من الحرب الحصول على الغنائم.
وكان الحسن حذِرا من الحرب نظرا لتجربة أبيه مع مثل هذا الجيش. وكان جيش عليّ الذي جهّزه وسار به نحو الشام يبلغ نحو (40) ألفا. أما الحسن فأضاف إليه (16) ألفا، وقيل إن العدد كان أكثر من ذلك.
والأرجح أن عدد الجيش كان حول هذا الرقم. ونعرف ذلك من خلال جواب زياد بن أبيه لتهديدات معاوية له، الذي قال: "إنّ ابن آكلة الأكباد ، وكهف النقاق ، وبقية الأحزاب، كتب يتوعّدني ويتهددني وبيني وبينه أبناء رسول الله في تسعين ألفا، واضعي قبائع سيوفهم تحت أذقانهم، لا يلتفت احدهم إلى الآخر".
لما رأى الحسن نفاق جيشه أراد الصلح مع معاوية فراسله، ووضع شروطه على كتاب ابيض وطلب أن يختم بأسفله بختم معاوية.
وفيما يلي نص الوثيقة كما ترويها المصادر الإسلامية:
بسم الله الرحمن الرحيم
"هذا ما صالح عليه الحسن بن عليّ بن أبي طالب، معاوية بن أبي سفيان. صالحه على أن يسلّم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسول الله وسيرة الخلفاء الصالحين. وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد من بعده عهداً . بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين. وعلى أنَّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم. وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم. وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه. وما أخذ الله بمكر أحد من خلقه بالوفاء. وبما أعطى الله من نفسه، وعلى أن لا يبقي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم غائلة سرا ولا جهرا. ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق. يشهد عليه فلان ابن فلان بذلك. وكفى بالله شهيدا".
شروط الصلح
فيما يلي ما يمكن فهمه من شروط الصلح مما جاء في تلك الوثيقة:
1 ـ تسليم الأمر إلى معاوية بشرط أن يعمل بكتاب الله وسنّة رسوله الكريم.
2 ـ الأمر من بعده للحسن.
3 ـ لا يقوم معاوية بإيذاء أهل العراق، حيث الأغلبية هناك هم أنصار الحسن، ولا في أي ارض من ارض الإسلام (الحجاز والشام واليمن).
4 ـ لا يسمى أمير المؤمنين.
5 ـ ضمان الأمان لشيعة علي والحسن من بعده وضمان أن لا تمس أموالهم أو نساؤهم بسوء.
6 ـ أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة.
7 ـ إن لا يبغي الشر للحسن بن عليّ أو لأخيه الحسين أو لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
ويذهب بعض المؤرخين للقول إن الحسن قَبِل الصلح ليقبض له من الدنيا بضعة آلاف من الدراهم. والصحيح انه تنازل لأنّ الظروف حتّمت عليه ذلك. فلو قاتل معاوية في تلك الفترة لفني جيشه وشيعة أبيه ونفر كثير من المؤمنين. لهذا أراد حقن دماء المسلمين وأراد الإصلاح وتوحيد كلمة المسلمين من جديد، بعد أن تفرّقوا من بعد مقتل عثمان.
زد على ذلك تخاذل أهل الكوفة الذين لا أمان لهم. فقد غدروا به كما غدروا من قبل بأبيه.
معاوية يخون الأمانة
كان معاوية يفكر في طريقة لحصر الحكم في بيته. غير انه كانت أمامه عقبة كبيرة هي الإمام الحسن الذي عقد راية الصلح معه على أن يكون الحكم من بعده له.
وكان معاوية يؤمن بفكرة "إنّ لله جنودا من العسل" وقد نجح بالتخلص من سعد بن أبي وقاص، ومالك والأشتر النخعي قائد جيش الإمام عليّ بن أبي طالب يوم صفين، والذي استطاع أن يهزم معاوية وجنده شرّ هزيمة.
ومن اجل ضمان أن يؤول الحكم من بعده للأمويين، فقد دبّر معاوية للحسن مؤامرة لقتله بواسطة السم. وقيل إن معاوية حصل على السم من بلاد الروم، ووجد بين زوجات الحسن من تقبل بتنفيذ الجريمة، وهي جعدة بنت الاشعت. وكان أبوها ممن ضغطوا على عليّ لقبول التحكيم. زد على ذلك أنها لم تكن قد أنجبت أولاداً للحسن.
وقد نقل إليها السم مروان بن الحكم، على أن تحصل على مائة ألف درهم وان تتزوّج من يزيد بن معاوية. وقد وضعت جعدة السم للإمام الحسن في صحن لبن، فتناول الإمام منه جرعة، وكان صائماً، فأحسّ بألم شديد فعرف ما حدث فقال: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون. الحمد لله على لقاء الحبيب محمد سيّد المرسلين، وأبي سيّد الوصيين، وأمي سيدة نساء العالمين، وعمي جعفر الطيّار، وحمزة سيّد الشهداء".
ثم قال لقاتلته: "يا عدوّة الله، قتلتني قتَلَك الله، والله لا تصيبين مني خلفا. لقد غرّك ـ يعني معاوية ـ وسخر منك يخزيك ويخزيه".
مات الحسن في المدينة وهو ابن ست وأربعين سنة. وصلّى عليه سعيد بن العاص والي المدينة. وأوصى أن يدفن مع جده في بيت عائشة، فمنع مروان بن الحكم ذلك، فردّه إلى البقيع.
فلما مات الحسن، بعث معاوية إلى الزوجة القاتلة بالمال. أما بالنسبة لوعده إياها بتزويجها إلى يزيد فقد كان ردّ معاوية: "نحبّ حياة يزيد، ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجك به".
ويصح الافتراض هنا أن رأي معاوية في هذه المرأة صائب تماما. فإنّ من قامت بدسّ السم لحفيد رسول الله يمكن أن تضع السم في طعام ابن معاوية.
الحسن بن عليّ بين فكّي التاريخ
بمقتل الحسن بن عليّ وأبيه من قبله، تكون الخلافة الراشدية قد انطوت، وبدأ الانتقال إلى الحكم الملكي الوراثي.
وخلال فترة حكمه القصيرة عانى الحسن الكثير الكثير من الدسائس والمكائد وحرب الأعصاب ومحاولة العزل عن العالم الإسلامي والتهميش لإبعاد الناس عنه. فقد ظلّت سياسة معاوية، التي تقضي بأن يلعن عليّ من على المنابر قائمة. وظلّت المناطق الواسعة التي خضعت لحكمه تسير حسب هذه الأوامر..
كان الصراع بين الحسن ومعاوية صراع مبادىء. ولم يدّخر معاوية حيلة من اجل الفوز بالملك وإقصاء الحسن وآل البيت.
وقد قام الحسن بخطوة هامة في التاريخ الإسلامي، هي التنازل عن الملك في سبيل توحيد كلمة المسلمين وتوجيه قوتهم وسيوفهم نحو الروم وبلاد ما وراء البحار. وبتنازله هذا حقن دماء المسلمين وصان وجوههم من الذل والأسر والإبادة.
وقد اتهمه بعض أتباعه بأنّه أذلّهم، ولكنه يردّ: "ما أردت بمصالحتي معاوية إلاّ أن ادفع عنكم القتل". ولو التقى الجمعان لوقعت مذبحة رهيبة في صفوف أتباعه لأنهم كانوا قلة وفيهم المنافق والمتذبذب. وبقبوله الصلح كان الإمام الحسن هو الذي فرض شروط ذلك، وهذا ما يفعله المنتصر.
ويذكر بعض المؤرخين إن شروط الصلح كانت مادية، وهذا غير صحيح. إذ لولا موافقة معاوية على ترك الأمر للحسن بعد موته، لما كان وافق على الصلح، فهو لن يقبل بحصر الخلافة في الأسرة الأموية.
ولكن معاوية لم ينفّذ شروط الصلح. فقد قتل من قتل، وعمل كل شيء في سبيل أن تؤول الخلافة من بعده لابنه يزيد. كما انه لم يوقف سبّ عليّ على المنابر، ولم ينتهج سياسة الخلفاء الراشدين، وكان كل ذلك من شروط الصلح.
وحتى يضمن معاوية نجاح خطته، سعى لقتل الحسن نفسه، بواسطة التغرير بزوجته، واستمالتها إلى جانبه بإغرائها بالزواج من يزيد إن نفّذت جريمة القتل. ولكنه لم يزوّجها بيزيد.
وقد أوصى الحسن وهو على فراش الموت أن يدفن إلى جانب جده رسول الله ، لكنّ مروان بن الحكم عارض ذلك ومنع دفنه هناك.
وباغتيال الحسن انطوت صفحة أخرى من سلسلة الغدر المنظم في زمن الفوضى... وباغتياله تم اغتيال مبدأ المصالحة واللجوء إلى العقل لحل النزاعات بين المسلمين، من اجل حقن دمائهم. وقد صحّ عند البخاري والترمذي حديث عن أبي بكر انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ابني هذا سيّد ولعلّ الله يصلح به بين فئتين من المسلمين".
الحسين بن عليّ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".
وقال أيضاً : "من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني" ويعني الحسن والحسين.
وقال الشاعر الفرزدق في الحسين:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأتـه
والبيت يعرفـه والحلّ والحرمُ
هذا ابن خير عبـاد الله كلِّهِـمُ
هذا النقيّ التقيّ الطاهرُ العلَـمُ
مشتقّـة من رسول الله نسبتـه
طابت عناصره والخيم والشَّبِمُ
من يعرف الله يعرف أوَّليـهِ إذا
فالدين من بيت هذا ناله أمـم
هو الابن الثاني لعلي بن أبي طالب من فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولد الحسين بن علي رضي الله عنه لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة وقتل يوم الجمعة، يوم عاشوراء، في المحرّم سنة إحدى وستين للهجرة.
رأى الحسين أن الخلافة حق لبيت علي، وانه أحقّ من يزيد بها، فلبّى نداء أهل الكوفة الذين طالبوه بانتزاع الخلافة من الأمويين واعدين إيّاه بنصرته.
وقد حذّره العارفون ببواطن الأمور في العراق ألاّ يثق بالعراقيين، وان للأمويين أنصار هناك، وان أهل العراق قد خذلوا أباه علياً بن أبي طالب وأخاه الحسن قبل ذلك.. ويقال انه صادق الشاعر الفرزدق وسأله عنهم فقال له: "قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية".
نزل الحسين ومن معه من أصحابه وأهل بيته في كربلاء، فلما أحيط بجيوش الأمويين قال: ما اسم هذا الموضع؟ قالوا كربلاء. قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلّم هي كربٌ وبلاء.
أرسل إليه عبيد الله بن زياد بن أبيه وكان عامل يزيد على العراق ومن أشدّ الناس عداوة لأهل البيت، رسالة جاء فيها: "أما بعد يا حسين، فقد بلغني نزولك كربلاء وقد كتب إليّ أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسّد الوثير ولا أشبع من الخمير أو أُلحقك اللطيف الخبير أو تنزل على حكمي وحكم يزيد والسلام".
ولما قرأ الحسين الكتاب رماه من يده وقال: "لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق". وقال لرسول زياد: "ما له عندي جواب لأنّه حقّت عليه كلمة العذاب".
فغضب ابن زياد، وأمر عمر بن سعد بالخروج إلى كربلاء، على رأس جيش كان معسكراً في (حمام أعين) قوامه أربعة آلاف. ثم خطب ابن زياد في مسجد الكوفة فقال:
"أيها الناس .. إنكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبون. هذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة محمود الطريقة محسنا إلى الرعية يعطي العطاء في حقه، وقد أمنت السبل في عهده. وكذلك كان أبوه معاوية في عصره. وهذا ابنه يزيد يكرم العباد ويبقيهم بالأموال. وقد زادكم في أرزاقكم مائة. وأمرني أن أوفرها عليكم وأخرجكم إلى حرب عدوّه الحسين فاسمعوه وأطيعوه".
وفي خطبته اخذ ابن زياد يجمع الناس بالترهيب والترغيب لمقاتلة الحسين، وأخذت الجيوش تتجه نحو كربلاء. وقيل إنها بلغت نحو ثلاثين ألفاً. وانزل ابن سعد الخيل على الفرات فحمى رجاله الماء وحالوا بينه وبين الحسين وأصحابه حتى أضرّ بهم العطش.
قال الحسين: "اللهم إنّا عترة نبيّك محمد قد أخرجنا وطردنا وأزعجنا عن حرم جدنا، وتعدّت بنو أميّة علينا. اللهم فخذ لنا بحقّنا وانصرنا على القوم الظالمين".
وبالرغم من الحصار والجوع والعطش وقلّة الناصر همّ الحسين بمقاتلة العدوّ فأنشد يقول:
فإن نهزِمْ فهزّامـون قدمـا وإنْ نُهْـزَم فغير مهزّمينـا
فقل للشامتين بنا أفيقـوا سيلقى الشامتون كما لقينا
إذا ما الموت رُفِّعَ عن أناسٍ بكلكلـهِ أناخَ بآخرينـا
تقدّم عمر بن سعد نحو عسكر الحسين ورمى بسهم وقال: اشهدوا لي عند الأمير أنّي أوّل من رمى... ثم رمى جنده فلم يبق من أصحاب الحسين أحد إلا أصابه من سهامهم. فقال عليه السلام لأصحابه:"قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بدّ منه. هذه السهام رسل القوم إليكم". فحمل أصحابه حملة واحدة واقتتل الفريقان ساعة فما انجلت الغبرة إلا والحسين قد فقد من أصحابه خمسين شهيدا.
فقال الحسين: "اشتدّ غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولدا. واشتدّ غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة واشتدّ غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه واشتدّ غضبه على القوم الذين اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيّهم. أما والله لا أجيبهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله وأنا مخضّب بدمي".
ثمّ صاح: "أما من مغيث يغيثنا؟ أما من ذابٍّ يذبّ عن حرم رسول الله"؟! فبكت النساء، وسقط آل أبي طالب واحدا تلو الآخر.
وعندها ودّع الحسين عياله والتحف ببردة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وتقلّد بسيفه. وطلب ثوبا لا يرغب فيه أحد يضعه تحت ثيابه لئلا يجرَّد منه، فقد عرف انه مقتول مسلوب. فأتوه بثوب فلم يرغب فيه لأنه من لباس الذلة وأخذ ثوبا خلقا ولبسه تحت ثيابه.
ثم حمل على القوم يقتل منهم وهو يقول:
الموت أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار
ثم صاح عمر بن سعد بالجمع: "هذا ابن قتال العرب فاحملوا عليه من كل جانب". فأصابوه بالنبال، وسقط على الأرض وهم حوله، وترددت كل قبيلة في قتله. فتقدّم إليه زرعة بن شريك، فضربه على عاتقه، وطعنه سنان بن أنس في ترقوته ثم في بواقي صدره ثم رماه بسهم في نحره، وطعنه صالح بن وهب في جنبه.
ونادت أم كلثوم: "وا محمّداه.. وا أبتاه.. وا عليّاه.. وا جعفراه.. وا حمزتاه.. هذا الحسين بالصحراء صريع بكربلاء". ثم نادت: "ليت السماء أطبقت على الأرض وليت الجبال تدكدكت على السهل". ثم صاحت فيهم: "ويحكم أما معكم مسلم"؟ فلم يجبها أحد.
ونزل إليه أحدهم وضربه بالسيف اثني عشرة ضربة واحتزّ رأسه. وقد قتل من أصحاب الحسين اثنان وسبعون رجلا.
واقبل القوم على سلبه فأخذ اسحق بن حوية قميصه واخذ الأخنس بن مرشد بن علقمة الحضرمي عمامته واخذ الأسود بن خالد نعليه، واخذ سيفه الأسود بن حنظلة، وآخر رأى الخاتم في إصبعه والدماء عليه فقطع إصبعه واخذ الخاتم.
قيل لما قتل الحسين بن عليّ رضي الله عنهما اخذوا رأسه، وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ ويلعبون بالرأس. فخرج عليهم قلم من حديد من حائط فكتب بسطر دم:
أترجو أمّة قتلت حسيناً شفاعة جدِّه يوم الحساب
فهربوا وتركوا الرأس ثم رجعوا.
ولزينب بنت عقيل بن أبي طالب هذه الأبيات من الشعر حول مقتل الحسين:
ماذا تقولون إن قال الرسول لكـم
ماذا فعلتم وأنتم آخـر الأمـمِ
بأهل بيتـي وأنصـاري وذرّيتـي
منهم أسارى وقتلى مُزِّجـوا بدمِ
فقال أبو الأسود الدؤلي: نقول "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين" (سورة الأعراف ، الآية 23).
ولما أتيَ برأس الحسين بن علي إلى عبيد الله بن زياد جعل ينكث بقضيب في يده ويقول: انه كان لحسن الثغر. فصاح به احد الرجال أن لا يفعل ذلك قائلا: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقبّل موضع قضيبك من فيه".
ثم وصل رأس الحسين إلى يزيد بن معاوية فردّه ليدفن مع الجسد في كربلاء.
الحسين بن عليّ بين فكّي التاريخ
كانت معركة كربلاء غير متكافئة. فقد كان جيش الأمويين يزيد بـ (30) ألف عن أنصار الحسين بن علي، لذا فهي مذبحة في وضح النهار. وواضح أن الحسين عرف أن قوّته قليلة من حيث الجند، لكن إيمانه كان كبيرا بدينه، فهو سيّد الثائرين والشهداء لأنه ثار من أجل إصلاح الوضع والإطاحة بحكم يزيد.
والغريب ما ذهب إليه بعض المؤرخين بأن الحسين أخطأ، وانه خرج ولم يعدّ نفسه لهذه الموقعة، وكأنه خرج يطلب الملك. ولكنّ الحسين خرج ليقول كلمة الحق.
وقد كتب ابن خلدون يقول: "فقد تبيّن لك غلط الحسين إلا انه في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه. وأما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه لأنه منوط بظنه. وكان ظنه القدرة على ذلك. ولقد عذله ابن عباس وابن الزبير وابن عمر وابن الحنفية وأخوه وغيره في مسيرة الكوفة وعلموا غلطه في ذلك ولم يرجع عما هو بسبيله لما أراده الله".
ويقول الذهبي: "اغترّ الحسين وسار في أهل بيته فقتل".
والموسويّ يقول: "الإمام الحسين الذي ثار ضدّ الذين نصحوه بالبقاء في مدينة الرسول ومنعوه من السير إلى العراق".
وهنا نرى أن الحسين لم يلقَ العون من شيعته الذين لم يهبّوا لنجدته في ساحة الميدان، حين مزّقت الرماح والسهام والسيوف جسده. وبعد موته مثّل القوم به وسلب ما كان عليه من حليّ وملابس وسلاح. وبعد أن دفن ينهش المؤرخون لحمه ويكتبون انه قاتَلَ لأمر دنيوي، وانه قاتل بغير حق، وانه خرج على الخليفة الشرعي يزيد.. ويتجاهلون انه لم يخرج طلبا للخلافة بل لتطبيق حكم الله وسنة رسوله، وإبعاد الناس عن الفسق والضلال الذي ساد ويسود في كل زمان.
وبموته نستطيع القول إن الإسلام تجزّأ إلى سنة وشيعة، وان خطوة ابن زياد بن أبيه هذه كانت من اكبر الأخطاء التاريخية، لأن هذه المذبحة جرّت وراءها ألف مذبحة ومذبحة، قتل فيها مئات الألوف من المسلمين الذين كان من المفروض أن يقاتلوا أعداء الإسلام، والذين اقتتلوا فيما بينهم حتى سخر منهم الأعداء.
يقول السيوطي في كتابه "تاريخ الخلفاء": "لعن الله قاتله وابن زياد ومعه يزيد". باستشهاد الحسين ينطوي الفصل الثالث من سلسلة الغدر بعد استشهاد الإمام عليّ والإمام الحسن ثم الإمام الحسين. وقد يقول بعضهم إن الحسين شهيد الشيعة، وأقول انه شهيد الإنسانية.
ولا ينكر عاقل ومتابع للأمور إن سبب قتله، وعلى هذه الصورة، هو من اجل إبعاده هو وذريته عن سدّة الحكم ومركز القوة والتأثير في الدولة الإسلامية.
كما أن مقتله يعتبر من الأسباب الهامة التي أدّت إلى القضاء على الدولة الأموية خلال فترة قصيرة من الزمن. فقد قتل الإمام الحسين في 10 / 10 / 680 ميلادية، وسقطت الدولة الأموية بعد ذلك بنحو سبعين عاماً، وذلك في عام 749 م، بعد معركة الزاب الأعلى التي قتل فيها الخليفة الأمويّ الأخير مروان الثاني الملقّب بـ "الحمار" لشدّة صبره.
وقد قتل مروان الثاني بعد أن كان فارّاً ومختبئاً في كنيسة في الفيوم في شمال القاهرة.
عبد الله بن الزبير
(620 - 692 م )
هو عبد الله بن الزبير بن العوّام وأسماء بنت أبي بكر الصديق. اشترك في الفتوحات الإسلامية في بلاد فارس ومصر وشمال أفريقيا. وحارب في معركة الجمل إلى جانب أبيه وخالته عائشة، ضد الخليفة عليّ بن أبي طالب. وكان ضمن الطاقم الذي أشرف على جمع القرآن الكريم زمن عثمان بن عفان.
وكان عبد الله بن الزبير خامس خمسة من كبار صحابة رسول الله، من الذين امتنعوا عن البيعة بولاية العهد ليزيد بن معاوية. فلما مات معاوية، كتب يزيد لواليه في المدينة أن يأخذ البيعة من عبد الله بن الزبير، وأن يغلَّ عنقه ويديه ويرسله إليه. وكان ذلك لأنّ يزيد كان يخشى الزبير أكثر من الجميع، حتى من الحسين.
أعلن بن الزبير نفسه خليفة على الحجاز وولّى أخاه مصعباً على العراق سنة 687 م.
حاول يزيد قتل عبد الله بن الزبير إلا انه خلال حصار مكة بقيادة الحصين بن نمير، جاء خبر وفاة يزيد. وعندها عظم أمر ابن الزبير في الحجاز واليمن.
وكانت الكعبة قد احترقت عند حصار جند الشام لها، لأن الجند ضربوها بالمنجنيق. وقام ابن الزبير بترميمها.
دخل العراق في بيعة الزبير، وفي معركة مسكن سنة 71 هجرية (691 ميلادية) هزم جيش مصعب على يد جيش عبد الملك بن مروان ، فأرسل عبد الملك إلى مصعب يقترح عليه الأمان. ولكنّ مصعباً أجابه "إنّ مثلي لا ينصرف عن مثل هذا الموقف إلا غالباَ أو مغلوباً ". وهكذا تواصلت الحرب واشتدّ الحصار على مصعب وثقلت به الجراح. وعندها نزل إليه رجل فاحتزّ رأسه وجاء به فطرحه عند عبد الملك، الذي أنشد عندها:
نطيع ملوك الأرض ما قسطوا لنا
وليس علينا قتلهم بمحرّم
كان لمصعب من العمر لما قتل (36) عاماً . ولما علم عبد الله بن الزبير بمقتل أخيه ترحّم عليه ووصف أهل العراق بالنفاق، وقال إنهم باعوه بأقلّ الثمن، وقال: "ما نموت إلا قصفاً بالرماح وموتاً تحت ظلال السيوف".
توجّه الحجاج بعد مقتل مصعب على رأس جيش كبير من عشرين ألف من جند الشام إلى الحجاز وضرب حصاراً على مكة. فأصاب أهل مكة مجاعة كبيرة، فيما كانت بيوت ابن الزبير مليئة بالمؤونة، التي بخل أن يوزّعها على أصحابه المحاربين. وقد تسبب هذا الموقف منه إلى تخلّي أنصاره عنه واحداً بعد واحد، حتى إن ولديه حمزة وخبيب كانا من ضمن الذين تركوه وانضموا إلى الحجاج.
وراح عبد الله بن الزبير يسأل أمه أسماء بنت أبي بكر ماذا يفعل وقد تخلّى عنه الناس؟ فقالت له: "إن كنت على حق فامضِ لشأنك لا تمكّن غلمان بني أميّة. وإن كنتَ إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك ومن معك.. القتل أحسن".
فقال: "يا أمتِ.. إني أخاف إن قتلوني أن يمثلوا بي". قالت: "إنّ الشاة لا يضرُّها سلخها بعد ذبحها".
أمضى عبد الله بن الزبير ليلته الأخيرة يصلّي، وقال لمن حوله "صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم". ثم قال: "احملوا على بركة الله". فحملوا وحمل معهم حتى بلغ معهم الحجون فرمى بآجرّة في وجهه فأرعش ودَمِيَ، فلما وجد سخونة الدم، قال:
لسنا على الأعقاب تدمي كُلومُنا
ولكن على أقدامنا نقطرُ الدما
فحملوا عليه حتى هوى ميتاً. ووصل الخبر إلى الحجاج فسجد شكراً !!! وأمر باجتزاز رأسه، وأرسله إلى عبد الملك.
وكان عمر بن الزبير يوم استشهاده 72 سنة، وقد دامت خلافته نحو تسع سنين.
عبد الله بن الزبير بين فكّي التاريخ
لما قتل ابن الزبير خطب الحجاج في الناس فقال: "كان ابن الزبير من خيار هذه الأمة حتى رغب في الخلافة ونازعها أهلها وأَلْحَدَ في الحرم فأذاقه الله من عذابه الأليم. وإن آدم كان أكرم على الله من ابن الزبير وكان في الجنة وهي أشرف من مكة، فلما خالف أمر الله وأكل من الشجرة التي نهي عنها أخرجه الله من الجنة".
ولسنا نقدر أن نهضم هذه المحاججة التي تدلّ على أخلاق الحجاج! فمن الملحد حقاً ؟! أهو الحجاج الذي قتل أكثر من (300,000) عراقي خلال مدة حكمه التي دامت 20 سنة من الظلام، والذي ضرب الكعبة بالمنجنيق، أم عبد الله بن الزبير، أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، الذي خرج على طغاة بني أميّة الذين ابتعدوا عن الإسلام الصحيح؟! أم أنه، ولمجرّد قيام عبد الله بن الزبير بمحاولة تقويم المسيرة، لم يعد من خيار هذه الأمة؟!
حقد الحجاج
كان عبد الله بن الزبير يستعمل الصبر والمسك قبل قتله لئلا ينتن. فلمّا صلبه الحجاج فاحت من جثته رائحة المسك. وقيل إن الحجاج صلب معه كلباً أو سنُّوراً ميتاً حتى تغطّي الرائحة النتنة للسنور على رائحة المسك.
وقيل إن الجثة ظلّت مصلوبة حتى مرّ بها عبد الله بن عمر، فقال: رحمة الله عليك يا أبا خبيب. أما والله لقد كنت صوّاماً قوّاماً ". ثم قال: "أما آن لهذا الراكب أن ينزل"؟ فبعث الحجاج، فأنزلت الجثة ودفن.
وهنا نرى شدة حقد الحجاج وعبد الملك بن مروان على عبد الله بن الزبير، فقد قتلاه ثم صلباه ومثّلا به حتى بعد سقوطه، كما كان ابن الزبير قد توقّع. وقد فعلوا هذا لأنه خرج عليهم.
ولو توفّر لابن الزبير بعض ما توفّر لبني أميّة من مال، ولو أنه لم يكن قد تقشّف أكثر من اللازم، وقام بتوزيع المال والذهب والعطايا على جنده وعلى الناس، مثلما فعل الأمويون، لكانت الكفة رجحت لصالحه، ولما خرج عليه جنده وولداه مما عجّل في هزيمته.
عمر بن عبد العزيز
(681 ـ 720 م)
ولد عمر بن عبد العزيز في حلوان بمصر، وقيل في المدينة. أبواه عبد العزيز بن مروان بن الحكم وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.
حفظ القرآن في صغره وتفقَّهَ في الدين في المدينة المنورة. حين توفي والده استدعاه عبد الملك بن مروان إلى دمشق فأقام عنده وزوّجه من ابنته فاطمة.
تولّى ولاية المدينة ثم عزل، ثم استوزره سليمان. وبعهد من سليمان تولّى الخلافة سنة 99 هجرية، وبويع له في مسجد دمشق.
وكان تعيينه الحل الوسط لحل النزاعات داخل البيت الأموي ليحافظ على ملك بني أمية. وكان أول ما قام به وقف الحروب الخاسرة ضد البيزنطيين، وحاول مصالحة الموالي الذين عانوا من سياسة الخلفاء الأمويين السابقين. وفي زمنه صار الموالي يستطيعون الوصول إلى منصب قاضٍ.
وحاول أيضاً مصالحة آل البيت، فأمر بوقف سبّ عليّ بن أبي طالب من على المنابر، وأعاد لبني هاشم أملاكهم، وخفّف الضرائب عن الموالي والفرس والنصارى، ورفع الخراج عمّن أسلم من أهل الذمة. كما حاول تعويض النصارى عن مصادرة كنيسة القديس يوحنان، إذ أعاد لهم كنيسة توما في دمشق.
كان عمر بن عبد العزيز زاهداً فلم يقرب ما تركه الخليفة السابق، وما عُرف له من ممتلكات عند استخلافه. ورفض الدوابّ والسرادقات والجواري والثياب. وأعاد هذه الأشياء إلى بيت مال المسلمين.
وكان يحرص على عدم تبذير أموال بيت مال المسلمين حتى أنه كان يقرأ القرآن على ضوء شمعة حتى لا يأخذ ثمن الزيت من بيت المال لإنارة السراج. ومما يروى عنه أنه قال لزوجته فاطمة، ابنة الخليفة التي أورثها أبوها الحلي:
"اختاري إمّا أن تردّي حليك إلى بيت المال وإمّا أن تأذني لي في فراقك". فقالت: "بل أختارك".
ومما يروى عنه أيضاً، انه أبطأ يوماً عن صلاة الجمعة قليلاً، فعوتب في ذلك، فقال: "إنما انتظرت قميصاً غسلته أن يجفّ".
ازداد في فترته عدد الذين اعتنقوا الإسلام وقد أثّر هذا سلبياً على خزينة الدولة. ولم تعجب هذه السياسة بني أمية لأنهم خافوا على ملكهم من بعده.
عمر بن عبد العزيز بين فكّي التاريخ
كان عمر بن عبد العزيز عادلاً حتى إن الناس سموا هذا الخليفة العادل "الخليفة الراشدي الخامس" وذلك من كثرة عدله وحب الناس له ولأسس حكمه. كما أنه عرف بتقشفه، وباتّباعه سياسة التسامح حتى مع أعدائه وأعداء بني أمية.
وكان قد جرّد بني أمية من امتيازاتهم الخاصة، فطلبوا منه إعادتها فرفض. فدسّوا له السم وهو في دير سمعان من أرض المعرة، فأرسل له ملك الروم رئيس أساقفته ليعالجه، فرفض ذلك، واستدعى المتّهم بسمه، وسأله: "ما حملك على ما صنعت"؟ قال: "خُدِعْتُ وغرِّرْتُ" فقال عمر: "خُدعَ وغُرَّ... خَلُّوه"، وتركه حراً .
ومات عمر بن عبد العزيز، وقد حكم مدة سنتين وأربعة اشهر وعدة أيام... ولو امتدّ العمر بالخليفة الصالح مدة كافية من الزمن، فلربما كان استطاع إصلاح أحوال الدولة الأموية وإعادتها إلى ثوابت الحكم الراشدي ونشر العدل في أرجاء الدولة الإسلامية وإنصاف الموالي وأهل الكتاب.
لكنّ هذه السياسة كانت تتعارض وسياسة بني أمية فسارعوا إلى التخلّص منه بالسم.
أما وليّ العهد يزيد بن عبد الملك، فابتعد عن سياسة عمر بن عبد العزيز وعزل الولاة الصالحين، وقسا على البربر وعذّب آل موسى بن نصير وأعاد سياسة الحجاج والبطش في الناس.
لهذا ثار ضدّه الخوارج وباعوا نساء بني مهلّب، فقيل: "ضحّى بنو أميّة يوم كربلاء بالدين ويوم الـعقير بالكرم".
الملك المملوكي قطز
في سنة ثمانية وخمسين وستمائة هجرية، كاتب بيبرس البندقدار الملك المظفّر قطز صاحب مصر، فمنحه الملك قطز الأمان. وحين أقبل عليه، أنزله قطز في دار الوزارة وأقطعه أماكن كثيرة.
معركة عين جالوت (1260م)
في هذه السنة خرج الملك المظفّر قطز، ملك مصر، وجمع عساكره من التراكمة والشهرزوية لقتال كَتُبْغا ومن معه من التتر. فسار في بداية شهر رمضان المبارك قاصداً بلاد الشام. ولما وصل خبر قدوم المسلمين إلى كتبغا، الذي كان نائب هولاكو على الشام، جمع عساكره، والتقى الجمعان في عين جالوت بالقرب من بيسان. وجرت هناك معركة حامية الوطيس، وانهزم التتر هزيمة قبيحة، وقتل قائدهم كتبغا، وأُسِر ابنه. وهرب منهم الكثيرون أو أسروا، ولحق ركن الدين الظاهر بيبرس البندقدار بفلولهم.
ثم سار الملك المظفّر قطز إلى الشام يرتّب الأمور هناك، حتى خلت الشام من التتر، الذين كانوا قد استولوا على الشام مدة سبعة اشهر.
مقتل الملك قطز
لما كان الملك المظفّر قطز في طريق عودته إلى مصر، اتّفق بيبرس البندقداري مع جماعة من المماليك الصالحية على قتله. فلما حانت الفرصة حمل عليه بيبرس البندقداري الصالحي وضربه بالسيف، واجتهد الجميع عليه ورموه عن فرسه وقتلوه بالنشاب.
وكان هذا سنة 658 هجرية. وقد حكم الملك المظفّر قطز مدة أحد عشر شهراً وثلاثة عشر يوماً .
ما سبب القتل؟
كان بيبرس قد سأل الملك المظفر قطز أن يجعله والياً لولاية حلب، فلم يجبه لطلبه هذا، ولهذا أضمر له الغدر.
يقتل الملك ويجلس مكانه !
لما وصل بيبرس ومن معه إلى الدهليز بالصالحية، كان هناك نائب السلطنة فارس الدين أقطاي. فسألهم أقطاي: "أيهم منكم الذي قتل الملك"؟ فقال له بيبرس: "أنا قتلته". فقال له أقطاي: "اجلس في مرتبة السلطنة". فجلس وحلفت له العساكر في اليوم الذي قتل فيه الملك قطز. وأطلق على نفسه لقب "الملك الظاهر بيبرس".
القاهرة المسكينة
وكانت القاهرة وسائر مدن مصر قد زيِّنت احتفالاً باستقبال الملك المظفّر قطز، الذي حقق النصر على التتر. فكانت زينتها احتفالاً باستقبال قاتله ومغتصب عرشه!
الملك قطز بين فكّي التاريخ
إن العمل العظيم الذي قام به الملك المظفّر قطز أنقذ العالم الإسلامي كله من مذابح التتر الذين كانوا قد اعملوا السيف في رقاب الناس في بغداد وهاجموا دار الخلافة وقتلوا كل من كان فيها من الإشراف. ولم يسلم من القتل إلا من كان صغيراً ، فأخذ أسيراً .
وقد دام القتل والنهب في بغداد نحو أربعين يوماً، وكان الخليفة المستعصم من بين القتلى، وقيل غرق، وقيل رموه تحت أرجل الدوابّ، وقيل رفسوه حتى الموت.
وهذا كان أيضاً مصير مدن الشام: حلب وحماة ودمشق ونابلس وعجلون وغيرها. وقد أنقذ قيام الملك قطز بتوحيد جيوش مصر والسير لمقاتلة التتار وانتصاره عليهم في عين جالوت بلاد المسلمين من وحوش هولاكو.
ولكنّ هذا الملك الذي أنقذ البلاد، كان مصيره القتل غدراً على يديّ بيبرس الذي أتاه صفر اليدين من الشام، فعطف عليه وأحسن إليه وأقطعه الأراضي ورفع مكانته الحربية.
وقد قتله بيبرس وانتزع الحكم منه وعاد من الشام للقاهرة وكأنه هو قاهر التتر! وحرم صاحب النصر الحقيقي من تذوّق نشوة النصر وهتاف الأهالي وولاء الأمراء !
ابن المقفّع
(724 ـ 759 م)
هو عبد الله بن المقفّع، وكان اسمه روزبه قبل أن يسلم. ولد في حور في فارس، لقِّب أبوه بالمقفّع لتشنّج أصابع يديه على اثر تنكيل الحجاج به بتهمة مدّ يده إلى أموال الدولة.
درس الفارسية وتعلّم العربية في كتب الأدباء واشترك في سوق المربد.
رافق الأزمات السياسية في زمن الدولتين الأموية والعباسية.
سُئل ابن المقفّع "من أدّبك"؟ فقال: "نفسي. إذا رأيت من غيري حسنا آتيه، وإن رأيت قبيحا أبَيْته".
صفاته
كان فاضلا ونبيلا وكريما ووفيا. ونستطيع أن نعرف عنه صدقه من خلال كتاباته.
من القصص التي تدلّ على صدقه ووفائه، انه لما قُتل مروان بن محمد، آخر خلفاء بني أمية، اختفى عبد الحميد الكاتب، فعُثِرَ عليه عند ابن المقفّع، وكان صديقه. وعندما سئِل الرجلان: أيُّكما عبد الحميد؟ قال كل واحد منهما "أنا" خوفا على صاحبه.
سبب مقتله
في ظل الدولة العباسية اتصل ابن المقفّع بعيسى بن علي عم السفاح والمنصور واستمر يعمل في خدمته حتى قتله سفيان بن معاوية والي البصرة من قبل المنصور.
والأرجح أن سبب مقتله يعود إلى المبالغة في صيغة كتاب الأمان الذي وضعه ابن المقفع ليوقّع عليه أبو جعفر المنصور، أماناً لعبد الله بن عليّ عم المنصور. وكان ابن المقفع قد أفرط في الاحتياط عند كتابة هذا الميثاق بين الرجلين (عبد الله بن علي والمنصور) حتى لا يجد المنصور منفذاً للإخلال بعهده. ومما جاء في كتاب الأمان: إذا أخلّ المنصور بشرط من شروط الأمان كانت "نساؤه طوالق، وكان الناس في حلّ من بيعته"، مما أغاظ المنصور فقال: "أما من أحد يكفينيه"؟ وكان سفيان بن معاوية يبيّت لابن المقفع الحقد، فطلبه، ولما حضر قيّده وأخذ يقطعه عضواً فعضواً ويرمي به في التنور.
ابن المقفّع بين فكّي التاريخ
يحاول البعض الإنقاص من شأن ابن المقفّع كقولهم إن مذهبه مجوسي من أتباع زرادشت، وانه لم يسلم إلا للمحافظة على روحه وللتقرب إلى العباسيين، ويتّهمونه كذلك بالزندقة.
ولكنّ الحقيقة انه صاحب نفس شريفة، يقدّر الصداقة حق قدرها. وقد رأى بالأصدقاء عماد الحياة ومرآة النفس، لذا نصح بالدقة في اختيار الأصدقاء.
وكان ابن المقفّع صاحب علم واسع، وعرف الثقافة العربية والفارسية واليونانية والهندية. وإذا كان ابن المقفّع اظهر عيوب النُّظُم الإدارية في عصره وفضّل النظم الإدارية الفارسية، فالحقيقة إن العرب كانوا بعيدين عن النظم الإدارية. فبعد قيام الدولة الإسلامية في عهد الرسول، أخذ الفاروق عمر بن الخطاب الكثير من النظم الإدارية عن الفرس، واستطاع بهذا بناء دولة قوية. وكان لهذا أثره الكبير في تطوّر الدولة العربية.
قتل ابن المقفّع وهو في مقتبل العمر، ولم يتجاوز السادسة والثلاثين عند موته. إلا انه خلّف لنا من الآثار الكثيرة ما يشهد على سعة عقله وعبقريته، وانه صاحب المدرسة الرائدة في النثر.
مؤلفاته
بعض مؤلفات ابن المقفّع نقل من الفارسية واليونانية والهندية. ومن مؤلفاته:
- الدرة الثمينة والجوهرة المكنونة.
- مزدك.
- باري ترمينياس.
- أنالوطيقا ـ تحليل القياس.
- أيين نامة ـ في عادات الفرس.
- التاج ـ في سيرة أنو شروان.
- أيساغوجي ـ المدخل.
- الأدب الصغير.
- رسالة الصحابة.
- كليلة ودمنة ـ نقله عن الهندية.
بقي ابن المقفّع وبقيت الكتب التي كتبها أو نقلها عن الفارسية أو الهندية أو اليونانية مرجعا لأنّ الكتب الأصلية ضاعت.
وقد ترك لنا ابن المقفّع الكثير من الكنوز رغم انه لم يعمّر طويلا... لكنّ أدبه عمّر وسيعمِّر.
الإمام أحمد بن حنبل
(780 ـ 855 م)
هو أحمد بن حنبل بن هلال الذهلي الشيباني المزوزي ولد في بغداد وتنقّل بين الحجاز واليمن ودمشق. سمع من كبار المحدثين ونال قسطاً وافراً من العلم والمعرفة، حتى قال فيه الإمام الشافعي: "خرجت من بغداد فما خلّفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقَهَ من ابن حنبل".
فهو إذن، إمام أئمة الإسلام.
وعن إبراهيم الحربي، قال: "رأيت أحمد ابن حنبل، فرأيت كأنّ الله جمع له علم الأوّلين والآخرين من كل صنف يقول ما يشاء ويمسك عمّا يشاء". ولم يكن ابن حنبل يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا.
مذهبه
مذهب ابن حنبل من أكثر المذاهب السنية محافظة على النصوص وابتعاداً عن الرأي. لذا تمسّك بالنص القرآني ثم بالبيّنة ثم بإجماع الصحابة، ولم يقبل بالقياس إلا في حالات نادرة.
محنته
اعتقد المأمون برأي المعتزلة في مسألة خلق القرآن، وطلب من ولاته في الأمصار عزل القضاة الذين لا يقولون برأيهم.
وقد رأى أحمد بن حنبل ان رأي المعتزلة يحوِّل الله سبحانه وتعالى إلى فكرة مجرّدة لا يمكن تعقُّلُها فدافع ابن حنبل عن الذات الإلهية ورفض قبول رأي المعتزلة، فيما أكثر العلماء والأئمة أظهروا قبولهم برأي المعتزلة خوفاً من المأمون وولاته.
وألقي القبض على الإمام ابن حنبل ليؤخذ إلى الخليفة المأمون. وطلب الإمام من الله أن لا يلقاه ، لأنّ المأمون توعّد بقتل الإمام أحمد.
وفي طريقه إليه، وصل خبر وفاة المأمون، فتم ردّ الإمام أحمد إلى بغداد وحُبس ووَلِيَ الخلافة المعتصم، الذي امتحن الإمام، وتمّ تعرضه للضرب بين يديه.
وقد ظل الإمام محبوساً طيلة ثمانية وعشرين شهراً . ولما تولى الخلافة الواثق، وهو أبو جعفر هارون بن المعتصم، أمر الإمام أن يختفي، فاختفى إلى أن توفّي الواثق .
وحين وصل المتوكّل ابن الواثق إلى السلطة، خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقاد بخلق القرآن، ونهى عن الجدل في ذلك. وأكرم المتوكل الإمام أحمد ابن حنبل، وأرسل إليه العطايا، ولكنّ الإمام رفض قبول عطايا الخليفة.
وفاته
توفي الإمام يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومائتين للهجرة ، وله من العمر سبع وسبعون سنة. وقد اجتمع الناس يوم جنازته حتى ملأوا الشوارع. وحضر جنازته من الرجال مائة ألف ومن النساء ستين ألفاً، غير من كان في الطرق وعلى السطوح. وقيل أكثر من ذلك.
وقد دفن الإمام أحمد بن حنبل في بغداد. وقيل انه أسلم يوم مماته عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس ، وأنّ جميع الطوائف حزنت عليه، وأنه كانت له كرامات كثيرة وواضحة.
فعن ابنه عبد الله، قال: رأيت أبي حرّج على النمل أن تخرج من داره، ثم رأيت النمل قد خرجت نملاً أسود، فلم أرها بعد ذلك.
وعن الإمام أبي الفرج الجوزي ، قال: لما وقع الغريق ببغداد سنة أربع وخمسين وخمسمائة وغرقت كتبي ، سلم لي مجلد فيه ورقات من خط الإمام أحمد بن حنبل.
الإمام ابن حنبل بين فكّي التاريخ
كانت وقفة الإمام احمد بن حنبل في وجه الظلم وفي وجه حملة تحريف الدين الإسلامي وفي وجه هرطقة المعتزلة وتخبّطهم في علوم وخفايا الدين وقفة عظيمة. وقد صمد الإمام بالرغم من التعذيب والضرب بالسياط والحبس والملاحقة والإغراء.
من أشعاره وهو في السجن :
لعمرك ما يهوى لأحمد نكبـة
من الناس إلاّ ناقص العقل مُغْـوِرُ
هو المحنة اليوم الذي يُبتلى بـه
فيعتبـر السنِّـي فينـا ويسبُـرُ
شجىً في حلوق الملحدين وقرَّةٌ
لأعين أهل النسك عفٌّ مشـمِّـرُ
لريحانة القرَّاء تبغون عـثـرة
وكلِّكُمُ من جيفـة الكلب أقـذرُ
فيا أيها الساعي ليدرك شأوه
رويدك عـن إدراكـه ستقصِّـرُ
وقال عنه الأمام الشافعي:
أضحى ابن حنبل حجَّةً مبرورةً
وبِحُبِّ أحمدَ يُعـرَفُ المـتنسِّكُ
وإذا رأيت لأحمـد متنقِّصـاً
فاعلم بـأنَّ سُتـورَهُ ستُهَتَّـكُ
مؤلفاته :
- المسند. ويحوي أكثر من أربعين ألف حديث.
- الناسخ والمنسوخ.
- العلل.
- السنن في الفقه.
خلاصة
كان الإمام أحمد عليماً بالأحاديث الأمر الذي وفّر له ثروة هائلة في العلم مكّنته من الاستنباط. وقد وسّع باب القياس مما
جعل الأحكام أقرب إلى مرامي الشارع ومقاصده المستوحاة من أعمال الرسول وأقواله. وكانت هناك حاجة ماسة إلى أحكامه، لأنّ العرب تفرّقوا بين الأمصار التي فتحوها وفيها أمم وشعوب مختلفة. وقد قدّم الإمام أحمد الحديث على الرأي والقياس ولو كان ضعيفاً . كما انه أكمل مشوار الشافعي من ناحية تعظيم دور السنة في البناء الفقهي.
وكانت شخصية الإمام أحمد رمزاً للصمود والثبات على الإيمان الراسخ ورفض الأفكار الدخيلة على الإسلام والعقيدة الإسلامية.
ابن رشد
(1126 ـ 1198 م)
هو محمد بن احمد بن محمد بن احمد بن رشد. كان والده قاضي قرطبة وكان جده قاضي قضاة الأندلس. ولد في قرطبة ودرس القرآن والفقه والطب والفلسفة. أُسند إليه القضاء في اشبيلية، ثم صار قاضي قضاة قرطبة. وبعد وفاة ابن عقيل، الطبيب والفيلسوف المعروف، استوزره أبو يعقوب بن عبد المؤتمن، لكن الوشاة والحساد أوغروا صدر ابن أبي زيد عليه، فأمر بمحاكمته وإحراق كتبه بتهمة الكفر. وقد نفي ابن رشد حوالي سنة، ثم صدر العفو عنه. لكنه عزف عن الحياة السياسية والاجتماعية.
مات في مراكش ودفن فيها ثم نقل رفاته إلى قرطبة.
ابن رشد بين فكّي التاريخ
هذا العالم والمفكر الذي حظي بشهرة عالمية، نفي وعزل عن الحياة السياسية بعد أن كان وزيراً وقاضياً، وأحرقت معظم كتبه.
وقد ألّف ابن رشد أكثر من سبعين كتاباً ورسالة. وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على سعة إطلاعه ومعرفته والمقام العظيم الذي استحقه.
أما المتاعب والمصاعب التي لاقاها في حياته فقد كانت بحجم قيمته وأهميته وفكره. فقد كثر حسّاده والساعون إلى عزله، لأنهم كانوا يعرفون انه أفضل منهم.
أهم كتبه :
- تهافت التهافت ـ رد على الغزالي.
- جوامع سياسة أفلاطون.
- أرسطو
- شرح أرجوزة ابن سينا.
- بداية المجتهد ونهاية المقتصد.
- الكشف عن مناهج الأدلّة في عقائد الملّة.
وفي الغرب يسمّون ابن رشد Averroes وقد اهتمّ به الغرب بفضل شرحه لكتب أرسطو وتظهيرها من الآراء الدخيلة عليها. وهو يسمي أرسطو " الإنسان الأكثر كمالاً ". وقد درست أوروبا كتب ابن رشد مئات السنين.
آمن ابن رشد أنّ الفلسفة هي الطريق للوصول إلى الله، وفضّل الحقيقة العقلية على الحقيقة الدينية، ودافع عن الفلاسفة وآمن ان الجمهورية الفاضلة هي دولة الخلفاء الراشدين، ورأى أنّ بإمكان المرأة القيام بالأدوار التي يقوم بها الرجل، مثل السياسة وغيرها، وأن المجتمع يظلمها، وبظلمها حرم فضل تفكيرها. وكان رأيه في الدين انه أحكام شرعية لا مذاهب نظرية.
خلاصة
كان ابن رشد عبقري عصره وعبقري كل العصور. وقد اعتمد الغرب على علمه قرونا.. لكنه أهين ونفي وأحرقت كتبه القيمة في الشرق فحرمنا من علمه.
ومن النزر اليسير الذي وصلنا يمكننا القول إن ابن رشد هو الفيلسوف الأول والفقيه الكبير والطبيب المبتكر والسياسي الحكيم.
عمر بن الخيَّام
(1040 ـ 1131 م)
ولد في نيسابور سنة 1040 م وكان أبوه صانع خيام فاشتقّ اسمه من حرفته.
وكان أثناء صباه يدرس مع صديقين حميمين، وتعاهد ثلاثتهم على أن يساعد من يؤاتيه الحظ الآخرين، وهذا ما كان ..
فقد وصل إلى الوزارة نظام الملك (الطوسي) فخصّ عمر بن الخيَّام عندها بمائتين وألف مثقال يتقاضاها من بيت المال كل عام.
وهكذا صار لعمر بن الخيام الوقت الكافي للتفكير بأمور وأسرار الحياة ، بعد أن توفّرت له أسباب المعيشة.
يقول:
أفنيتُ عمري في اكتناه القضـاء
وكشف ما يحجبـه في الخـفاء
فلم أجـد أسـراره وانقضـى
عمري وأحسست دبيب الفـناء
ويقول في رباعياته:
لبستُ ثوب العمر لـم أُسْتَشَـرْ
وحرت فيه بيـن شتّـى الفكـر
وسوف أنضو الثوب عني ولـم
أدركْ لمـاذا جئـتُ أيـن المقـر
لـم يبرح الداء فؤادي العليـل
ولـم أنل قصدي وحان الرحيـل
وفـات عمـري وأنا جاهـل
كتاب هذا العمر حسم الـفصول
وهو يعجب لهذا الفناء السريع للشباب والحياة فيقول:
تناثرت أيّـام هـذا العـمر
تناثـر الأوراق حول الشـجر
فانعم من الدنيـا بلذّاتـهـا
من قبل أن تسقيك كفّ القدر
أطْفِىءْ لظى القلب ببرد الشراب
فإنمـا الأيام مثــل السحاب
وفي موضع آخر يتدارك نفسه فيقول:
يا عالم الأسرار علـم اليقين
يا كاشف الضرّ عن البائـسين
يا قابـل الأعذار فئنــا إلى
ظلّك فاقبـل توبـة التائبيـن
من هنا نرى أن رباعيات الخيام تتراوح بين الإيمان والإلحاد وبين الدعوة للمجون والدعوة للهو وبين طلب العفو من الله عزّ وجلّ وإعلان التوبة.
لذا اختلف العلماء في تصنيف عمر الخيام والأرجح أنه لم يخرج عن المألوف إنما هي صرخة في وجه الظلم والأمور الدخيلة على الدين الإسلامي في عصره.
ولم يفكّر أحد ممن عاصره في جمع الرباعيات. فأوّل ما ظهرت سنة 865 هـ، أي بعد رحيله بثلاثة قرون ونصف. ولعلّهم كانوا يخشون جمعها لما حوته من جرأة وحكمة.
وأوّل ترجمة للرباعيات كانت للغة الإنجليزية، وظهرت سنة 1859، أما الترجمة العربية من الفارسية فقام بها الشاعر المصري أحمد رامي. وهناك ترجمة أخرى للشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي.
عمر الخيام بين فكّي التاريخ
من أبرز حوادث التزوير في التاريخ أن معظم الناس يقولون بأنّ الخيام لم يكن إلا شاعراً. والصحيح انه كان من أكبر علماء الرياضيات في عصره، واشتهر بالجبر واشتغل في تحديد التقويم السنوي للسلطان ملكشاه.
وهو أوّل من اخترع طريقة حساب المثلّثات والمعادلات الجبرية من الدرجة الثالثة بواسطة قطع الـمخروط.
وقد وضع الخيام تقويما سنوياً أدقّ من التقويم السنوي الذي نعمل به اليوم.
وبسبب الفهم الخاطىء لفلسفته ولتصوّفه اتهم بالإلحاد والزندقة وأحرقت كتبه، ولم يصلنا منها سوى الرباعيات لأنّ القلوب أحبّتها وحفظتها من الضياع. غير أن الخيام كان عالماً عبقرياً وملماً ومبدعاً أكثر بكثير من كونه شاعراً . وضياع كتبه في الرياضيات والفلسفة حرم الإنسانية من الاستفادة من الإطلاع على ما وضعه في علوم الجبر والرياضيات.
من جهة أخرى تم الكشف عن جزء بسيط فقط من عبقريته، من خلال ما تبقى لنا من رباعياته. ولو لم تحرق كتبه لساهمت في الكشف عما خفي على العلماء، وربما توصّلوا لما في كتبه بعد قرون وربما لم يهتدوا حتى الآن إلى ما توصّل إليه..
آه لو تمهّل أهل السلطة والقرار في إحراق الكتب القيمة .... فقد احرقوا على سبيل المثال لا الحصر كتاب الغزالي "إحياء علوم الدين" بحجة الكفر وحجج أخرى، وما لبث هذا الكتاب أن أصبح بعد سنين الكتاب من أهم الكتب الإسلامية !
ويذكر هنا أن الأقدار شاءت أن يموت الخيام، وهو الذي اتهم بالإلحاد وأحرقت كتبه، بشكل ملفت للنظر ... مؤكداً إيمانه بالله ... فقد مات الخيام بعد أن صلى ركعتين.
الإمام حسن البنَّا
(1906 ـ 1945 م)
هو مؤسس حركة "الإخوان المسلمين" في مصر. وهي منظمة سياسية إسلامية مكافحة تهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في الحياة اليومية، وإعادة الحكم الإسلامي كما كان زمن الخلفاء الراشدين. قال الإمام حسن البنا "إن الإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية ودين ودولة وروحانية ومصحف وسيف".
في ظل تشتت الأمة الإسلامية ووقوعها تحت نير الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي والغزو الفكري الأوروبي للوطن العربي أخذ الإمام حسن البنا يدعو الناس إلى العودة إلى السلام ونشر مبادىء الإسلام في جميع المدن المصرية والريف.
نشأ الإمام البنا في أسرة متعلمة، وكان والده الشيخ احمد عبد الرحمن من علماء الحديث الأفذاذ. وهو مؤلف كتاب "الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام احمد بن حنبل".
وأوّل مقال نشره الإمام حسن البنا كان سنة 1928 في جريدة "الفتح" تحت عنوان "الدعوة إلى الله". وآخر مقال نشره قبل استشهاده كان "بين المنعة والمحنة" ونشر في كانون أول عام 1948 في جريدة الإخوان اليومية قبيل صدور قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين في نفس الشهر.
جماعة "الإخوان المسلمين"
تأسست جماعة الإخوان في آذار سنة 1928، حيث زار الإمام حسن البنا في منزله، حافظ عبد الحميد، واحمد المصري، وفؤاد إبراهيم، وعبد الرحمن حبيب الله، وإسماعيل عز، وزكي المغربي، الذين تأثّروا من محاضراته، وقالوا له ـ كما يروي في مذكراته ـ "لقد سمعنا ووعينا، وتأثّرنا ولا ندري ما الطريق العملية إلى عزة الإسلام وخير المسلمين. لقد سئمنا هذه الحياة، حياة الذلة والقيود. وها أنت ترى أنّ العرب والمسلمين في هذا البلد لا حظّ لهم من منزلة أو كرامة، وأنهم يعدّون مرتبة لأجراء التابعين لهؤلاء الأجانب... وكل الذي نريده الآن أن نقدّم لك ما نملك لتبرأ من التبعة بين يديّ الله. وتكون أنت المسؤول بين يديه عنا. كما يجب أن نعمل جماعة تعاهد الله مخلصة على أن تحيا لدينه وتموت في سبيله، لا تبغي بذلك إلا وجهه وجديرة أن تنصر، وإن قلّ عددها وقلّت عُدَّتها".
فوافق الإمام البنا، وكانت البيعة. ثم تمَّ تأسيس "مدرسة التهذيب" لحفظ القرآن وشرح السور، وحفظ وشرح الأحاديث النبوية وآداب الإسلام. وصارت المدرسة مقرا للإخوان. وخرّجت هذه المدرسة الدفعة الأولى من "الإخوان" وكان عددهم أكثر من سبعين.
وبدأ عمل "الإخوان" ينتشر في نواحي حياتية واسعة مثل بناء المساجد ونشر العلم ومساعدة المحتاجين.
وكان للإمام ولأصحابه أعداء حاولوا دسّ الدسائس بواسطة تقديم عرائض إلى رئيس الحكومة آنذاك، صدقي باشا، تتهمه بأنّه مدرّس شيوعي، يتصل بموسكو، أو وفدي يسعى للإطاحة بالحكومة، أو يتفوّه ضد الملك فؤاد، أو يجمع المال بصورة غير قانونية.
من أفكار الإمام
جاء في خطبته الأولى في مسجد "الإخوان":
"إذا كان احدنا يحرص على محبة الكبراء وإرضاء الرؤساء، والأمة تجتلب مرضاة الدول، وتوثيق العلائق فيما بينها وبين الحكومات الأخر، وتنفق في ذلك الأموال، وتنشىء له السفارات والقنصليات، أفلا يجدر بنا ويجب علينا أن نترضّى دولة السماء، وعلى رأسها رب العالمين الذي له جنود السموات والأرض، وبيده الامر كله؟! نترضاه بإنشاء المساجد وعمارتها، وأداء الصلوات فيها لأوقاتها فيمدّنا بجنده الذي لا يغلب وجيشه الذي لا يقهر".
أسس الإمام البنا الفروع لجماعة "الإخوان المسلمين" ووضع النُّظُم والهيئات الإدارية للإخوان المسلمين، وهي:
1) المرشد العام
2) مكتب الإرشاد العام
3) مجلس الشورى الذي يتكوّن من نواب المناطق.
4) نواب المناطق والأقسام
5) نواب الفروع
6) مجالس الشورى المركزية
7) مؤتمرات المناطق
8) مندوبو المناطق
9) مندوبو المكتب
10) فرق الرحلات
11) فرق الأخوات
ويدلّ هذا التفكير على عبقرية وإلمام الإمام بالعمل الجماهيري.
موقفه من فلسطين
كان الإمام البنا يرسل إلى الحكومة المصرية رسائل حول قضايا عديدة مثل السفراء والتعليم والقضاء وتعديل الدستور وإصلاح الأسرة وقضايا المرأة ومشاكل الشباب والقضية الفلسطينية وغيرها.
ومما جاء في رسالة للإمام البنا إلى علي ماهر باشا، رئيس الحكومة المصرية:
".... إن هذا المسعى الإنساني المشكور [قرار المعونة المصرية للشعب الفلسطيني] ليس هو كل شيء في القضية العربية، فإنّ الفلسطينيين الأمجاد ضحّوا بالأموال والأرواح في سبيل غاية سليمة معلومة وهي أن يصلوا إلى استقلالهم وحريتهم وان ينقذوا وطنهم من خطر الطغيان اليهودي الصهيوني. وقد شاركهم المسلمون والعرب في كل أقطار الدنيا هذا الشعور وأيّدوهم فيه. وكان للحكومة المصرية، وكان لرفعتكم بالذات نصيب في الجهاد المبرور.
وعلى هذا فالمسعى السياسي لحل قضية فلسطين أهمّ بكثير من هذا المسعى الإنساني على جلاله ورحمته. وليس عليكم يا رفعة الرئيس إلا أن تكاشفوا الساسة البريطانيين بوضوح وجلاء بحقيقة الموقف...".
الوصايا العشر للإمام البنا
1 - قم للصلاة متى سمعت النداء مهما تكن الظروف.
2 - أُتْلُ القرآن وطالع أو استمع أو اذكر الله، ولا تصرف جزءا من وقتك في غير فائدة.
3 - اجتهد أن تتكلّم العربية الفصحى فإنّ ذلك من شعائر الإسلام.
4 - لا تكثر الجدل في أيّ شأن من الشؤون أيّا كان، فإنّ الهراء لا يأتي بخير.
5 - لا تكثر من الضحك فإنّ القلب الموصول بالله ساكن وقور.
6 - لا تمازح فإنّ الأمة المجاهدة لا تعرف إلا الجد.
7 - لا ترفع صوتك أكثر مما يحتاج إليه السامع فإنه رعونة وإيذاء.
8 - تجنّب غيبة الأشخاص وتجريح الهيئات ولا تتكلّم إلا بخير.
9 - تعرّف إلى من تلقاه من إخوانك وإن لم يطلب منك ذلك.
10 - الواجبات أكثر من الأوقات فعاون غيرك على الانتفاع بوقته. وإن كان لك مهمة فأوجِز في قضائها.
الإمام حسن البنا بين فكّي التاريخ
في 12 / 2 / 1949 داهمت رصاصات الغدر الإمام، بعد أن قرّر أعوان النظام المتعاون مع الإنجليز تصفيته جسدياً ، من أجل ضرب حركة الإخوان المسلمين.
ومن المؤسف أن ما كتبه الإمام ، بالإضافة إلى الأشرطة والمحاضرات والرسائل، حالت الظروف السياسية واعتقال أصحاب المطابع ومصادرة الكتب من صدوره مدة من الزمن، وبقي منشوراً في صحف الإخوان ومذكراته.
صحيح أن الإمام البنا مات لكنه أسس أشهر حركات الدعوة في كل أقطار العالم.
قيل عنه:
"الرجل الفذ" ـ (الشيخ محمد الغزالي)
"فكرة تحيا في رجل" ـ (الأستاذ أبهى الخولي)
"شجرة ظلها وافر" ـ الشيخ محمد متولي شعراوي)
قتل الإمام البنا مرتين: مرة في 12 / 12 / 1949 ومرة أخرى عندما منع علمه من النشر ولوحق أنصاره. واليوم تتحاشى وزارات المعارف في كل الأقطار العربية تدريس فكره خوفاً على الأنظمة الرجعية!!
سيد قطب
هو سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي، ولد في قرية "موشة" وهي إحدى قرى محافظة أسيوط بتاريخ 9 / 10 / 1906
تلقّى دراسته الابتدائية في قريته. في سنة 1920 سافر إلى القاهرة، والتحق بمدرسة المعلمين الأوّلية ونال منها شهادة الكفاءة للتعليم الأوّلي. ثم التحق بتجهيزية دار العلوم.
في سنة 1932 حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب من كلية دار العلوم. وعمل مدرسا حوالي ست سنوات، ثم شغل عدة وظائف في الوزارة.
عين بعد سنتين في وزارة المعارف بوظيفة "مراقب مساعد" بمكتب وزير المعارف آنذاك ـ إسماعيل القباني ـ، وبسبب خلافات مع رجال الوزارة، قدّم استقالته على خلفية عدم تبنيهم لاقتراحاته ذات الميول الإسلامية.
وقبل مجلس ثورة يوليو الاستقالة سنة 1954، وفي نفس السنة تم اعتقال السيد قطب مع مجموعة كبيرة من زعماء "الإخوان المسلمين". وحكم عليه بالسجن لمدة (15) سنة. ولكن الرئيس العراقي عبد السلام عارف تدخّل لدى الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فتم الإفراج عنه بسبب تدهور حالته الصحية سنة 1964.
وفي سنة 1965 اعتقل مرة أخرى بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم واغتيال جمال عبد الناصر واستلام الاخوان المسلمين الحكم في مصر.
وقد صدر حكم الإعدام على سيد قطب بتاريخ 21 / 8 / 1966 وتم تنفيذه بسرعة بعد أسبوع واحد فقط (في 29 / 8 / 1966) قبل أن يتدخّل أحد الزعماء العرب!!
سيد قطب الصحفي
لسيد قطب علاقة وثيقة مع الصحف والمجلات. فقد بدأ بنشر نتاجه وهو لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره. وقد نشر أولى مقالاته في صحيفة "البلاغ" و"الحياة الجديدة" و"الأسبوع" و"الأهرام" و"الجهاد".
وكان السيد قطب غزير الإنتاج، يكتب المقالات الأدبية والنقدية والتربوية والاجتماعية والسياسية.
ففي المجلات كتب في "الكاتب المصري" و"الكتاب" و"الوادي" و"الشؤون الاجتماعية" و"الأديب" و"الرسالة" و"الثقافة" و"دار العلوم" وغيرها. وقد اشرف على مجلتي "الفكر الجديد" و"العالم العربي"، كما اشرف على مجلة "الإخوان" التي لاحقتها السلطات وفرضت عليها الرقابة دون غيرها من الصحف وأوقفتها عن الصدور في 5 / 8 / 1954.
وبسبب نشاطه الإخواني أغلقت كثير من الصحف أبوابها بوجه إبداعه فكتب يشكو أن الصحف المصرية ـ إلا النادر القليل منها ـ هي مؤسسات دولية، لا مصرية ولا عربية، مؤسسات تساهم فيها أقلام المخابرات البريطانية والفرنسية والمصرية والعربية أخيراً.
وفي موقع آخر كتب ليعرّف الجمهور الكادح الفقير انه ليس هو الذي يموّل الجريدة بقروشه...:
"تعتمد هذه الصحف على إعلانات تملكها شركات رأسمالية ضخمة، وتخدم بدورها المؤسسات الرأسمالية.. وتعتمد ثانيا على المصروفات السرية المؤقتة أو الدائمة التي تدفعها الوزارات لصحافتها الحزبية أو للصحف التي تريد شراءها أو ضمان حيادها.. وتعتمد ثالثا على المصروفات السرية لأقلام المخابرات الدولية وبخاصة إنكلترا وأمريكا..".
سيد قطب الأديب
سيد قطب أديب له مكانته في عالم الأدب والنقد وله علاقات مع عدة أدباء منهم طه حسين وأحمد حسن الزيات وتوفيق الحكيم ويحيى حقي ومحمود تيمور ونجيب محفوظ وغيرهم.
ولكن علاقته المميزة كانت مع عباس محمود العقاد. وهو أستاذ سيد قطب واثّر كثيراً على مسار تفكير سيد قطب الأدبي والنقدي والحزبي.
كان سيد قطب يكتب عن جميع كتب العقاد ويمدحه ويشير إلى عبقرية الرجل واعتبره شاعر العالم أجمع. لكنه في سنة 1948 خرج نهائياً من مدرسة العقاد. وكان سيد قطب قد دفع الثمن غالياً بسبب دفاعه المستميت عن العقاد وأدبه من قبل الصحف الوفدية (بعد خروجهما من الحزب) والمسؤولين في وزارة المعارف.
سيد قطب والأحزاب
كما أشرت سابقاً، انضمّ سيد قطب إلى حزب الوفد ثم انفصل عنه، وانضم إلى حزب السعديين - نسبة إلى سعد زغلول - لكنه ملّ من الأحزاب ورجالها وعلل موقفه هذا قائلاً:
"لم أعد أرى في حزب من هذه الأحزاب ما يستحق عناء الحماسة له والعمل من أجله".
سيد قطب في ظلال الفكر الحركي الإسلامي
منذ سنة 1953 انضم سيسد قطب عمليا لحركة الإخوان المسلمين وكلّفه الإخوان بتحرير لسان حالهم جريدة "الإخوان المسلمين" وإلقاء أحاديث ومحاضرات إسلامية. كما مثّل الإخوان خارج مصر في سوريا والأردن اللتين منع من دخولهما، ثم القدس.
سيد قطب وثورة الضباط الأحرار
مما لا شك فيه انه كان للإخوان المسلمين تنظيم قوي قبيل قيام الثورة، وأنهم لم يكونوا بمعزل عن الأمور والتطورات في مصر، وان تنظيمهم الفكري والاجتماعي والسياسي كان أكثر نضوجاً من تنظيم الضباط الأحرار. زد على ذلك أن بعض الضباط الإسلاميين كانوا شركاء حقيقيين مع الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر، وزد عليه محاولة محمد نجيب الرئيس الأول لمصر بعد الجلاء البريطاني التقرب من الإخوان المسلمين من اجل احتواء قوتهم. لكن مطلبه هذا كلفه العزل من منصبه وفرض الإقامة الجبرية عليه، حتى جاء السادات وفكّ أسره المنزلي.
وتروي لنا بعض المصادر الشحيحة إن الضباط الأحرار قبيل الثورة كانوا يتشاورون مع سيد قطب حول الثورة وأسس نجاحها. والذي يؤكّد ذلك انه تم تعيينه من قبل قيادة الثورة مستشاراً للثورة في أمور داخلية وأوكلت له مهمة تغيير مناهج التعليم التي عُمِل بها في مصر، والتي أكل الدهر عليها وشرب.
كما أن لا أحد ينكر قيمة المقالات التي نشرها سيد قطب والتي دعا فيها الشعب المصري للخروج على سياسة القهر والرجعية المصرية.
وقد حاول سيد قطب التوفيق بين عبد الناصر والإخوان. وانحاز سيد قطب إلى الإخوان ورفض جميع المناصب التي عرضها عليه عبد الناصر مثل وزير المعارف، ومدير سلطة الإذاعة ...
نهاية مفكر
تم إلقاء القبض على سيد قطب وزجّه في السجن فرأى أهوال التعذيب من قبل المحققين. وكان قد قتل من جراء التعذيب عدد من أعضاء تنظيم الإخوان.
وكان سيد قطب جريئاً أثناء محاكمته القصيرة، والتي منع محامون أجانب وممثلو هيئات الدفاع عن حقوق السجين من المرافعة عنه فيها، وعن باقي أعضاء التنظيم.
وفي ليلة تنفيذ الحكم، طلب منه أن يقبل بالمساومة والاعتذار ، أو أن يكتب سطراً واحداً يطلب فيه الرحمة من الرئيس جمال عبد الناصر فرفض. وفي نفس الوقت حاول ملك السعودية التوسط لدى عبد الناصر بالعدول عن إعدام سيد قطب، ولكن عبد الناصر رفض.
وقد أعدم سيد قطب في فجر يوم 29 / 8 / 1966
سيد قطب بين فكّي التاريخ
إن إعدام مفكر عربي إسلامي مثل السيد قطب الذي قدّم خدماته الفكرية في الأدب والدين والاجتماع والسياسة، بهذه الصورة الوحشية وغير المنصفة، يعتبر من اكبر أخطاء نظام جمال عبد الناصر. لا سيما وان الرجل قدم خدمات جليلة لقيادة الثورة، ولو انه قبل بالأموال والمناصب، لصار عندهم قائداً وطنياً.
والذي يزيد الجرح نزيفاً قيام بعض الجهات باتهام سيد قطب بالعمالة لأمريكا أو بالتخطيط لقلب نظام الحكم ، مع العلم انه رأى أن الوقت غير مناسب لقلب النظام وتحويله إلى نظام إسلامي صرف.
إن صمود هذا الرجل في سجنه ومحنته المستمرة والمتكررة وعدم قبوله بالمناصب وإيمانه برسالته يجعله في صفوف الرجال العظماء في هذا العصر.
مقتطفات من كتابه "معالم في الطريق"
يعتبر هذا الكتاب من أهم كتب السيد قطب. وقد كتبه في السجن على شكل رسائل جمعت وصدرت في كتاب. واخترت لكم منه هذه الأفكار الخالدة:
"لا بدّ من قيادة للبشرية جديدة، إنّ قيادة الرجل الغربي للبشرية قد أوشكت على الزوال... لأن النظام الغربي قد انتهى دوره لأنه لم يعد يملك رصيدا من القيم يسمح له بالقيادة"
وفي موقع آخر يقول عن سر نجاح الأمة الإسلامية:
"لقد اجتمع في الإسلام المتفوق، العربي والفارسي والشامي والمصري والمغربي والتركي والصيني والهندي والروماني والإغريقي والاندونيسي والإفريقي إلى آخر الأقوام والأجناس وتجمّعت خصائصهم كلها لتعمل متمازجة متعاونة متناسقة في بناء المجتمع الإسلامي والحضارة الإسلامية. ولم تكن هذه الحضارة الضخمة يوما ما [عربية] إنما كانت دائماً [إسلامية] ولم تكن [قومية] إنما كانت دائماً [عقيدية]".
أما عن رأيه بالشيوعية العالمية فيقول:
"وأرادت الشيوعية ان تقيم تجمعا من نوع آخر، يتخطّى حواجز الجنس والقوم والأرض واللغة واللون، ولكنها لم تقمه على قاعدة إنسانية عامة، إنما أقامته على القاعدة "الطبقية" فكان هذا المجتمع هو الوجه الآخر للتجمّع الروماني القديم. هذا تجمع على قاعدة طبقة [الأشراف] وذلك تجمع على قاعدة طبقة الصعاليك [البروليتاريا]"...
وعند تصور سيد قطب للدولة ونظام حكمها يقول:
"ومملكة الله في الأرض لا تقوم بان يتولّى الحاكمية في الأرض رجال بأعينهم ـ وهم رجال دين ـ كما كان الأمر في سلطة الكنيسة، ولا رجال ينطقون باسم الآلهة كما كان الحال فيما يعرف باسم "الثيوقراطية" أو الحكم الإلهي المقدس!! ولكنها تقوم بان تكون شريعة الله هي الحاكمة وان يكون مردّ الأمر إلى الله وفق ما قرره من شريعة مبيّنة".
رأيه في الاستعمار العالمي
ومما جاء في هذا الكتاب أيضاً، رأي السيد قطب في الاستعمار العالمي الذي تغلغل عميقا في الأمة الإسلامية: "ونحن نشهد نموذجاً من تمويه الراية في محاولة الصليبية العالمية اليوم أن تخدعنا عن حقيقة المعركة، وان تزوّر التاريخ، فتزعم لنا أن الحروب الصليبية كانت ستاراً للاستعمار... كلا... إنما الاستعمار الذي جاء متأخراً هو الستار للروح الصليبية التي لم تعد قادرة على السفور كما كانت في القرون الوسطى! والتي تحطّمت على صخرة العقيدة بقيادة مسلمين من شتى العناصر، وفيهم صلاح الدين الكردي، ونوران شاه المملوكي، العناصر التي نسيت قوميتها وذكرت عقيدتها فانتصرت تحت راية العقيدة".
وهذا غيض من فيض. وللمزيد عن سيد قطب وأدبه وأفكاره ونضاله واستشهاده يمكن الرجوع للكتب التي ألّفها، وبعضها مقالات تمّ جمعها وإصدارها في كتاب بعد إعدامه:
1 - التصور الفني في القرآن.
2 - خصائص التصور الإسلامي.
3 - دراسات إسلامية.
4 - السلام العالمي والإسلام.
5 - في ظلال القرآن (ثمانية مجلدات).
6 - كتب وشخصيات.
7 - لماذا أعدموني؟
8 - المدينة المسحورة.
9 - معركتنا مع اليهود.
10 - مشاهد القيامة في القرآن.
11 - مهمة الشاعر في الحياة.
12 - النقد الأدبي أصوله ومنهجه.
13 - معالم في الطريق.
أما أهم الكتب التي صدرت عنه:
1 - سيد قطب أو ثورة الفكر الإسلامي، محمد علي قطب.
2 - سيد قطب حياته وأدبه، عبد الباقي محمد حسين.
3 - سيد قطب الشهيد الحي، د. صباح عبد الفتاح الخالدي.
4 - سيد قطب من القرية إلى المشنقة، عادل حمودة.
5 - مذابح الإخوان في سجون ناصر، جابر رزق.
طرفة بن العبد
هو عمرو بن العبد. و"طرفة" لقب غلب عليه. ولد في البحرين سنة 543 م، وقتل في عهد عمرو بن هند، ملك الحيرة سنة 569 م. فيكون قد عاش ستة وعشرين عاما فقط، ولهذا عرف باسم "الغلام القتيل".
وينتمي طرفة لأسرة عرفت بكثرة شعرائها من جهة الأب والأم. وكان في صباه عاكفا على حياة اللهو، يعاقر الخمر وينفق ماله عليها. ولكن مكانه في قومه جعله جريئا على الهجاء. وقد مات أبوه وهو صغير فأبى أعمامه أن يقسموا ماله وظلموه.
ولما اشتدّت عليه وطأة التمرد عاد إلى قبيلته وراح يرعى إبل أخيه "معبد" إلا أنها سرقت منه. ولما قصد مالكاً ابن عمه نهره. فعاد مجدداً إلى الإغارة والغزو.
موته
توجه طرفة إلى بلاط الحيرة حيث الملك عمرو بن هند، وكان فيه خاله المتلمّس (جرير بن عبد المسيح).
وكان طرفة في صباه معجباً بنفسه يتخلّج في مشيته. فمشى تلك المشية مرة بين يديّ الملك عمرو بن هند فنظر إليه نظرة كادت تبتلعه. وكان المتلمّس حاضراً ، فلما قاما قال له المتلمّس: "يا طرفة إني أخاف عليك من نظرته إليك". فقال طرفة: "كلا"...
بعدها كتب عمرو بن هند لكل من طرفة والمتلمّس كتاباً إلى المكعبر عامله في البحرين وعمان، وإذ كانا في الطريق بأرض بالقرب من الحيرة، رأيا شيخاً دار بينهما وبينه حديث. ونبّه الشيخ المتلمّس إلى ما قد يكون في الرسالة. ولما لم يكن المتلمّس يعرف القراءة، فقد استدعى غلاماً من أهل الحيرة ليقرأ الرسالة له، فإذا فيها:
"باسمك اللهم.. من عمرو بن هند إلى المكعبر.. إذا أتاك كتابي هذا من المتلمّس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حياً".
فألقى المتلمّس الصحيفة في النهر، ثم قال لطرفة أن يطّلع على مضمون الرسالة التي يحملها هو أيضاً فلم يفعل، بل سار حتى قدم عامل البحرين ودفع إليه بها.
فلما وقف المكعبر على ما جاء في الرسالة أوعز إلى طرفة بالهرب لما كان بينه وبين الشاعر من نسب ، فأبى . فحبسه الوالي وكتب إلى عمرو بن هند قائلاً : "ابعث إلى عملك من تريد فاني غير قاتله".
فبعث ملك الحيرة رجلاً من تغلب، وجيء بطرفة إليه فقال له: "إني قاتلك لا محالة .. فاختر لنفسك ميتة تهواها".
فقال: "إن كان ولا بدّ فاسقني الخمر وأفصدني". ففعل به ذلك.
شعره
شعر طرفة قليل لأنه لم يعش طويلاً. ولكنه حافل بذكر الأحداث، ويعكس أفكاره وخواطره بالحياة وبالموت، وتبرز فيه الدعوة لقطف ثمار اللذة الجسدية والمعنوية قبل فوات العمر.
وقد ترك لنا طرفة ديواناً من الشعر أشهر ما فيه "المعلّقة".
ويحوي الديوان 657 بيتاً ، أما المعلقة فيبلغ عدد أبياتها (104) بيتاً وهي على البحر الطويل. ومن موضوعاتها:
1 - الغزل - الوقوف على الأطلال ووصف خولة.
2 - وصف الناقة.
3 - يعرّف نفسه ثم يعاتب ابن عمه.
4 - ذكر الموت، ووصيته لابنة أخيه أن تندبه.
مختارات من معلقة طرفة بن العبد
فيما يلي بعض الأبيات المختارة من معلقة طرفة تدور حول عدة مواضيع:
نسيب
لخولة أطلال ببرقـة ثهمــدِ
تلوح كبـاقي الوشم في ظاهر اليدِ
وقوفـاً بها صحبي عليّ مطيَّهم
يقولون لا تهلـك أسـىً وتجـلَّدِ
من أنا
إذا القوم قالوا : من فتى؟ خلتُ أنني
عُنيت فلم اكسل ولـم اتـبـلَّدِ
ولستُ بحلاّلِ التـلاعِ مـخـافةً
ولكن متى يسترفدِ القـومُ أرفِـدِ
خواطر وآراء
ألا أيهـذا اللائمي أحضر الوغـى
وأنْ أشهدَ اللذاتِ، هل انت مُخْلِدي؟
فإن كنتَ لا تسطيعُ دفعَ مـنيـّتي
فدعني أبادِرْهـا بـمـا ملكَتْ يدي
ولولا ثلاثٍ هنَّ من لـذّةِ الفتـى
وجدِّكَ لـم أحفلْ متـى قام عُوَّدي
فمنهنَّ سبقي العاذلاتِ بشـربـةٍ
كُمَيْتٍ مـتى ما تُعْـلَ بالـماءِ تُزْبِدِ
حكم
وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضةً
على المرءِ مـن وَقْعِ الحسامِ المهنَّدِ
ستبدي لكَ الايامُ ما كنتَ جاهلاً
ويأتيكَ بـالأخبـارِ مـن لم تُزَوِّدِ
طرفة بين فكّي التاريخ
طرفة الشاعر الجاهلي المبدع عانى من ظلم الأقرباء وهو أشنع ضروب الاستبداد لأنه يأتي من الأيدي التي نحبها والتي نظنّ أننا نأمن شرّها. ولم تمهله المؤامرات التي حيكت ضده كثيرا فمات في ربيع عمره عن 0(26) عاما، حيث قتل بوحشية لا لذنب اقترفه سوى إبداعه وإن كان بالهجاء.
سقط الشاعر ضحية لخلاف شخصي مع الملك. وإذا صحّت الرواية حول موته وأنه حمل الكتاب الذي يحوي أمراً بقتله، فإنّ هذا يدلّ على مدى عزّة النفس والثقة التي كان طرفة يتمتّع بها، وإن كانت في آخر الأمر، سبب مقتله.
بمقتل طرفة بن العبد في ربيع عمره وفي بداية عطائه حرم عشاق الأدب العربي والباحثين في علوم الصحراء والبداوة وتاريخ العرب من مصدر خصب كان يمكن أن يزوّدهم بالمعلومات التي يحتاجونها، وحرموا من عطاء خيال مبدع.
وتبقى معلّقة الشاعر شاهدا على مجد صاحبها وعلى الظلم والنهاية المؤلمة للشاعر.
أبو فراس الحمداني
هو الحارث بن سعيد بن حمدان، كنيته "أبو فراس". ولد في الموصل واغتيل والده وهو في الثالثة من عمره على يد ابن أخيه جرّاء طموحه السياسي، لكنّ سيف الدولة قام برعاية أبي فراس.
استقرّ أبو فراس في بلاد الحمدانيين في حلب. درس الأدب والفروسية، ثم تولّى منبج وأخذ يرصد تحرّكات الروم. وقع مرتين في أسر الروم. وطال به الأسر وهو أمير ، فكاتب ابن عمه سيف الدولة ليفتديه، لكنّ سيف الدولة تباطأ وظلّ يهمله.
كانت مدة الأسر الأولى سبع سنين وأشهراً على الأرجح. وقد استطاع النجاة بأن فرّ من سجنه في خرشنة، وهي حصن على الفرات. أما الأسر الثاني فكان سنة 962 م. وقد حمله الروم إلى القسطنطينية، فكاتب سيف الدولة وحاول استعطافه وحثّه على افتدائه، وراسل الخصوم . وفي سنة (966) م تم تحريره.
وفي سجنه نظم الروميات، وهي من أروع الشعر الإنساني وأصدقه.
لماذا تأخّر سيف الدولة في تحريره؟
علم سيف الدولة أن أبا فراس فارس طموح، فخاف على ملكه منه، ولهذا أراد أن يحطّ من قدره وان يكسر شوكته ويخذله ويذلّه بإبقائه أطول فترة ممكنة في الأسر.
ولهذا قام بمساواته مع باقي الأسرى، رغم انه ابن عمه، وله صولات وجولات في الكرم والدفاع عن حدود الدولة وخدمة سيف الدولة الحمداني.
أبو فراس الحمداني بين فكّي التاريخ
سقوط الفارس في ساحة الميدان
بعد سنة من افتداء الشاعر، توفي سيف الدولة (967) م وخلفه ابنه أبو المعالي سعد الدولة، وهو ابن أخت الشاعر. وكان أبو المعالي صغير السن فجعل غلامه التركي فرعويه وصياً عليه.
وعندها عزم أبو فراس الحمداني على الاستيلاء على حمص، فوجّه إليه أبو المعالي مولاه فرعويه، فسقط الشاعر في أوّل اشتباك في الرابع من نيسان سنة 968 م وهو في السادسة والثلاثين من عمره.
وهكذا نجد أنّ رأي سيف الدولة الحمداني فيه كان صادقاً وفي محله. فقد كان أبو فراس الحمداني طموحاً الأمر الذي جرّ عليه الويلات.
أشعاره :
من آخر أشعاره مخاطبته ابنة أخيه:
أبنيّتـي لا تـحزنـي كل الأنام إلى ذهـــابْ
أبنيّتـي صبراً جـميلاً للجليل مـن الـمـصابْ
نوحي علـيّ بحسـرةٍ من خلفِ ستركِ والحجابْ
قولـي إذا ناديتنـي وعييتُ عـن ردِّ الجوابْ
زين الشباب أبو فراسٍ لم يمتَّعْ بالشبــــابْ
ومن روائع شعره ما كتبه لأمه وهو في الأسر:
لولا العجوز بـمنبجٍ ما خفت أسباب المنيّـهْ
ولكان لي عمّا سألت من فدا نفـس أبــيّهْ
وفي قصيدة أخرى إلى والدته وهو يئن من الجراح والأسر، يقول:
مصابي جليل والعزاء جميلُ وظني بأنّ الله سوف يديلُ
جراح وأسر واشتياقٌ وغربةٌ أهمّكَ؟ أنّـي بعدها لحمولُ
وأثناء أسره في القسطنطينية بعث إلى سيف الدولة يقول:
بمن يثق الإنسان فـيمـا نواه؟
ومن أين للحرّ الكريم صحاب؟
وفي قصيدة "أراك عصيّ الدمع" الشهيرة يقول:
أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمر؟
نعم أنا مشتاق وعنـديَ لوعةٌ
ولكنّ مثلي لا يُذاع له سـرُّ
إذا الليل أضواني بسطتُ يدَ الهوى
وأذللتُ دمعاً من خلائقهِ الكِبْرُ
كلمة أخيرة
أبو فراس الحمداني الشاعر والفارس الذي لا يهاب الموت عاني الكثير من سيف الدولة الذي خاف من فروسيته وشعبيته فأحبّ أن يبقيه في أسر الروم. أما نحن القراء فأمتعنا ما كتبه الشاعر من كتابة صادقة في الحب والفخر والرثاء والشكوى.
يقول:
لم أعدُ فـيـه مفاخري ومديح آبائي النُّجُبْ
لا في المديح ولا الهجاءِ ولا المجونِ ولا اللعبْ
ولما تحرر من أسره حاول ردّ اعتباره واستعادة مجده لكنّ يد الموت كانت أطول . وفي معركة غير متكافئة سقط شاعرنا ومات وهو يلفظ الشعر الصادق، فهو لم يكن يكتب الشعر للتكسّب مثل شعراء العصر العباسي وشعراء البلاط في عصرنا.
أبو ذر الغفاري
هو أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري. كان من السابقين إلى الإسلام. وهو أول من حيا النبي صلى الله عليه وسلّم بتحية الإسلام. وكان قد امتنع عن بيعة أبي بكر، ثم بايعه كارهاً.
رفض كل الأموال التي بذلت له في سبيل تغيير رأيه أو كتم أفكاره المعارضة للسلطة الأموية، وقد اعترض على سيرة الحكام في بيت المال، فقام عثمان بنفيه إلى الشام.
وقد فشل معاوية بتطويق أمره وثنيه عن سلوكه فكتب إلى عثمان بأمره، فأمره أن يحمله إليه على قنب يابس ، وان يعنِّفوا به السير .. ففعل. ولم يصل أبو ذر إلى المدينة إلا بعد أن تسلّخ لحم فخذيه. ثم نفاه عثمان إلى الربذة . فبقي هناك حتى مات قهراً وفقراً وذلاً .
وكان ما أصاب أبو ذر من معاملة عثمان له أحد أسباب نقمة المسلمين عليه وخروجهم عن طاعته.
فكر أبو ذر الغفاري
بسبب موقفه الصحيح من بيت المال والغنى الفاحش ، ينظر بعض المؤرخين الجدد إليه على انه من أنصار الاشتراكية أو الشيوعية.
والحقيقة أن أبا ذر مصلح اجتماعي أراد محاربة السلطة بالطرق السلمية من خلال شرح موقفه المستند إلى القرآن والسنة النبوية. لهذا كان يدعو إلى التقشف وعدم التبذير. وهذا الأمر لم يرق لمعاوية وأهل بيته.
كان أبو ذر يعتقد انه لا يجوز لمسلم بان يكون له في ملكه أكثر من قوت يومه وليلته، مستنداً على الآية الكريمة "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم".
وكان يخطب في أهل الشام فيقول:
"يا معشر الأغنياء والفقراء.. بشِّر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاوٍ من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ..".
محنة أبي ذر
1 - حاول بنو أمية إتّباع أسلوب التهديد والوعيد والفقر والجوع والقتل.. وكان ردّ أبي ذرّ: "إن بني أمية تهددني بالفقر والقتل، ولبطن الأرض أحبّ إليّ من ظهرها والفقر أحبّ إليّ من الغنى".
2 - كما حاول بنو أمية نبذ أبي ذر اجتماعياً وإبعاد الناس عنه (كما فعلوا مع غيره، مثل عليّ بن أبي طالب مثلاً )، لهذا منعوا الناس من الاقتراب إليه، ووصل الأمر أن الناس كانوا يفرّون منه عندما يقبل!
3 - تم نفيه إلى الشام في زمن الخليفة عثمان بن عفان، وذلك حتى يكون تحت مراقبة معاوية والي الشام وأعوانه.
4 - محاولة إعطائه الأموال بغير حق وذلك كي يتم فضحه أمام الملأ.
5 - قطع عطاء أبي ذر وذلك من أجل الضغط الاقتصادي عليه.
6 - النفي إلى الربذة، وكان أبو ذر لا يحبّ هذا المكان.
أبو ذر بين فكّي التاريخ
كان أبو ذر رمزا للصحابي المثالي الذي يتمسّك بدين الله ورسوله ولا يحيد عنه قيد أنملة ، رغم كل الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية والنفي والمقاطعة.
حارب الفساد بغير السيف.. لأنه لم يرغب بإراقة دم المسلم .. ولم يكن رجل حرب.. والغريب تجاهل العديد من المؤرخين العرب لقضيته الإنسانية ولثورته الاجتماعية والتي تعتبر من الثورات الأولى في صدر الإسلام.
وهنالك من حاول تنظيف يديّ عثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان من قضية محاربته وعزله.
وأخيراً : كانت أفكار أبي ذر إسلامية خالصة، وكان القرآن مرجعه الأول يضاف إليه الأحاديث النبوية الشريفة التي سمعها وحفظها عن ظهر قلب من الرسول مباشرة.
خالد بن الوليد
(ت 642 م)
هو خالد بن المغيرة المخزومي. اسلم في السنة الثامنة من الهجرة بعد أن كان شديداً على المسلمين .. استلم قيادة الجيش في سرية مؤتة بعد استشهاد القواد الذين عيّنهم الرسول. لقّبه الرسول "سيف الله المسلول".
استطاع خالد بحكمته الانسحاب بجيش المسلمين بنجاح وإنقاذه من جيش الروم . وفي حروب الردة برع خالد في القضاء على المرتدين مثل مسيلمة بن ثمامة وطلحة بن خويلد.
ساهم خالد بن الوليد بفتح العراق في زمن الخليفة الراشدي الأول أبي بكر الصديق ، ثم طلب منه الخليفة التوجه إلى الشام لملاقاة الروم ، فاستطاع خالد الذي كان معه عشرة آلاف مقاتل، الوصول إلى اليرموك خلال 18 يوماً ، في مسيرته الشهيرة التي استطاع بها قطع بادية الشام.
قال عنه أبو بكر الصديق: "والله لأُنسِيَنَّ الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد".
لما وصل اليرموك وحّد الفرق الإسلامية. وكان جيش المسلمين أربعين ألف فارس مقابل مائتي ألف مقاتل رومي.
رتّب خالد الجيش الإسلامي إلى كراديس، كل كردوس من ألف مقاتل على رأسه رجل خبير بالحرب. وكان من نتائج ذلك تفرّق الروم الذين سقط فرسانهم وتركوا وراءهم أكثر من مائة وخمسين ألف قتيل ، بينما فقد المسلمون في هذه المعركة ثلاثة آلاف قتيل .
وقد عزل خالد بن الوليد من قبل الخليفة الجديد عمر بن الخطاب. وكان ذلك حين كان في الشام. وهناك جاء البريد إلى خالد حاملاً معه خبر وفاة أبي بكر الصديق واستلام عمر بن الخطاب الخلافة، وأمر عمر بعزله عن قيادة الجيش وتولية أبي عبيدة الجراح مكانه.
خالد بن الوليد بين فكّي التاريخ
لقد ساهمت عبقرية خالد بن الوليد في كسر جحافل الفرس والروم والقضاء على المرتدين في الجزيرة العربية. وقد ثمّن الخليفة الراشدي أبو بكر الصديق عطاءه وحكمته فولاّه قيادة الجيش في الشام. وبفضل حكمته انتصرت جيوش المسلمين. ولكن الخليفة عمر بن الخطاب عزله.
لماذا ؟!
يُقال إن عمر بن الخطاب كان يضمر العداء الشخصي لخالد. ويقول عمر بن الخطاب عن سبب العزل:
"إني لم اعزل خالداً عن سخطةٍ ولا خيانةٍ ولكنّ الناس فخّموه وفُتنوا به فخفت أن يوكلوا إليه، فحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع وان لا يكونوا بعرض فتنة".
أما خالد بن الوليد فاستأنف الجهاد في صفوف جيش أبي عبيدة بن الجراح مثله مثل أيّ جندي، وقال جملته المشهورة:
"أنا لا أقاتل من أجل عمر، وإنما أقاتل لإرضاء ربّ عمر".
وعندما كان على فراش الموت في مدينة حمص قال:
"ما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة أو رمية سهم. وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير .. فلا نامت أعين الجبناء".
مات خالد بن الوليد سنة (642) م في مدينة حمص، ولم يترك وراءه ثروة مع انه فتح بلاد الشام وفيها الثروات الهائلة.
طارق بن زياد
(ت 720 م)
طارق بن زياد بربري من قبيلة الصدف. وكانت مضارب خيام هذه القبيلة في جبال المغرب العالية. وهي قبيلة شديدة البأس، ديانتها وثنية. وكان طارق بن زياد فارساً شجاعاً مقداماً ، وكان غازياً بطاشاً.
ولم يصل المسلمون إلى شمال أفريقيا إلا في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك ، الذي وكّل موسى بن نصير بهذه المهمة.
وقد دخلت القبائل الوثنية في الإسلام ، ومن بينها قبيلة طارق بن زياد، ذلك الفارس الشاب الذي أعجب موسى بن نصير بشجاعته وقوته، ولهذا عهد إليه بفتح شمال أفريقيا . وحارب طارق المشركين ودخل الكثيرون منهم في الإسلام وتم أسر من لم يسلم منهم. وبعد هذا النجاح عينه موسى بن نصير واليا على طنجة.
فتح الأندلس
كان الحلم الأكبر الذي يراود طارق بن زياد هو اجتياز الماء إلى الجهة الأخرى واجتياح أسبانيا ، التي كانت تحت حكم ملك القوط لذريق. وكان حاكم سحبة يناصب لذريق هذا العداء، ولهذا قام بالاتصال بطارق بن زياد وموسى بن نصير وأخذ يحثهما على غزو أسبانيا مبديا استعداده لمساعدتهما.
وبعد مراسلات مع الخليفة في الشام وافق الخليفة على ذلك. وقاد طارق بن زياد جيش المسلمين واجتاز المضيق الذي يفصل بين شمال أفريقيا وأوروبا، والذي أصبح يعرف فيما بعد باسمه (مضيق طارق بن زياد)، والتقى الجمعان بالقرب من نهر لكه. ووقف طارق بن زياد يومها أمام جنوده وألقى خطبته المشهورة:
"أيها الناس أين المفرّ؟ البحر من ورائكم والعدو من أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر.. وإني لم أحذِّركم أمراً أنا عنه بنجوة.. واعلموا إنكم إن صبرتم على الأشـقّ قليلاً استمتعتم بالأرفهِ الألذّ طويلاً .. وإن حملتُ فاحملوا وإن وقفت فقفوا. ثم كونوا كهيئة رجل واحد في القتال. ألا وإني عامد إلى طاغيتهم بحيث لا أتهيبه حتى أخالطه أو أُقتَلَ دونه. فإن قتِلتُ فلا تهنوا ولا تحزنوا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وتولّوا الدبر لعدوّكم فتبدّدوا بين قتيل وأسير".
هجم المسلمون على جيش القوط فدبّ الرعب في قلوبهم.
أما قائدهم لذريق فلمحه طارق بن زياد وصوّب رمحه نحوه وأرداه قتيلاً يتخبّط في دمائه التي صبغت لون النهر. وعندها صاح طارق بن زياد: "قتلت الطاغية.. قتلت لذريق"..
وبعد هذه المعركة صارت الطريق ممهدة أمام المسلمين لفتح البلاد. وفتح طارق المدن الأسبانية واحدة تلو الأخرى . لكنه احتاج إلى المدد فكاتب موسى بن نصير قائلاً : "إن الأمم قد تداعت علينا من كل ناحية فالغوث الغوث".
سارع موسى بن نصير ووصل الأندلس على رأس جيش قوامه 18 ألف مقاتل من العرب والبربر وذلك سنة 712. واتحد الجيش مع جيش طارق بن زياد، حيث خاض الجيش الموحد معركة "وادي موسى" التي هزم المسلمون فيها جموع القوط ودانت لهم بعد هذا النصر الأندلس كلها.
طارق بن زياد بين فكي التاريخ
لطارق بن زياد فضل كبير في إخضاع القبائل البربرية في شمال أفريقيا وفي فتح الأندلس وهزم القوط في "معركة نهر لكه" و"معركة وادي موسى".
وبالرغم من قلة جنده وشحّ المساعدات، وبالرغم من المصاعب التي واجهها في بلاد يدخلها لأوّل مرة، إلا انه استطاع فتح الأندلس وتحقيق الانتصار. إلا أن كل هذا لم يشفع له عند موسى بن نصير الذي ربما يكون قد توجه للأندلس عام 712 لا ليقدّم المساعدات لطارق بن زياد بعد رسالته إليه، وإنما لينسب فتح الأندلس لنفسه.
لقد كان موسى بن نصير حاقداً على طارق لأنه تقدّم أكثر مما أراد !! وبدلاً من تهنئته قام بإهانته وتوبيخه ثم عزله وسجنه ولم يطلق سراحه إلا بعد تدخّل الخليفة الوليد !!
نهاية البطل
توجه طارق بن زياد بصحبة موسى بن نصير إلى دمشق ومعه أربعمائة من أفراد الأسرة المالكة وجموع من الأسرى والعبيد والعديد من النفائس.
ولما وصلا طبريا في فلسطين، طلب منهما سليمان ولي العهد التأخّر حتى يموت الخليفة الوليد الذي كان يصارع الموت. لكنهما تابعا تقدّمهما ودخلا مع الغنائم إلى دمشق.
وبسبب هذا غضب عليهما سليمان، لأنه كان يريد أن ينسب الفتح والغنائم لنفسه ..
وعندما تولّى سليمان الخلافة ، عزل موسى وأولاده ، وقتل ابنه عبد العزيز بن موسى الذي شارك في فتح الأندلس . أما طارق بن زياد جالب النصر والغنائم فأهمِلَ وبقي بدون شأن ومات فقيراً سنة 720 م.
عانى طارق بن زياد من الظلم والحبس عند موسى بن نصير، فحسب أن العدل عند الخليفة الوليد .. لهذا توجه إلى الشام . ولكن بعد وصوله مع موسى بن نصير إلى دمشق، مات الخليفة بعد أربعين يوماً ، وتسلّم السلطة وليّ العهد الذي كان يتوعدهما، والذي انتقم من كليهما.
مات طارق بن زياد معدماً . وقيل انه شوهد في آخر أيامه يتسوّل أمام المسجد !! وكان يستحقّ أن يكون والياً على البلاد التي فتحها مثله مثل عمرو بن العاص الذي فتح مصر وتولى ولايتها ....
أبو مسلم الخراساني
هو إبراهيم أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم. أصله فارسي. عرف بعدائه للأمويين ، وانضم إلى الدعوة العباسية واستطاع جمع الفلاحين والمؤيدين من الفرس حوله، لهذا تقرّب منه أبو العباس السفاح الذي صار الخليفة العباسي الأول.
كان أبو مسلم الخراساني في بداية الدولة العباسية مقرباً من الخليفة العباسي الأول ، لكنّ الخليفة الثاني (أبو جعفر المنصور) خشي من تعاظم قوته وكثرة مؤيديه فدبّر مؤامرة لقتله.
أبو مسلم الخراساني بين فكّي التاريخ
كان أبو مسلم الخراساني المحرّك الأساسي للدعوة العباسية في بلاد فارس، وعرف بنو العباس كيف يكسبونه لصفهم ، وعرف هو كيف يجمع حوله الموالي والشيعة الناقمين على حكم بني أمية الجائر.
كان من المفروض أن يتقاسم أبو مسلم الخراساني السلطة هو وأعوانه ممن ضحّوا في سبيل إقامة الدولة العباسية وهدم الدولة الأموية. لقد كان أبو مسلم مهندس الثورة ، غير أن الخليفة الثاني أصدر أوامره بتصفيته . وبهذا زادت نقمة الشيعة والموالي الذين عانوا الكثير وفعلوا الكثير من أجل الإطاحة بالبيت الأموي ، والذين كانوا عماد الثورة العباسية، التي ما كانت لتنتصر بدونهم ...
قصة اغتيال أبي مسلم الخراساني
يورد المسعودي قصة خداع أبي مسلم ثم اغتياله فيقول:
بعث المنصور إلى أبي مسلم الخراساني لمذاكرته. فتقدّم أبو مسلم الخراساني إلى مضرب المنصور. وكان المنصور قد أخبر صاحب حرسه وأمرهم أن يقوموا خلف السرير الذي وراء أبي مسلم الخراساني. وأمرهم ألاّ يظهروا إذا عاتبه، فإذا صفّق بيد على يد فليظهروا وليضربوا عنقه وما أدركوا منه بسيوفهم .
جلس المنصور فقام أبو مسلم من موضعه ودخل فسلّم عليه فردّ عليه وأذن له بالجلوس ، وحادثه ساعة ، ثم أقبل يعاتبه .
فقال أبو مسلم : ليس يقال هذا لي بعد بلائي وما كان مني .
فقال له المنصور: يا ابن الخبيثة.. إنما فعلت هذا بجدنا وحظوظنا .. ألست الكاتب الذي تبدأ بنفسك وتزعم انك ابن سليط بن عبد الله بن العباس؟
فأخذ أبو مسلم يعتذر إليه ، فقال له المنصور : قتلتني إن لم أقتلك ...
ثم صفّق المنصور بإحدى يديه على الأخرى فخرج إليه القوم واعتورته السيوف فتخلّطت أجزاؤه.. وأتوا عليه والمنصور يصيح : اضربوا قطع الله أيديكم ...
وكان أبو جعفر المنصور قد أعدّ صرر المال . فما أن فرغ من قتل أبي مسلم حتى خرج الخزانون بالمال ونثروه على الخراسانيين ، فانشغل هؤلاء بالمال ولم يسألوا عن أبي مسلم .
وكان أبو جعفر يريد إقصاء أبي مسلم الخراساني عن خراسان حيث أهله، وأراد أن يعهد له بولاية مصر والشام . ونسي أبو جعفر المنصور أن أبا مسلم الخراساني هو من قضى على ثورة عمه عبد الله بن علي الذي طلب الخلافة لنفسه، والذي كاد يطيح بخلافة المنصور لولا أبي مسلم الخراساني الذي أسره وجاء به إلى المنصور فقتله.
عبد الله أوجلان الكردي
ولد عبد الله أوجلان لأسرة فلاحين عام 1949 في بلدة أوميزلي في محافظة سانلي الواقعة على الحدود التركية السورية. درس في جامعة أنقرة، وهناك بدأ نضاله. سجن سنة 1972 لمدة سبعة أشهر بحجة نشاطه المؤيد للأكراد.
في سنة 1978 أسس عبد الله أوجلان حزب العمال الكردستاني. وفي سنة 1980 غادر تركيا ليعمل من المنفى وخاصة من دمشق وسهل البقاع اللبناني، الذي يخضع للسيطرة السورية.
في سهل البقاع أقام أوجلان معسكرات التدريب لأعضاء حزبه، لكنّ هذه المعسكرات سرعان ما أغلقت بضغط من أنقرة.
حاول أوجلان إقناع حكومة تركيا بفتح حوار مع الأكراد وهو على رأسهم، وتعهّد بان يتم وقف إطلاق النار من حزب العمال الكردستاني إذا استجابت تركيا إلى هذا الطلب. لكنّ أنقرة ظلّت ترفض مطالبه ومطالب حزبه.
في تشرين أول 1998 تم إبعاد أوجلان من سوريا، وذلك تحت الضغوط التركية الشديدة، التي كادت أن تتحوّل إلى حرب بين البلدين، بحجة اتهام تركيا لسوريا انها تسمح لأوجلان ولحزب العمال الكردستاني بالتدرب والانطلاق من أراضيها ومن سهل البقاع اللبناني.
وقد اضطرّ أوجلان عندها أن يتوجه إلى أوروبا، حيث حاول الحصول على حق اللجوء السياسي لكنه أخفق.
وقد نجحت المخابرات التركية باعتقاله يوم 15 / 2 / 1999 في نيروبي، عاصمة كينيا. ويتهم الأكراد المخابرات الإسرائيلية بالضلوع في عملية رصده وتعقبه بواسطة الهاتف النقال (الهاتف النقال كان أيضاً سبب اغتيال المهندس يحيى عياش ).
محاكمته
بعد خطفه نقل عبد الله أوجلان إلى جزيرة امرالي وسط إجراءات أمنية مشددة. وقد دفع منظر أوجلان وهو مختطف ومكبّل أنصاره وأنصار القضية الكردية إلى التظاهر في العواصم الأوروبية أمام السفارات الإسرائيلية والأمريكية والتركية.
ودلّت هذه المظاهرات على مدى حب الشعب الكردي لزعيمه. أما الدول الأوروبية وإسرائيل فأخذت جميعها الحيطة والحذر من نقمة الأكراد. لا سيما وان لها باع في مثل هذه الأعمال.
وخلال المحاكمة قام أوجلان، وبصورة مفاجئة، بتقديم الاعتذار لأسر الضحايا من الأتراك الذين قتلوا في أعمال العنف التي نفّذها حزبه. كما طالب أعضاء حزبه بتسليم السلاح وترك أعمال المقاومة المسلحة، وأبدى استعداده لأن يكون وسيطا بين تركيا وبين الأكراد بشرط عدم إعدامه .
ورغم هذا العرض الرخيص من جانبه... إلا أن المحكمة العسكرية التركية، التي تمّ تشكيلها خصيصاً لمحاكمته، رفضت عرضه، وأصدرت عليه قرار الحكم بالإعدام شنقاً.
وقد لاقى هذا القرار الرضى والتأييد في تركيا ، وأيّدته الولايات المتحدة الأمريكية التي اعتبرت أن أوجلان هو " إرهابي دولي". وواضح طبعاً أن من تتهمه واشنطن بالعمالة لا بدّ أن يكون وطنياً ، وأن من تتهمه بالإرهاب هو حتماً مناضل معادٍ لها ولسياساتها.
أما الدول الأوروبية فطالبت بعدم تنفيذ حكم الإعدام خوفاً من قيام الأكراد بمظاهرات عارمة تهزّ أمن هذه الدول المضيفة لهم!!
حزب العمال الكردي
هو منظمة ماركسية ـ لينينية أسسها عبد الله أوجلان. ويسعى هذا الحزب إلى أقامة دولة كبرى للأكراد، الذين يبلغ عددهم نحو (22) مليون كردي، والذين يعيشون في الأراضي التركية والسورية والعراقية والإيرانية.
ويتّخذ الحزب من شمال العراق مقرا له لشنّ الهجوم على مواقع الجيش التركي، الذي ترفض حكومته العسكرية إجراء أي حوار مع الأكراد أو الاعتراف بهم كشعب.
وفي نفس الوقت يتعرّض الأكراد في شمال العراق لقصف القوات التركية.
وقد حظرت فرنسا وألمانيا نشاط حزب العمال الكردستاني على أراضيها، وذلك بعد عملياته ضد المصالح التركية عام 1993.
ويخشى الكثيرون أن يؤدي إعدام أوجلان، فيما لو تم تنفيذه، إلى ردود فعل عنيفة من قبل حزب العمال، رداً على إعدام زعيمه.
ومن جهة أخرى، من البديهي أن إعدام أوجلان هو ضربة قاصمة لهذا الحزب الذي سيفقد زعيمه التاريخي.
عبد الله أوجلان بين فكّي التاريخ
في نظري وفي نظر أبناء شعبه وفي نظر الشعوب التي تتطلّع إلى الحرية فإنّ عبد الله أوجلان هو إنسان وطني ومناضل يحبّ شعبه، ويناضل من اجل تحقيق حكم ذاتي لشعبه ومن ثم الانفصال عن الدولة التي تذلّ شعبه صباحاً ومساء ... وإقامة دولة للأكراد .
ويجتر العالم "الديمقراطي" الصمت، فيما يقوم الجيش التركي بذبح الأكراد لمجرّد رغبتهم بإنشاء وطن قومي على أرضهم... وما المانع في ذلك طالما أنهم شعب مثل باقي الشعوب ولهم لغة وحضارة وتاريخ يؤهلهم لان يكونوا أحراراً على أرضهم وان يتمتّعوا بحق تقرير المصير؟!
أما العالم الغربي فيصمت على جرائم تركيا الحديثة لأنها تنتمي للحلف الأطلس، وتحاول التقنّع بالقناع الغربي حتى يتم احتسابها دولة الرجل الأبيض وحتى تمحو من الذاكرة التاريخية أي علاقة لها بالإسلام والعرب والشرق.. وآسيا.
وللتذكير فقط فإن تركيا بثوبها القديم والجديد لا تحب الشعوب الأخرى وخاصة الشعوب الإسلامية منها. ولا ننسى أن تركيا تتحكّم بمياه الفرات وتحرم سوريا والعراق من مياهه ومن حصصهما الطبيعية من هذه المياه.
كما إننا لا ننسى تركيا في ظل حكم "تركيا الفتاة" أي تركيا الطورانية التي حاولت تتريك العرب وعممت سياسة الجهل والفساد في محيط الأمة العربية والدويلات التي وقعت تحت سيطرتها.
إنّ عدم تمتّع الاتراك بالقيم العليا جعلهم غير قادرين على حمل الرسالة التاريخية والإنسانية ورفع راية الإسلام بصدق.
وبعد انفصال المناطق العربية عن تركيا، وبعد تحطيم الحلم التركي الطوراني، ذلك الحلم الذي سعى إلى تتريك العرب والشعوب البلقانية وإنشاء المملكة التركية ما قبل الإسلام!! زاد الحقد التركي على الأمة العربية وصار يترجم يوميا من خلال علاقة تركيا بالعرب، والتي هي علاقات فاترة، ومن خلال عقد الاتفاقيات ضد العرب والتحالف الاستراتيجي مع الغرب ومع إسرائيل والتآمر على وحدة العراق واقتطاع لواء الاسكندرونة العربي من سوريا.
عبد الله أوجلان
أسير المؤامرات العالمية وسجين الحرية
إن اعدموا أوجلان فلن يعدموا شعباً يصل تعداده إلى (22) مليون نسمة.. أي نصف تعداد أتراك تركيا... ولن يستطيعوا القضاء على قضية إنسانية من الدرجة الأولى هي قضية شعب محروم من أدنى شروط العيش بكرامة مثل باقي الشعوب.
وصمت العالم الأوروبي والعربي والإسلامي.. مؤسف ومذلّ.. كما أن للأكراد ضلعاً في عدم انتشار قضيتهم بالشكل المطلوب والملائم، لأنهم لم يطوّروا اللغة الدبلوماسية والخطاب السياسي، ولم يسعوا لاستغلال الإعلام العالمي بالشكل الذي يضمن لهم تطور قضيتهم واستقطاب التأييد العالمي لها.
إن الكفاح المسلّح وحده لا يكفي، فالأكراد بحاجة لآلية حوار تخاطب العالم الأصم ... ولسنا ندري إن كان أوجلان فطن إلى ذلك فقط في زنزانته لإنقاذ رقبته كما يتهمه البعض ، أم لأنه فهم أن الحوار كفيل بإيجاد حل لقضية الشعب الكردي، خاصة وان الأتراك عرفوا بسالة المقاتلين الأكراد ، وعرفوا تصميمهم على التمسك بقضيتهم والنضال المستمر حتى إيجاد حل عادل لها.
للدم .. لون واحد للسيف عدة ألوان
القواسم المشتركة بين جميع من تناولناهم في هذا الكتاب هي:
1 - جميعهم تعرضوا للملاحقة، وفي اغلب الأحيان للتصفية الجسدية.
2 - خذلهم وغدر بهم من عملوا لأجلهم.
3 - قسم من هؤلاء كان مضطهدا لكونه من أبناء الأقلية الفارسية في الدولة الإسلامية، ورُمي معظمهم بشبهة الكفر والزندقة.
4 - القتل بصورة وحشية: فقد قتل الإمام عليّ بن أبي طالب بسيف مسموم، أما الحسين فاجتمع على قتله عشرة من الفرسان، والحلاج صلب وقطعت أعضاؤه، وابن المقفّع قطعت أعضاء جسمه ورميت بالتنور، وأبو مسلم الخراساني هوت عليه سيوف حراس أبي جعفر المنصور كالمطر...
5 - الأمان والغدر: من الأبطال من وثق بقاتله مثل الحسن بن علي الذي وثق بزوجته وهي من دسّ له السم في الطعام، وأبي مسلم الخراساني الذي جاء إلى أبي جعفر المنصور مصالحا.. وقتل.. وطرفة بن العبد الذي حمل رسالة موته ولم يصدّق انها تحمل طلباً بقتله بل ظنّ أنها تحمل له العطايا.. لكنها حملت المنايا..
6 - التصميم على قتال الفئة الضالة حتى الشهادة: إذ لم يتراجع كل هؤلاء عن مبادئهم، ولو تراجعوا لنجوا من الموت البشع... فقد قاتل الحسين في معركة خاسرة عسكريا ورابحة معنويا... وقاتل ابن الزبير حتى تخلّى عنه عشرون ألف من أصحابه وحتى تخلّى عنه أولاده وظلّ يقاتل رغم أنهم كانوا يعرضون عليه أمور الدنيا ومتاعها إذا استلم.. ولكنه لم يقبل ذلك...
7 - ثوار السيف ثاروا على السلطة من اجل تصحيح مسار الأمة الإسلامية والعربية، ولو تم لهم الأمر لتغيّر وجه التاريخ. ومن هؤلاء: الحسين بن علي، والحسن بن علي، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن الزبير.
8 - تعرضهم للاغتيال للتخلص منهم وطمس ذكرهم فقد قتل الحسن مسموما، وقتل الإمام عليّ وهو ذاهب إلى صلاة الصبح وقتل الخليفة عمر بن عبد العزيز مسموما، وقتل الإمام حسن البنا بعد إعدامه بإطلاق ست رصاصات في قلبه.
9 - محاولة طمس آثار المفكرين من شهداء الفكر. فقد أحرقت كتبهم ومنع الخطاطون من نقل وتداول كتبهم، مثل الحلاج وابن المقفّع وابن رشد وعمر بن الخيام.
10 - الموت في ريعان الشباب، كما حدث مع أبي فراس الحمداني والحسن بن علي وطرفة بن العبد ... وبهذا حرمنا من عطائهم الذي كان سيدفع المسيرة الإنسانية إلى الأمام.
11 - تمتع أغلبهم بمواهب الشعر والخطابة إلى جانب قوتهم الشخصية. الشعر: صدق، والخطابة: رجولة وفروسية.
12 - كان موتهم أقوى من الحياة، فقد قتلوا بصورة وحشية بشعة، ولكنهم استقبلوا الموت كمن يستقبل أعزّ الأصدقاء ، الأمر الذي خلّدهم في ذاكرة البشرية وتاريخها. وبعضهم قامت من بعد مقتلهم فرق ومدارس تنشط حتى اليوم. فشيعة علي والحسين أكثر من عُشر المسلمين اليوم، وحركة الإخوان المسلمين تنشط في عشرات الدول، وللحلاج عشاق من الأدباء والتصوفين، وأبو ذر شغل الناس بفكره، وعبد الله أوجلان وضع قضية الأكراد أمام الرأي العام.
13 - تعرّضوا لمؤامرات تزييف تاريخهم وسيرتهم. فمعظم المؤرخين في العصر الأموي أو العباسي أو التركي، استُكتِبوا ولم يكتبوا ما يجب كتابته، ولا ما تمليه عليه ضمائرهم، بل كتبوا ما يريد السلطان وما تقتضيه الحاجة. وهكذا أهمل المؤرخون الأبطال ورفعوا من شأن القتلة والطغاة. بل إن الأمر لم يقف عند حد الإهمال المتعمد وإنما تجاوز ذلك إلى حد مهاجمة هؤلاء العظماء واتهامهم باتهامات باطلة وإنهم ساروا إلى الموت بأقدامهم .. وإنهم خرجوا على الخليفة الشرعي والسلطة الشرعية... فيما كتب المؤرخون بتوسع عن الملوك والأمراء وأهملوا أحوال العامة والأبطال الذين خرجوا من هذه الجموع.
14 - عدم التحقيق الكافي في النهايات الغامضة للأبطال مثل طارق بن زياد وخالد بن الوليد ، وعدم معالجة خاتمة الأبطال بطريقة موضوعية. إذ كان المؤرخ يكتب صفحات عديدة عن أحد الأعلام، وفي نهاية المطاف يكتب: "مات مسموماً عام كذا والله اعلم ..."!! دون أن يجهد نفسه بمحاولة الإجابة على الأسئلة التي لا بد أن تثور مثل: لماذا قتل مسموما؟ ما هي دوافع القتل؟ ومن يقف وراء هذا العمل؟!
15 - بعضهم غيّر وجه التاريخ وقضى على ممالك عمّرت مئات السنين، لكنه عجز عن تغيير وإزالة الحقد من القلوب... ويبدو أن هذا النجاح الذي أصابه هو السبب في كثرة أعدائه ومبغضيه الذين ظلوا يحيكون المؤامرات ضده حتى إزاحته من طريقهم... ومن هؤلاء نذكر الإمام أحمد بن حنبل الذي استطاع بثباته منع تبني الدولة الإسلامية لفكرة المعتزلة، وخالد بن الوليد الذي قضى على المرتدين وهزم الفرس والروم، وطارق بن زياد الذي وصل القارة الأوروبية واخضع بلاد القوط لحكم الإسلام ..
16 - بعضهم قتل بسبب تشدده في أمور الدين ومحاولة نشر الدين الإسلامي بصورة أفضل، مثل الإمام حسن البنا والسيد قطب. وبعضهم اتهم بالزندقة والخروج عن الدين الإسلامي مثل الحلاج وابن رشد وابن المقفّع وعمر بن الخيام.
17 - رفض أبطالنا في زمنهم، ولكن، وبعد حقبة من الزمن، تم إعادة الاعتبار لهم ومنحهم التعظيم الذي يستحقونه.
المصادر
1 - محمد عزة دروزة: تاريخ الجنس العربي، الجزء الثامن، المكتبة العصرية، بيروت، 1964.
2 - محمد عزة دروزة: تاريخ الجنس العربي، الجزء السابع، ط1، صيدا ـ لبنان.
3 - ابن عبد ربه الأندلسي: العقد الفريد، ج 5، بيروت،
4 - عبد السلام هارون: نوادر المخطوطات، ج2، دار الجيل ـ بيروت.
5 - محمد مخزون: تحف مواقف الصحابة في الفتنة، ج 2، مصر.
6 - عباس محمود العقاد: عبقرية علي، القاهرة.
7 - فؤاد دوارة: شعر وشعراء، القاهرة، 1957.
8 - ابن سباط الغربي: تاريخ ابن سباط، ج 1، طرابلس، لبنان، 1993.
9 - محمد ابراهيم الصفيري: حاسة سادسة، دار الكتاب العربي، سوريا.
10 - الحلاج: الديوان، تحقيق: كامل مصطفى الشيعي، ألمانيا، 1997.
11 - سهيل عيساوي: نظارتي، كفر مندا، 1996.
12 - ابن شطي: مختصر طبقات الحنابلة، دار الكتاب العربي، بيروت، 1986.
13 - د. محمد أمين فروخ: موسوعة عباقرة الإسلام، الأجزاء 1 ـ 5، دار الفكر العربي، بيروت، 1989.
14 - عطا الله قبطي: تاريخ العرب السياسي من الجاهلية حتى قيام الدولة العباسية، حيفا، 1993.
15 - غازي عبد الرحمن القصيبي: في خيمة شاعر، ج2، لندن، 1994.
16 - حسن البنا: الدعوة والداعية، مذكرات، القاهرة، 1990.
17 - راضي آل ياسين: صُلح الحسن، مؤسسة النعمان، بيروت، 1991.
18 - باقر شريف القرشي: حياة الإمام الحسن بن علي، الجزء الثاني، دار البلاغة، بيروت، 1993.
19 - حنا الفاخوري: تاريخ الأدب العربي.
20 - السيد هادي المدرسي: عاشوراء، دار الهلال، بيروت، 1985.
21 - الإمام الطيراني: مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب، دار الأوراد، 1992.
22 - الامام الطبري: استشهاد الحسن، ط 8، دار الديان للتراث، مصر، 1988.
23 - ابن تيمية: رأس الحسين، دار الديان للتراث، مصر، 1988.
24 - فريال بنت عبد الله بن محمود الهديب: صورة يزيد بن معاوية في الروايات الأدبية، دار أجا للتوزيع، الرياض، 1990.
25 - هزاع بن عيد الشمري: يزيد بن معاوية الخليفة المفترى عليه، دار أجا، الرياض، 1993.
26 - د. يوسف الغيث: تاريخ عصر الخلافة العباسية، دار الفكر المعاصر، بيروت ـ دار الفكر، دمشق، 1996.
27 - محمد سمارة: تاريخ العرب السياسي، الطيرة، 1991.
28 - سعيد برغوثي، يوسف زعبي: دروس في التاريخ، وزارة المعارف، القدس، 1989.
29 - جوني منصور، عماد بهو: أسماء ومصطلحات: اعبلين، 1990.
30 - محمد الغزالي: سر تأخر العرب والمسلمين، القاهرة.
31 - جرجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية، الجزء الأول، دار الهلال، القاهرة، 1957.
32 - طه حسين: في الأدب الجاهلي، القاهرة، 1933.
33 - الوافي في الفكر العربي، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1994.
34 - غازي التوبة: جذور ازمة المسلم المعاصر ـ الجانب النفسي، الكويت، 1996.
35 - جبر مرتضى العاملي: دراسات وبحوث في التاريخ الإسلامي، ج 1، بيروت، 1993.
36 - محسن الأمين: أعيان الشيعة، ج 1، دار الثقافة والمطبوعات، بيروت، 1986.
37 - صلاح عبد الفتاح الخالدي: سيد قطب من ميلاده إلى استشهاده، دمشق ـ بيروت، 1991.
38 - سيد قطب: معالم في الطريق (بدون تاريخ).
صحف:
1 - صوت الحق والحرية، الجمعة 12 / 2 / 1999 ام الفحم.
2 - الصنارة، الجمعة، 1 / 7 / 1999، الناصرة.
3 - كل العرب، الجمعة، 1 / 7 / 1999، الناصرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق