بقلم : سهيل
إبراهيم عيساوي
قصة يوم الِانتخابات في سابانا ، تأليف الكاتبة الفرنسية ساندرين دوماس رو ، رسومات
برونو روبرت ، اصدار مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي ، 2007 ، الترجمة عن الفرنسية
وليد أبو بكر . تتحدث القصة عن معركة انتخابية حامية الوطيس ، في غابة سابانا ،
لانتخاب ملك الغابة، أربعة من المرشحين اعتلوا الحلبة السياسية ليخوضوا المعركة الانتخابية ، كان الأسد "جو
" أحد أبرز المرشحين ، لإعادة انتخابه
ملكا للغابة ، لم يكن قلقا ، منذ زمن بعيد والأسود تعتلي عرش الغابة دون منازع ، أما
الفيل "بيل " كان صديقا للجميع
وفي الأسابيع الأخيرة كثف من زيارته المكوكية للمجاملة ، والزرافة كانت تعتقد انها
الأنسب لهذا المنصب ، هي تشاهد قدوم الأعداء
من بعيد لتحذرالقوم ، والتمساح الذي يحلم
بالعظمة والفخامة ، أصبح نباتيا بمساعدة
خبير في الحمية الغذائية ، وقد نشرت العصافير الخبر في الغابة وانتشر كانتشار
النار في الهشيم ، " التمساح جو لا
يأكل أكثر من ليمونة " ، وعند شجرة
الباوباب الضحمة ، عقدت مناظرة بين المرشحين الأربعة ، زأر الأسد جو وقال: لن أكون
اقل من والدي ، الزرافة جيبيت صرحت "
سأكون ضالتكم لتركضوا معي حتى نتجنب الخطر " ، وصرح الفيل بيل " سوف
نعيش مجموعات متوافقة ومنسجمة " ، أما التمساح صرح " سوف أضع أنيابي في
خدمتكم ضد من يهاجمكم " وعندها ارتفعت صيحات الجماهير " أنياب
التمساح وعد للجميع " ، شعر بقية المرشحين بالغيرة والامتعاض من التمساح
وصرحوا انه متملق ومراوغ ولن يسمحوا له بالوصول إلى كرسي ملك الغابة ، في النهاية
جاء اليوم الموعود ،اليوم العظيم ، قام النمل بجرد وفرز الأصوات ، والتمساح جيم
جاء على رأس القائمة ، تضايق الأسد " جو " فهذا الأمر لم يحدث يوما
في سجلات سابانا ، خسر ارث الآباء والأجداد
ونال صفعة قوية لم يحسب لها أي حساب مسبق ، خرج من الحلبة السياسية صفر اليدين ، أما التمساح جيم ، فكان مسرورا بما حصد
من نجاح وفوز ، ابتسم وهو يبرز أسنانه البيضاء ، وخطب خطابا مقتضبا بالجموع ، ليبث السكينة في قلوبهم ، في اليوم الأول
وزع الحقائب الوزارية على أفراد عائلته من التماسيح ، وأصدر أمرا ملكيا بتشديد
الحراسة على الحدود ، على يد الشباب من التماسيح ،وقد أعجب حتى الذين لم يتشجعوا
لِانتخابه بجديته فهو ينفذ الوعود بحذافيرها ويوفر الأمان ، واستراح الملك في مستنقعه لا يحرك
ساكنا ، وعندما جفت مياه الجداول في الغابة ، حاولت الحيوانات اجتياز الحدود للبحث
عن المياه لتنقذ أرواحها ، لكن الجنود التماسيح حرس الحدود ، قاموا بصدهم بغلاظة ،
ولم يرق قلبهم لتوسلاتهم ، في تلك الليلة
حاولت بعض الحيوانات التسلل خلسة لتمنع عنها الموت المحقق ، وكان من بينها الغزال
، لكنه أصبح لقمة سائغة في أفواه التماسيح ، عندها انتشر الخبر سريعا ، الملك
نباتي لكن اخوته وأقاربه ليسوا كذلك ، لا بد من تنظيم ثورة تطيح بالملك وزمرته
وعائلته المالكة ، لا بد من طرد الملك القاسي ، ومن يوم إلى يوم ، أصبحت قوة الحيوانات خائرة ، والأمور
تزيد تعقيدا ، اجتمعت الحيوانات ، واقترح الفيل بيل ،إقامة احتفال للملك وللعائلة
المالكة ، ويقدم لهم أحد أنواع الفطر ويطهى جيدا ، والتماسيح تحبه كثيرا ، عندها
يمكن تسميم التماسيح والتخلص منها ، قام الفيل
بدعوة التمساح ، الذي قبل دعوة الفيل على أساس أن الاحتفال تقديم الشكر والعرفان
له على حفظ الأمان ، انقضت التماسيح على الوجبة تلتهمها، شعرت بالتخمة ، وانها تطير من
شدة الفرح ، غادرت التماسيح المائدة ، نحو الشاطئ الصخري ، وطارت في الهواء وشعرت بلحظات العذاب ، ودوت أصوات
الحيوانات " أحسنا التصرف ، وعلينا أن نختار جيدا هذه المرة ، وتمت استعادة الحياة من جديد في غابة سابانا .
رسالة الكاتبة :
القصة جاءت على لسان الحيوان ، تتحدث عن الانتخابات ، واحتدام الصراع على السلطة ، لأن السلطة مجد كبير ومكسب عظيم ، وليس بالضرورة من يصل إليها يهدف إلى تقديم خدمات حيوية للجمهور الواسع وحتى الذين منحوه الثقة في صناديق الاقتراع ، الأسد الذي استند على مجد الآباء والأجداد ، استهان بالناخب ، وقوة التمساح وإمكانية فوزه ، ولم يستوعب الصفعة التي تلقاها ، أما التمساح المراوغ ،فقد مهد لانتصاره بتحوله إلى نباتي وتغيير جلده، استعان بخبير بالحمية الذي يرمز الى مستشار انتخابي الذي ينجح في تجميل صورة المرشح من خلال تلميعه وتمويه الناخب ، حتى يظن المرشح نفسه أنه فعلا شخص اخر ، التمساح سرعان ما عاد الى أصله وجلده الحقيقي بعد الفوز بالانتخابات ، عاد إلى الخمول ، واللامبالاة ، لم يحرك ساكنا ، حتى في أحلك الظروف والحيوانات تقف على مشارف الموت ، كذلك عادت التماسيح تلتهم اللحوم وتهدد سكان الغابة الامنة ، لم يسمحوا للحيوانات ان تنجو بأرواحها ، منعوهم من البحث عن الماء عن الحياة ، بحجج واهية ، فقط الرغبة في السيطرة والاكراه ، أما الأسد توارى عن الأنظار بعد سحقه في الانتخابات ، لم يبادر ولم يقدم العون أو المشورة للحيوانات في أحلك الظروف ، أما الفيل فكان موقفه يتسم بالحكمة والشجاعة ، بادر الى التخلص من التمساح وأسرته المهيمنة بقسوة على مصير الغابة ، تضرب بمصالحهم بعرض الحائط ، وصل التمساح بخدعة وتملق الى سدة الحكم ، أيضا تم التخلص منه بخدعة ، في القصة تقدم الكاتبة تحذيرا للقارئ من الاختيار الغير سليم للقائد ، لأن الناخب هو من يدفع الثمن ، فقد استحوذ التمساح وجماعته على موارد الغابة والمناصب الهامة وحتى الحراسة وقام بإقصاء الجميع ، لأنهم استهتروا بأصواتهم والتي هي قوة كبيرة ، يدفعون الثمن غاليا بأرواحهم ومصالحهم ومستقبل الغابة وأهلها . أيضا القصة تعرض الصراع والفرق بين النظامين الديمقراطي والدكتاتوري ، ايجابيات وحسنات كل منهما ، وكيف يمكن ان يصل الدكتاتور إلى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع مستغلا سذاجة الناخبين وانطلاء الحيل الانتخابية ، وشحذهم بالأيديولوجيا والأوهام ، والتاريخ المعاصر يحفل بالنماذج الحية .
القائد والقيادة في قصة انتخابات في سابانا : على القائد وضع مصلحة الشعب في سلم أولياته ، والعدل دستوره ، لا
يستحوذ على مقدرات الوطن والناس ، ولا يقوم بإقصاء الاخرين وِاِن اختلفوا معه سياسيا أو فكريا أو
انتخابيا ، وأن يكون في الصف الأول عند
وقوع أي خطر ، يبادر ، حتى لو لم يكن في السلطة ،الموقع لا يسلب القائد قوته وفكره
ومكانته وقدرته على التأثير، ان حاد القائد عن الطريق الصواب ، تعود القيادة ِإلى
الشعب ، الذي يملك كل القوة هو صاحب الأرض والوطن والقرار ، بإمكانه إزاحة الطاغية
اِما عن طريق الثورة العارمة التي يتحد بها الشعب على كلمة واحدة ، واما عبر صناديق الاقتراع وفقا للظروف ، في النهاية الظلم لا يدوم ولا بد للعدالة ان تسود ولا بد للشمس أن تشرق لتبدد الظلام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق