بمشاركة جماهيريَّة واسعة نظَّم مجمع اللّغة العربيّة في الناصرة، السبت
الماضي، مؤتمره السَّنويّ تحت عنوان: "المعجميَّة العربيَّة – واقع
وآفاق"، تحدّث فيه عدد من الأساتذة المختصّين في هذا المجال، من المجمع، ومن
خارجه.
عُقِدَ
المؤتمر في قاعة فندق "رمادا" في الناصرة بحضور جمهور
واسع، جاء من الناصرة ومن خارجها، برز من بينهم أعضاء المجمع وأصدقاؤه من العرب
واليهود، ومحبّو اللّغة العربيَّة، ولفيف من الشخصيّات الأكاديميَّة، الأدبيّة،
الاجتماعيَّة، وأوساط مختلفة من الناشطين في المجالات العلميَّة والتّربويَّة.
حضروا للمشاركة في هذا الحدث الثقافيّ الذي يعقد بعد سنّ "قانون
القوميَّة"، وإلغاء رسميَّة اللّغة العربيّة في البلاد، مشكّلين تظاهرة
ثقافيّة وحضاريّة تعبّر عن رفضهم لهذا القانون الجائر.
افتتح المؤتمر رئيس المجمع، البروفسور محمود غنايم، الذي رحَّبَ بالحضور،
وقدّم مقتطفات من البيان الذي أصدره المجمع على أثر قانون القوميَّة، مبيِّنًا أن
المجمع يطلق عام اللّغة العربيّة بالتَّعاون مع المؤسَّسات والجمعيّات المختلفة في
المجتمع المدنيّ، ويدعو جميع الأطر الفاعلة لوضع اللّغة
العربيَّة في سلَّم الأولويَّات. كما يشدّد على المشاركة الشّعبيَّة لزيادة الوعي
بكون اللّغة العربيَّة حامية وحاملة للهويَّة والتُّراث والثّقافة، وتأكيد العزم
على حماية لغتنا وتطويرها ورفعِ شأنها في مجتمعنا المحليّ، وقال: "إنَّنا
نُعلن أنَّ قانون القوميّة هو قانون جائر، يستغل ضعف الأقليَّة لفرض رأي قمعيّ
لتغيير الواقع اللّغويّ القانونيّ الذي كان سائدًا في هذه البلاد منذ نحو مئة عام.
ونحن من جهتنا، سنعمل بكل الوسائل المتاحة لتغيير هذا القانون، سواء من خلال الأطر
الرَّسميَّة أو الشَّعبيَّة. كما نمدّ أيدينا لمشاركة بنَّاءة وفاعلة مع المجتمع
اليهوديّ لتعزيز مكانة اللّغة العربيَّة في الحيّز الرَّسميّ والعام". وفي هذا
السّياق فقد أهابَ بالأفراد والمؤسَّسات إلى تقديم مبادرات مميَّزة لمجمع اللّغة
العربيَّة الذي سيقدّم الدَّعم لهذه المبادرات بالخبرات والميزانيَّات اللازمة لإخراج أيَّة مبادرة جادة لحيّز
التنفيذ عبر تعميمها وجعلها في متناول الجميع.
أمَّا بخصوص المؤتمر، فقد أوضح بروفسور غنايم: أنه عبارة عن يوم دراسيّ
خُصّص لمعالجة "المعجميَّة العربيَّة"، مشيرًا إلى أن صناعة المعاجم، وإن
بدت للوهلة الأولى أنها عمل فرديّ، لكن مادَّتها، ومصادرها جاءت نتيجة جهد جماعيّ
قامت به مجموعة من العلماء والرّواة والأفراد، وهذا يعني بمفاهيم العصر الحديث
عملاً مؤسَّساتيًا قد يمتدّ لعدَّة عقود. ثمَّ نوّه إلى أن المجمع سيعقد مؤتمرًا
خاصًا بمناسبة صدور معجم اللّغة العربيَّة المعاصرة الذي عمل عليه المجمع لعدّة سنوات من خلال
مجموعة كبيرة من الباحثين، ومن مساعدي الأبحاث.
بعد ذلك عُقِدَ المؤتمر الذي توزّعت وقائعه على جلستين، الجلسة
الأولى: عالجت موضوع "محاكاة الأصوات وإشكاليات التأثيل". وكذلك "المعجم
العربيّ على مرّ العصور". اما الجلسة الثانية فقد دارت حول "التَّجربة
التطبيقيَّة في القواميس"، و"واقع المصطلحات العلمية".
تولَّت عرافة الجلسة الأولى عضوة إدارة المجمع، الدكتورة كوثر جابر،
فتحدَّت عن المعجميَّة العربيَّة باعتبارها فنًّا من فنون
اللّغة التي اعتنى بها العرب عناية خاصَّة، كما أشارت إلى أنَّ مجمع اللّغة العربيَّة في
الناصرة له دور بارز في العمل المعجميّ، سيسلط الضوء عليه في سياق المؤتمر.
ثمَّ عرّفت بالأستاذين المشاركين في الجلسة،
وهما: الدّكتور شلومو ألون،
والبروفسور معين هلًّون الذي قدَّم محاضرة عن: "محاكاة الأصوات وإشكاليات
التأثيل في المعاجم العربيَّة". وقد وزّع محاضرته على عدَّة محاور، منها
"الحيثيات"، كما عرَّفها المحاضر، والتي تخصّ "استعارات العربيَّة
في تاريخها الطَّويل لآلاف الكلمات من لغات كثيرة، أصبحت معظمها جزءًا لا يتجزَّأ
منها". متطرَّقًا إلى الإشكاليًّات والثَّغرات الكثيرة التي نجدها في تلك المعاجم،
ما يجعل حاجتنا ماسة إلى إعداد معجم جديد يلبّي احتياجاتنا العصريّة.
أما الدّكتور شلومو ألون، فقد تحدَّت عن: "المعجم
العربيّ على مرّ العصور، وعن المصادر اللغويَّة المعتمَدة في المعاجم القديمة،
ذاكرًا حاجتنا الى المعجم اللغويّ التأريخيَ مع النَّظرة الشَّاملة عند محاولة تأليفه من
جديد، أن تَتِمَّ بطريقة تساير تحديَّات المستقبل في موضوع المعجميَّة
العربيَّة.
بعد ذلك عُقدت الجلسة الثانية التي ترأسها وأدارها باقتدار رئيس لجنة
الأبحاث والنشر في المجمع، الدكتور حسين حمزة، وشارك فيها كل من: الدّكتور "روبيك روزنتال"، والبروفسور محمد حسين
حجيرات.
في كلمته، فقد تحدَّث رئيس الجلسة الدّكتور حمزة عن أهميّة المعاجم
العربيّة للدّارسين والمهتمّين بلغة الضَّاد عامَّة، مُعرِّفًا على المحاضرين
المشاركين في المؤتمر، الأوّل: الدّكتور "روبيك
روزنتال": "وهو لغويّ، وصحفيّ، وكاتب عبريّ معروف، كتب عمودًا أسبوعيًّا
في صحيفة "معاريف" اليوميَّة العبريَّة، التي أسَّست موقعًا إلكترونيًا
حول موضوع اللّغة واللغويَّات. ألّف عدَّة قواميس، لافتة للانتباه، وحصل على أربع
جوائز من مصادر ثقافيَّة مرموقة". المحاضر الثاني، هو: البروفيسور محمَّد حسين حجيرات، نائب رئيس
الكليّة العربيَّة للتربيَّة في حيفا، ورئيس طاقم المصطلحات العلميّة في مجمع
اللّغة العربيَّة في الناصرة.
تحدَّث الدّكتور "روبيك روزنتال" عن تجربته في إعداد القواميس، معتبرًا
"أنَّ العمل في هذا المجال يحتاج إلى جهد وإصرار وغوص فيما يشبه نار جهنَّم،
ولكنَّك بعد إنجازه، تشعر بأنك عبرت إلى جنَّة عدن"، ثمَّ استعرض بإسهاب
القواميس التي أصدرها وضمَّنها الكثير من الكلمات العربيَّة الدَّارجة المستعارة
من العربيَّة في إسرائيل خاصَّة، مشيرًا إلى أنّ أحد قواميسه، فاز بجائزة الكتاب الذَّهبيَّ.
تلاه البروفيسور محمَّد حسين حجيرات مستهلًّا مداخلته بعمل
طاقم المصطلحات العلميَّة في المجمع. ثمَّ أكَّد في سياق كلمته على حاجة المدارس
والمؤسسات الأكاديميّة والتربويَّة والإعلام بكافة أصنافه إلى مصدر علميّ لغويّ مُعْتَمَد
لاستعماله في كتابة النّصوص. كما ركّز أيضًا على قاموس المصطلحات العلميّة الذي
يعمل هو وأعضاء الطاقم المختصّ في المجمع على إنجازه، مبيّنًا أهميَّة هذا القاموس
العلميّ لطلاب العلوم من جميع الفئات العمريّة، وأهميّته للباحثين في مجال العلوم
عندما ينشرون مقالاتهم باللّغة العربيَّة، لافتًا الانتباه أيضًا إلى أنَّ هذا
القاموس سيكون عونًا للإعلاميين والصَّحفيّين، خاصَّة عندما يكتبون نصوصهم حول
مواضيع علميّة مختلفة. وأوضح أنّ القاموس يحتوي على 1200 مصطلح علميّ حديث.
في نهاية اللقاء دار نقاش بين الجمهور
والمحاضرين حول العديد من الأمور التي طرحها المؤتمر، ساهم في إغنائه بالكثير من
الأفكار النيّرة.
هذا، وكان المجمع قد استقبل الجمهور
بإهدائهم اصداريه الأخيرين: العدد التاسع من مجلّته المجلَّة، ويوميَّات
2018-2019، كما قام بتوزيع وثيقة "البيان التأسيسيّ لانطلاقة مشروع عام
اللّغة العربيَّة والهويَّة" الصَّادر عن: لجنة المتابعة العليا للجماهير
العربيَّة، اللجنة القطريَّة لرؤساء السلطات المحليَّة العربيَّة، اللجنة
القطريَّة للجان أولياء أمور الطلاب العرب، القائمة المشتركة، ولجنة متابعة قضايا
التعليم العربيّ.
(من سيمون عيلوطي، المنسّق الإعلاميّ في المجمع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق