”هذا الارتماء المتعامي بأحضان كل ما هو حديث، أو غربي، مستورد، إنما لا يحفظ للمدينة العربية ما يميزها حتى على المدن الحديثة عبر العالم، شرقا وغربا، وهو حضور التاريخ المحسوس على نحو دائم: في بناياتها وجوامعها، متاحفها وقصورها، شواخصها العمرانية وأزقتها ومقاهيها، ناهيك عن طبيعة ساكنها، هوية ومزاجا وتفضيلات ذوقية.”
لا تمتاز المدينة العربية، عبر دولنا في الخليج العربي خاصة، بإرثها التاريخي فقط، وإنما هي تمتاز باعتزاز سكانها أيما اعتزاز بهذا الجانب التراثي للمدينة، بوصفه جانبا أساسا من سماتها الجمالية المميزة، وكذلك بوصفه “مغازلة” تلطيفية لمشاعر هؤلاء السكان الحضريين الذين يشعرون الآن وكأنهم يغرقون بالحديث والمستورد و”المسلفن” درجة الاغتراب، ذلك الاغتراب الذي لم يبقِ للمدينة العربية ما يعكس هويتها المحلية والدينية.
لذا، فقد تفوّق مخطِط (بكسر الطاء) المدينة العربية، منذ الفتوحات الإسلامية المبكرة، أي بعد تأسيس مدن ما يسمى بــ”الأمصار”، ابتداءً من الكوفة والبصرة، وتواصلا نحو السفطاط والقيروان، أقول تفوّق هذا المخطط على حفيده مخطط المدينة العربية الآن: فالأول أخذ موقع المدينة في بيئتها على حافات الصحراء بنظر الاعتبار، كما أنه لاحظ أن تكون نواة المدينة متمحورة حول المسجد الكبير، ناهيك عن مجاورة هذا المسجد العام لمقام رأس السلطة، أي دار الخلافة (بغداد والكوفة، مثلين). إن مخطط المدينة العربية الآن هو مهندس معماري كان قد طلَّق التراث ثلاثا، وارتمى بأحضان الطارئ والوافد الغربي حد التعامي عن خصوصية هذه المدينة المحلية أو طبيعة سكانها، قيما وأنماطا اجتماعية، الأمر الذي قاد إلى ما نلاحظه اليوم من غزو للوافدين الأجانب الذين لا تهمهم “رمزية الماضي” و”شواخص التاريخ”، بقدر ما يهمهم تكويم الدولارات بأسرع ما يمكن على سبيل العودة بها إلى منشئهم الأصلي.
هذا الارتماء المتعامي بأحضان كل ما هو حديث، أو غربي، مستورد، إنما لا يحفظ للمدينة العربية ما يميزها حتى على المدن الحديثة عبر العالم، شرقا وغربا، وهو حضور التاريخ المحسوس على نحو دائم: في بناياتها وجوامعها، متاحفها وقصورها، شواخصها العمرانية وأزقتها ومقاهيها، ناهيك عن طبيعة ساكنها، هوية ومزاجا وتفضيلات ذوقية.
حاول القائمون على إدارة بغداد عبر ستينيات القرن الماضي الاستعانة بشركة تخطيط أساس للمدن من بولندا، إلا أنهم سرعان ما لاحظوا ارتماء الأخيرة بمنظورات جمالية أوروبية لا تمت بصلة إلى بغداد هارون الرشيد وأبي جعفر المنصور، الأمر الذي قاد إلى مسارعة أولي الأمر آنذاك إلى التخفيف من عزم اندفاع الشركة الأوروبية نحو التحديث، على سبيل التذكير بأهمية الهوية القومية والدينية لهذه المدينة التي تعبق برائحة التاريخ. هذا بالضبط ما قاد إلى محاولات جادة للعودة إلى الماضي، كان من أبرزها وأكثرها شأنا تأسيس “المتحف البغدادي”، محاكاة لتقنيات متاحف الشمع عبر العالم، إذ جمع في هذا المتحف كل ما يتصل بهذه المدينة المهمة من آثار تاريخية وتراثية، ومهن قديمة، من بين سواها، مرايا تعكس للأجيال قصة مدينة تستحق البقاء والتواصل.
لم يفكر أولو الأمر آنذاك بهجر بغداد القديمة، وتأسيس “بغداد الجديدة” على بعد كافٍ من الأصل، كما فعل الباكستانيون والبرازيليون، وإنما فكروا (وهم مبررون، بحق) “بتحديث بغداد”، وبالإبقاء على أحيائها التراثية القديمة، بل وحتى شواخصها المعمارية المتواشجة مع تاريخ البلد كاملا. وهذه، برأيي، هي المزاوجة الحقة بين التراث والحداثة التي لم نزل نملأ الأجواء ضوضاء في مناقشتها، للأسف.
لذا، فقد تفوّق مخطِط (بكسر الطاء) المدينة العربية، منذ الفتوحات الإسلامية المبكرة، أي بعد تأسيس مدن ما يسمى بــ”الأمصار”، ابتداءً من الكوفة والبصرة، وتواصلا نحو السفطاط والقيروان، أقول تفوّق هذا المخطط على حفيده مخطط المدينة العربية الآن: فالأول أخذ موقع المدينة في بيئتها على حافات الصحراء بنظر الاعتبار، كما أنه لاحظ أن تكون نواة المدينة متمحورة حول المسجد الكبير، ناهيك عن مجاورة هذا المسجد العام لمقام رأس السلطة، أي دار الخلافة (بغداد والكوفة، مثلين). إن مخطط المدينة العربية الآن هو مهندس معماري كان قد طلَّق التراث ثلاثا، وارتمى بأحضان الطارئ والوافد الغربي حد التعامي عن خصوصية هذه المدينة المحلية أو طبيعة سكانها، قيما وأنماطا اجتماعية، الأمر الذي قاد إلى ما نلاحظه اليوم من غزو للوافدين الأجانب الذين لا تهمهم “رمزية الماضي” و”شواخص التاريخ”، بقدر ما يهمهم تكويم الدولارات بأسرع ما يمكن على سبيل العودة بها إلى منشئهم الأصلي.
هذا الارتماء المتعامي بأحضان كل ما هو حديث، أو غربي، مستورد، إنما لا يحفظ للمدينة العربية ما يميزها حتى على المدن الحديثة عبر العالم، شرقا وغربا، وهو حضور التاريخ المحسوس على نحو دائم: في بناياتها وجوامعها، متاحفها وقصورها، شواخصها العمرانية وأزقتها ومقاهيها، ناهيك عن طبيعة ساكنها، هوية ومزاجا وتفضيلات ذوقية.
حاول القائمون على إدارة بغداد عبر ستينيات القرن الماضي الاستعانة بشركة تخطيط أساس للمدن من بولندا، إلا أنهم سرعان ما لاحظوا ارتماء الأخيرة بمنظورات جمالية أوروبية لا تمت بصلة إلى بغداد هارون الرشيد وأبي جعفر المنصور، الأمر الذي قاد إلى مسارعة أولي الأمر آنذاك إلى التخفيف من عزم اندفاع الشركة الأوروبية نحو التحديث، على سبيل التذكير بأهمية الهوية القومية والدينية لهذه المدينة التي تعبق برائحة التاريخ. هذا بالضبط ما قاد إلى محاولات جادة للعودة إلى الماضي، كان من أبرزها وأكثرها شأنا تأسيس “المتحف البغدادي”، محاكاة لتقنيات متاحف الشمع عبر العالم، إذ جمع في هذا المتحف كل ما يتصل بهذه المدينة المهمة من آثار تاريخية وتراثية، ومهن قديمة، من بين سواها، مرايا تعكس للأجيال قصة مدينة تستحق البقاء والتواصل.
لم يفكر أولو الأمر آنذاك بهجر بغداد القديمة، وتأسيس “بغداد الجديدة” على بعد كافٍ من الأصل، كما فعل الباكستانيون والبرازيليون، وإنما فكروا (وهم مبررون، بحق) “بتحديث بغداد”، وبالإبقاء على أحيائها التراثية القديمة، بل وحتى شواخصها المعمارية المتواشجة مع تاريخ البلد كاملا. وهذه، برأيي، هي المزاوجة الحقة بين التراث والحداثة التي لم نزل نملأ الأجواء ضوضاء في مناقشتها، للأسف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق