”لا ريب في أن العقل الأوروبي يراقب العالم الإسلامي بدقة وحذر، وهو يرى ما يجري في هذا العالم من تفاعلات واضطرابات وتداعيات وأعمال عنف تؤول، في مجملها، إلى تشويه صورة الإسلام الحق: لذا فإنه يرى في عملية ضم دولة مسلمة يشكل عدد سكانها، 70 مليون نسمة، إلى المجتمع الأوروبي إنما ينطوي على “توريط” هذه القارة في تعقيدات شائكة ومتشابكة لها بداية ولكن ليس لها نهاية.”
لم تزل الدول الأوروبية تضع العراقيل وتختلق التبريرات لمنع أو لتأجيل الموافقة على هذه الرغبة الحكومية الرسمية لواحدة من أكثر الدول المسلمة علمانية واستعدادا للسير على هذا النهج، درجة عدم التردد في تحوير القوانين (بطريقة يمكن أن تتناقض، أو أن لا تتواءم مع الشريعة الإسلامية التي يعتنقها غالبية الشعب التركي بكل إخلاص وتفانٍ). وإذا ما أراد المرء سبر أغوار الذهنية الأوروبية، الرسمية والشعبية، المقاومة أو المضادة لالتحاق تركيا بركب الاتحاد الأوروبي، فإنه لا بد وأن يصطدم بحقيقة مفادها أن الإسلام، الدين السائد في تركيا، إنما يمثل أهم العقبات على طريق تحقيق الأحلام التركية، خاصة إذا ما ارتجعنا إلى حقائق تمثيل الدولة العثمانية لهذا الدين الحنيف في أوروبا لأكثر من خمسة قرون.
لا يعني هذا بأن الحكومات الأوروبية إنما هي مضادة للإسلام أو أنها تحاربه بكافة الوسائل، كما يمكن لبعض محدودي التفكير والمتطرفين أن يعالجوا مثل هذا الموضوع بخلاصات ساذجة من هذا النوع، متهمين أوروبا عصرنا الجاري بـ”الصليبية” على الطريقة العتيقة المتجذرة في تربة القرون الوسطى. ولكنه يعني، وعلى نحو أكثر توافقا مع الواقع، أن أوروبا لو وافقت، ستشعر بأن عليها أن “تبتلع” جسما غريبا مختلفا عضويا في دواخلها، بمعنى أن تضم إلى أحشائها ثقافة وحضارة مختلفة تماما عن ثقافتها وتراثها، الأمر الذي لا بد أن يقود إلى رفض الجسد الأوروبي للجسم المستزرع. وقد لاحظ أحد المتحدثين الرسميين الفرنسيين سابقا هذا التناقض الثقافي والديني عندما تكلم بلغة فيها شيء من العتاب على التردد الأوروبي، مطالبا بـــ”مصارحة” تركيا بالحقيقة “المريرة”، فيذهب أهمية الاعتذار عن قبول تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي، خاصة وأنه إنما يتأسس على اختلاف جذري بين الثقافتين: الثقافة الأوروبية عامة، المبتناة على ما يسمى بـ”التقليد الديني اليهودي المسيحي”، والثقافة الإسلامية، إذ تتبناها تركيا (برغم علمانية حكومتها المعروفة). هذا خطاب واضح المعالم ينبغي أن يوجه عناية الزعماء الأتراك عامة إلى المسببات الحقيقية الكامنة وراء “المقاومة” الأوروبية لانضمام تركيا إلى صفوفها. بيد أن الترك يصرون على هذا “التغريب” الطوعي، كما فعل شاه إيران سابقا، بعد أن احتضن الترك مقر الخلافة الإسلامية في الأستانة لقرون طويلة حتى نهاية الإمبراطورية العثمانية.
ربما يدعي بعض الزعماء الأوروبيين، خاصة من صانعي القرار الأوروبي الجماعي، إمكانية هذا النوع من الاندماج الأوروبي تأسيسا على “تقدمية” أفكارهم العلمانية المتفتحة والعابرة للحدود الدينية التي ترنو لأن تنأى بنفسها عن براثن الفاشية أي أُسطورة التمحور الآري ـ المسيحي، الأمر الذي يشجع الأتراك على المزيد من الإلحاح للانضمام إلى أوروبا، بيد أن خلاصة المتحدث الفرنسي أعلاه تضع النقاط على الحروف على نحو موجع للحكومات التركية، خاصة وأنه قد أعلن بوضوح بأن الجزء الأوروبي من الجمهورية التركية لا يمثل سوى جيب صغير جدا من مساحة تركيا، وإن عملية ضم تركيا على أساس من هذا القبيل يعني تلقائيا فتح أبواب أوروبا لأعداد كبيرة من الدول التي ترغب في أن تكون “أوروبية” بغض النظر عن حقائق الجغرافيا والتاريخ، ابتداءً من أرمينيا وجورجيا وجمهوريات أواسط آسيا، وانتهاءً بدول المغرب العربي (كالجزائر) التي ربما تستحضر تاريخ الامبراطوريات الاستيطانية الفرنسية على أراضيها كذريعة لتقديم طلبات من ذات النوع التركي. بيد أن أوروبا، كينونة آرية مسيحية ذات هوية تاريخية خاصة بها، لا يمكن أن تتوسع على هذا المنوال الاعتباطي الذي يمكن أن يعد توسعا “سرطانيا”، من وجهة نظر العقل الأوروبي، ذاتي التمركز.
أما إذا ما امتطى البعض حقيقة وجود أقوام مسلمة في أوروبا (عبر البلقان وألبانيا ويوغسلافيا السابقة) تبريرا للالتحاق بالاتحاد الأوروبي، فإن عليهم أن يتذكروا بأن العقل الأوروبي لم يزل يحتفظ بذكريات تاريخية متنافرة مع العالم الإسلامي، وهي ذكريات لم تزل مترسبة في قعر هذا العقل. بل إن أوروبا تنظر إلى الأقوام المسلمة الموجودة في هذه الأقاليم بوصفها اقواما لم تعتنق الإسلام بمحض أرادتها، وإنما عبئا منشقا تاريخيا ينبغي التعامل معه بحذر وبطريقة تختلف تماما عن طرائق التعامل مع الأوروبيين أي المسيحيين الخُلّص، الذين يشكلون الجوهر الإثني المسيحي للشعوب الأوروبية. إن أية مراجعة للتراث الفكري والاستشراقي الأوروبي، خاصة ذلك الذي ازدهر في العصر الذهبي للامبراطوريات الأوروبية، البريطانية والفرنسية خاصة، لن تخفق في إماطة اللثام عن مسببات التحسس الأوروبي حيال الإسلام والأقوام المسلمة، حاضرا وماضيا. وتخدم معضلات تطبيع الجاليات المسلمة المستقرة في أوروبا اليوم تذكيرا حيا بهذا الاختلاف أو التناقض بين إرادتين وذهنيتين وتراثين: الإرادة الأوروبية التي، كما يبدو، وكما تدعي، غادرت العصبية الدينية والطائفية التي كلفتها الكثير من الحروب وسفك الدماء عبر القرون المظلمة. لقد غادرت أوروبا هذه الصومعة المظلمة باتجاه عصور الأنوار والاستنارة على سبيل بناء ثقافة ذات طبيعة مادية نفعية تمكنت من إطلاق حضارتها نحو عوالم جديدة تختلف عن عوالمنا في الشرق العربي الإسلامي الذي يعد شرقا سكونيا. ويبدو أن مشكلة أوروبا في فهم جوهر الإسلام لا تنبع من إدراك حقيقة هذا الدين الحنيف المعروف بالإنسانية والتسامح، بل إن مشكلتها هنا تنبع من سوء تصوير الإسلام وإساءة تمثيله من قبل البعض من الجاليات والجماعات المسلمة المسيسة المستقرة في أوروبا، زيادة على التخريب الذي تفعله الشبكات الإرهابية التي تقوم بتفجير المسارح والنوادي الليلية وخطوط السكك الحديد في مدريد وباريس، مدعية بأنها هي التي تمثل الإسلام النقي الأصيل، تعسفا.
من هنا، ومع استحضار تراث الصراع الملبد بالغيوم بين العالمين الإسلامي والأوروبي عبر التاريخ، يمكن أن يفقه المرء مسببات اللهجة الأوروبية الحذرة من ضم أقاليم مسلمة مشحونة بالمشاكل والمعضلات، الكامنة والمحتملة، إلى أوروبا، على عكس الطريقة السريعة والمنتظمة التي ضمت بموجبها جمهوريات أوروبا الشرقية المنفلتة من قبضة الشيوعية بعد بداية تسعينيات القرن الزائل. بل إن هذا هو السبب الرئيس الذي يبرر اعتماد ذات اللهجة الحذرة التي قدم جاك شيراك من خلالها مخاوفه من أن أوروبا “غير متهيأة”، عمليا وربما نفسيا، لالتحاق تركيا بها أثناء عهده، برغم الاستعداد المنقطع النظير للحكومة التركية لأن تقدم كل ما يمكن من تحويرات وتنازلات في سبيل استرضاء الحكومات الأوروبية على سبيل تحقيق هذا الهدف.
لا ريب في أن العقل الأوروبي يراقب العالم الإسلامي بدقة وحذر، وهو يرى ما يجري في هذا العالم من تفاعلات واضطرابات وتداعيات وأعمال عنف تؤول، في مجملها، إلى تشويه صورة الإسلام الحق: لذا فإنه يرى في عملية ضم دولة مسلمة يشكل عدد سكانها، 70 مليون نسمة، إلى المجتمع الأوروبي إنما ينطوي على “توريط” هذه القارة في تعقيدات شائكة ومتشابكة لها بداية ولكن ليس لها نهاية، ابتداءً من مشاكل الإرهاب وتبادل الغزوات، وانتهاءً بالمطالب التعجيزية التي تقدمها بعض الجاليات المسلمة للحكومات الأوروبية. إذا، تؤشر هذه الحال غياب قنوات التفاهم والحوار بين حضارتين، الأولى (شرقية، مسلمة)، والثانية (غربية، مسيحية). ولكن على الرغم من أننا، في العالم العربي، لم نقدم ولا نتوقع أن نقدم طلبات للبرلمان الأوروبي للانضمام إلى أوروبا، فإن علينا أن لا نتعامى عن ضرورات مد جسور الحوار والتلاقح الثقافي، ليس طمعا بالفوز برضا ومباركة أوروبا كما قد يعتقد البعض، ولكن طمعا بعالم متناغم تسوده حرية الاعتقاد وقنوات التفاهم والحوار. هذا ما لا يمكن أن يتحقق دون أن نرتقي بأنفسنا إلى مستوى سامٍ قادر على تقديم صورة دقيقة المعالم للإسلام: دين المحبة والتسامح والسلام، وليس دين سفك الدماء وجز الرقاب وبقر البطون.
وكخلاصة، لا بد للمرء من أن يفهم خطاب العقل الأوروبي الآن، ذلك أنه ليس بخطاب ديني ولا إثني، وإنما هو خطاب ثقافي يرنو لدرجة عالية من الاتساق والتناغم الثقافي الذي لا يمكن أن يحيل قبول تركيا، دولة أوروبية، إلى خطوة مميتة، كما يحذر البعض منها.
لا يعني هذا بأن الحكومات الأوروبية إنما هي مضادة للإسلام أو أنها تحاربه بكافة الوسائل، كما يمكن لبعض محدودي التفكير والمتطرفين أن يعالجوا مثل هذا الموضوع بخلاصات ساذجة من هذا النوع، متهمين أوروبا عصرنا الجاري بـ”الصليبية” على الطريقة العتيقة المتجذرة في تربة القرون الوسطى. ولكنه يعني، وعلى نحو أكثر توافقا مع الواقع، أن أوروبا لو وافقت، ستشعر بأن عليها أن “تبتلع” جسما غريبا مختلفا عضويا في دواخلها، بمعنى أن تضم إلى أحشائها ثقافة وحضارة مختلفة تماما عن ثقافتها وتراثها، الأمر الذي لا بد أن يقود إلى رفض الجسد الأوروبي للجسم المستزرع. وقد لاحظ أحد المتحدثين الرسميين الفرنسيين سابقا هذا التناقض الثقافي والديني عندما تكلم بلغة فيها شيء من العتاب على التردد الأوروبي، مطالبا بـــ”مصارحة” تركيا بالحقيقة “المريرة”، فيذهب أهمية الاعتذار عن قبول تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي، خاصة وأنه إنما يتأسس على اختلاف جذري بين الثقافتين: الثقافة الأوروبية عامة، المبتناة على ما يسمى بـ”التقليد الديني اليهودي المسيحي”، والثقافة الإسلامية، إذ تتبناها تركيا (برغم علمانية حكومتها المعروفة). هذا خطاب واضح المعالم ينبغي أن يوجه عناية الزعماء الأتراك عامة إلى المسببات الحقيقية الكامنة وراء “المقاومة” الأوروبية لانضمام تركيا إلى صفوفها. بيد أن الترك يصرون على هذا “التغريب” الطوعي، كما فعل شاه إيران سابقا، بعد أن احتضن الترك مقر الخلافة الإسلامية في الأستانة لقرون طويلة حتى نهاية الإمبراطورية العثمانية.
ربما يدعي بعض الزعماء الأوروبيين، خاصة من صانعي القرار الأوروبي الجماعي، إمكانية هذا النوع من الاندماج الأوروبي تأسيسا على “تقدمية” أفكارهم العلمانية المتفتحة والعابرة للحدود الدينية التي ترنو لأن تنأى بنفسها عن براثن الفاشية أي أُسطورة التمحور الآري ـ المسيحي، الأمر الذي يشجع الأتراك على المزيد من الإلحاح للانضمام إلى أوروبا، بيد أن خلاصة المتحدث الفرنسي أعلاه تضع النقاط على الحروف على نحو موجع للحكومات التركية، خاصة وأنه قد أعلن بوضوح بأن الجزء الأوروبي من الجمهورية التركية لا يمثل سوى جيب صغير جدا من مساحة تركيا، وإن عملية ضم تركيا على أساس من هذا القبيل يعني تلقائيا فتح أبواب أوروبا لأعداد كبيرة من الدول التي ترغب في أن تكون “أوروبية” بغض النظر عن حقائق الجغرافيا والتاريخ، ابتداءً من أرمينيا وجورجيا وجمهوريات أواسط آسيا، وانتهاءً بدول المغرب العربي (كالجزائر) التي ربما تستحضر تاريخ الامبراطوريات الاستيطانية الفرنسية على أراضيها كذريعة لتقديم طلبات من ذات النوع التركي. بيد أن أوروبا، كينونة آرية مسيحية ذات هوية تاريخية خاصة بها، لا يمكن أن تتوسع على هذا المنوال الاعتباطي الذي يمكن أن يعد توسعا “سرطانيا”، من وجهة نظر العقل الأوروبي، ذاتي التمركز.
أما إذا ما امتطى البعض حقيقة وجود أقوام مسلمة في أوروبا (عبر البلقان وألبانيا ويوغسلافيا السابقة) تبريرا للالتحاق بالاتحاد الأوروبي، فإن عليهم أن يتذكروا بأن العقل الأوروبي لم يزل يحتفظ بذكريات تاريخية متنافرة مع العالم الإسلامي، وهي ذكريات لم تزل مترسبة في قعر هذا العقل. بل إن أوروبا تنظر إلى الأقوام المسلمة الموجودة في هذه الأقاليم بوصفها اقواما لم تعتنق الإسلام بمحض أرادتها، وإنما عبئا منشقا تاريخيا ينبغي التعامل معه بحذر وبطريقة تختلف تماما عن طرائق التعامل مع الأوروبيين أي المسيحيين الخُلّص، الذين يشكلون الجوهر الإثني المسيحي للشعوب الأوروبية. إن أية مراجعة للتراث الفكري والاستشراقي الأوروبي، خاصة ذلك الذي ازدهر في العصر الذهبي للامبراطوريات الأوروبية، البريطانية والفرنسية خاصة، لن تخفق في إماطة اللثام عن مسببات التحسس الأوروبي حيال الإسلام والأقوام المسلمة، حاضرا وماضيا. وتخدم معضلات تطبيع الجاليات المسلمة المستقرة في أوروبا اليوم تذكيرا حيا بهذا الاختلاف أو التناقض بين إرادتين وذهنيتين وتراثين: الإرادة الأوروبية التي، كما يبدو، وكما تدعي، غادرت العصبية الدينية والطائفية التي كلفتها الكثير من الحروب وسفك الدماء عبر القرون المظلمة. لقد غادرت أوروبا هذه الصومعة المظلمة باتجاه عصور الأنوار والاستنارة على سبيل بناء ثقافة ذات طبيعة مادية نفعية تمكنت من إطلاق حضارتها نحو عوالم جديدة تختلف عن عوالمنا في الشرق العربي الإسلامي الذي يعد شرقا سكونيا. ويبدو أن مشكلة أوروبا في فهم جوهر الإسلام لا تنبع من إدراك حقيقة هذا الدين الحنيف المعروف بالإنسانية والتسامح، بل إن مشكلتها هنا تنبع من سوء تصوير الإسلام وإساءة تمثيله من قبل البعض من الجاليات والجماعات المسلمة المسيسة المستقرة في أوروبا، زيادة على التخريب الذي تفعله الشبكات الإرهابية التي تقوم بتفجير المسارح والنوادي الليلية وخطوط السكك الحديد في مدريد وباريس، مدعية بأنها هي التي تمثل الإسلام النقي الأصيل، تعسفا.
من هنا، ومع استحضار تراث الصراع الملبد بالغيوم بين العالمين الإسلامي والأوروبي عبر التاريخ، يمكن أن يفقه المرء مسببات اللهجة الأوروبية الحذرة من ضم أقاليم مسلمة مشحونة بالمشاكل والمعضلات، الكامنة والمحتملة، إلى أوروبا، على عكس الطريقة السريعة والمنتظمة التي ضمت بموجبها جمهوريات أوروبا الشرقية المنفلتة من قبضة الشيوعية بعد بداية تسعينيات القرن الزائل. بل إن هذا هو السبب الرئيس الذي يبرر اعتماد ذات اللهجة الحذرة التي قدم جاك شيراك من خلالها مخاوفه من أن أوروبا “غير متهيأة”، عمليا وربما نفسيا، لالتحاق تركيا بها أثناء عهده، برغم الاستعداد المنقطع النظير للحكومة التركية لأن تقدم كل ما يمكن من تحويرات وتنازلات في سبيل استرضاء الحكومات الأوروبية على سبيل تحقيق هذا الهدف.
لا ريب في أن العقل الأوروبي يراقب العالم الإسلامي بدقة وحذر، وهو يرى ما يجري في هذا العالم من تفاعلات واضطرابات وتداعيات وأعمال عنف تؤول، في مجملها، إلى تشويه صورة الإسلام الحق: لذا فإنه يرى في عملية ضم دولة مسلمة يشكل عدد سكانها، 70 مليون نسمة، إلى المجتمع الأوروبي إنما ينطوي على “توريط” هذه القارة في تعقيدات شائكة ومتشابكة لها بداية ولكن ليس لها نهاية، ابتداءً من مشاكل الإرهاب وتبادل الغزوات، وانتهاءً بالمطالب التعجيزية التي تقدمها بعض الجاليات المسلمة للحكومات الأوروبية. إذا، تؤشر هذه الحال غياب قنوات التفاهم والحوار بين حضارتين، الأولى (شرقية، مسلمة)، والثانية (غربية، مسيحية). ولكن على الرغم من أننا، في العالم العربي، لم نقدم ولا نتوقع أن نقدم طلبات للبرلمان الأوروبي للانضمام إلى أوروبا، فإن علينا أن لا نتعامى عن ضرورات مد جسور الحوار والتلاقح الثقافي، ليس طمعا بالفوز برضا ومباركة أوروبا كما قد يعتقد البعض، ولكن طمعا بعالم متناغم تسوده حرية الاعتقاد وقنوات التفاهم والحوار. هذا ما لا يمكن أن يتحقق دون أن نرتقي بأنفسنا إلى مستوى سامٍ قادر على تقديم صورة دقيقة المعالم للإسلام: دين المحبة والتسامح والسلام، وليس دين سفك الدماء وجز الرقاب وبقر البطون.
وكخلاصة، لا بد للمرء من أن يفهم خطاب العقل الأوروبي الآن، ذلك أنه ليس بخطاب ديني ولا إثني، وإنما هو خطاب ثقافي يرنو لدرجة عالية من الاتساق والتناغم الثقافي الذي لا يمكن أن يحيل قبول تركيا، دولة أوروبية، إلى خطوة مميتة، كما يحذر البعض منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق