ترجمة ب. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة بالعبرية، رواها أبو مرجان بن سعد ابن أبي المرجان السراوي الدنفي (أب سكوه/شوهم بن سعد بن أب
سكوه هستري هدنفي، ١٩٤٣ - ، من حولون) بالعبرية على بنياميم
صدقة (١٩٤٤-)، الذي أعدّها،
نقّحها، ونشرها في
الدورية السامرية أ. ب. - أخبار السامرة، في العددين ١٢٢٦-١٢٢٧، ١٥ كانون ثان ٢٠١٧، ص.
٨٢-٨٥.
هذه الدورية التي تصدُر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها: إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني.
بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدُر بانتظام، تُوزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين بالدراسات السامرية، في شتّى دول العالم. هذه الدورية، ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن الشقيقيْن، بنياميم (الأمين) ويفت (حسني)، نجْلي المرحوم راضي صدقة الصباحي (رَتْصون صدقة الصفري، ٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).
” بردٌ في الخارج ودِفءٌ في البيت
ماذا أقول لك؟ لا يوجد مثل أيّام الشتاء والأمطار الغزيرة، أمطار البركة
التي انتظرناها طَوالَ سنوات كثيرة، فهطلت استجابةً لصلوات كهنتنا وصلواتنا. أتستطيع، في هذه الأيّام، أن تعرِض عليّ شيئًا أحسن من الجلوس في البيت،
بجانب الطاولة مقابلَ المدفأة، وبيدك فنجان شاي أصلي، ساخن باخر؟ أمامي صحيفة
ورقية بيضاء، وعليها مخطوط من المؤلّفات التي أورثني إيّاها جدّي، أبو المرجان
الأسعد، الأديب والشاعر الكبير. أجلِس وأنسَخ حرفيًّا حكمته الجمّة على تلك الصحيفة. أبِوُسعك أن تعرِِض عليّ شيئًا أفضل؟ هذا أكثر شيء يمنحني الشعورَ بالرضا
حينما أنسخ حكمة الأوائل، كي يتعلّم ابني الغالي أسعد (أوشر) منها ويعلّمها في المستقبل لأبنائه وأحفاده.
ها قد أنهيت دفترًا كاملًا مباشرة من مخطوط أصلي بقلم الكاتب راضي (رتصون) صدقة، ومن كتاب صلوات
السبوت والأعياد. كما أنّني لا أتكاسل،
إنّي أبحث في مجلّدات الدورية أ. ب.
لأنسَخ ما جلبتم من تراثنا القديم المحفوظ في مكتبات العالم. الأوائل ونحن، أين نحن وأين هم؟ نحن علينا متابعة الدراسة والتعلّم لسنوات،
حتّى نصل إلى مستوى متعلّم واحد منهم، ينبغي الإقرار بالحقيقة. لماذا نكذب على أنفسنا؟ ماذا نجني من ذلك؟ الكلّ يعرف الكلّ، كلّ واحد منّا
يعلم ما يعلمه الآخر.
دعْنا نضع النقْد جانبًا، فهو لم يُضف سرورًا ومتعة لدى الناس قطّ. يُفضّل بنو البشر سَماع الكلمة الطيّبة حتّى بخصوص أمور لم يقوموا بها، شرط
أن تتركهم بعيدًا عن النقد. إنّي لا أسلُك هذا
الدرب.
إذا كان في جعبتي شيء يقال، عن أحد الناس، فإنّي لا أقول ذلك من وراء ظهره،
بل أنتظر أوّل لقاء به لأقول ما عندي مباشرة، وجهًا لوجه بدون إخفاء أيّ شيء.
لكن، قد قلتُ لكم، دعونا من النقد ولنتركّز في ما استهللت به: في أيّام الشتاء يكون الجوّ في الخارج باردًا رطبًا ”كلّ هلقدّه“، دافئًا ولطيفًا ”كلّ هلقدّه“ في البيت. ها أنا في يوم السبت، أعود إلى البيت من الحيّ إلى قرية شاريت، وبرفقتي
الكاهنان حسن (حسده) وعاكف (أساف) وابن عمّي برهوم (أبراهام) وأولادنا. للتوّ، انتهينا من
قراءة النوبة، وبعدها رأسًا نعود إلى البيت إلى قريات شاريت، في حالة عدم وجود فرح
في ذلك السبت. إنّي السامريّ الوحيد
في العمارة المشتركة، التي أسكن فيها في قريات شاريت. حينما أدخل البيت مع ابني أسعد (أوشِر)، أُغلق الباب، وتغدو
شَقّتي كما هي في كلّ أيّام السنة، شقّة سكن سامرية قائمة بذاتها. في هذه الأثناء تكون زوجتي وبنتاي، قد أعددن مائدة عليها كلّ ما لذّ وطاب
من الأطباق والسلطات. إذًا، ما أحسن حقًّا
في تلك اللحظة، حال هطول المطر بغزارة في الخارج، ويروي الأرض العطشى، من إرواء
ظمأنا نحن بكأس من العرق السامري المعدّ في البيت، الممزوج بالماء فيبيّض، يدفّىء
الجسم والقلب، ويفتَح الشهيّة لما أعدّت نساء البيت؟
مديح العرق السامري
عند ذِكر العرق، ها لكم قصّة سمعتها من مسنّين عن خالي الكاهن الأكبر، يوسف
بن أبي الحسن (حسده). عن بأسه وقوّة يده في
شبابه، قد سمعتم عددًا غير قليل من القصص. الآن، أودّ أن أروي لكم عن شجاعته. اعتاش الكثير من السامريين في نابلس، في ظلّ النقص في مصادر الرزق، في
الثلاثينات وحتّى الخمسينات من القرن الماضي، على بيع العرق من انتاج بيتيّ، من
عنب الخليل الأفضل لغاية اليوم، لصنع العرق السامري. على كلّ حال، أنتج السامريون العرق لاستعمالهم الشخصي في السبوت والأعياد. استغلّ السامريون هذه الفرصة لإنتاج بضع عشرات الزجاجات الإضافية لبيعها
لجنود الانتداب البريطاني، لمسيحيين في نابلس ولمسلمين غير قلائل أيضًا، خالفوا
سرًّا أوامر حظر تناول الخمرة. الكلّ عرف ذلك، وطالما أنّ الصفقاتِ جرت بالخَفاء، غضّ الطرف.
كلّ من أثار أيّ اهتمام حول التجارة الصغيرة بهذا المشروب المحظور، أُسكِت
فورًا، تفاديًا لإنزال العقوبات على المنتج، من قِبل القضاة القساة في محكمة نابلس. جدّي الكاهن أبو الحسن، وكذلك أخوالي الكهنة كآخرين كثيرين، اعتاشوا قليلًا
من هذه التجارة. حسني عواودة، عربي
نابلسي حادّ المِزاج، كان أحد جيران خالي الكاهن يوسف، وكان يعرف فترة انتاج
السامريين للعرق وخاصّة نحو الشهر السابع، تعوّد على المجيء إلى بيت خالي ليحظى
بتذوّق الكؤوس الأولى من العرق.
خالي إنسان مسالم في طبيعته، كان يستقبل حسني عواودة بالترحاب ويكرّمه ببضع
كؤوس.
لا يوجد مشروب محفّز ولذيذ أكثر من العرق السامري. يشهد على ذلك أصحابي الكُثْر الذين يتوسّلون كلّ سنة للتذوّق من عرقنا. وبتمتعه بالعرق، طلب حسني عواودة ارتشاف بعض كؤوس أخرى، كي يعود ويعايد
صاحب البيت، خالي الكاهن يوسف، وأهل بيته متمنيًا لهم الثراء وطول العمر. استجاب الكاهن يوسف لهذا الطلب أيضا.
بعد ارتشافات إضافية، أصبح حسني عواودة صاخبًا أكثر فأكثر، لدرجة الخوف من
انّ الجلبة التي أقامها ستستدعي شرطة الآداب المسلمة. حسني عواودة طالب بمزيد من المشروب، إلا أنّ خالي لم يُعطه، بل بدأ يحثّه
على الرجوع إلى بيته لأنه سكران.
الحزم مثمر
عواودة لم يستجب فحسب، بل استلّ مسدّسًا من أعماق عباءة الوبر خاصّته،
وهدّد الكاهن يوسف قائلا: إذا كانت حياته عزيزة
عليه فمن الأجدر إعطاء عواودة ألفية، زجاجة ضخمة من العرق، في سلّة عساليج؛
وإلا فإنّه سيقضي عليه، ويأخذ كلّ منتوج
عنب الخليل الموجود في البيت. الكاهن يوسف رفع صلاة
صامتة، حدّق بشجاعة بعواودة الثمل، قفز وخطف المسدّس من يديه المرتعدتين، وأشبعه
ضربًا مبرّحًا حتّى الإغماء. بعد ذلك استدعى أهل
بيته ليأخذوه من هناك على ظهورهم.
منذ ذلك الحادث، أصبح حسني عواودة صديقًا حميمًا لخالي، وحرص على احترام
السامريين.“
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق