مقدمة : الكاتبةُ والأديبةُ
والشَّاعرة المبدعة ( رحاب زريق ) من سكان
سكان قرية "عيلبون" الجليليَّة، تكتبُ الخواطر الأدبيَّة والقصة منذ فترة طويلة ولم تنشر نتاجها الكتابي
الإبداعي الغزير والمتواصل في وسائل الإعلام.. وتنشر البعض منه فقط على صفحتها في الفيسبوك .
صدرَ لها مؤخّرا ثلاث قصص
للأطفال ، وهي :
1 - النملة سبعة . 2 - رسالة من
الطائر المجهول . 3 - الفراشة السوداء .
من إصدار مركز الكتاب والمكتبات في
البلاد - أدب الأطفال العربي) .
سأتناولُ في هذه المقالة قصة " النملة سبعة " مع الإستعراض
والتحليل .
مدخل : تقعُ هذه القصَّةُ ( النملة سبعة )
في 22 صفحة من الحجم الكبير - إصدار مركز
الكتاب والمكتبات في- أدب الأطفال العربي - تأليف الكاتبة رحاب زريق ، رسومات نوار
أبو خضرة - ارشيد، التدقيق اللغوي والتنقيح د. بشارة مرجيّة .
تتحدَّثُ القصّةُ عن خليَّةِ
نمل تعيشُ على طريق من بيدر القرية بوداعة وأمن وسلام ، وكان أفرادُ الخليَّة
يتقاسمون الوظائفَ والأعمال ولكلِّ فرد دوره
ووظيفته الملقاة عليه . فمنهم من قام
بحراسةِ المعسكر ، والبعض كلفَ في
جمع حبَّاتِ القمح والشعير ( غذاء النمل )
وتخزينها لفصل الشتاء عندما يقلُّ الطعام.. وجميع أفرادِ خلية النمل كانوا يعملون ليل نهار وبشكل مستمر وبهمَّة ونشاط . وكانت مواردُ الطعام
قريبة من مسكنهم ( البيدر والقمح ).
وعندما جاءَ أوانُ وموعدُ تفقيس بيوض النمل فقست وخرج منها منها آلالفُ النملات الصغيرة الحجم
وكانت متشابهة في الشكل
وجميلة ومتكاملة سوى نملة واحدة خرجت شاذة عن الجميع حيث خرجت ولها سبعُ أرجل . وكان جميعُ أفرادِ خليَّة النمل ينظرون لهذه النملة بين رفض وشفقة لأنَّ شكلها غريب عجيب فاختلطت المشاعرُ بين مشفق ومتعاطف
وبين محتقر ورافض . وهذه النملة
كانت دائما تنظر لنفسها وتبكي بحرارة
وتعاتب الله لماذا خلقها شاذة عن غيرها من الأتراب وتتساءل: ما هو الذنب
الذي ارتكبتهُ وكيف ستواجهُ
نظرات الإحتقار والإزدراء أو الإستهزاء تجاهها من قبل خلية للنمل،وكيف
ستعيشُ وتتأقلم مع ظروفِ الحياة القاسية وفي هذا الشكل والمنظر الغريب والشاذ . وصادف أن
اقتربت نملة حكيمة ذكيَّة ومتزنة من هذه النملة
البائسة التي تعاني من عقدِ النقص والتشوُّهِ الخلقي وقالت لها : لا تبكي ولا تلومي القدرَ فأنت خليقةُ الله، وفي
خروجكِ للحياةِ على هذا الشكل
الغريب والملفت للأنظار
حكمة وشأن ٌ كبير في المستقبل فيجب أن
تخففي من أحزانك ولا تتعقدي من منظرك
وشكلك الخارجي وتابعي مسيرة حياتك
بشكل طبيعي لأنه لا أحد في هذا
الكون يستطيع وبإمكانه أن يختارَ
شكله وخلقته أو يغيِّر ما قدَّرَ لهُ الله .
وقد أصغت النملةُ سبعة الشاردة في
تفكيرها والبائسة لكلام النملةِ الحكيمة
واقتنعت به وكان لهُ وقعٌ عظيم في
نفسَّتِها . والنملةُ سبعة هو اسمُها
الجديد الذي
أطلقهُ الجميعُ عليها لأنّ لها سبعةُ أرجل .. وكان هذا الإسم من باب
التحَبُّب ومن باب والغضب والسخرية أيضا . والنملة سبعة قد قبلته بدورها مرغمة ولم تكن تحبّ هذا اللقب لأنه يذكرها دائما بعجزها
واختلافها عن باقي أفراد الخليَّة .
رضيت النملةُ سبعة بنصيبها وبما
سطرهُ لها القضاءُ والقدر،وكانت أحيانا تنظر لزميلاتها وأترابها النملات بحيرة وحسد
على منظرها الطبيعي المتكامل، وألقت اللومَ والعتاب
على القدر الذي لم
ينصفها أبدا...ولأجل تخفيف
هول وصعوبةِ الوضع الذي تعيشه اتبعت نصائح النملة الحكيمة .. وحاولت كثيرا أن
تنسى إعاقتها ( خلقت بسبعة أرجل ولها رجل زائدة ) وأن تتقدمَ وتنظر إلى الأمام .
وحدث في إحد الأيام أن جمعت
النملات كميات كبيرة من القمح أضعاف ما
كانت تجمعة في عدةِ أيام ، وبمناسبة هذا
الحدث السعيد والعظيم ، قرَّرَ مجلسُ النمل
أن يقيمَ حفلة راقصة تكريما لأفرادهِ النشيطين على هذا النشاط والإنجاز الكبير.
وهذا كان أمرا مالوفا ومتبعا ومتفقا عليه
بين أعضاء خلية النمل .
وأقيمَ احتفالٌ رائعٌ ورقصت فيه النملاتُ بفرح
وطرب،وكان للنملةِ سبعة أيضا نصيب ودور كبير في هذا الإحتفال أسوة بأترابها من خلية النمل . وبدأت ترقصُ ولكنها لم تُتقن وتحسن أداءَ الرقص وفشلت في هذه المهمَّة ، لأنَّ رجلها السابعة
الإضافيّة حالت دون تناغم
وتناسق حركات الأرجل عند الرقص ..
فبدت كأنها تدبُّ دبًّا .. وحاولت تجاهلَ وجودِ رجل سابعة لها ولكنها فشلت أيضا ، ولم تجدها وتنفعها المحاولات العديدة في متابعة الرقص
. وبعض النملات
نظرت إلى النملةِ سبعة
بضحك واستهزاء، والبعض نظر بحزن
وشفقة. ولم تستطع النملة سبعة تحمُّلَ نطرات الإحتقار والسخرية، ونظرات
الشفقة والرأفة، فتركت احتفال جموع النمل وولت
هاربة بعيدا واختبأت بجانب حجر وبدأت تبكي بحرقة بحرارةٍ، ثمَّ قامت ونشفت دموعها بعد ذلك ورجعت للمعسكر، وعاهدت نفسها قبل أن تنام أن لا
تشترك في أية مناسبة جماعية لخليةِ النمل لكي لا تتعرَّض للإهانةِ مرة أخرى . وأما باقي النملات فقد احتفلن حتى ساعات متأخرة
من الليل ، وقد أنسى جوُّ السعادةِ والمرح والفرح النملات ولم تنتبه أيةُ نملةٍ وتلاحظ غيابَ النملة " سبعة " . وبعد
الإحتفال رجعت النملاتُ إلى المعسكر وهنَّ منهكات
القوى من الرقص ونامت نوما عميقا .
وفي الصباح ذهبت النملاتُ للبيدر
لكي تجمعَ حباتِ القمح والشعير، وكان الحديثُ بين الجميع يدورُ عن أحداثِ الليلةِ الرائعة، وكلُّ نملةٍ
منهنَّ تتحدثُ بدورها وتصفُ الحدثَ ( صفحة 13) . وقد أجمعَ الجميعُ على أنهُ الحدثُ الأجمل
والأحلى والأنجح . وأما النملة سبعة فسارت بصمتٍ
وهدوء ولا تشاركهنّ في الحديث ،
وكانت تتسلى بتسلق كلِّ حجر تمرُّ به
ويساعدها في ذلك رجلها السابعة ( الإضافيَّة)..الرجل اللعينة التي حوَّلتها
إلى مختلف محتقر(على حدِّ قول الكاتبة ) مع أن هذه الرجل
أضافت إلى قوَّتِها قوة، جعلت باقي النملات ينظرن إليها بحسد مع أنهن قد سخرن
منها في الليلة السابقة، عندما كانت ترقص
ولم تتقن الرقصَ . وأثناء السير كانت تراقبها إحدى النملات بغيرة وحسد
وبدأت تقلد حركات وتصرفات النملة سبعة ظانة منها أن ما
تفعله النملة سبعة الغريبة هو سهل وهين وباستطاعتها
اتقانه بشكل أفضل .. فتسلقت بدورها الحجر بكلِّ قوتها هادفة للوصول إلى أعلاه وفجأة انزلقت أرجلها الضعيقة وسقطت على للحجر، فمالَ وانقلبَ على رجلها فسحقَها وقطعها عن جسدِها فصاحت هذه النملة
وبكت من شدة الألم ، ونظرت إليها النملة سبعة بشفقة
وحزن، وحزَّ في نفسها أنها كانت
السَّبب لكلِّ ما حصل . وتألمت كثيرا لمصير
هذه النملة التي سُحِقت رجلها (
صفحة 16) . هذا وقد حملت النملاتُ النملة المصابة واسرعت بها إلى أشهر وأمهر أطباء النّمل، ولم ينجح الطبُّ الخارق
في إعادة الرجل المحطمة المسحوقة إلى مكانها ووضعها الطبيعي في جسم النملة
وينقذها من عاهة دائمة. وقال الطبيب : إن
الرجل مسحوقة تماما وليس بإمكانه أن يفعل شيئا في هذه الحالة،وكانت
النملة سبعة تقف بين جموع النمل وتنظر باهتمام سماع خبر يطمئنها عن صحة النملة
المصابة . وعندما سمعت قول الطبيب صاحت بصوت عالٍ:لدي رجل إضافية ولست
بحاجة لها وبإمكاني تقديمها للنملةِ
المصابة وأنا في نفس الوقت أستريح من عبء رجلي
الزائدة علي ومن شقائي
ومعناتي بوجودها .
لقد تعجَّب الطبيب واستغرب
من كلام النملة سبعة وناداها ليفهم بالضبط
فحوى كلامها الذي بدا
كأنه لغز . وعندما نظر الطبيبُ إلى النملةِ سبعة
أصيبَ بالإستغراب والدهشة وقال :
يا للعجب سبع أرجل للنملة أهو القدرُ الذي أوجدها
لهذا الحادث، أم الحكمة الإلهيَة؟! أم أنهُ
صدفة؟!
. وشكرَ الطبيب النملة سبعة على شهامتها وتضحيتها ، وأجرى عملية سريعة للنملة للمصابة والمسحوقة رجلها لأن الوضع لا
يتحمل التأخير، فقام بقطع الرجل السابعة للنملة
سبعة وأوصلها بجسد النملة
المصابة ولحسن الحظ نجحت العملية،
فخرجَ الطبيبُ فرحا مبتهجا يبشّرُ الجميعَ بنجاح العمليَّة
الطبيَّة ، فصاحت جميعُ النملات بصوت عالٍ
: (عاشت "سبعة" البطلة...عاشت... عاشت ) .وبعد ذلك التاريخ والحدث بدأت تعيشُ النملةُ سبعة كباقي أترابها النملات
وتهنأ بالرقص مع زميلاتها، وتمارس حياتها
بشكل طبيعي كجميع افراد خلية النمل،وتشعرُ بالفخر والإعتزازالذي قدمتهُ في سبيل أنقاذ
زميلتها النملة التي تحطمت رجلها .وكانت كلما تجلس لوحدها تتذكر ما كانت تقوله لها
النملة الحكيمة سابقا من
كلام كله حكم تشجيع وتعزية لها فيزيدادُ احترامها
ومحبَّتها وتقديرها لها . وأما باقي افراد خلية النمل قد تغيرت طريقة
تعاملهم لها وأصبحت النملة سبعة في نظر الجميع مثالا
ونموذجا ورمزا للعطاءِ وللتضحيةِ والفداء وقصة خالدة رائعة في الحياة تعلموا منها الصبر والجلد والدروس الكثيرة
والعبر . وأما النملة سبعة فأصبحت
تعيش بعد ذلك الحدث
بهناء وسعادة وقد رفضت تغير
اسمها من سبعة إلى اسم آخر ليبقى عبرة لمن
اعتبر . . وتنتهي القصة على هذا النحو نهاية سعيدة .
تحليلُ القصَّة : كُتِبَت هذه القصةُ بأسلوب جميل شائق وشفافٍ لجيل
الطفول المتقدم (فوق ال 9 سنوات ) وبلغةٍ
فصحى جميلة وسهلة وبطابع
أدبي مُنمَّق وساحر ومترع بالصورالشعرية
وبالتعابير البلاغية الأخّاذة . والقصة
بالإضافةِ لكونها ترفيهيَّة كُتبت لتسليةِ
للطفل ولترفيههِ
ولمتعتهِ، وهي تصلح لجميع أجيال ومراحل الطفولة وللكبارأيضا فإننا نجد في
طياتها ومساحاتها أبعادا ومواضيع وأهدافا هامّة
، مثل :
1 - الطابع الفني والأدبي .
2 - الجانب الإنساني والإجتماعي...حيث يظهرُ في
القصَّةِ جوُّ المحبةِ والسلام والتعايش المشترك والتعاون بين
الجميع والتضحية من أجل الغير، وكلُّ فرد يضحِّي بنفسه من أجل الجتمع .. وتعطينا القصَّةُ صورة مشرقة
ومشعّة للمجتمع المثالي .
3- عنصر الحكمة والفلسفة . القصَّة بحدِّ ذاتها كلها تنضحُ وتشعُّ بالأهداف
وبالمعاني الفلسفيّة وبالدرر النفيسةِ من الحكم
والمواعظ ( وخاصة
في الحوارالذي يدور بين النملة الحكيمة والنملة سبعة )
4 - عنصر الإيمان بالقضاء والقدر . ويظهرهذا في جميع فصول وأحداث القصة ،ومفادُ القصة أنهُ يجبُ على
الكائن الحيِّ مهما كانت ظروفه وأحواله
وحجم مأساته ومعاناته أن يرضى بالقضاء
والقدر وأن لا يعترض على إرادةِ الله، والله لهُ حكمة وهدف في كل
شيىء يخلقه ويبدعه. وكلُّ شيىء في الوجود وفي
هذه الحياة لهُ
فائدة
وقيمة وعلى الإنسان ألا
يحتقر الغير ويتعالى على من هم أقل منه منزلة من ناحية جسدية أو قدرات
ومجالات أخرى . والجديرُ بالذكر أنَّ
أكثرَ الأشخاص في كلِّ
مجتمع لهم قدرات ومواهب وطاقات فذة
إبداعية جبارة ورهيبة في شتى المجالات : الفنية والعلمية والأدبية وغيرها
هم الذين يعانون من إعاقات جسدية وتشوهات خلقية .. ووضع وحالة النملة سبعة هو
أكبر مثال ونموذج لهذا الأمر .
5- العنصر والجانب الترفيهي والتسلية .إنَّ القصة كلها مسلية وممتعة وتشدُّ
اهتمامَ القارىء سواء كان كبيرا أو صغيرا لمتابعةِ القصة قراءة أواستماعا. وتجعلهُ
يدخل أجواءَ القصة وأحداثها بشكل لا شعوري وينسجم مع مجرى
الأحداث ويشطح بهِ خياله للداخل
وللعمق ولكل مشهد وحدث
وينسى للحظاتٍ وَلدقائق عالمَهُ
وواقعه ويعيش جوَّ وعالمَ القصة بكلِّ
تفاصيلها وتشعُّباتها وتموُجُّاتِها .
6 - عنصر الخيال ) الفانتازيا ) وهذا
من العناصر والأسس الهامَّة للقصة الإبداعية الناجحة سواء كانت للصغار أو للكبار . والقصة
هذه بحد ذاتها بجميع أحداثِها ومشاهدها تتّسمُ
بالطابع الفانتازي الخيالي الجميل والبريىء .
7- عنصر التشويق . القصة كلها مشوقة وممتعة وغنية بأهدافها وأبعادها المذكورة أعلاة والتي تجعلُ القارىءَ
مهما كانت نوعية ومستوى تفكيره
وثقافته وسنِّهِ ( كبيرا أو صعيرا ) أن يتلهفَ ويتشوق كثيرا لمتابعةِ القصة ولمعرفةِ ماذا سيحدث ويجري من مشاهد وأحداث مع شخصيات
وأبطال القصةِ مع أنها كتبت على لسان الحشرات( خليَّة النمل). وهذه القصةُ تذكرنا
وتعيدُ إلى أذهاننا كتاب ( كليلة ودمنة * ) الذي ترجمهُ
الكاتبُ والأديبُ الكبير( عبد الله بن المقفع ) من الفارسية الى العربية في العصر
العبَّاسي وأضاف إليه بعض القصص من عنده وهو على لسان الحيوانات،
وكان الهدفُ منه انتقاد نظام الحكم آنذاك،
وبالذات الخليفة العباسي وكبار رجال السلطة والمقربين من الخليفة .
إن
هذه القصة ( النملة سبعة ) ناجحة جدا وأنا أعتبرها من أجمل وأرقى قصص الأطفال التي
صدرت محليا ويحقُّ لها أن تترجم للغات الأجنبية وَتُدرَّسَ في المدارس وأن يكتبوا عنها الدراسات النقدية المطولة .
وأخيرا : أهنىءُ
الشَّاعرة َ والكاتبة والأديبة القديرة والمبدعة الزميلة ( رحاب زريق ) على هذ الإصدار
النفيس والراقي وأتمنى لها إصدارات أخرى
كثيرة قريبا في
مجال قصص الأطفال وغيرها من
المجالات الأدبية الأخرى .
( بقلم : :حاتم جوعيه - المغار -
الجليل )
........................................................................................
*1 كتاب ( كليلية ودمنة ) - تأليف : عبد الله بن المقفع -
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق