ستتعامل الإدارة الأميركية القادمة حسب الفلسفة النفعية Utilitarianism وحيدة الجانب، حسب معطيات ما يسود هناك من “عبادة المال” Cult of the Dollar، واعتمادًا على معادلة المنفعة/الضرر، أو على معادلة اللذة/الألم، التي أرسى أسسها الفيلسوف البريطاني “بنثام”، ثم كرسها الفيلسوف البريطاني “جون ستيوارت ميل” Mill. وسيعتمد هذا الأساس غير المألوف السياسة الأميركية الدولية، خاصة إذا ما صدقت التوقعات بتسليم “ميت رومني” حقيبة الخارجية، باعتباره “مليارديرًا” هو الآخر.
أ.د. محمد الدعمي
عندما انتقى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، اثنين من أصحاب المليارات لتسنم حقائب وزارتي التجارة والاقتصاد، يكون الرجل قد دشن عصرًا جديدًا في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، بل وفي تاريخ العالم برمته. هذا هو عصر حكومة الأثرياء الذين سيتسلطون على الإدارة الأميركية القادمة اعتبارًا من بداية الشهر يناير القادم، 2007. وهم الذين سيؤثرون على بقية أنحاء العالم، بطبيعة الحال، اعتمادًا على ثقل الدولة التي سيحكمونها.
لست أبالغ بإطلاق لفظ “عصر” على ابتداء عهد يكون فيه رئيس الهرم الإداري، دونالد ترامب، ذاته من أصحاب المليارات. يلقي تكهني أعلاه الضوء على ما كان الاشتراكيون يكررونه حتى بداية القرن الحادي والعشرين، من أن الولايات المتحدة ستقدم أنموذج سلطة الأثرياء، وهي قمة سلطة رأس المال، بكل تأكيد. والمعنى النهائي لذلك، بالنسبة لسواها من دول العالم الصديقة وغير الصديقة، هو أنها لن تواجه “واشنطن” السابقة، التي تقدم أهدافها في الهيمنة السياسية على الاقتصادية المباشرة عبر سياساتها مع حكومات دول العالم. لذا توجب التحسب والتحوط لأسلوب صناعة القرار الأميركي ابتداءً من العام القادم، لأنه سيكون قرارًا “ماليًّا” و”اقتصاديًّا”، بامتياز.
ستتعامل الإدارة الأميركية القادمة حسب الفلسفة النفعية Utilitarianism وحيدة الجانب، حسب معطيات ما يسود هناك من “عبادة المال” Cult of the Dollar، واعتمادًا على معادلة المنفعة/الضرر، أو على معادلة اللذة/الألم، التي أرسى أسسها الفيلسوف البريطاني “بنثام”، ثم كرسها الفيلسوف البريطاني “جون ستيوارت ميل” Mill. وسيعتمد هذا الأساس غير المألوف السياسة الأميركية الدولية، خاصة إذا ما صدقت التوقعات بتسليم “ميت رومني” حقيبة الخارجية، باعتباره “مليارديرًا” هو الآخر. لذا يتوجب على ولاة الأمر في دول العالم الأخرى اصطحاب حاسباتهم معهم في أي شكل من أشكال التحاور أو التفاوض مع “أميركا الجديدة”، فالمسألة غدت مسألة ربح وخسارة فحسب.
وإذا ما كانت إدارة أصحاب المليارات القادمة لاعتلاء سدة الحكم هناك قد شكلت تعقيدًا جديدًا ووجع رأس من نوع جديد بالنسبة لدول العالم الأخرى، فإن علينا أن نلاحظ بأن هذا النمط، الأول من نوعه، في تاريخ الإدارة الأميركية، إنما يشكل تعقيدًا شائكًا، من نوع آخر، داخل الولايات المتحدة ذاتها، إذ تشتد سخونة المناقشات اليوم حول كيفية مد خط فاصل، واضح المعالم، بين “دونالد ترامب” رجل الأعمال الأسطوري الثروة، من ناحية، وبين “دونالد ترامب” رئيس الولايات المتحدة. أي بين مصالح الدولة الأميركية، وبين مصالح شركات ومشاريع الرئيس المالية والاقتصادية. وللمرء أن يستذكر، في هذا السياق، بأن لترامب شبكة أخطبوطية من المصالح الاقتصادية عبر جميع دول العالم تقريبًا: ابتداء من الصين وروسيا، مرورًا بدول عربية عدة، وانتهاءً بتركيا والمسكيك. تضني هذه المسألة المعقدة رجال الحكومة والمتخصصين بحماية الدستور، خاصة وأن هذه الوثيقة الأساس تمنع صدام مصالح رجل الأعمال مع مصالح “الأمة”. يدعي ترامب بأنه سيتمكن من الإمساك بالعصا من الوسط، أي التوازن بين إدارة أقوى دولة في العالم، وبين إدارة مصالحه الاقتصادية والمالية عبر القارات، دون أي ارتباك أو تداخل. ولتطمين القلقين من أولي الأمر هناك، أعلن ترامب بأنه سيحيل أمر إدارة شركاته إلى أفراد أسرته في البداية، أي إلى أبنائه وبناته. إلا أن المراقبين يعجزون عن رسم خريطة سياسة أميركية لا تتدخل ولا تتقاطع مع مصالح رئيسها. هذه معضلة حقيقية، قد لا تتبلور إلا عندما يشعر المواطن الأميركي بأن سياسة بلاده لم تعد تخدم مصالحها ومصالحه عامة، من أجل أن تتناغم فقط مع مصالح رجل واحد يحتكر سلطة صناعة القرار من داخل البيت الأبيض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق