ترجمة حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
דויד גרוסמן, חבּוק. תל–אביב,
הדפסה עשרים, 2015. طبعة أولى ٢٠١١،
رسومات بقلم رصاص: ميخال روڤْنِر.
الصفحات (وعددها ٢٩) غير مرقّمة، النصّ مكتوب بخط اليد ومنقّط تنقيطًا كاملًا،
اللغة عادية وفيها مسحة من العامية
في بعض المواضع.
يُعتبر دفيد غروسمان (١٩٥٤ـــ)،
المقدسي المولد، من أشهر الكتّاب اليهود في اللغة العبرية
في إسرائيل وفي العالم. أبوه يتسحاك،
بولندي الأصل، وأمّه ميخائيله ابنة البلاد. دفيد الذي خدم في المخابرات العسكرية،
نشيط في قضية السلام الفلسطيني-الإسرائيلي، متزوّج له ولدان الآن، إذ أنّ ابنه
’أوري‘ قُتل في حرب لبنان الثانية
عام ٢٠٠٦. غروسمان يحمل شهادة الـ ּ.B. A في موضوعي الفلسفة
والمسرح من الجامعة
العبرية منذ العام ١٩٧٩، عمل في إذاعة ”صوت إسرائيل“ مراسلًا، وممثّلا ومقدّم برنامج. إنّه يكتب لكلّ الأجيال، وتتّسم كتابته بحسّ نفسي واجتماعي مرهف، ويمتزج فيها الواقع بالخيال. تُرجمت مؤلّفاته للغات كثيرة، قرابة الثلاثين
لغة، وحاز على جوائز كثيرة ورُشّح لجائزة نوبل على كتابه ”وقع خارج الزمن“. من كتبه نذكر: ابتسامة الجدْي؛ أنظر مادّة ”حبّ“؛ الزمن الأصفر (ترجمه إلى العربية: محمد حمزة غنايم، كفر قرع:
دار الشفق، ١٩٨٨)؛ كتاب القواعد
الداخلي؛ حاضرون غائبون؛
لتكن لي السكّين؛
شخص للركض معه؛ إني فاهمة الجسد؛ امرأة تهرب من البُشرى؛ يقع خارج الزمن (حول ابنه أوري، قائد دبّابة)؛ حصان يدخل البار؛ سلسلة قصص إيتمار؛ لغة أوري الخاصّة؛ لا تهتمي يا روتي. نُقل أرشيف كتاباته
في خريف العام ٢٠١٥ إلى رفوف المكتبة الوطنية والجامعية
في الجامعة العبرية
في القدس.
ּ
”أنتَ حلو“،
قالت أمّ ابن، عندما راحا للتنزّه
في الحقل قبل الغروب.
إنّك نغش لدرجة، لا مثيل لكَ في العالم كلّه.
حقًّا، لا مثيلَ لي؟ سأل الابن.
هذا واضح، قالت الأمّ ”أنتَ واحد ووحيد!“
تابَعا المسير ببطء.
حلّق فوق رأسيهما
سِرب كبير من اللقلق، هاجر إلى بلاد أخرى.
ولكن لماذا؟ سأل الابن ووقف:
لماذا لا نظيرَ لي في العالم كلّه؟
”لأنّ كلّ واحد هو وحيد وخاصّ“، ضحكت الأمّ وجلست على الأرض.
”تعال اجلس بجانبي“، قالت.
وكذلك صَفَرت لكلبتهما، ’عجب‘،
للجلوس معهما.
”إنّي لا أريد أن أكون هكذا وحيدًا في كلّ العالم! “، قال الابن.
”لِمَ لا؟ إنّه رائع أن تكون هكذا، هكذا فريدًا من نوعه!“، قالت الأمّ.
”ولكن أنا هكذا وحيد“، قال الابن.
”أريد أن يكون لي مثيل“.
”إنّك لستَ وحدك“، قالت الأمّ.
”إنّي معك، وأبوك معك أيضا“.
”تعال، اجلس بجانبي“، قالت،
”أُطبز، ضعِ القفا على الأرض“.
الابن لم يجلس. أصبحت عيناه فجأةً كبيرتين وعميقتين.
”ماذا، ولا نظيرة لك أنتِ أيضًا في العالم كلّه؟“
”لا، لا يوجد،“
قالت الأمّ.
”إذن، أنتِ أيضًا وحيدة؟“
”أبدًا لا، عندي أنتَ وأبوك ..“
”لكن، لا أحد مثلك بالضبط، مَخْلق منْطَق؟“
”هذا، غير موجود،“
قالت الأمّ.
”إذن أنتِ لوحدِك،“
قال الابن.
”ماذا، لست وحيدة، لك فقط؟“
ابتسمت الأمّ ورسمت بإصبعها دوائر على الأرض،
”أنا قليلًا لوحدي، وقليلًا
مع الكلّ...“
… وهذا جيّد بالنسبة لي، أن أكون قليلًا هكذا وقليلًا هكذا.“
بدأت الشمس في الغروب، وغدت السماء حمراء تقريبا.
”إني أشعر بالوحدة،“
قال الابن بهدوء.
”ولكن يا حبيبي،“
قالت الأمّ ، ”أنا معك!“
”ولكن أنتِ لستِ أنا!“
صمَتا. كان الهواء مفعمًا برائحة زكية، رائحة التراب والعشب،
وطنين ذبيبات وحشرات صغيرة، رقصت وطارت في كلّ مطرح.
الابن ربّت الكلبة التي ربضت بجانبه: ”عجب أيضا؟“، هو سأل.
”ماذا، عجب أيضا؟“، سألت الأمّ.
”أهناك واحدة مثلها فقط في العالم كلّه؟“
”نعم“، قالت الأم وربّتت هي أيضا
فروةَ عجب الغضّةَ،
”هناك عجب واحدة كهذه في العالم كلّه“
على الأرض، بجانب أرجُل الابن والأمّ ، مشى نمل.
قافلة طويلة من النمل، ربّما ألف نملة.
كانت كلّ واحدة شبيهة جدّا بالأخرى،
حقًّا ألف توأم من النَّمْل.
ولكن عندما نظر الابن عليها عن كثب، لاحظ أن هناك نملة واحدة
تسير بسرعة، ونملة أخرى تمشي ببطء،
وأخرى تحاول جاهدةً جرّ ورقة كبيرة،
وأخرى تجرّ حُبيبة فقط. وكانت هناك نملة واحدة
صغيّرة، تعدو إلى الأمام، وإلى الخلف بجانب القافلة.
ظنّ الابن
أنّها ربّما فقدت والديها، وهي تبحث عنهما.
”سأل: هذه النملة، هنا، تعلم أنّ هناك واحدة، لا غير مثلها في كل العالم؟“
والأمّ قالت:
”إنّي لا أستطيع معرفة ذلك.“
فكّر الابن قليلًا،
ثم سأل:
”لأنّكِ لست هي؟“
”لأنّني لستُ هي،“
أجابت الأمّ.
أخيرًا، عادت النملة الصغيّرة إلى داخل القافلة،
وسارت سويةً مع سائر النمل.
ظنّ الابن، قد
تكون النملتان الكبيرتان
السائرتان بجانبها والديها.
وسأل: ”إذن، من كلّ واحد في العالم،
هناك واحد فقط؟“
”من كلّ واحد، يوجد واحد فقط،“
قالت الأمّ.
”إذن كلّ واحد، الكلّ، لوحدهم؟“
”الكلّ لوحدهم قليلًا، ولكنّهم
معًا أيضا.
إنّهم لوحدهم، ومعًا في آن واحد“.
”كيف يجوز الوجهان، هذا وذاك؟“
”ها أنت واحد ووحيد،“ قالت الأمّ،
”وأنا كذلك واحدة ووحيدة،
ولكن إن عانقتك الآن،
فلن تكون وحيدًا،
وأنا لن أكون وحيدة،“
”إذن عانقيني،“ قال الابن، واستند إلى أمّه.
الأمّ ضمّته إليها، أحسّت أن قلبه ينبض بقوّة.
والابن أيضًا أحسّ بقلب أمّه.
عانقها بكل ما أوتي من قوّة.
”الآنَ، لستُ لوحدي،“
فكّر في نفسه، وهو في قلب العناق،
”الآنَ، لست لوحدي، الآنَ لستُ لوحدي.“
”ألا ترى،“ همست له الأمّ،
”من أجل هذا بالضبط أوجدوا العِناق.“
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق