السبت، 30 يناير 2016

انماط تكرار من تاريخ مشكلة “كاكا” العراقي (3) للطباعة ، بقلم البروفيسور محمد الدعمي



لم يقد استغلال القوى الأجنبية التنافسات الكردية البينية إلى تبلور نمط تكرار تاريخي مهم فقط، وإنما قاد بدوره الحاسم إلى تشكيل أحداث كبرى في تاريخ الكرد الحديث، مع إشارة خاصة إلى معطيات سقوط الدولة العثمانية، وتدهور الدولة القاجارية في إيران، ثم ولادة الدولة العراقية الجديدة على نحو شبه متجايل. وكانت النتيجة المأساوية النهائية لمستجدات هذه المتغيرات التاريخية المهمة هي أن وجد الكرد أنفسهم ممزقين بين الدول الأربع سابقة الذكر، أي العراق وتركيا وسوريا، للأسف.
نظرًا لترحيب القيادات القبلية والدينية الكردية، في شمال ما يعرف اليوم بــ”العراق”، بالقوات البريطانية الغازية (كركوك، 1918)، ذلك الترحيب الذي أُلحق بعرض هذه القيادات حكم إقليمها على السلطات البريطانية طوعًا. لذا عمدت السلطات البريطانية الغازية إلى إنتقاء شخصية كردية بارزة، الشيخ محمود البرزنجي، ليضطلع بالعمل حاكمًا عامًّا على “كردستان الجنوبية” (1918)، نيابة عن التاج البريطاني. علمًا أن هذا هو ذات الإقليم الذي يتشكل منه إقليم “كردستان العراق” اليوم.(5)
ولكن بعد أن لاحظت السلطات البريطانية تخطي طموحات البرزنجي القومية والسياسية الحدود المسموح بها، أي تطلعه لإعلان الاستقلال بمنطقة نفوذه، عمدت هذه السلطات على استثمار حال التبرم والاحتجاج والفوضى التي استشرت في الإقليم بين السكان المحليين آنذاك، معتمدة رفض قادة كرد منافسين إعلان البرزنجي الاستقلال بالإقليم أعلاه فيما بعد (مايس، 1919)، بهدف لجمه وبتره. ومن أجل تحطيم حلم البرزنجي الاستقلالي كاملًا على المدى البعيد، عمدت السلطات البريطانية إلى إلقاء القبض عليه، ثم إلى نفيه الى بلدة الناصرية، جنوب العراق اليوم.
لم يقد استغلال القوى الأجنبية التنافسات الكردية البينية إلى تبلور نمط تكرار تاريخي مهم فقط، وإنما قاد بدوره الحاسم إلى تشكيل أحداث كبرى في تاريخ الكرد الحديث، مع إشارة خاصة إلى معطيات سقوط الدولة العثمانية، وتدهور الدولة القاجارية في إيران، ثم ولادة الدولة العراقية الجديدة على نحو شبه متجايل. وكانت النتيجة المأساوية النهائية لمستجدات هذه المتغيرات التاريخية المهمة هي أن وجد الكرد أنفسهم ممزقين بين الدول الأربع سابقة الذكر، أي العراق وتركيا وسوريا، للأسف.
من هذا التعقيد الشائك، أطلق الكرد كفاحهم طويل الأمد والمشوب بالعذابات والتضحيات من أجل بلوغ الحكم الذاتي في الدول التي ينتمون إليها، كخطوة على طريق الاستقلال يومًا ما، بعد أن خذلتهم القوى الكبرى بالطريقة الفجة وغير المنصفة التي تمت الإشارة إليها أعلاه، جامعين بين الدبلوماسية والحوار، من جهة، وبين حركات التمرد المسلحة، من جهة ثانية، في سياق نضالهم الماراثوني من أجل التحرر من الدول التي ضموا إليها، قسرًا وتعسفًا. وفي سبيل تجنب حملات الإبادة التي أطلقتها حكومات الدول أعلاه مع ما رافقها من ممارسات قاسية وتآمر، كعمليات التطهير العرقي والنفي والاحتواء القومي، اضطرت بعض القيادات الكردية إلى التغطية على هدفها لبلوغ الاستقلال القومي في دولة كردية، لائذة بالمطالبة بحقوق مؤقتة، قابلة للتلبية وللتفاوض مع حكومات الدول المعنية، وهي الحقوق المبررة وغير الاستفزازية للحكومات المعنية، من نوع الحقوق الثقافية والحقوق اللغوية، خاصة في مجالات الإعلام والتربية والتعليم. كان الغرض من هذه المطالبات المحدودة، والحال هذه، انتقاليًّا مؤقتًا، بالتأكيد.

الجمعة، 29 يناير 2016

صدر حديثا : أَنْسـامٌ عـذبـة للكاتب العراقي جمال حكمت عبيد








عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة؛ صدرت المجموعة القصصية « أَنْسامٌ عذبة » للقاص والكاتب العراقي المقيم في هولندا "جمال حكمت عبيد" .
المجموعة تقع في 144 صفحة من القطع المتوسط، وتتضمن تسعًا وعشرين قصة قصيرة وخاطرة متنوعة، غلبت عليها أجواء الغربة وأوجاع الانسلاخ عن الوطن، فكانت لغة السرد تقطر ألمًا ولوعةً وتمزج في أحيانٍ كثيرة بين الخاطرة والقص معبرة عن تداعيات النفس وخلجاتها ولواعجها.
الغربة في قصص "جمال حكمت عبيد" تجاوزت بعدها المكاني، إلى أبعاد نفسية وروحية تتقاطع مع كافة التفاصيل الحياتية، يلتقطها القاص ليصيغها بلغة شجن بسيطة رقيقة، فاعتمدت معظم قصص المجموعة طريقة السرد الذاتي ، حيث يلجأ القاص فيها إلى سرد الأحداث مستخدمًا ضمير المتكلم، ويقدِّم الشخصيات من خلال وجهة نظره الخاصة... كما اتبع القاص الطريقة الكلاسيكية في بناء الحدث من خلال التسلسل المنطقي من البداية ثم التصعيد ثم النهاية.
« أَنْسامٌ عذبة » مجموعة قصصية تستحق القراءة والتأمل، واكتشاف جمالية القصص وروعتها.

من قصص المجموعة :
        صانعة الابتسامة / رائحة الحرية / لمسة إصبع / أحلام تحت سحابة سوداء
        خربشة عند الفجر / صور متشابكة / طائر اللقلق / سنة سعيدة وأمنيات        رحلة مع الموسيقا / ذاكرة مرمية / نبض الضمير / ساحة التحرير / سارتر






 

جمال حكمت عبيد
noornoor12@hotmail.nl 


قاص وكاتب عراقي مغترب، من مواليد بغداد، عام 1958م
• حصل على شهادة بكالوريوس زراعة، عام 1980 م
• لم يمارس مهنته لكثرة الحروب التي وقعت فيها بلاده.. وقضى عشر سنوات في الخدمة العسكرية في جبهات القتال.
• كان متنفسه الوحيد في مواضع القتال قراءة الروايات والقصص
• هاجر إلى هولندا عام 1998 بعد أن دكَّ بلده الحصار الاقتصادي الأمريكي
• كتب أولى قصصه في العام 2003 ونشرها في أحد المواقع الإلكترونية عام 2005
• عضو رابطة الأدباء والصحفيين والفنانين الصابئة المندائيين.
• صـدر لـه :
               - أنسامٌ عذبـة
: مجموعة قصصية . شمس للنشر والإعلام، القاهرة 2016م
 
              - لديه عدة كتب أخرى مخطوطة
 

- البريد الإلكتروني: noornoor12@hotmail.nl
 

الدكتورة والاديبة سناء الشّعلان تشارك في مؤتمر عالميّ في تايلند


 

      باسم الجامعة الأردنيّة شاركت الأديبة الدكتورة سناء الشّعلان في الدّورة التّاسعة من المؤتمر العالميّ " IX Congreso Internacional de la Asociación Asiática de Hispanistas" " المعقود في العاصمة التايلنديّة بانكوك في الفترة الممتدّة بين 22-24 يناير عام 2016 بحضور نخبويّ وأكاديميّ وإعلاميّ ودبلوماسيّ من أنحاء العالم،وهو مؤتمر يُعقد بشكل دوريّ كلّ ثلاثّ سنوات،وهو يقام هذا العام بمناسبة مئويّة  تأسيس جامعة تشولالونغورن " " chulalongkorn university التايلانديّة التي استضافت المؤتمر في هذه الدّورة منه بالشراكة مع كليّة الآداب فيها/قسم اللّغة الإسبانيّة والمعهد الثّقافي الإسبانيّ في بانكوك،ومركز الدّراسات اللاتينيّة،ووزارة الخارجيّة التّايلانديّة

  وهذه المرّة الأولى التي تُشارك الجامعة الأردنيّة في هذا المؤتمر،ممثلة مشاركتها في مشاركة الدكتورة سناء الشّعلان،إلى جانب 200 مشاركة عالميّة من شتّى أنحاء العالم امتدّت جلساتها على امتداد نهارات المؤتمر في الفترة من 22-24 من شهر يناير 2016.  وقد عبّرت الشّعلان عن فخرها بهذه المشاركة التي تمثّل بلدها وجامعتها فيها،مشيرة إلى أملها في أن تشارك الجامعة الأردنيّة في الدّورة المقبلة من المؤتمر التي ستعُقد بعد ثلاث سنوات في اليابان.

 
 
 
 
 

- الشَّاعِرَة والمُعَانَاة


( في الذكرى السنويَّة على وفاة الشاعرةِ الفلسطينيَّة الكبيرة " فدوى طوقان"


                 (  بقلم  حاتم  جوعيه  - المغار  -   الجليل ) 

 




 

 

نفسي      مُوَزَّعة ٌ    مُعَذ َّبَة ٌ            بحَنينِهَا     بغموض ِ    لهفتِهَا

شَوق ٌ إلى  المَجهُول ِ يدفعُهَا             مُتقحِّمًا     جدرانَ     عِزلتِهَا 

شوق ٌ  إلى ما  لستُ   أفهمُهُ             يدنو  بها  في  صمتِ وحدتِهَا

أهيَ  الطبيعة ُ صاحَ  هاتفها             أهيَ   الحياة ُ   تهيبُ   بابنتِهَا

ماذا  أحِسُّ ؟  شُعورَ   تائهةٍ             عن  نفسِهَا    تشقىَ   بحيرتِها  

 

  عندما أتحدَّثُ عن هذه الشَّخصيَّةِ أشعُرُ  وكأنني أتحدَّثُ عن نفسي هذهِ الشَّخصية ُ التي  تجسِّدُ واقعًا  َنحيَاهُ  بكلِّ  أبعادِهِ  ومفاهيمِهِ  ... الواقع  الذي أعاني منهُ  ويُدخلُ في نفسي  اليأسَ  والمللَ  والإنتظار  فأصبُو  مُتلهِّفا ً إلى غدٍ جديدٍ غدٍ  مُشرق ٍ غدٍ  أتحَرَّرُ  فيهِ من عبءِ الماضي غدٍ  ُتفكُّ  قيودي  فأنطلقُ  لأغنِّي على دروبِ الحياةِ  من جديد . هذهَ  الشَّخصيَّة ُهي : " فدوى طوقان " -  شاعرة الحزن والمعاناة  وشاعرة الأرض  والوطن   . 

     شاعرة ُ فلسطين  فدوى طوقان  استطاعت  أن  تخترقَ الحواجزَ  لتطِلَّ  بعبقريَّتِهَا   وفنِّها  وشعرها  وإبداعِهَا  من  نافذتِهَا  الصَّغيرةِ  المجهولةِ  إلى المجهول إلى العالم ِ البعيد والواسع    .    نشأت  في أسرةٍ  أرستقراطيَّةٍ  مُحافظةٍ  شأنها شأن جميع  الفتيات العربيَّات اللواتي أسْدِلَ  دونهنَّ  الحِجابُ  فيقبعنَ  في  البيت إلى أن  يأتي  إليهنَّ  الخُطَّاب  فيتزوَّجن كانت  تشعرُ   بقيمتِها الكبيرةِ وطاقاتِها  الفذ َّة العظيمة التي باستطاعتها أن  ُتثبتَ  وجودَها  بينَ ذويها  الذي كانوا يتجاهلونها وينظرونَ  إليها  كانها ضلعٌ  قاصرٌ  ليسَ  لهُ  أيُّ  نفع ٍ  وقيمةٍ وهي  ترى أنَّ  بإمكانها القيام بأعمال إيجابيَّةٍ  كثيرةٍ  قد تفيدُ غيرها ولا  يستطيعُ الكثيرونَ أن يحققوها   .    لقد  وهبهَا  الخالقُ حِسًّا   مُرهفا  ومشاعرَ رقيقة ً وخيالا ً واسعًا  كانت تحلِّقُ   فيهِ  إلى  أبعدِ الأماكن والحدود  لتهربَ   من  واقعها  الكئيب  وظلمةِ   سجنها المستمرَّة  ... آمنت أنَّ لكلِّ  إنسان مهما  كانت نوعيَّتهُ الحقّ في التعبير عن رأيهِ  وبالعيش حُرًّا طليقا ً...  يرسمُ  حياتهُ   لوحدِهِ   ويقرِّرُ  ويصنعُ   مصيرَهُ  بيديهِ  ولا  يحقُّ  للآخرين حتى  لو  كانوا  أهلهُ  وإخوتهُ  بالتدَّخُّل ِ في  شؤونِهِ  ورسم  حياته  كيفما يبتغون  . 

والفتاة ُ عندها  لا  تختلفُ عن الرَّجل  فالإثنان  منَ البشر وليسَ  من العدالةِ  أن  ُتسْجَنَ  الفتاة ُ في البيت وتعاملَ  وتعاقبَ  بالسِّياط   لأتفهِ  الأسباب  فمن حقِّها أن تخوضَ الحياة  وتخرجَ وترى العالمَ  على حقيقتهِ  ولها أن  تشاركَ في  كلِّ  نشاط ٍ إيجابيٍّ  وتتركَ  بصماتها  في هذا  الوجود  .  

       لقد  كانَ  صراعُ  فدوى  شديدًا مع محيطها  ومجتمعها فدوى  هي الإنسانة ُ التي  تحطَّمَت ذاتُها  بأيدي الآخرين ( حسب قولها ) فعرفت  كيفَ  تستردُّهَا     كانت  تحيَا   في   سعير ِ الحزن ِ والوحدةِ  والشَّقاء ... ذاقت  ظلمَ ذوي القربى والأهل كادت  التقاليدُ أن تقضي عليها ولكنَّ الشَّاعرة َ  الحالمة َ الطموحةَ استطاعت أن تشقَّ  طريقها وسط َ الأشواك ِ والصَّبَّار ... وسط َ المرارةِ  والمُعاناةِ  والعذاب  استطاعَت أن  تجتازَ  كلَّ  العراقيل لتصلَ  إلى حيثُ  تريدُ  .  

    فدوى هي الإنسانة ُ التي لم تعِشْ لنفسِها  فقط ، لقد  وَهَبت  حياتهَا لأجل ِ  العطاءِ والفداء  فكانت  َمعينا ً لا ينضبُ  فغنَّت  للطبيعةِ السَّاحرةِ للحياةِ للسَّعادةِ ... للوطن غنَّت للحُبِّ الإنساني بكلِّ  معانيهِ  وأبعادِهِ  السَّامية الحُبّ  الذي  يحملُ في طيَّاتِهِ  دفءَ العاطفة وعذوبة  المنطق ، والوفاء اللامحدود ،  فكأنهَا  في  كتاباتها  تعطينا   نفحة ً  صوفيَّة ً  فتذهبُ  بنا  إلى  عالم ٍ آخر ٍ بعيدٍ  ... عالم ٍ  مُنزَّهٍ  عن  كلِّ  شرٍّ عالم ٍ  كلُّهُ   حُبٌّ  ووفاءٌ  وسلام   .  تقولُ  مثلا ً  : 

          ( "  أحِبُّكَ   للفنِّ   يسمُو  هَوَاكَ  بقلب  نحوَ  الرِّحابِ  العُلا 

                فيُدني  إليهَا  معاني السَّماءِ وينأى بها عن  معاني الثَّرى

                سَمَوتَ بقلبي وفكري فرَاحَا يفيضان بالشِّعرِ سُمُوُّ الهوَى

               وَنضَّرتَ عيشي فأضحَى غضيرًا ترفُّ عليهِ زهورُ المُنى 

               ورفَّ  في القلبِ  حُلمٌ  سعيدٌ جميلُ الخيالاتِ  حلوُ  الرُّؤى   )

وتقولُ  :                                                                                                                  .                 (" أعطنا حُبًّا فبالحُبِّ كنوزُ الخير ِ فينا  تتفجَّرْ  

                      وأغانينا   سَتخضرُّ   على  الحُبِّ   وَتُزهِرْ 

                      وتنهَلُّ   عطاءً  ،   وثراءً  ،   وخُصوبّهْ

                      أعطنا حُبًّا نبني العالمَ المُنهارَ  فينا من جديدْ 

                      وَنُعيدْ   //     

                      فرحة َ  الخِصبِ   لدُنيانا  الجَدِيبَهْ  

                      أعطِنا  حُبًّا   نفتحُ   أفقَ  الصُّعُودْ    

                      ننطلقُ من كهفِنا من عزلةِ  جُدرَان ِ الحَديدْ   

                      أعطنا نورًا  نشقُّ  بهِ  الظلمات  المُدلهِمَّهْ 

                      وعلى وقع ِ سناهُ ندفعُ الخطوَ إلى ذروةِ  قمَّهْ

                      نجتني  بهِ   انتصاراتِ  الحياهْ    "  )   . 

 

 هيَ  تريدُ أن  نحيا  لنحِبَّ ونغني   لا  لكي نكرهَ  ونحقدَ تريدُ أن  نرسمَ  الحياة َ  بقبل ٍدافئةٍ  ينبثقُ  منها الأملُ  والفجر  فدوى هي الإنسانة ُ  التي   أعطت وأعطت  دونَ أن  تأخذ َ  .    لقد  وقفت  نفسَها ودافعت  بكلِّ  قواها  وطاقاتِها عن  قضايا إجتماعيَّة   إنسانيَّة عديدة ،  أمَّا  في الجوانب  الوطنيَّة  والقوميَّة  فهي القضيَّة ُ  والإلتزام  في جميع أبعادِها  ، كرَّسَت  قسمًا  كبيرًا  من  شعرها   لشعبها  الفلسطيني  الذي  ذاقَ   مرارة َ  التشريد   والبعاد الشَّعب الذي  أبعِدُ  مُرغمًا عن  وطنهِ  وسَط َ  الدَّسائس  والخيانات  العربيَّة الرَّجعيَّة   والعروش  المُعفِّنة الآثمة التي لعبت  دورًا قذرًا  وأودَت  بهِ  إلى هذا المصير   .   فدوى حينما  تكتبُ عن  شعبِها عاطفتها  صادقة ٌ  كينبوع ٍ  عذبٍ يتدفَّقُ  دونما  انقطاع هيَ كحمامةٍ  تبكي  وتسجعُ على  ذويها عندما تتحدَّثُ عن الأطفال  والفتيات في مُخيَّمات اللاجئين تنقلُ  لنا صورة ً  كاملة ً ومُعبِّرة ً  لواقعِهم  الأليم  .       تقولُ  في  إحدى  قصائدها  :  

           ( "   أختاهُ  هذا  العيدُ  رَفَّ  سَناهُ  في  روح ِ الوُجُودِ  

                  وأشاعَ  في  قلبِ  الحياةِ  بشاشَة َ  الفجر ِ السَّعيدِ

                  وأراكِ  ما  بينَ  الخيام ِ  قبعتِ   تمثالا ً  َشقِيَّا 

                  مُتهَالِكا ً  يطوي   وراءَ   عمودِهِ   ألمًا   عتيَّا  

                  يرنو  إلى اللاشيىءِ  مُنسَرِحًا مع ِ الأفق ِ البعيدِ

                  أختاهُ   مالكِ إذا  نظرتِ   إلى  جوع ِ  البائسينْ

                  ولمَحتِ أسرابَ  الصَّبايا  من  بناتِ  المنُترَفِينْ

                  العينُ  تخجلُ   في   مُحَيَّاها   ويلتمعُ   السُّرورْ    

                 أطرَقتِ  واجمَة ً  كأنَّكِ   صورة ُ  الألم ِ  الدَّفينْ   " ) 

 

  هيَ لم تتشرَّدْ  ولم  تتغرَّبْ  مثلهم  ولكنَّها ذاقت مرارة َ الغربةِ  في  وطنِها وبينَ ذويها هي مثلهم  تحيَا حزينة ً مُلوَّعة ً ذاقت منَ  المآسي  ما  ذاقت  واكتوَت بنيران اليأس والخيبة ، في  قلبِها  جراحٌ  هيهات أن  تندملَ  فتقضُّ    عليها مضجعَها ... ولكنَّ فدوى  مع  كلِّ الضغوطاتِ الإجتماعيَّةِ  والأزمَاتِ  التي  مرَّت بها تبقى  ثابتة ً  في مواقفها  ترقضُ التقاليدَ البالية والسَّلبيَّة التي يتبنَّاها  ويتمسَّكُ بها المجتمعُ  وتتحدَّى كلَّ  العراقيل والسُّدود التي تقفُ  في وجهها   .     وفي  مواقفها  الوطنيَّة  والسِّياسيَّة   ثابتة  أيضًا  لا   تتزعزعُ  فترفضُ  الواقعَ العربيّ  المُزري  (  على جميع  الأصعدة )   وتستنكرُ  تلكَ   القيودَ   والسُّدود  والجهات الرَّجعيَّة التي  تقفُ  حاجزًا  أمامَ  مسيرةِ  شعبِها الباسلة ، فتصبُّ جامَ  غضبها  على  المُحتلِّينَ  بنبرةٍ  كلها  قسوةٍ   وتحدٍّ  .. كما  أنها  تذمُّ  الانظمة َ العربيَّة َ الَّرَّجعيَّة َ  والحُكَّامَ  العرب  الذين  يرتعونَ  في  قصورهم  ولا  ينظرونَ  إلى الوطنِ  المسلوب  .  

         إنَّ  فدوى  مهما عصفَ  بها  اليأسُ وألمَّت بها المصائبُ والمِحَنُ  لا  تستسلمُ وتبقى بذرة ُ الأمل ِ موجودة ً في داخلها  ُتنبئها  بغدٍ  جديدٍ  ومُشرق ٍ   -   تقولُ  :                                                                              ( " أغنِّي  ولو  سَحَقتنِي  القيودُ       أغاريدَ    نفسي   وَأشواقِهَا

     ُتبَارِكُ   َلحْنِيَ   أمِّي  الحياة ُ      فلحنِيَ  مِنْ  عُمْق ِ أعماقِهَا ) .     

 

 والجديرُ بالذكر ان الكثيرين  أطلقوا عليها  لقبَ ( خنساء  فلسطين )  وذلك  لأشعارها  الذاتيَّة  الحزينة الكثيرة  ولقصائِدِها  الرِّثائيَّة   المُترعة  بالحزن ِ  والألم ِ واللوعةِ  التي نظمتها  في رثاءِ  إخوتِها ،  وخاصَّة ً  أخوها  الشَّاعر الكبير الرَّاحل (  شاعر  فلسطين   قبل النكبة )  إبراهيم   طوقان  ، وأخوها  الآخر  نمر   .   
وأخيرًا  :        بعد  حياةٍ حافلةٍ  بالكفاح ِ والعطاءِ  وبعد  صراع ٍ مرير  مع المرض تقضي شاعرتنا  الكبيرة  نحبَهَا عن عمر ٍ يُناهزُ السادسة  والثمانين (  86  )  وبموتِها  تفقدُ الحركة ُ  الشِّعريَّة ُ والأدبيَّة ُ الفلسطينيَّة ُ  والعربيَّة ُ بشكل ٍعام  ركنا ً هامًّا من أركانها حيثُ  كانَ لهذهِ الشَّاعرة ِ  الفذ َّة العُملاقة  دورٌ  كبيرٌ  فيه  مسيرةِ  وتألُّق الشِّعر العربي  في  العصر الحديث  .