أ.د. محمد الدعمي
لا يمكن للمرء أن يفلت من ملاحظة ثمة تطورات جذرية تطفو على سطح مشكلة سوريا الشقيقة اليوم، إذ توج الرئيس السوري، بشار الأسد، حزمة التطورات المعنية بتنحية لائمة ما جرى من حرب أهلية وتداعياتها في سوريا على الولايات المتحدة، وعلى عملية “حرية العراق” على نحو التحديد، ملاحظًا أن العراق قد استبدل “الحرية” بالطائفية والفساد الإداري والمالي، كخلاصة نهائية. وكانت المشكلة في سوريا منذ بدايتها انعكاسًا مرآتيًّا ليقظة غول الطائفية في العراق، الأمر الذي أطلق الطاقات الطائفية المتوحشة في سوريا، متيحة (أي هذه الطاقات) مدخلًا للشبكات الإرهابية إلى سوريا.
وإذا كانت المسألة السورية قد بدأت على نحو بسيط، أي دولة معاكسًا للمعارضة، فإنها سرعان ما استدرجت قوى عالمية وإقليمية، زيادة على الإرهابية، نحو هاوية الفضاء السوري في مواجهات مسلحة لا تبقي ولا تذر. بمعنى أن كلام الرئيس الأسد أعلاه ينطوي على تحميل غزو الولايات المتحدة العراق مسؤولية ما حدث في سوريا من مآسٍ.
بيد أن فرضية الرئيس الأسد أعلاه لم تمر دون ما يكفي لتأييد صحتها، بدليل إعلان قائد القوات الأميركية في سوريا والعراق فشل المشروع الأميركي القاضي بتدريب قوات من “المعارضة” السورية “المعتدلة” في دول الجوار على سبيل الإطاحة بنظام الأسد تحت مظلة جوية أميركية، ومن ثم التفرغ للشبكات الإرهابية المروعة.
ومن ناحية أخرى، تشعر واشنطن بالحرج، بل وحتى بالخوف من مواجهة عسكرية خطيرة بينها وبين العملاق الروسي الذي ما فتئ يلقي بكامل ثقله في سوريا لصالح الأسد، الأمر الذي زاد من تعزيز قوته وفاعلية أدوار حلفائه الإيرانيين ومقاتلي حزب الله. وهكذا، فلا مراء من شعور الإدارة الأميركية بالإحباط؛ لأنها ربما وقعت في الخانق الذي كانت، هي وحلفاؤها الإقليميون، قد هيأته للإيقاع بالنظام السوري، تواصلًا واستمرارًا لجهدها، وحلفائها كذلك، لإسقاط نظام صدام حسين في العراق، 2003.
ولكن ربما انقلب المركب على الملاح، إذ حولت المعارضة السورية التي بدأت حملتها حاملة لواء السلمية والتغير الديمقراطي، سوريا الجميلة والمتقدمة اجتماعيًّا وعلميًّا وثقافيًّا إلى مجرد “خربة” كبيرة، للأسف. وكانت النتيجة النهائية، ليست كما توقعتها هذه المعارضة، حبيسة فنادق الدرجة الأولى، أي تأييد الشعب السوري لها، وإنما هي قد تبلورت برفض الشعب السوري لها ولكامل المؤامرة الجهنمية التي حيكت له، إقليميًّا ودوليًّا، عبر اختيار ثالث لم تكن المعارضة تتوقعه، وهو اختيار ترك ساحة، الدمار والخراب والتوجه لطلب اللجوء في أوروبا.
أما مسألة إقصاء الرئيس الأسد وطاقمه في الحكم، فلم يعد حلمًا قريب المنال بالنسبة لهؤلاء الذين أحرقوا سوريا بدعوى التخلص من “النظام”. وإذا كان “نظام” الحكم في سوريا قد اتهم بالتعاون مع إيران أو سواها من القوى الشيعية الإقليمية، على سبيل تعبئة الرأي العام السني ضد هذا “النظام”، فإن دخول الاتحاد الروسي بكامل ثقله لصالح الدولة السورية قد بدد تأملات القضاء على السلطة الراسخة في سوريا، بدليل أن هذه السلطة يمكن أن تجد نفسها ذات يوم في خندق واحد مع العالم الغربي ضد الشبكات الإرهابية التي امتطت الانقسام الطائفي لتنفذ إلى دواخل سوريا، ثم لتنتشر على دواخل دول الجوار السوري المعروفة.
لذا، فإن إعلان الجنرال الأميركي فشل الاستراتيجية الأميركية في سوريا، إنما يشكل حقنة حياة وبقاء للنظام السوري الذي برهن على أنه هو من يحارب الإرهاب، وهو فقط من يستطيع أن يميز بين الإرهاب والمعارضة، بعد اختلاطهما طوال أكثر من ثلاث سنوات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق