أ.د. محمد الدعمي
”لقد شهد النظام الجديد الذي تمكنت الولايات المتحدة ودول التحالف من فرضه على العراق عقب احتلاله في 2003، ظهور تشكلات قوى فاعلة جديدة كانت قد اسرعت الخطى الاندفاعية لتحل محل فراغ القوة الذي خلفه النظام الشمولي السابق، ذلك النظام الذي تمكن من أن يجعل الدولة العراقية مرتهنة بوجوده وتواصله من خلال عدة أدوات، منها العنف وتوزيع الثروات وتهميش القوى الأخرى كي ينتهي الأمر إلى ترادف الدولة العراقية به فقط.”
ـــــــــــــــــــــ
وأنا أقترب من الانتهاء من تأليف كتابي الجديد عن “مستقبل العراق” وإمكانيات بقاء هذه الدولة المهمة على المحورين الدولي والإقليمي، تقض مضاجعي مشاعر القلق ومخاوف الهزات الأرضية. هذه المشاعر هي نمطان متوازيان من العواطف التي تؤرق فئات واسعة من جيلي والباقين من الأجيال التي سبقتنا.
قد يحتج البعض على هذا النوع من التأمل السوداوي، كما يصطلح علماء النفس، إلا أن انطباعي الأساسي بأن التدخل الدولي بقيادة الولايات المتحدة في العراق قد أحدث شرخاً عميقاً، بل وممتداً نحو جميع الاتجاهات على نحو تصدعات، هي الأخرى تمتد على بشكل مخيف في كل الاتجاهات وكأنها تؤذن بما قد لا يخطر ببال المتخصصين في الشأنين العراقي والعربي من أمثال “ابي داعيك”.
لقد شهد النظام الجديد الذي تمكنت الولايات المتحدة ودول التحالف من فرضه على العراق عقب احتلاله في 2003، ظهور تشكلات قوى فاعلة جديدة كانت قد اسرعت الخطى الاندفاعية لتحل محل فراغ القوة الذي خلفه النظام الشمولي السابق، ذلك النظام الذي تمكن من أن يجعل الدولة العراقية مرتهنة بوجوده وتواصله من خلال عدة أدوات، منها العنف وتوزيع الثروات وتهميش القوى الأخرى كي ينتهي الأمر إلى ترادف الدولة العراقية به فقط.
وللمرء أن يلاحظ في هذا السياق بأن القوى الجديدة التي صعدت لملء “فراغ القوة” الذي خلفه سقوط النظام السابق، إنما بقيت طوال أكثر من عقد ونيف تفرز أنماطاً سلوكية قصيرة النظر ولا تعد بالخير قط، لا على البلد ولا على محيطه الإقليمي، للأسف.
لقد ارتكنت الأنماط السلوكية لهذه الأشكال الجديدة من القوى الصاعدة على عدد من الدوافع في تكوينها وطبيعة سلوكها، بل وحتى في اعتماد أهدافها. من هذه الدوافع المهمة، يمكن أن يحدد المرء ما يلي: (1) دافع الانتقام والثأر و(2) دافع توزيع الثروة الوطنية والاستئثار و(3) دافع الشعور الوسواسي بأن إطار بقاء الدولة العراقية التي كانت تجمع كافة مكوناتها السكانية، قد نفد مفعوله، بدليل ما سمعناه نقلاً عن مسؤول كردي بارز، بأن العراق لم يعد دولة موجودة، كما كان سابقاً. وإذا كان هذا المسؤول يحاول كسب الأوضاع الفالتة في البلد لصالح المزيد من المكاسب والسلطات الذاتية للإقليم الكردي، فان إعلانه ينذر بما لا تحمد عقباه في المستقبل.
وعودة الى الدوافع الثلاثة أعلاه، ينبغي أن نلاحظ بأن القيادات الشيعية والكردية التي كمنت في المنافي طوال عقود، ثم جاءت مع القوات الغازية قد تصرفت على نحو يعكس نزعة انتقامية وثأرية واضحة المعالم، بقدر تعلق الأمر في تعاملها مع الكتلة السنية الكبيرة الداخلة في تكوين البنية السكانية للعراق. لقد دلت هذه الطريقة في التعامل على سلبياتها وعلى نتائجها الكارثية على المدى البعيد، بكل تأكيد. إن صب عواطف الانتقام والثأر على نحو متعام على كتلة سكانية بكاملها لا يمكن أن يخدم غرضاً بناءً قط، لأنك إن فعلت ذلك، ستجد نفسك منتجاً للأعداء دون مبرر.
ومن منظور ثان، واستكمالاً للمنطق الخاطئ أعلاه، لا يمكن للمرء أن ينكر دافعية إعادة توزيع الثروات الوطنية على النحو الذي ينطوي على تهميش الكتلة السكانية السنية. هذا سلوك خاطئ واستفزازي للغاية، الأمر الذي قد يبرر لقطاعات عريضة الارتماء في أحضان الشبكات الإرهابية التي تهيمن على ثلث مساحة العراق اليوم، زيادة على تبرير الارتماء في أحضان عصابات الجريمة المنظمة أو مفارز القتل المتعامي المنتشرة هنا وهناك في دولة كان رئيس وزرائها، المغفور له نوري باشا السعيد، يصفها بمقولته الشهيرة: “دار السيد مأمونة”.
إن تدوير الإدارة وتنميط السلوك الذي تعتمده تشكلات القوى الصاعدة بعد الاحتلال الأميركي حسب الدوافع أعلاه لا يمكن إلا أن يقود الى تقديم الولاء للصغير والسقيم والمجهري، على حساب الولاء الأوسع للدولة العراقية، للأسف. هذا، بكل دقة، ما نراه وهو يحدث الآن. عندما تشعر تشكلات القوى الصاعدة أنها في غمار عملية انتقامية وثأرية لا مسؤولة، فانها ستدير ظهرها للولاء للدولة الواحدة التي أمسكت بها بغداد وحفظتها طوال أكثر من تسعة عقود.
وإذا كانت هذه القيادات ترضخ لشعور وسواسي بأن علينا انتزاع جلد الدولة العراقية القديم على سبيل تنمية جلد جديد، كما تفعل الزواحف، فإن الوضع الخاص بوحدة العراق وبقائه لا ينذر بسوى آلام الويل والثبور، خاصة بعد أن دوّل العراقيون الصراعات الإثنية والطائفية المحلية بدفعها عبر الحدود الإقليمية، درجة استقطاب التدخلات والمصالح الخارجية، دولياً وإقليمياً، كي تعمل فؤوسها ومطارقها لكسر إطار العراق الواحد من أجل مصالح إقليمية أو دولية ضيقة.
دعني الآن، أعود لتأليف “استهلال” و “خلاصة” كتابي المنتظر في “وحدة العراق”.
قد يحتج البعض على هذا النوع من التأمل السوداوي، كما يصطلح علماء النفس، إلا أن انطباعي الأساسي بأن التدخل الدولي بقيادة الولايات المتحدة في العراق قد أحدث شرخاً عميقاً، بل وممتداً نحو جميع الاتجاهات على نحو تصدعات، هي الأخرى تمتد على بشكل مخيف في كل الاتجاهات وكأنها تؤذن بما قد لا يخطر ببال المتخصصين في الشأنين العراقي والعربي من أمثال “ابي داعيك”.
لقد شهد النظام الجديد الذي تمكنت الولايات المتحدة ودول التحالف من فرضه على العراق عقب احتلاله في 2003، ظهور تشكلات قوى فاعلة جديدة كانت قد اسرعت الخطى الاندفاعية لتحل محل فراغ القوة الذي خلفه النظام الشمولي السابق، ذلك النظام الذي تمكن من أن يجعل الدولة العراقية مرتهنة بوجوده وتواصله من خلال عدة أدوات، منها العنف وتوزيع الثروات وتهميش القوى الأخرى كي ينتهي الأمر إلى ترادف الدولة العراقية به فقط.
وللمرء أن يلاحظ في هذا السياق بأن القوى الجديدة التي صعدت لملء “فراغ القوة” الذي خلفه سقوط النظام السابق، إنما بقيت طوال أكثر من عقد ونيف تفرز أنماطاً سلوكية قصيرة النظر ولا تعد بالخير قط، لا على البلد ولا على محيطه الإقليمي، للأسف.
لقد ارتكنت الأنماط السلوكية لهذه الأشكال الجديدة من القوى الصاعدة على عدد من الدوافع في تكوينها وطبيعة سلوكها، بل وحتى في اعتماد أهدافها. من هذه الدوافع المهمة، يمكن أن يحدد المرء ما يلي: (1) دافع الانتقام والثأر و(2) دافع توزيع الثروة الوطنية والاستئثار و(3) دافع الشعور الوسواسي بأن إطار بقاء الدولة العراقية التي كانت تجمع كافة مكوناتها السكانية، قد نفد مفعوله، بدليل ما سمعناه نقلاً عن مسؤول كردي بارز، بأن العراق لم يعد دولة موجودة، كما كان سابقاً. وإذا كان هذا المسؤول يحاول كسب الأوضاع الفالتة في البلد لصالح المزيد من المكاسب والسلطات الذاتية للإقليم الكردي، فان إعلانه ينذر بما لا تحمد عقباه في المستقبل.
وعودة الى الدوافع الثلاثة أعلاه، ينبغي أن نلاحظ بأن القيادات الشيعية والكردية التي كمنت في المنافي طوال عقود، ثم جاءت مع القوات الغازية قد تصرفت على نحو يعكس نزعة انتقامية وثأرية واضحة المعالم، بقدر تعلق الأمر في تعاملها مع الكتلة السنية الكبيرة الداخلة في تكوين البنية السكانية للعراق. لقد دلت هذه الطريقة في التعامل على سلبياتها وعلى نتائجها الكارثية على المدى البعيد، بكل تأكيد. إن صب عواطف الانتقام والثأر على نحو متعام على كتلة سكانية بكاملها لا يمكن أن يخدم غرضاً بناءً قط، لأنك إن فعلت ذلك، ستجد نفسك منتجاً للأعداء دون مبرر.
ومن منظور ثان، واستكمالاً للمنطق الخاطئ أعلاه، لا يمكن للمرء أن ينكر دافعية إعادة توزيع الثروات الوطنية على النحو الذي ينطوي على تهميش الكتلة السكانية السنية. هذا سلوك خاطئ واستفزازي للغاية، الأمر الذي قد يبرر لقطاعات عريضة الارتماء في أحضان الشبكات الإرهابية التي تهيمن على ثلث مساحة العراق اليوم، زيادة على تبرير الارتماء في أحضان عصابات الجريمة المنظمة أو مفارز القتل المتعامي المنتشرة هنا وهناك في دولة كان رئيس وزرائها، المغفور له نوري باشا السعيد، يصفها بمقولته الشهيرة: “دار السيد مأمونة”.
إن تدوير الإدارة وتنميط السلوك الذي تعتمده تشكلات القوى الصاعدة بعد الاحتلال الأميركي حسب الدوافع أعلاه لا يمكن إلا أن يقود الى تقديم الولاء للصغير والسقيم والمجهري، على حساب الولاء الأوسع للدولة العراقية، للأسف. هذا، بكل دقة، ما نراه وهو يحدث الآن. عندما تشعر تشكلات القوى الصاعدة أنها في غمار عملية انتقامية وثأرية لا مسؤولة، فانها ستدير ظهرها للولاء للدولة الواحدة التي أمسكت بها بغداد وحفظتها طوال أكثر من تسعة عقود.
وإذا كانت هذه القيادات ترضخ لشعور وسواسي بأن علينا انتزاع جلد الدولة العراقية القديم على سبيل تنمية جلد جديد، كما تفعل الزواحف، فإن الوضع الخاص بوحدة العراق وبقائه لا ينذر بسوى آلام الويل والثبور، خاصة بعد أن دوّل العراقيون الصراعات الإثنية والطائفية المحلية بدفعها عبر الحدود الإقليمية، درجة استقطاب التدخلات والمصالح الخارجية، دولياً وإقليمياً، كي تعمل فؤوسها ومطارقها لكسر إطار العراق الواحد من أجل مصالح إقليمية أو دولية ضيقة.
دعني الآن، أعود لتأليف “استهلال” و “خلاصة” كتابي المنتظر في “وحدة العراق”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق