تُعدُّ رواية "أرصفة دافئة" الإصدار
الثالث للكاتب المغربي أحمد الكبيري، بعد روايتين هما: "مصابيح مطفأة" و
"قبور مشتعلة"، وهي صادرة عن مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء في
210 صفحات من الحجم المتوسط.
1-
عتبات الرواية: الغلاف، العنوان، التصدير:
تتوسط غلاف الرواية البنّي لوحة
للمبدعة سهام الشيبي تمثل شخصا عاريا مقرفصا فوق كتلة سوداء مائلا برأسه إلى
الأعلى وقد احتضن رأسه بذراعه اليمنى، وكأنه يتلقف بفمه المفتوح شيئا ما.
أما عنوان الرواية فهو يحقق – باعتباره
العتبة الأولى للنص- مفارقة معنوية بيّنة:"أرصفة دافئة"، فالمعلوم أن
الأرصفة تكون باردة لا دافئة، بحكم تعرّضها لصقيع البرد ومآسي التشرد والضياع، فلماذا
الأرصفة؟ ولماذا هي دافئة؟
جاء على لسان بطل الرواية ذكر إسم
الرواية كاملا أو شطره الأول "الأرصفة" أربعَ مرات:
-
"فعشقنا القديم في حاجة إلى بوح، والبوح في حاجة
إلى خلوة وأرصفة دافئة". ص: 106.
-
"ليس ثمة أجمل من أرصفة دافئة للبوح وقمم شاهقة مكانا
للهيام". ص: 108.
-
"البذخ لا يليق بواحد مثلي، يعشق التيه وحنان الأرصفة".
ص: 163.
-
"أفرغْتني من كل شيئ وامتلأت بك، وكنت سعيدا، لكن لا بأس، إني
ألفت دفء الأرصفة". ص: 210.
قد تكون الأرصفة هنا بمعناها المباشر
رمزا للتشرد والتسكع، وقد تكون رمزا للهامش، فالأرصفة ما فاض عن الطريق، وما
فَضُلَ عن الحاجة...
إن دفء الأرصفة، أرحم من طاحونة العصر
السريع، ومنطق السوق الذي اكتسح المجتمع، أرصفة دافئة بما هي ذكريات وذاكرة يلجأ
إليها الكاتب ليتكئ عليها في لحظات ضعفه وتيهه، ويهُشّ بها على مادية العلاقات
وسطحيتها ونفاق الناس. إنها مرتع الطفولة ودفء الصدق والمحبة بعيدا عن المشاعر
الزائفة ودنيا الخيانات..
آثر أحمد الكبيري أن يُصدّر روايته
كتالي: "وأنا أكتب أجدني أتمثل العديد من الشخوص، أذوب فيهم ويذوبون فيّ.
والنتيجة ضياع شخصي بين قبائلهم. لهذا أرجو منكم قرائي الأعزاء أن تلتمسوا لي
العذر متى قابلتكم متقمِّصا لأدوار غريبة".ص: 5.
بالإضافة إلى وسم عمله بكونه
"رواية" كاختيار تجنيسي، الشيء الذي يبعدها عن السيرة الذاتية، خصوصا
وهي مروية واحدة بضمير المتكلم على لسان البطل "المحجوب"، فإن الكبيري
أكّد في هذا التصدير على الطابع التخيُّلي الصرف لأحداث وشخوص رواياته، وتملّص من
أيّ تبنّ لما سرده في الرواية، وبالتالي من حقنا أن نتساءل عن حقيقة ابتعاد
"أرصفة دافئة" عن السيرة الذاتية.
لعلّه صار من شبه المُسلَّم به القول
باستحالة فصل الذات الكاتبة عمّا تكتبه، وبالتالي فإننا شئنا أم أبينا نعيش تجربة
الكبيري في "أرصفة دافئة" سواء عاش بعضَها حقا، أو أنه نقل لنا ما حاول
عيشه ذهنيا ونفسيا وفنّيا عبر تقمُّصه لشخصيات الرواية. وبالتالي تبقى الرواية في
حوار دائم مع السيرة الذاتية بشكل مباشر كتضمين الرواية بعض تجارب كاتبها، أو بشكل
غير مباشر من خلال تمرير زاوية نظر محددة، نظرة، حكم، رأي، ذوق.. وبالتالي فادعاء "الحياد
الطُّهراني" ما هو إلا مكر آخر من كُبَّرات مكر الكاتب/الراوي.
2-
أحداث الحبكة السردية وآليات اشتغالها.
"أرصفة
دافئة" عبارة عن حكايات يرويها البطل لحبيبته سلمى (نزق الطفولة ومغامرات
مرحلة التشرّد الذي عاشه البطل بعد طلاقه من زوجته الفرنسية إيزابيل وعودته من
فرنسا)،وتبدأ بتساؤل جاذب: "هل فعلا أحرقتُ عْزيوزْ؟" ليتم سرد مجموعة
من الأحداث لا يربط بينها في الواقع إلا شخص البطل الذي عاشها أو عايشها أو رُوِيت
له، ثم كون تلك الأحداث لا تخرج في مجملها عن نزق الطفولة وظروف التشرّد والفقر..
يقول الكاتب على لسان بطل الرواية ص:
99: "أنا لم تكن لي بطولات لأحكيَها لها، كل ما كنت أملك هو حزمة محترمة جدا
من المغامرات الفاشلة وتاريخا مجيدا مكتوبا بمداد الهشاشة والخيبات".
البطل ( المحجوب) تزوّج امرأة فرنسية
(إيزابيل) وأنجبت له ولدا، لكنه طلقها وعاد إلى المغرب متسكعا طيلة ثلاث سنوات
استعاد فيها دفء الأرصفة وخالط الجنون قليلا بمقبرة مولاي التهامي بوزان، لكن
زيارة أخيه عبد العزيز بحثا عنه من أجل الصلح، نقلته إلى العافية من جديد بعد أن
أخذه معه إلى مدينة سلا، حيث استعاد صحته العقلية والنفسية كما استعاد علاقته
بالرياضة.
وخلال زيارة له لمدينة أكادير سوف
يلتقي بسلمى، المرأة التي عشقها منذ كانا طالبين بفاس، لكنها صدّته واختارت رجلا
ناضجا مستقرا من العائلة.. لقاء المحجوب بسلمى هو الذي أنتج الرواية، فهي بشكل عام
حكايات لها أو عنها، وقد تمكّن المحجوب من إعادة ربط صلة العشق بسلمى وقطفا معا
بعض المتع والملذات في بيت/ وكر اكتراه بالرباط خصيصا لهذا الغرض.. لكن وككل
العلاقات الجميلة انتهت صلة المحجوب بسلمى بعد انفضاضها عنه بسبب الغيرة أو نفاذ
رصيد العلاقة.
تخللت الرواية قصص وحكايات فرعية عن
أصدقاء ومعارف ومجانين ومجرمين...، جعلت المتن السردي غنيا بما عالجته من تيمات
وما رسمته من أجواء وما طرحته من إشكالات ومفارقات.
-
التيمات:
ويمكن الإشارة إلى أهم التيمات التي
اشتغلت عليها رواية "أرصفة دافئة" كما يلي:
تيمة التشرّد: من خلال سرد قصص بعض المجانين والمفلسين، ومنهم البطل،
وعاهرة الشاون، وماسح الأحذية..
الحب: حب البطل لسلمى، حب صديق المحجوب لبنت خالته، حب
"سيف عظيم" لزوجته الطليقة.
الجنس: المجنون الملقب ب"العياشي مرزاقة" مع بعض
نساء حي الرويضة، المحجوب مع سلمى، مع ابنة جارتهم رقية وهو ابن ست سنوات، أصحابه
مع الشطيطح.
الشذوذ: قصة الشطيطح
التحرش: قصته كطفل مع ابنة رقية، تحرش زوج السيدة رجاء أم يوسف
بخادماته.
نزق الطفولة: السفر إلى الشاون سيرا مع صديقه الطيب، اللعب في الماء
النازل من جبل بوهلال، تحرش الأطفال بالمجانين وبه أيضا وهو يمتطي دراجته النارية
عائدا من فاس في اتجاه وزان.
العمالة المغربية في الخليج: قصة أخت البطل زهرة.
التوبة: توبة أخيه عبد العزيز ومصالحته، دعوة أبيه لعمه إلى
الصلاة..
-
الاستطراد الحكائي:
وعموما اشتغل الكبيري على الذاكرة
والتذكر والاسترجاع والاستطراد داخل الحكاية الأصلية.
وقد فتحت الاستطرادات الجانبية
المتكررة الرواية على عوالم جديدة، مما جعلها من ناحية بنائها المعماري تشبه الدرب
العربي الطويل الذي ينفتح بدوره على أزقة ودروب جانبية أصغر وأضيق منه، وهو
التصوّر الذي ينادي به الدكتور الناقد عبد الرحيم جيران في مقابل نظرية
الرواية/الشجرة والرواية/النبات.
وجدير بالذكر أن الكاتب أتقن لعبة
الانتقال من حكاية إلى أخرى، ومن الحكاية/الأم إلى الاستطراد ثم العودة منه بسلاسة
ورشاقة تفصح عن تمكن كبير من ناصية السرد، وحس حكائي حاد يمتلك المرونة والحذق
اللازمين.
-
حساسية الرواية:
-
اللغة:
كتب أحمد الكبيري روايته بلغة سهلة
سلسة تقطر سخرية وظُرفا، لغة انفتحت بشكل واسع على اللغة العامية (الدارجة
المغربية) فتم إيراد العديد من الكلمات ومقاطع الحوارات أو التعليقات بالدارجة،
لكن الكبيري تجاوز ذلك ليدمج بعض المصطلحات والكلمات العامية في سياق لغوي فصيح
بحثا عن تطعيم الدلالة وشحذها بالحمولة الرمزية والعمق الاجتماعي والشعبي لتلك
الكلمات:
أ-
كلمات مدمجة:
- "لا يؤمن إلا بما تملي عليه
طناطن رأسه". ص: 34.
- "أو
يدفع بها كلبا من قزيبته". ص: 49.
- "كنت
أيضا أعرف بأنها على علاقة بشخص آخر وتموت عليه". ص: 84.
ب-
صيغ وعبارات دارجة مدمجة:
-
"أنا أعزّز نفسي وأبيع شبابي لها غاليا". ص:
84.
-
"تأكّد لي من خلال ترنّحه وتمايله أنه دائخ ولا يقشع الذي
بعث". ص: 122.
-
المكان:
وقد وظف الكبيري الفضاء المكاني بشكل
مقتصد مكّنه من الوفاء لخطه السردي المتمثل في خدمة الحكاية بالدرجة الأولى، ولذلك
لم تستوقفه الأمكنة إلا بالقدر الضروري لموضعة الأحداث وتبيئتها في سياقها المكاني
أو تمهيدا لاستطراد ما.
وهكذا توزعت أحداث الرواية بين وزان
والشاون وفاس وسلا والدار البيضاء وأكادير وميشليفن..
وقد نحا أحمد الكبيري بروايته منحى
الأسطرة ولو بتلك المسحة الشخصية التي تتبدّى سحريّة باعتباره ماضيا من جهة، ثم
بسبب النبرة الساخرة التي تعتمد المبالغة في سردها.
-
الزمان:
تقترب المقاربة الزمنية للحبكة في
رواية "أرصفة دافئة" من أن تكون دائرية، بحيث تبتدئ الرواية من حيث
انتهت، خصوصا لو تم حذف الفصل الأخير، فالكاتب كسّر الخطية الزمنية الكرونولوجية في
السرد من خلال الفلاش باك أولا، حيث تبدو الرواية كلها استرجاعا ومتحا حكائيا من
الذاكرة، ثم عن طريق الاستطرادات المتكررة، ثم عن طريق الحوار الذي يوقف أو يخفف
من وثيرة التقدم الزمني للحبكة، فالتقدّم الوحيد خارج الدائرة هو حدث فراق سلمى
والمحجوب.
-
بين الشعرية والفانتاستيك:
وظف الكبيري الحلم والكوابيس وعوالم
المجانين والأمثال الشعبية، إضافة إلى بعض الأقوال المنحوتة، والتي تتماهى مع المقولات
الفلسفية ومع الشذرات، كما تحاورت الرواية مع أجناس أدبية وفنية أخرى، كالشعر وفن
الرسالة وفن النكتة والسينما والأغاني، وهو بهذا ينزع منزع شعرية الرواية كما نظّر
لها تيزفيطان تودوروف، ولكنها شعرية تمتزج بالبعد الفنتازي امتزاجا لطيفا لا يهدم
الحكاية ولا ينسف الزمن والحدث ولا يعبث بالشخوص:
-
الحلم:
رؤيا أخيه عبد العزيز في مكة المكرمة: زارتني الوالدة رحمة الله عليها في الحلم،
كانت كما عهدتها في شبابها...". ص: 61.
-
الكابوس:
الذي أفزع المحجوب عندما كان نائما بالشاون: "في لحظة احمرّت عينا الرجل وصار
له قرنا ثور في رأسه وذيل حمار في مؤخرته...". ص: 49.
-
الفانتازيا: سوريالية الكابوس، إضافة لهلوسات المجانين، ومنهم
العياشي مرزاقة، والمحجوب/ البطل نفسه في الصفحة 22: "أخي الطيب، أنا الآن
سيد الأولياء والصالحين. البارحة كنت في السماء. رأيت وأنا أخترق السحب، شياطين
كثيرة تحترق. كانت تحاول منعي من رؤية الله، لكن ملائكتي أحرقتها...".
-
نماذج مقولات منحوتة::
-
"أعتقد أن الإنسان كي لا يبكي طول الوقت يغني من وقت إلى
آخر". ص:91.
-
"القيمة الحقيقية للأشياء تكمن في أغلب الأحيان في ذلك المعنى
الذي نصبغه عليها". ص: 100.
-
"أغلب الناس المهووسين باختيار الأفضل، يخامرهم في النهاية
شعور بأنهم وقعوا في أسوء الاختيارات". ص: 146.
-
الأمثال الشعبية: تمّ إيراد حوالي 13 مثل شعبي موظفا في سياقات حكائية
مختلفة، وأغلبه جاء لتعزيز حدة السخرية، ومنها مثلا:
-
"قالتها الحمارة"، "الحاجة اللي ما تشبه مولاها
حرام"، "آش لاقى سقّاي مع حطّاب"، "يلا لقيتي التخريفة بباب
الجنان علاش دخلو"، "اقرا ياسن ودير الحجرة في يديك"...
-
حضور الأغنية: كأغنية جيل جيلالة "هالعار أبويا ماتخلينيش"
ص: 23، وأغنية الغيوان "غير خذوني لله" ص:43.
-
السخرية في رواية "أرصفة دافئة".
يصعب كثيرا حصر مواطن السخرية وألوانها
في رواية "أرصفة دافئة"، فقد كتبت في أغلبها بنفس ساخر متهكّم، وهو ما
يجعل الباب مفتوحا للتساؤل عن ماهية السخرية في "أرصفة دافئة"، ثم عن وظيفتها
في البنية الحكائية والدلالية للرواية.
على اعتبار السخرية هي استراتيجية
خطابية معينة، إذ هي لغةً "الهزء والسُّخْرة هي الضُّحكة"[1]، فوظيفتها تتجلّى في الانتقاص والتحقير والتعرية
والتحطيم المعنوي، ونشر موضوع التنذُّر وجعله مشاعا.
ولذلك فهي تختلف عن الهجاء مثلا، ما
دام انتقادا غضبيا ثوريا مباشرا، بينما السخرية تتجاوز مجرّد الاستهزاء والانتقاص إلى
إثارة الانتباه، وخلق التشويق، وترسيخ المعنى وتحقيق التسلية والمتعة، بل إنها
إضافة إلى ذلك، سلاح نقدي فتاك، ورؤية ثورية تفجّر أنماط الخطاب السائد المتواضع
عليه، وتنسف الكثير من الأوهام التي تُقدِّم نفسها كحقائق.
وهي بهذا تتجاوز كونها صادرة عن ذات
مرحة تخلُق نوعا من الفرجة إلى كونها رؤية فنية وإيدولوجيا على شكل متوالية
انتقادية تسعى لكمال معين.
فهناك حد فاصل بين الكتابة الساخرة
وبين التهريج، وهذا ما لا يدركه إلا من يميز جيدا بين الرقص طربا والرقص ألما، على
حدّ قول الشاعر الصّوفي:
لا تحسبوا رقصي بينكم طربا فالديك يرقص من شدة الألم
وبالتالي تبقى السخرية سلاح مقاومة
فتاكا، سلاح المُفقّر ضد من أفقره، والمظلوم ضد من ظلمه..
وتبقى رسالتها أقوى من الكلمات التي
تنحو منحى الجدّية، وبالتالي فهي تحقق رسالتها بشكل أيسر وتثير الإعجاب والانتباه
فتضمن استمرارية أطول في وعي المتلقّي.
والكبيري يورد في ثنايا سخريته ملاحظات
ثاقبة اجتماعية وسياسية وثقافية ونفسية معلِّقا بطُرفة وذكاء.
-"نحن في المغرب لم نتعوّد بعد
على القراءة، لدينا الوقت الكافي لفعل كل شيء إلا القراءة، وإذا أردت أن ترى
الواحد منا لا يكف عن التثاؤب والتذمّر ناوله كتابا ليقرأه، لكن بصراحة: ما حاجتنا
نحن للقراة؟ فكل واحد منا تجلس إليه تقرأ فيه التاريخ والجغرافيا وعلم النفس
والروايات الرومانسية والبوليسية والهيتشكوكية، بل وتعيش من خلال سيرته حروبا
أسطورية".ص: 202.
- "أغلب الجرائد من هذا النوع في المغرب
يستأهل أن يُوَزَّع مباشرة على بائعي الأواني الخزفية كي يلفوا منه منتوجاتهم
الخزفية".ص: 122.
-
- أنواع السخرية في "أرصفة دافئة":
-
سخرية الموقف والمفارقة:
-
"فتلقفتني بلطمة غاضبة على الوجه. اللطمة التي أؤرِّخ بها
للمسيرة الخضراء". ص: 33.
-
"من يرى كل هذا الاستعجال يظن أننا في الخطوات الأخيرة في
سباق مع اليابان، مخصص لربح الوقت وتدبيره في بلوغ ريادة اقتصادية أو عسكرية أو
علمية. بينما الأمر لا يتعدى أن يقطع الواحد منا كل المسافات في أسرع وقت ممكن
ليجلس بمقهى أو ببار لأكثر من نصف يوم أو نصف ليلة".ص: 199- 200.
-
سخرية الحكاية الشعبية والتعليق والنكتة:
-
"أمي ذلك المساء، جعلت مني طبلا صغيرا وبقيت تخبط فيه وتصرخ
وكأنها في جذبة، كان ينقصها فقط فرقة عيساوة لتكتمل جذبتها".ص: 30.
-
"إنه بوق كبير، وسيشرع في إخبار كل من صادفه في طريقه، بأنه
رآنا سائرين في اتجاه الشاون. بقرة إذا ما أوقفت شاحنته وسط الطريق، سينهرها
قائلا: "وااالبقرة خوي الطريق، الدراري راهم هاربين، ووالديهم ما عندهم
خبار".ص: 41-42.
-
حكاية الفقيه والشيطان. ص: 141- 142.
-
حكاية الزوجين العجوزين والخيانة. ص: 148- 149.
-
"هنالك من يتعيّن عليك
الحفر في أقدامه بفأس، لتزيل تلك القشرة السميكة من الوسخ المتلبّد، لكنك
لن تجد إلا حجابا شفافا لبلوغ قلبه الطيب وأصله الكريم".ص: 180.
-
سخرية الوصف والتشبيه:
-
"يفرش كهفه بقطع من الورق المُقوّى وأسمال بالية ويضع بجانبه
سيفا من صنع تقليدي. كان يخفيه في غمد من ثوب أبيض ككفن. ولا يتحرّك إلا وهو
يتأبّطه كساموراي ذاهب إلى ساحة القتال ليخوض معركة ما".ص: 28.
-
"كان يشرع فمه إلى أقصى الحدود كتمساح صغير ثم يقضم الخبز
بقوة ويلحقها بجرعة الكوكاكولا...". ص: 46.
-
"نعجة طاعنة في السن دخلت منذ زمان سن اليأس. ومصابة بهشاشة
العظام وداء المفاصل". ص: 48.
-
"كنت مثلي مثل "كنيش" صغير تتلهى به سيدته لكي لا
تحس بوحدتها القاتلة". ص: 210.
-
سخرية الألقاب ورمزيتها:
-
حيث تم تداول العديد من الألقاب الساخرة والرامزة في
الرواية، سواء كانت ألقاب أشخاص أم أشياء أم أفعال: حزّوط- سيف عظيم- الرن أخاي
العربي- حطيوشة- شارليوة- الطيب ومراتو- كابران بطاطا- عيروض- الفسفوس- طاق طاق
فويتيحة- مايكل- الهركاوي- كالاباهار- الشطيطح- الحمدوشية- الدحيشة ديالي-
زيزونة- الزيط الليط- المحيجيب..، وهي
ألقاب وأسماء دالة تعكس عمقها الشعبي بحيث يحمل كل إسم حكايته ويعرض أويخفي وشمه وبعده
الدلالي والسيكولوجي والسوسيولوجي..
-
خلاصات:
لقد حاولت رواية "أرصفة
دافئة" أن تضيف جرعة من الجرأة في تناول بعض الطابوهات بأسمائها، وكذا
انتقادها الصريح والمبطن لبعض الظواهر الاجتماعية والأمراض المجتمعية والنفسية
المنتشرة بين المغاربة، ورغم الطابع العام الذي طبع الرواية بالسخرية والتهكم، إلا
أنها عرضت بعض اللوحات الوصفية أو الحكائية الحزينة والمفعمة بالإحساس الإنساني
النبيل، ص: 56/57(مثلا).
ولعلّ الطّابع العام للرواية الذي تغلب
عليه صبغة السخرية، كبّل الكبيري وجعله لا يكاد ينقل إلينا من صورة علاقة الرجل
بالمرأة إلا البعد الجنسي، باسثناء بعض الإضاءات الخافتة، ولذلك، لم يتسنّ لنا أن
نعرف لواعج الحب ومواجع الأشواق في فؤاد البطل المحجوب، بل اكتفى بطل الرواية بسرد
مغامراته الجنسية، ليورد رسالة حب واحدة حاول فيها أن يصف أثر فراق سلمى عليه،
لكنه لم ينفذ بشكل عميق لما درج عليه العشاق.
وعلى العموم، تتميز الكتابة عند
الكبيري بكونها متعة حقيقية، يديرها قلم متمرّس في التحكّم بناصية الحكاية: ويشتغل
انطلاقا من "حفريات متواصلة" في الذاكرة البعيدة، تبلغ حدّ الغوص في التفاصيل
الدقيقة، إضافة إلى إجادة استخدام سلاح السخرية لإثارة الأسئلة والهجوم اللاذع على
بعض المظاهر الاجتماعية المختلّة، كل ذلك عبر حكي مسترسل سلس يظل وفيا للحكاية
مهما وظف من تقنيات واستلهم من أساليب تجريبية، إنه سيّد
الحكاية و"سخرية الحنين".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق