صباح آخر لرام الله مع عطلة رسمية بمناسبة عيد الميلاد حسب التقويم الشرقي، كانت العواصف تشتد طوال الليلة الماضية، والجو يزداد برودة حتى أني شعرت بالتجمد رغم أن موقد الغاز لم يطفأ إلا حين أخلدت لفراشي للنوم، وحين صحوت مبكرا كالعادة كان أول فعل أقوم به فتح النافذة، متوقعا أن يبدأ صباحي مع الزائرة هدى، لكني لم أجدها قد وصلت، وهمست لنفسي كدارس للجغرافيا فترة الجامعة، حين كانت مادتي الطقس والمناخ جزء من دراستي: لعل مرتفع جوي اعترض الطريق على هدى وموكبها فحرف الاتجاهات.
أفطرت وأخذت حمامي الصباحي وبدأت أحتسي القهوة حين بدأت قطرات المطر تهطل فهمست لنفسي: ها هي هدى أرسلت الغيمات لتنظف الطريق وتغسلها قبل وصولها، وبعد قليل توقف المطر وبدأت الرياح تعزف لحنها فقلت: وها هي أرسلت الرياح لتجفف الطرقات والدروب كي تكون نظيفة وجافة باستقبالها، وبعد قليل من الوقت كان البرق يضيء السماء والرعد يصم الآذان فهمست: ها هي فرقة الموسيقى الصاخبة المرافقة لهدى تعزف لحن الترحيب بها، فأهلا بك يا هدى ولعل زيارتك زيارة خير وغيث عميم بإذن المولى.
ما أن أكملت همساتي لروحي حتى بدأت بشائر هدى تطل على رام الله، ومن صومعتي في عين مصباح الشديدة الانحدار بدأت التقط الصور لتوثيق الزيارة، وبدأ العديد من المواطنين بالخروج للترحاب بهدى، رغم كل التحذيرات منذ عدة أيام أن يلتزموا بيوتهم، ولكنهم كالعادة يصمون أذانهم فمحبتهم وعشقهم لهدى فوق الالتزام، فبدأت السيارات بالتزحلق وإغلاق الطرق، وأكثر من سيارة مارست التزلج على الجليد وأصرت أن تقبل سيارات أخرى بقبلات حارة تترك أثرها كسرا وتخريبا، وأدركت بلدية رام الله بسرعة مدركة خطورة ما يجري من ممارسات قد تسيء لحفل الاستقبال للزائرة هدى، فخرجت آليات البلدية بسرعة تزيل التراكم الثلجي وتفتح الطرق، فبوركت السواعد الشابة في بلدية رام الله، وبوركت أرواح المواطنين، وآمل أن يخفف المواطنين من عشقهم لهدى حتى لا يفسدوا عليها وعلينا متعة الزيارة، وأن لا يخرجوا بسياراتهم الغير مجهزة لاستقبال الضيفة الكريمة، فيتحول فرحهم بها إلى إزعاجات ومشاكل.
ما أن أنهيت التصوير من أكثر من زاوية وعبر أوقات تفصلها بعض المسافات الزمنية القليلة، حتى تكون اللقطات تعبر عن فترة دخول الموكب المرافق لهدى، نظرت إلى زاوية في الصومعة فوجدت قطة الجيران قد تسللت عندي، فوثقت زيارتها بلقطتين، وشعرت بها تهمس: أيمكنني الاستمتاع بالدفء وتأمل هدى من خلف النافذة؟ فابتسمت ورحبت بها وبزيارة الجليلة هدى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق