مفر لأي مسلم، متدينا كان أم لا، من الشعور بالمرارة الحقيقية وهو يستمع إلى أخبار من نوع “التعميمات” التي بثتها محطة CBS الفضائية، وعلى ألسن مختصين أمنيين واستخباريين يوم الـ23 من أكتوبر الجاري، في محاولة للتحذير من كل فرد غير مسلم يعتنق الإسلام على حين غرة، باعتباره “إرهابيا” محتملا. إن الإشكال في هذا “التعميم” هو أنه، على نحو مباشر أو ملتوٍ، يضع نهاية للتبشير بالإسلام، بمعنى حركة التبشير بالدين، تلك الحركة التي كانت حجر الأساس لانتشار هذا الدين الحنيف في جزيرة العرب، أولًا، وعبر العالم، ثانيًّا، أثناء وبعد الفتوحات الإسلامية المبكرة.
قد لا يدرك المغفلون من “الإسلاميين الجدد” الذين قلبوا هذا الدين السمح الداعي لقيم السلام والمحبة، الحوار والتلاقح الثقافي، إلى دين “دموي” يعتمد الانتقام والثأر والكراهية والضغائن، نقول قد لا يدركون بأن ما فعلوه من إساءات للإسلام ولمعتنقيه قد قادت، عمليًّا، إلى إغلاق “فصل التبشير” بهذا التقليد الروحي الكوني. وهذه، بطبيعة الحال، خير خدمة يقدمونها الساذجون للأديان التبشيرية المنافسة: فإذا كانت الكنائس الأوروبية والأميركية تعمل بكامل طاقاتها على التبشير بإفريقيا وفي بقاع موبوءة بالأمراض والكوارث، كإقليم دول “إيبولا” الخطير، غرب القارة، درجة وفاة وإصابة بعض المبشرين المسيحيين بفيروس هذا المرض الفتاك، فإن هذه الحركات التبشيرية إنما كانت تخشى في الفضاء الإفريقي لقرون زالت، منافسًا واحدًا، وهو التبشير الإسلامي، خاصة بعد أن اكتسح هذا التبشير في القرون الماضية كتلًا سكانية مهولة أحالت القارة السوداء إلى “قارة شبه مسلمة”.
وإذا كان التبشير الإسلامي بعد انقضاء حقبة الفتوحات المبكرة هو المسؤول الأول عن اعتناق الملايين من سكان جنوب شرق آسيا وغربها عامة (كما هي الحال في ماليزيا وأندونيسيا والفلبين والصين، من بين بقاع أخرى)، فإنه اليوم يعاني انتكاسة خطيرة لا يمكن أن تزال آثارها بيسر أو بسرعة. فإذا كان المعادل الموضوعي لـــ”اعتناق الإسلام” هو “اعتماد طريق الإرهاب”، حسب معطيات الإعلام الغربي الراهن، فإن هذه كارثة ثقيلة حسب جميع المعايير التاريخية.
إن قرن الإرهاب بالإسلام هو غاية الإساءة لدين عالمي تعتنقه مئات الشعوب والقبائل، وإذا ما أخذنا هذا الترادف بضمن جدليات التنافس بين الأديان العالمية على الانتشار عبر التبشير، يغدو هذا الترادف ضربة قاصمة لدين لاذ به الملايين، أجيالًا، بحثًا عن العدالة الاجتماعية والمساواة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وإذا كان “الدعاة” و”المبلغون” يعملون على التبشير بالإسلام أمام منافسين لا ينقصهم التمويل ولا الإمكانات الفنية من أديان عالمية أخرى، فإنهم اليوم يعملون مع منافسين من نمط جديد، وأقصد هؤلاء الذين يقدمون للنوع الآدمي صورة لإسلام لا يمت للسلام وللحوار وللتعاون بأية صلة، للأسف. هم يقدمون إسلامًا قسريًّا يحقق مآرب معتنقيه بإراقة الدماء وبالخوف.
وإذا كان المرء متيقنًا من أن هذه اللوثة لن تؤثر على مسيرة الإسلام التبشيرية في التاريخ عبر العالم، فإن للمرء أن يفترض، وبشيء من التيقن، أن الإعلام الغربي في خضم حملته ضد الإرهاب، لا يتوانى عن قنص أية فرصة سانحة لتشويه دين جمع الأعراق وأذابها في بوتقة واحدة حتى صار أكثر الأديان انتشارًا عبر العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق