أ.د. محمد الدعمي
”سيبقى “الاعتدال” و”المعتدل” سبباً للنقاش والخلاف المستطيل، بدليل ماحدث في أروقة الكونجرس الأميركي ذاته يوم 16 سبتمبر الجاري من أخذ ورد حول معنى “معتدل” في سياق مساءلة وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، ذلك الرجل الذي سيؤرقه ويضنيه الاعتدال بسبب تغييره ملابسه وشكله وأقنعته من آن لآخر…”
ـــــــــــــــــــ
كما انشغل العالم، حكومات ومنظمات دولية واصحاب أقلام رأي، سنوات بإيجاد تعريف دقيق متفق عليه للفظ “إرهاب”، أظنه سينشغل سنوات أخرى في إيجاد تعريف، متفق عليه ودقيق للفظ “اعتدال” أو “معتدل”، خاصة بعد أن تنادت العديد من القوى العالمية والإقليمية لتدريب وتسليح “القوى السورية المعتدلة” على أراض خارج سوريا على سبيل: (1) إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد الذي كان “معتدلاً” حتى وقت قريب (أربع سنوات)، خاصة اثناء وبعد نهاية حرب “تحرير الكويت”؛ و(2) تدمير القوى “الإرهابية”، غير “المعتدلة” التي تعمل على تحقيق الهدف الأول أعلاه في ذات الوقت. وهكذا سيختلط الأمر على القاصي والداني، حتى يحل وقت تفرض فيه قوى عظمى، كالولايات المتحدة فهمها وتعريفها لـ”الاعتدال”، ثم تداوم في اعتماده وتشجيعه ودعمه، حسب رؤيتها هي فقط. وهذه حسنة، لا ريب، من حسنات وجود قوة عظمى واحدة في العالم لا يمكن لأحد مناقشتها أو الاعتراض عليها، لأننا هنا لسنا بصدد النقاش والاختلاف: فـ”نفذ ثم ناقش” .
ومع هذا سيبقى “الاعتدال” و”المعتدل” سبباً للنقاش والخلاف المستطيل، بدليل ما حدث في أروقة الكونجرس الأميركي ذاته يوم 16 سبتمبر الجاري من أخذ ورد حول معنى “معتدل” في سياق مساءلة وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، ذلك الرجل الذي سيؤرقه ويضنيه الاعتدال بسبب تغييره ملابسه وشكله وأقنعته من آن لآخر: فباسم الاعتدال والقوى المعتدلة والمعارضة لنظام الرئيس الأسد، دخلت أخطر القوى الإرهابية الصراع في سوريا، فرفض البعض أن يدمغ “الاعتدال” بـ”الوحشية” يوم قضم أحد المقاتلين المعارضين قلب جندي سوري ميت بشيء من السادية والتلذذ.
على كل حال، قدم مستجوبو كيري دليلاً على صعوبة كنه معنى الاعتدال وعلى من تطلق صفته، بل إن بعضهم ذهب حد استحضار الخوف الهاجسي من أن “ينقلب المركب على الربان”، فيتحول المعتدلون إلى ناحرين وقاطعي رؤوس على حين غرة، كما حدث ذلك خلال بضع سنوات، خاصة وأن أعضاء الكونجرس لا يمكن أن ينتزعوا من دواخلهم الانطباع المرير بأن “إقليم المفارقات”، اي إقليم “الشرق الأوسط” يزخر بالمفاجآت، المفرحة والمحزنة! هم يخشون هذا الإقليم المتقلب، بل ويخشون أكثر القادمين من هذا الإقليم، زيادة على إشكالية كيف ينظرون ويقيمون الاعتدال. أظن أن “الاعتدال العربي” سيصيب العديد من أعضاء الكونجرس بالتأرق والغثيان، ثم فقر الدم في القريب العاجل.
أظننا سنكون بحاجة ملحة لأجهزة “كشف الكذب” على سبيل أن يقيس ويقيّم كل معتدل يزمع المشاركة في حرب “تحرير سوريا”، كما شاركت هي في حروب “التحرير” السابقة!
عن جريدة الوطن العمانية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق