أ.د. محمد الدعمي
على العالم أن يعيد حساباته إذا ما تمكن الأسكتلنديون من الانفصال عن “بريطانيا العظمى”، حيث سيتوجب التعامل مع بريطانيا أصغر حجمًا ومساحة وسكانًا: فهل ستبقى المملكة المتحدة، متحدة؟ أم أن “تحرر” أسكتلندا سيفتح الأبواب لمطالبة الويلزيين والأيرلنديين بالانفصال؟ ولا يدري المرء أي حروب مشروبات ستتبع!
لا يملك المرء إلا أن يشعر بثمة تمايزات إثنية يضمرها المجتمع الأميركي على نحو واسع، زيادة على تعقيد السود والبيض: ذلك أن المرء عندما يلتقي شخصًا أبيض، فإنه، على أغلب الظن، سيقول بأنه من أصل “أيرلندي”. لا أدري لماذا يفضل البيض الانتماء للأصل الأيرلندي، وليس الإنجليزي أو الأسكتلندي، الألماني أو الهولندي، وكلهم آريون من ذات الشجرة الشقراء، طويلة القامة! ربما كانت لهذه الحميمية صلة بالاعتزاز القومي الأيرلندي بالذات. علمًا أن الأيرلنديين والويليزيين والأسكتلنديين ينتمون أصلًا للأقوام “السلتية” الجيرمانية.
ثمة شيء ما يستحق الملاحظة في الموضوع، لأن ذا الأصول الأوروبية عندهم أفضل من ذي الأصول الشرق أوسطية أو الآسيوية، كما يعتقدون، خطأ. هذا النوع من التفاضل الإثني يأخذ مداه اليوم مع اقتراب التصويت على مسألة “طلاق” أسكتلندا من إنجلترا بعد أن دام زواجهما أكثر من ثلاثة قرون. لم يتمكن التاج البريطاني من الروح القومي والتعصب الإثني على سبيل إزالتهما، فالأيرلنديون يعدون أنفسهم أرفع عنصرًا من الإنجليز الذين يحكمون الممالك الثلاث عبر عائلة مالكة إنجليزية عتيقة. وهكذا تمثل هذه الأسرة الآصرة الأساس الجامعة لأربع أمم، تنافرت عددًا من المرات، ثم انصهرت في بوتقة واحدة، سميت بريطانيا.
ولكن، هل للمرء أن يتوقع تعقيدات على المستوى الاستراتيجي العالمي في حال نجح صنّاع الـ”سكوتش” بالانفصال عن محتسي الـ”سكوتش” الأكثر عشقًا له، أي الإنجليز، بدليل أن رئيس الوزراء البريطاني الشهير ونستون تشرشل Churchill كان قد عبّ من هذا السكوتش نفس الكمية التي تستهلكها مدينة لندن بكاملها طوال يوم كامل! لا أدري، لمن سيتوجه الإنجليز، إذا “زعلوا” على أهل “السكوتش” وسادت القطيعة بينهما، هل سيعبرون مضيق المانش إلى فرنسا، عدوتهم التاريخية، بحثًا عن الكونياك أو النبيذ الفرنسي بديلًا عن السكوتش!
بين هذه الشعوب ذوات الدم البارد، لا تستحيل “الصراعات القومية” إلى صراعات دموية، كما هي الحال عند أهل الدماء الحارة، من أمثالنا. هي تبدو وكأنها تنافسات بين شاربي الشاي الإنجليز ومحتسي القهوة الفرنسيين: فأيهما تفضل، صديقي القارئ، الشاي الساخن، أم القهوة؟! على أغلب الظن، أنك ستفضل القهوة، بسبب أصولها العربية اليمانية، علمًا أنك تشعر بالإهانة، إذا ما استفزك شخص غريب بلفظ خشن، وأنت ترتشف القهوة! فهذه هي غاية الإهانة: أن تزعج عربيًّا وهو يحتسي القهوة بسلام!
على العالم أن يعيد حساباته إذا ما تمكن الأسكتلنديون من الانفصال عن “بريطانيا العظمى”، حيث سيتوجب التعامل مع بريطانيا أصغر حجمًا ومساحة وسكانًا: فهل ستبقى المملكة المتحدة، متحدة؟ أم أن “تحرر” أسكتلندا سيفتح الأبواب لمطالبة الويلزيين والأيرلنديين بالانفصال؟ ولا يدري المرء أي حروب مشروبات ستتبع! إلا أن المؤكد هو أن ترسانة بريطانيا النووية موجودة اليوم في أسكتلندا، وليس في إنجلترا، فإذا انفصلت الأولى، هل ستبقى المملكة المتحدة، متحدة دولة نووية عظمى، أم أنها ستتراجع إلى مصاف دول أوروبية “ضعيفة” مثل فنلندا أو اليونان؟
عن صحيفة الوطن العمانية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق