مدونة الأديب سهيل ابراهيم عيساوي , تعنى بقضايا الأدب والفن والمسرح والثقافة والأدباء في العالم العربي والاصدارات الادبية ، أدب الأطفال ، النقد ، مقالات ، دراسات ، جوائز أدبية ، ورصد الحركة الأدبية المحلية .بامكانك ايها الكاتب اثراء المدونة بنتاجك الأدبي وأخبارك الثقافية ،من خلال مراسلتنا على البريد الالكتروني : sohelisawi@yahoo.com ص .ب 759 ، كفرمندا 1790700 ، هاتف نقال 0507362495 المواد المنشورة في المدونة لا تعبر بالضرورة عن راي صاحب المدونة
الأربعاء، 30 أكتوبر 2019
تكريم الفائزين بالدورة الـ11 من جائزة "اتصالات" لكتاب الطفل: تحفيز الإبداع
كرّم عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الفائزين الستة بجائزة اتصالات لكتاب الطفل في نسختها الحادية عشرة، يرافقه المهندس صالح عبدالله العبدولي، الرئيس التنفيذي لـ"مجموعة اتصالات" وذلك خلال حفل افتتاح الدورة الـ 38 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي يستمر حتى 9 تشرين الثاني، ويقام تحت شعار "افتح كتاباً، تفتح أذهاناً" في عام استحقاق إمارة الشارقة للقب العاصمة العالمية للكتاب.
وتوزّعت جوائز النسخة الحادية عشرة على الفائزين من الأردن ولبنان ومصر والعراق، حيث فاز بجائزة "كتاب العام للطفل" قصّة (عن "س" و"ل")، وهو من تأليف أنس أبو رحمة، ورسوم لبنى طه، والصادر عن "الدار الأهلية للنشر والتوزيع" في الأردن، أما في فئة "كتاب العام لليافعين"، فقد فاز كتاب "لمن هذه الدمية؟" للكاتبة تغريد النجار، والصادر عن "دار السلوى للدراسات والنشر" في الأردن.
وضمن فئة "أفضل نص" فاز كتاب "دمشق: قصة مدينة" تأليف ورسوم آلاء مرتضى، الصادر عن "دار البلسم للنشر والتوزيع" في مصر، فيما فاز عن فئة "أفضل رسوم"، كتاب "أنا أطير"، وهو من تأليف الدكتورة أماني سعد الناجم، ورسوم علي خالد الزيني، والصادر عن "ألف باء تاء ناشرون" في الأردن.
وفاز ضمن فئة "أفضل إخراج"، كتاب "أبو كركوبة" وهو من تأليف نبيهة محيدلي، ورسوم وليد طاهر، والصادر عن "دار الحدائق" في لبنان، في حين نال جائزة "أفضل كتاب صامت"؛ الفئة الجديدة، كتاب "سر البئر" رسوم معصومة حاجي وند، وتأليف علي القاسم، والصادر عن "دار البراق لثقافة الأطفال" في العراق
وفي هذا الصدد قالت رئيسة مجلس إدارة المجلس الإماراتي لكتب اليافعين مروة العقروبي: "منذ انطلاقها عام 2009، نجحت جائزة اتصالات لكتب اليافعين، في تحفيز صناعة كتاب الطفل في العالم العربي، وتشجيع الناشرين، والمؤلفين، والرسامين، للمساهمة في تقديم أعمال متكاملة ومتميزة، إذ شهدنا خلال السنوات الماضية تطوراً كبيراً في نوعية الكتب التي شاركت، حيث بدت واضحة الجودة التي باتت تقدم فيها كتب أدب الطفل".
وأضافت: "الهدف من الجائزة يتناغم مع تطلعات إمارة الشارقة، بإثراء ثقافة الطفل، وتعزيز المكتبات بإصدارات وعناوين ملائمة، تغرس حب الكتاب العربي في نفوس الأطفال واليافعين، وتسهم في خلق جيل مثقف وواعٍ، بالإضافة إلى دعم الإنتاجات الإبداعية في مجال صناعة كتب الصغار".
وتعكس رعاية اتصالات للجائزة ضرورة مشاركة القطاع الخاص في مختلف المبادرات، التي من شأنها أن تساهم في دعم عملية التنمية المجتمعية، لا سيما تلك التي تتعلق بالبناء المعرفي للإنسان، نظراً للمخرجات التي ستنعكس على المجتمع بأسره.
وتؤكد هذه الشراكة المؤسساتية على أن إحداث التغيير الإيجابي في المجتمعات، يأتي نتاج تضافر جهود، تشمل مختلف مكوناتها.
ووصل عدد المشاركات في الجائزة إلى 175 طلب مشاركة، من مختلف الدول سواء من دور نشر عربية في دول أجنبية مثل أميركا، وكندا، وفرنسا، وجزر السولومون، أو مشاركات من دول عربية مثل مصر، ولبنان، والأردن، والسعودية، والبحرين، والعراق، وفلسطين، والمغرب، وتونس، وغيرهم.
وتتضمّن جائزة اتصالات لكتاب الطفل، التي تعد الأكبر من نوعها في مجال أدب الطفل على مستوى الوطن العربي وينظمها المجلس الإماراتي لكتب اليافعين، بالتعاون مع شركة اتصالات، ست فئات هي: فئة "كتاب العام للطفل"، وقيمتها 300 ألف درهم، يتم توزيعها بالتساوي على الناشر والمؤلف والرسام، وفئة "كتاب العام لليافعين"، وقيمتها 200 ألف درهم، توزع مناصفة بين المؤلف والناشر، وفئة "أفضل نص"، وقيمتها 100 ألف درهم، وفئة "أفضل رسوم"، وقيمتها 100 ألف درهم.
كما تشمل فئة "أفضل إخراج" وقيمتها 100 ألف درهم، وفئة "الكتاب الصامت" بقيمة 100 ألف درهم، فضلاً عن تخصيص الجائزة لـ 300 ألف درهم لتنظيم سلسلة ورش عمل لبناء قدرات الشباب العربي في الكتابة، والرسم، ضمن برنامج "ورشة" التابع للجائزة.
يشار إلى أن جائزة اتصالات لكتاب الطفل، انطلقت برعاية من شركة "اتصالات"، وتنظيم المجلس الإماراتي لكتب اليافعين، بهدف دعم صناعة كتاب الطفل في العالم العربي، والارتقاء به، وتكريم كتب الأطفال المميزة، التي تتناول مواضيع معاصرة تثري أدب الطفل، إلى جانب تحفيز الناشرين، والكتاب، والرسامين، للإبداع في مجال نشر كتب الأطفال الصادرة باللغة العربية.
والمتتبع لمسيرة الجائزة منذ انطلاقها في العام 2009، يلحظ الدور المحوري الذي لعبته في تطوير كتاب الطفل العربي، وتحفيز الطاقات الإبداعية المتخصصة في تأليف، ورسم، وإخراج، ونشر كتب الأطفال واليافعين باللغة العربية، إلى جانب إثرائها مكتبة الطفل العربي بإصدارات مميزة ونوعية، وقدمت جوائز مالية بقيمة إجمالية تتجاوز 10 ملايين درهم، تكريماً لمبدعي الوطن العربي.
رحيلُ شاعرٍ وأديبٍ مُبدع بقلم : حاتم جوعيه - المغار - الجليل
( كلمة ُ حق يجب أن تقال في الفقيد
الشَّاعر الأستاذ " حمزه نجيب بشير" - المغار -
في الذكرى السنويَّة على
وفاتِهِ - )
لقد خطفَ الموتُ قبلَ عدَّةِ سنواتٍ صديقا عزيزًا حميمًا، وأستاذا عرفناهُ مُربِّيًا مُرشِدًا، وشاعرًا رائِدًا مُبدِعًا
عظيمًا وهو في عنفوان ِانطلاقهِ وعطائِهِ
وَتدفُّق سلسالهِ الفكري وانسيابهِ الفنِّي الإبداعي المتواصل ، إثرَ داءٍ
عضال ٍ ، لم يُمهلهُ حيث توفيَ بعدَ بضعةِ
أشهرٍ،عن عُمرٍ يناهز الخامسة والخمسين سنة (55 )... إنهُ صديقي وأستاذي الشَّاعر"حمزه نجيب بشير
" من قرية المغار .
كانَ
شاعرُنا وأديبنا أنموذجًا حَيًّا ومثالا ً
رائعا يُحتذى بهِ للأستاذ المُربِّي
الذي يتفانى في تأديةِ رسالتِهِ الإنسانيَّةِ التعليميَّةِ والتثقيفيَّةِ
، لتعليم ِوتهذيبِ وتثقيف تلاميذهِ - الأجيال الناشئة ، ولبناءِ وَصُنع ِ جيل ٍ
صاعدٍ واعدٍ ، على مستوى عال ٍ وراق ٍ من الوعي ِ الثاقبِ والمعرفةِ
والعلم ِ والإدراكِ...جيلٍ يشعرُ
بالمسؤوليَّةِ ويتحلَّى بالمبادىء
والمُثل ِ والإلتزام ِ الخُلقي .
إنَّ
جميعَ الذينَ يعرفونَ شاعرنا " حمزه بشير" عن كثبٍ ، وهم كثيرون
جدا ، من مختف القرى ومدن البلاد، يعترفون
ويشهدون لهُ بجميع المآثر والصِّفاتِ والميزاتِ المثاليَّةِ
الحميدةِ : كالمثل والقيم والمبادىءِ
والأخلاق السَّاميةِ ، والعلم والمعرفةِ
، والرَّأي الصائبِ ، والوفاء
والإباء والكبرياء .
لقد أدَّى شاعرُنا رسالتهُ
الإنسانيَّة والتربيويَّة والفكريَّة على أحسن وجهٍ .
فعلى الصعيدِ الإجتماعي كان نشيطا
جدًّا لهُ دورُهُ الكبير والهام في جميع
المحافل والمناسبات ، تركَ بصماتهُ
الإبداعيَّة َ وأريجَهُ المعطاء يتضوَّعُ في كلِّ زاويةٍ وركن ٍ وصوب .
أمَّا في المجال الفكري والدراسي فهو المثالُ الأعلى الذي يُحتذى بهِ فكتبَ وأبدَعَ وتركَ لنا
الكثيرَ ..الكثيرَ من القصائد
والمقالات والدراسات الادبيَّةِ
والفكريَّةِ . صدرَ لهُ
مجموعتان شعريَّتان ، قبلَ وفاتِهِ ، بعنوان : 1 ) فوق الجبال شموخا
. 2 ) ملاحم التوحيد
. والديوانان من الحجم المتوسط الكبير طُبعا على نفقتِهِ الخاصَّة ،
وكانَ يعدَّ لصدورِ الديوان الثالث ولكنَّ يدَ المنون اختطفتهُ قبلَ إتمام هذا
المشروع . ويُعتيرُ الشَّاعرُ والأديب حمزه
بشير في طليعةِ الشعراءِ
المحلِّيِّين الرَّائدين في نطر ِ
كلِّ مَن
وقفَ واطَلعَ على
شعرهِ من الشُّعراءِ والأدباءِ الذين
يعرفونَ ويدركونَ ويعونَ ماهيَّة وقيمة َ الشِّعر الحقيقي .
ولكنَّ شاعرنا، بدورهِ ، كانَ لا يُحبُّ الشُّهرة َ
والمظاهرَ الشكليَّة َ البرَّاقة وتركيزَ
الأضواءَ عليهِ لتواضعهِ
... فقد ركَّزَ
معظمَ وقتِهِ في التدريس والإهتمام في شؤُونِ بيتِهِ
وعيالهِ وتربيةِ الأجيال ( حيث عملَ مُعلِّمًا في المدرسةِ )
وعملَ أيضًا في
الأرض والزراعةِ ، بشكلٍ مستمرٍ ودائم ٍ ،
في أوقاتِ قبل أو بعد
أن ينتهي من دوامِهِ اليومي في مهنةِ التدريس ... وهذا
كانَ سببًا رئيسيًّا مباشرًا ( لإنشغالهِ وعدم ِ
سعيِهِ وراءَ الإعلام والشُّهرةِ ) في عدم ِ تكثيفِ
الكتابةِ عنهُ وعدم إعطائهِ تغطية إعلاميَّة
واسعة ومكثَّفة في الصحفِ
والمجلاتِ المحليَّةِ رغمَ
دورهِ الرائد والهام
على الصَّعيد الإجتماعي والثقافي
والفكري
واشتراكهِ وإدارتِهِ للعديدِ من البرامج والمناسباتِ التربويَّة
والثقافيَّةِ في قريتهِ وغيرها من قرى ومدن
البلاد . لقد كانَ عضوًا في اللَّجنةِ التنفيذيَّةِ لرابطةِ الكتاب العرب الفلسطينيِّين
في الداخل ( قبل تفككها وتلاشيها ) وشغلَ أيضًا عضوًا في في اللجنةِ المزكزيَّةِ للحزبِ الديمقراطي العربي .... فعملَ وضحَّى
من وقتهِ وجيبهِ وقدَّمَ
الكثيرَ من دونِ مقابل . أمَّا
بالنسبةِ لعطائِهِ الشِّعري
واللونِ الادبي الذي
يحتذيهِ فقد كتبَ
حمزة بشير الشِّعرَ الموزونَ المقفَّى ( الكلاسيكي التقليدي ) وكتبَ أيضًا
شعرَ التفعيلة ، وابتعدَ عن الشِّعر الحُرِّ الخالي من
الوزن والإيقاع الموسيقي . يمتازُ
شعرُهُ بجزالةِ الألفاظ ومتانتِهَا وبقوَّةِ
التعبير والمجاز اللغوي
وباتِّساع الآفاق والخيال وبالصورِ الحسيَّةِ الجماليَّةِ الغزيرةِ وبالعُمق المعنوي والفكري والإنسياب الموسيقي السَّاحر،
وبالرُّؤيا الفلسفيَّةِ الإنسانيَّةِ المُشرقةِ .
كتبَ شاعرُنا
الفقيدُ في جميع ِ المواضيع والقضايا
وأبدَعَ فيها أيُّمَا إبداع ، وخاصَّة ً في شعر ِالطبيعةِ والوصف .
ويُعتبرُ في هذا المجال الشَّاعرَ
الفلسطيني الأوَّل وربَّما الوحيد
محليًّا الذي تناولَ هذا الموضوعَ ( وصف الطبيعة) بإسهابٍ وتمرُّسَ
وتفنَّنَ فيهِ واختالَ في نجودِهِ
ووهَادِهِ وتلاعِهِ وسهوبهِ .
فشعرُهُ في وصفِ الطبيعةِ
نابضٌ بالحياةِ والمشاهدِ
والصورِ الحسيَّةِ الجماليَّةِ البرَّاقةِ وهيَ عبارة ٌعن لوحاتٍ فنيَّةٍ
إبداعيَّةٍ خالدةٍ خطَّهَا قلمٌ
فذ ٌّ وراءهُ خيالٌ واسعٌ وَحِسٌّ
مُرهفٍ وفكرٌ عبقريٌّ لا يُشقُّ
لهُ غبار . قصائدُهُ سمفونيَّة
ٌجذلى لها صداها وإيقاعُهَا الأخَّاذ في
الضمائر والوجدان . غنَّى في شعرهِ للفلاح ...للإنسان ِ العامل الكادح
المُكافح ، وللقيمِ والمبادىءِ ....
للضمير ِ الإنساني أينما وُجدَ في زمن ٍ عَزَّ فيهِ
الضميرُ والمبادىءُ . إنَّهُ عاشَ مع الشَّعبِ والناس، عالجَ
مشاكلهم وهمومَهم ولم يكن في بُرج عاجيٍّ
بعيدًا عن مُعتركِ الحياةِ وعن
الناس وهمومِهم وآمالهم وأحاسِيسهم مثل الكثير غيره من الشُّعراءِ الذين يقولونَ ما لا
يفعلون .
يقولُ الشَّاعرُ " حمزه بشير " في
قصيدتِهِ " الفلاح "
:
( " أيُّهَا
الفلاَّحُ مَرحَى قالهَا الصُّبحُ المُنيرْ
عندمَا الفلاحُ
يصحُو أنا في
الليلِ أسيرْ
قبلَ طيرِ الرَّوض يَسْعَى وَهْوَ يشدُو
أغنياتْ
لقفير النحلِ يشدُو لغزال ٍ في
الفلاةْ ").. إلخ .
وينشدُ للعامل ِ
في أوَّل ِ أيَّار فيقول :
( "هذا اتِّحادُ الشَّعبِ
أصدَقُ شاهدٍ اللهُ أكبرُ
عِشتَ يا أيَّارُ
قسَمًا بأرضي
بالصِّغارِ بخالقِي
وبكلِّ حُرٍّ من
بنيكِ " مَغارُ "
سندُقُّ بابَ الشَّمس ِ حتى ينجلي
ذاكَ الظلام ِ وتلتقي
الأحرارُ
وَيعمُّ في الأرض ِالسَّلامُ وَتمَّحِي
من فوقِ شرقي عُصبة ٌ
أشرارُ
أيَّارُ والعُمَّالُ
هذا
جمعُهُمْ لبَّى
النداءَ على دروبكَ
سارُوا
كلٌّ يُعَيِّدُ والحياة ُ عقائِدٌ لكنَّ عيدَكَ
كعبة ٌ وَمزارُ
فارفعْ مِنَ
الرَّاياتِ أحمرَ قانيًا
لونُ الدِّماءِ ونفحة ٌ
مِعطارُ
تلكَ السَّواعدُ حينَ شدَّتْ
بعضَها دَكَّت عروشًا
بالفسادِ تُدارُ
صَكُّوا القيودَ
مطارقا ً ومناجلاً حصدُوا الظلامَ فكانَ
منهُ نهارُ
وغنَّى
للأرض ِ والوطنِ في كلِّ
مناسبةٍ . شدوُهُ مُترَعٌ
بالصِّدق والحرارةِ ، يُشِعُّ عذوبة ً وسحرًا
وجمالا ً يأسرُ القلوب
ويسبي الألبابَ ويُحرِّكُ
الجماهيرَ والناسَ ويُذكي فيهم
الحماسَ المُلتهبَ والشُّعورَ والحِسَّ
القومي العربي الجيَّاشَ المُقاوم
. فيقولُ في مناسبة
يوم الأرض ِ الخالد ( والقصيدة ُ يتحدَّثُ
فيها عن قريتهِ " المغار " و جبل " حزُّور " الذي تقعُ القرية ُ على سفحِهِ ... وقد ألقاها في
مهرجان يوم الأرض الذي
يقام في كل سنة :
( " في كلِّ شبر ٍ من ترابكَ
رَونقُ تاجٌ على
هامِ الجليلِ يُعلَّقُ
أهواكَ يا "حزُّورُ
"صخرًا صامدًا مَرَّ الغزاةُ
على ذراكَ تزحلقوا
أجدادُنا سُمْرٌ
بلونِ ترابنا حَطُّوا
وطارُوا كالنسورِ وحلَّقوا
في كلِّ
بابٍ للمغارِ طرقتهُ سورٌ
مِنَ الزَّيتونِ ... بحرٌ أزرَقُ
زيتوننا أهلٌ
بتربةِ أصلِهِ والأصلُ
باق ٍ لا يُجرُّ
وَيُسرقُ
غرَسَ الغُزاةُ بأرضِنا شجَرًا وَمَا حَمَلوُا
لرومَة َ غيرَ بُومٍ ينعَقُ ).
وفي كلِّ مناسبةٍ وطنيَّةٍ أو
إجتماعيَّةٍ نراهُ يُواكبُ أحداثَهَا ويكتبُ عنها ، ولهُ في مجال الرِّثاءِ باعٌ واسعٌ إذ رَثى وبكى بحرارةٍ الكثيرَ من الشَّخصيَّاتِ الأدبيَّةِ والسِّياسيَّةِ البارزةِ محليًّا وعلى
صعيدِ العالم ِ العربي ( التي لعبت
دورًأ حسَّاسًا وهامًّا ) ، مثل : الشَّاعر الفلسطيني المحلِّي الكبير
المرحوم " راشد حسين " الذي كانَت تربُطُهُ
صداقة ٌ حميمة ٌ مع شقيقهِ
المرحوم ( سلمان نجيب بشير ) عندما كانا في مقاعد الدراسة ( في المرحلة الثانويَّة
- حيث تعلَّما في المدرسةِ الثانوية في مدينة الناصرة )
فعندما توفيَ شقيقُ شاعرنا رثاهُ راشد حسين بقصيدةٍ شعريَّةٍ ، وبعدَ وفاةِ
راشد أو بالأحرى استشهادِهِ رثاهُ
شاعرُنا حمزة بشير
بقصيدةٍ رائعةٍ يقولُ فيها
:
( " للفجرِ شعرٌ قد
نطمتَ لوقفةٍ نادَاكَ
شعبٌ أنتَ فيهِ
راشِدُ
الشِّعرُ طاقاتُ العصورِ تفجَّرَتْ كم
ثارَ شعبٌ ألهَبتهُ
قصائِدُ
غنَّتهُ أجراسُ
الكنائِس ِ رقَّة ً وترَنَّمَتْ في الشَّرق ِفيهِ
مَسَاجدُ
غنَّاهُ طيرُ الدَّوح فوق غُصونهِ والنَّحلُ غنَّاهُ
وغنَّى الحَاصِدُ
يا " راشدٌ " بَكتِ
القوافي غُربَة ً وَسَقاكَ مُزنٌ
في المواسم ِ عائِدُ) .
( والجدير بالذكر ان الشاعرالوطني الكبيرالمرحوم
راشيد حسين هو شقيق الشاعر والأديب الأستاذ أحمد حسين
من قرية مصمص - المثلث - الذي توفي
مؤخرا ) .
ومن مراثيهِ هنالكَ
قصائد نطمها في رثاءِ كلٍّ من
: "كمال جنبلاط " و " سلطان باشا
الأطرش " - يقولُ في رثاءِ كمال جنبلاط :
("حَيُّوا الشَّهيدَ كمالا ً
أيُّهَا العرَبُ لبنانُ
مِن بعدِهِ والشَّرقُ
ينتحِبُ
يومُ الرَّحيلِ بكاهُ
الأرز ُ مُتَّشِحًا والطيرُ والرِّيحُ والأنواءُ
والسُّحُبُ
ويقولُ في القصيدة :
(" بنى اشتراكيَّة ً
مُثلى وأطلقهَا في
أرض ِ لبنان والإقطاعُ يلتهبُ
خَسارة ُالشَّعبِ أن يفنى على
عجل ٍ ومطلعُ الفجرِ في الشَّرقين ِ يقتربُ
وَغَاية ُ العصرِ أن يَحْيَا
عباقرة ٌ وَعِلَّة ُ الجيل ِ
مَن يَحيَا بهِ عَطبُ
ويقولُ :
وثارَ في القوم ِ ريحٌ مِن أشاوسِهِ فزمجَرُوا مثلَ موج
ِ البحرِ يَصطخِبُ
أخالُ فيهم صلاحَ الدِّين ِ
مُنبعِثا ً في سهلِ ِ حطِّينَ والأبطالُ تحتربُ ) .
وفي رثاءِ سُلطان
باشا الأطرش يقول :
(" وقعُ الحُسام ِ على يديكَ
يُعَانقُ سلطانُ بعدكَ
أيُّ كفٍّ يعشقُ ) .
كما أنَّ لشاعرنا ذوقٌ وحِسٌّ مُرهفٌ للغناءِ
والفنِّ فرثى الموسيقارَ الرَّاحل "
فريد الأطرش " عندما توفيَ - فيقول من قصيدة :
( " ما للمزاهرِ لا
تدقُّ وتسمعُ ما
للمكارم ِ لا تشعُّ
وتلمعُ
غابَ الفريدُ وقد طوَى
حِرمانهُ نفسَ الأصيل ِ
ولا دُموعٌ تشفعُ
عادَ الرَّبيعُ
فغَنِّ يا فريدُ
ولا تجزَعْ بقبركَ إنَّ
صمتِكَ أروَعُ ) .
وتناولَ أيضًا مواضيعَ
وقضايا أخرى في الشّعر ِ، فكتبَ للأطفال
والبراءةِ وكتبَ للأمِّ والأب وغيرها، وقصائدُهُ خرائدُ خالدة ٌ في
فردوس ِ الشِّعرِ الإنساني المُشرق .
يقولُ مثلا في موضوع الصَّدَاقة الحقيقيَّة الصادقة :
("أصونُ مَوَدَّتي
وَرفيقَ دربي وأهديها
لِمَن عَهدِي يَصُونُ
طربتُ لصادق ٍ في الناس ِ
يُعطي صراحة قولِهِ هذا يزينُ.. " ) .
ويقولُ في قصيدةٍ بمناسبةِ عيد الأم :
( " هيَ الأمُّ التي
أوصاكَ ربِّي وأنزلَ
أكرمَ الآياتِ قولا
إذا ذهَبَت
بكاها الكونُ يُتمًا
فإنَّ الأرضَ بعدَ
الأمِّ ثكلى ") .
إنَّ أشعارَ فقيدِنا الشَّاعر " حمزه بشير " عبارة ٌعن
مرآةٍ تعكسُ شخصيَّتهُ وَمنهجَهُ ، ونجدُ فيها أسمى معاني الصِّدق ِ والوفاءِ والإباءِ
والكرم والشَّجاعةِ والكرامةِ والفخرِ
والإعتزاز ِ القومي ، والمُثل والقيم في كلِّ كلمةٍ
يقولها ... إنَّهُ واحدٌ من قلائل جدًّا في
يومنا هذا، كتبوا بصدق ٍ ونزاهةٍ
وأمانةٍ ،
وجَسَّدُوا
واقعَهم وعالمَهم وميحيطهم والتزَمُوا بمبادِئهم ، وكانت كتاباتهُم خارجة ً من صميم ِ وجدانِهم .
وأخيرًا وليسَ آخرًا : مهما
كتبنا عن شاعرنا الفقيد "حمزه
بشير " -( أبو الفخر ) نبقى مقصِّرين ، لأنَّ شاعرًا مثلهُ تحتاجُ قصائدُهُ
إلى
وقفةٍ طويلةٍ جدًّا وإلى دراسةٍ عميقةٍ وشاملةٍ للتوغُّل ِ والإسهابِ في أغوارها
ولمعرفةِ فدافدِها
وَخِضَمَّاتِهَا وكشفِ خفايا لآلئِهَا
وشوارِدِها . ولكن وللأسفِ الشَّديد لم يكتبْ أيُّ
مسؤُول ٍ أو أديبٍ أو ناقدٍ شيئا عن
دواوينِهِ السابقةِ المطبوعةِ ... وأظنُّ
أنَّ لوسائل
الإعلام ( الصحف والمجلات
المحليَّة وغيرها ) دورًا
هامًّ وخطيرًا (
أحيانا سلبي أو إيجابي
) في
مسيرةِ وانطلاقةِ الحركةِ الأدبيَّةِ المحليَّةِ . وأرى أنا، بدوري ،
أنَّ شاعرَنا لم يأخُذ حقَّهُ
من الإنتشار والشُّهرةِ
رغمَ أنَّهُ منَ
المفروض ِ أن يكونَ إسمُهُ
مُدرَجًا في طليعةِ الشُّعراءِ القوميِّين الوطنيِّين المُلتزمين
المُناضلين المُبدعين الرَّائدين المُجَدِّدين لمَا تحتويهِ
قصائدُهُ الكثيرة ُ من مستوًى راق
ٍ وعال ٍ، وأسلوبٍ جزل ٍ مُمَيَّز ،
ونظرةٍ مستقبليَّةٍ شموليَّةٍ ،
ورُؤيا فلسفيَّةٍ مُشرقةٍ، وصورٍ حِسِّيَّةٍ
مُلوَّنةٍ مبتكرةٍ، وعالمٍ رومانسي فريدٍ زاخرٍ
بالسِّحر ِ والجمالِ والأملِ والحياةِ
.
( بقلم : حاتم
جوعيه - المغار -
الجليل )
كلِمَة ُ حقٍّ في الأستاذ ِ المُربِّي والشَّاعر ِوالأديب ِ والفنان المرحوم " أمين أبو جنب
( " في الذكرى السَّنويَّة
ِ على وفاتهِ "
)
بقلم : حاتم جوعيه - المغار - الجليل
مقدِّمة ٌ : رحلَ عنا قبلَ سنوات الأستاذ ُ المُربِّي والشَّاعرُ الأديبُ والفنانُ
التشكيلي المُبدعُ المرحومُ أمين
أبو جنب
" أبو البهاء ". لقد كانَ لرحيلهِ
، إثرَ داءٍ عُضال ألمَّ بهِ لم
يمهلهُ طويلا ً،وَقعٌ أليمٌ على أصدقائهِ
وَمعارفهِ وأقربائِهِ وَذويهِ ، وَخسارة ٌ كبرى للمجتمع ولكلِّ
المُثقفين ومُحِبِّي الأدبِ والشِّعر وَلِكلِّ إنسان مبدئيٍّ وشَريفٍ وَنظيفٍ في قريتهِ .
وَمهما حاولتُ ،بدوري،
الكتابة عن أستاذي ومُعلمي وصديقي
الحميم المرحوم مُرَبّي الأجيال وصانع
الرجال تبقى الكلماتُ عاجزَة ً عن التعبير ِ والبلاغة ُ
قاصرة ً مُخفِقة ً في
إعطائهِ حقه ُ وما يستحِقهُ
من مكانةٍ إجتماعيَّةٍ ومنزلةٍ أدبيَّةٍ وإبداعيَّةٍ ... وأقولها
ويا... يا للأسفِ إنَّ
شبحَ الموتِ دائمًا يتركُ الأشرارَ ويختارُ
في مُجتمعنا خيرة َ الأصدقاءِ
وأوفى الأوفياء وأشرفَ الشُّرفاء ، الذينَ يتركونَ بموتِهِم فراغًا وتصَدُّعًا كبيرًا في البنيان ِ والنسيج
ِ الإجتماعي لأجل ِ دورهِم الرَّائدِ
والإيجابي والبناء الذي كانوا
يُمارسونهُ .
مدخل : - الأستاذ ُ الشَّاعرُ الأديبُ والفنَّانُ
التشكيلي المرحوم " أمين أبو جنب " من
سكان قريةِ " المغار " الجليليَّةِ
، كتبَ الشِّعرَ والنثرَ الأدبي
على أنواعهِ المُتعدِّدةِ والدراسات
منذ أكثر من ( 45
سنة ) ، وقد
نشَرَ العديدَ من قصائدهِ
في بعض ِ الصُّحفِ والمجلاتِ المحليَّةِ
، ولكنهُ وللأسفِ لم يطبعْ أيَّ ديوان ٍ شعريٍّ ، في حياتهِ ، رغم الإنتاج ِ الكبير المتراكم لديهِ من القصائدِ الشَّعريَّةِ في مختلفِ المواضيع
ِوالمناسباتِ ، والدراساتِ والمقالاتِ النثريَّةِ .
وكانَ المرحومُ ، بدورهِ ،
يُعطيني بعضَ القصائد التي يريدُ نشرَها
فأنشُرُها لهُ في الصُّحفِ
والمجلاتِ التي أنا في علاقة ٍ جيِّدة ٍ معها أو أعملُ مُحَرِّرًا فيها ...
وخاصَّة ً مجلة "عبير" المقدسيَّة
ومجلة " الشُّعاع "
وصحيفة " الراية " سابقا ً... وغيرها ..إلخ .
إن شاعرَنا
المرحومَ كان لا
يسعى وراءَ الشُّهرة ِ والإنتشار ِ وتركيز ِالأضواءِ ،
فهوَ إنسانٌ مُتواضعٌ جدًّا ومُترَعٌ
قلبُهُ بالإيمان ِ والنقاءِ
والطيبةِ والبراءةِ ... عملَ
لمدَّةِ ( 38 ) عامًا تقريبًا في مهنةِ التدريس ِ وخرجَ للتقاعدِ
قبلَ وفاتهِ بفترة ٍ قصيرةٍ فهوَ مُرَبِّي أجيال ٍ بجدارةٍ ومعروفٌ
في قريتهِ " المغار" والقرى المجاورةِ بالإنسان ِ المثالي المُستقيم ِ والقدوة والنموذج
للأستاذِ الذي يُعَلِّمُ
بكفاءَةٍ وَبنزاهةٍ وإخلاص ٍ ،
والكثيرون من تلاميذه ِ اليوم هم :
أطباء ، مُحامون ومهندسون ،
أساتذة ، شعراء وكتاب ...إلخ . وأنا بدوري كنتُ أحدَ تلاميذهِ
. ورغمَ كفاءاتِ
أستاذنا المرحوم وقدرتهِ ومُؤهِّلاتهِ
العلميَّةِ وإخلاصِهِ وتضحيتهِ
وتفانيهِ لأجل ِ رسالة ِ التعليم التي كرَّسَ كلَّ حياتهِ لأجلها
لم يأخُذ ْ ويتبّؤَّأ ْ مركزًا ووظيفة ً عالية ً هوَ أهلٌ لها
وبقيَ طيلة َ حياتهِ مُدَرَّسًا
فقط ولم يُعَيَّنْ
مُديرًا أو مُفتشًا ، وذلكَ لكونهِ
إنسانا ً نظيفا ً وشريفا ً وذا حِسٍّ وَطنيٍّ
صادق ٍ ... وكما هو معروف
للجميع ِ في هذهِ البلادِ أن كلَّ عربيٍّ
يُريدُ أن يتقدَّمَ
ويأخذ َ المراكزَ والوظائفَ العالية َ
يجبُ أن يتنازلَ عن المبادىء والقيم ِ والمُثل ِ ويبيعَ ضميرَهُ وشَرفهُ وإذا لم يفعلْ
ذلك يبقى مكانهُ حتى لو كانت بحوزتِهِ كل الشهادات
والكفاءات ِ والمُؤَهِّلات ، وأكبرُ
مثال ٍ على ذلك أنا
كاتب هذهِ الكلمات ( حاتم جوعيه
) فالجميعُ يعرفون
مُستوى كتاباتي الشعريَّة
والنثريَّة والصَّحفيَّة ، والكثيرون
يعتبرونني من أوائل ِ الشُّعراءِ والكتابِ المحليِّين ( في
الدَّاخل ) وعلى امتداد العالم العربي ،
ويوجدُ بحوزتي العديد
من الشَّهادات الأكاديميَّة
... ولكنني لم
أتبوَّأ وظيفة ً عالية ً حتى الآن
(( حكوميَّة " سلطويَّة
" أو في
المؤسَّسات والأطر والمكاتب
ووسائل الإعلام المشبوهة والمأجورة والصفراء
والعميلة المُسيَّرة والمُوجَّهة
من قبل ِ السُّلطةِ ))
وذلك لأجل ِ نقائي
ونظافتي ومبادئي المُلتزمة
وانتمائي الوطني ولانني لا أقبل أن
أبيعَ ضميري ( " وسَبقَ لي قبل سنوات أنني
قدَّمتُ للعمل في إذاعة ٍ جديدة ٍ مستقلةٍ
- كما ذكروا في
إعلاناتهم - كانت
ستفتتحُ قريبا وكنتُ
أنا الوحيد من
بين المتقدمين الذي
درسَ موضوعَ الصَّحافة
والإعلام والمتمكن والضليع باللغة
ِ العربيَّةِ وواسع الإطلاع ولديه
الثقافة ِ الواسعة في جميع
المجالات... وعدا هذا أتمتعُ
وأتحلى بأجمل ِ صوتٍ إذاعيِّ وبمظهر ٍ وبجمال ٍ خارجيٍّ ووسامةٍ
أصلحُ أن أكونَ نجمًا سينمائيًّا
عالميًّا وليسَ فقط مذيعًا ومقدِّمَ برامج
في التلفزيون أو في مثل ِ هذه
الإذاعاتِ الصفراء والمأجورةِ
حيثُ توجدُ لديَّ
كلُّ المُؤَهِّلا والكفاءات ( بشهادةِ الجميع ِ ) .. وقد
عيَّنوُا موعدا ً لإجراءِ لقاءٍ
كامتحان ِ قبول ٍ لجميع
الذين قدَّمُوا لأجل ِالعمل ِ
بهذهِ الإذاعةِ ، ولكن قبل
موعد اللقاء بيوم ٍ اتصلوا بي
تليفونيًّا وذكروا لي أنهم أجَّلوُا
اللقاءَ معي ولم
يذكروا لي متى سيكون
تاريخُ اللقاء القادم
ولم يتصلوا بي
بعدها إطلاقا ً ...
وبعد عدَّة أيَّام افتتحت هذه الأذاعة ُ
واتضحَ انَّ الكثيرين
من العاملين فيها
لا يعرفون المبتدأ من الخبر والفاعل من المفعول به ، وخاصة ً الذين
يُقدِّمون نشرات الأخبار
باللغة ِ العربيَّة ِ الفصحى ... وأما البرامج التي تقدَّمها هذه الإذاعة ُ فهي سخيفة
جدًّا ومستواها دون الحضيض
" )) .
لقد كان شاعرُنا المرحوم
يروي لي دائما قصَّة ً جرت معه قبل أكثر من 45 عاما وذلك بعد
أن أنهى دراسته وأرادَ أن يعمل َ في مهنة ِ التعليم
( التدريس ) فحدثَ أن
وشىَ ( فسَدَ ) عليهِ
أحدُ الأشخاص وشاية ً كاذبة ً أنه ُ
كانَ يقرأ صحيفة َ
" الإتحاد " - جريدة الحزب
الشُّيوعي - غير المرضي عليها
من قبل
السلطة ِ آنذاك وقد أجِّل َ توظيفهُ وتعيينه ُ مُدَرِّسًا في المعارف سنتين
ظلمًا وافتراءً.. وأريدُ الإشارة
أيضًا إن الأستاذ المرحوم " أمين أبو جنب " كان
مبدعا في مجال
الفن التشكيلي ( الرسم ) وله الكثير من اللوحات الراقيه والجميلة ،
ولكنه لم يشترك طيلة َ حياتهِ في أيِّ
معرض ٍ بالرغم ِ من كونه ساعدَ ودعمَ
الكثيرين من هُواة ِ الرَّسم ِ في
قريتِهِ الذين سُرعان
ما اشتهروا وحققوا
انتشارًا واسعًا واشتركوا في
العديد من المعارض الفنيَّة ِ
في القريةِ وخارجها ... وهو بقي مكانه من ناحية ِ الشُّهرةِ والإنتشار ِ
رغم أن مستواهُ في
الفن التشكيلي يفوقهُم بكثير
. وشاعرُنا وفقيدُنا
أيضًا كان يُحبُّ الموسيقى ويُتقِنُ
العزفَ بشكل ٍ جيِّدٍ ،وخاصَّة ً على آلة ِ العود
، فهو فنانٌ بكلِّ معنى الكلمة ِ دخلَ عالم الفن من جميع ِ أبوابهِ وعندهُ
رَهافة ُ الحسِّ والذوق
الفني السَّليم والموهبة ُ الفطريَّة المتوقدة المبدعة ،
ولكنه كما ذكرتُ كانَ يحترمُ نفسَهُ كثيرًا ولا
يسعى ويركضُ وراءَ الشُّهرة ِ
، كما أن وسائل
الإعلام والجهات المسؤولة ، محليًّا
، لم ُتقدِّرْ
مكانته ومنزلته الفنيَّة
والأدبيَّة ، كما
يجب ، ولم تسعَ
وتعملْ لأجل ِتغطية ِ أخبارهِ ونشاطاتهِ الفنيَّة والكتابيَّةِ
أو نشر انتاجه الذي يستحقُّ كلَّ
احترام وتقدير ٍ واهتمام
( شعرًا ونثرًا ) .
وهنالك بعضُ الجهات ، في قريته ،
حاولت بشكل ٍ جبان ٍ وحقير ٍ التشويشَ والتخريبَ
عليه وعرقلة مسيرته
الإبداعيَّة . وكان المرحومُ دائمًا يُسِرُّ
لي بذلك لأنني كنتُ
من أعَزِّ أصدقائهِ
ولا يخفي عني
شيئا ً .
شعرُهُ : - في
مجال ِ الشعر ِ كتب شاعرُنا المرحوم
في جميع ِ المواضيع والقضايا
: السياسيَّة والوطنيَّة
، الثقافيَّة ، الغزليّة ،
الإجتماعيَّة ، الفلسفيَّة والإنسانيَّة ... وفي الرِّثاء
أيضًا ... وقد أبدع َ في جميع
المواضيع والمجالات .
ومن الناحية ِ الشكليَّة ِ شعرُهُ
يخضعُ لقيودِ الوزن وهو
يكتبُ الشِّعرَ الكلاسيكي (
التقليدي الموزون ) وشعر
التفعيلة ( الموزون )
، وهو متمكنٌ ومتمرِّسٌ
في الأوزان (
البحور الشِّعريَّة ) وفي اللغةِ العربيَّة ِ ومُطلعٌ على الأدبِ
العربي جميعهُ -
القديم والحديث - وعلى الأدب العبري
والأجنبي أيضًا ، ويمتلكُ ثقافة ً
واسعة ً جدًّا وإلمامًا في معظم ِ المواضيع ِ والمجالاتِ
الأخرى . ومن
قصائدهِ الجميلةِ قصيدة
في رثاء الفنان
والموسيقار الراحل "
فريد الاطرش " ( نشرَهَا
سابقا ً في عدَّة ِ جرائد محليَّة
) ، وهي قصيدة ٌ كلاسيكيَّة ،
وقصيدة ٌ أخرى رائعة كتبها عن السَّلام كنتُ قد نشرتها
لهُ في مجلة
" عبير " المقدسيَّة
. وشاعرنا المرحوم
في الكثير من قصائدِهِ عملَ
على توظيف التراث
الشّعبي المَوْرُوث والمُتناقل
وإدخالهِ بشكل ٍ فني
تلقائيٍّ وذكيٍّ ( القصص الشَّعبيَّة )
... وقد أبدعَ
كثيرًا في هذا المضمار . وأريدُ
أن أذكرَ وأنوِّهَ
أن شاعرَنا كانَ
أستاذا ً للغة ِ الإنجليزيَّة ِ في المدرسة ِ وَمتبحِّرًا في هذه اللغة ِ
وآدابها بشكل ٍ واسع ٍ ... وقد تأثَّرَ
ببعض ِ الشُّعراءِ والكتاب الأجانبِ
والعالميِّن ونجدُ هذا التأثرَ
في كتاباتهِ الشِّعريَّة ِ ،
وخاصَّة ً في قصائدهِ التفعيليَّة ِ وكيفيّة بنائِهَا وشكلها وأسلوبها
وتوزيع المقاطع فيها .
ويظهرُ بوضوح ٍ التجديدُ
والإبتكارُ والحداثة ُ في شعرهِ
، وشعرُهُ جميعهُ غنيٌّ
وحافلٌ بالصُّور ِ الشِّعريَّة ِ الجميلةِ
وبالتعابير ِ والإستعاراتِ
البلاغيَّةِ الحديثةِ بما
يتلاءَمُ مع ركبِ
التطوُّر ِ والحداثةِ في الشِّعر ِ العربي الحديث . وكما أنهُ
كتبَ الشِّعرَ باللغةِ الإنجليزيَّةِ
ولهُ الكثيرُ من القصائد في هذا الصَّدَدِ
لم تنشرْ حتى الآن .
وأما قصيدتهُ في
موضوع ِ " السَّلام ِ " فهي
قمَّة ٌ في الرَّوعةِ والمستوى
الإبداعي شكلا ً ومضمونا ً ، لغة ً وأسلوبًا
وبُعْدًا ثقافيًّا وفكريًّا
وإنسانيًّا وفلسفيًّا وفنيًّا وتجديدًا
... وهي على وزن ِ ( الرَّمل )
... يقولُ فيها : -
( " إنتظرناكَ طويلا ً //
مثلما ترقبُ الأعشابُ والأزهارُ عطشى .... //
// قطرَ أهدابِ الغمامْ ... //
// يا
سلامْ ! // يا
وَسيط َ السّبْحةِ الكبرى // لإسم ِ اللهِ تترى
//
بينَ تسعين وتسع ٍ //
تسكنُ الأنفسُ في ذكراكَ سكرى // دون خمر ٍ //
// بل بصهباءٍ
تسامَتْ // في
مَعاريج ِ الهيامْ !
//
ايُّها الطفلُ الذي ما
كانَ نطفهْ //
جئتَ صدفهْ !
//
// أيُّ أمر ٍ طافَ
في عرشِ السَّماواتِ العلى //
كي نراكْ //
// تملأ ُ الدنيا هدوءًا وارتياحًا وسكينهْ //
وعلى دربِ المُعاناةِ الدَّفينهْ
//
ويقولُ فيها أيضًا
: ( " إنتظرناكَ طويلا ً //
عبرَ أناتِ الأراملْ ! //
// واليتامى والثكالى والحواملْ !
//
// أيُّها الحلمُ
الذي راوَدَ أنفاسَ الخلودْ //
مرَّة ً أخرى تعودْ //
تنثرُ الحبَّ على شرقي ... // على أرضي ... // على قبر ِ الجدودْ ! // " )
... إلخ ...
- وأخيرًا
وليسَ آخرًا : -
إن رحيلَ الشَّاعر ِ
والأديبِ المبدع ِ "
أمين أبو جنب
" ( أبو البهاء ) هو
خسارة ٌ كبيرة للثقافة ِ والأدبِ ولجميع ِ الناس ِ الشُّرفاءِ الأنقياء في زمن ٍعَزَّ فيهِ الضميرُ وماتت
المبادىءُ والقيمُ وأصبحتِ
الماديَّاتُ هي الطابعَ
والهاجسَ المهيمنَ على عقول ِ وأفئدةِ الكثيرين من اليشر ِ..
فبموتِ أبي البهاءِ تفقدُ الحركة ُ
الأدبيَّة ُ
والثقافيَّة ُ المحليَّة ُ عَلمًا
من أعلامها وَرُكنا ً من أركانِهَا
المُهمِّين الذين ساهَمُوا في تطوير ِ ودعم ِ مسيرةِ الحركة ِ
الأدبيَّةِ والشِّعريَّةِ المحليَّةِ .
ولإنْ كانَ قد
تركنا وفارقنا جسدًا
فهو حيٌّ دائمًا
بيننا لا يغيبُ
عن ضمائرنا ووجداننا .
فمَنْ تركَ مثلهُ
مناقبَ حميدة ً وصيتا ً ُمشرِّفا ً
ونتاجا ً فكريًّا وأدبيًّا
إبداعيًّا سيبقى ذكرُهُ
خالدًا مدى الأيام ِ
الدُّهور ِ . ونأملُ من
الجهاتِ الثقافيَّةِ
المسؤولةِ أن تهتمَّ
بتراثهِ ونتاجهِ الكتابي
( الشِّعري والنثري )
وتجمعَهُ وتطبعَهُ (
وهو كثيرٌ جدًّا )
ليتسنى للكتابِ والنقادِ دراسة شعرهِ
القيِّم والكتابة عنهُ
.. ويتسَنى أيضًا
لجميع ِ أبناءِ شعبنا
ومُحبِّي الشعر ِ والأدبِ
قراءَة َ شعرهِ والإستفادة
منه : فنيًّا وفكريًّا وثقافيًّا
وتربويًّا .
-
رحمة ُ اللهِ عليكَ
يا " أبا
البهاء ِ " يا أستاذي
ومُعَلمي وصديقي الحميم ... يا من
وَهَبْتَ حياتكَ للعلم ِ والهدى والعطاء
ِ ،
نابذا ً الضغينة َ والتعصُّبَ الطائفي
والشِّقاقَ ، داعِيًا
للتعاضدِ والتآخي والمحبَّة ِ بين
الجميع ِ .... فطوُبَى
للبلدِ التي أنجَبَتْ
أمثالكَ دُعاة َ محبَّة ٍ وتسامح ٍ وسلام ....
وطوُبَى للأرض ِ التي احتضنتْ
جَسَدَكَ الطاهرَ ....
وطوُبَى لكَ يا
َمنْ أعمالكَ الخيِّرة ُ
الفاضلة ُ وإيمانكَ العظيم
وطريقكَ القويم همُ
الشُّهودُ لكَ يوم
الدَّينونة ِ والحساب ...
يا َمنْ منزلهُ
ومقامُهُ فردوسُ الجنان ِ في
ملكوتِ اللهِ السَّرمديِّ
. ففي أمثالكَ الرجال
المؤمنين الشُّرفاء والأنقياء
الطاهرين الودعاء قالَ
رسولُ السَّلام ِ " السَّيِّدُ
المسيحُ " - عليه
السَّلام : " طوُبَى
للودعاء ، لأنهُم يرثون
الأرض " . " طوُبَى
للأنقياء ِ القلبِ لأنهم يعاينونَ الله
" ، "طوُبَى لصانعي
السَّلام لأنهم أبناءَ
اللهِ يُدعون "
.