الأربعاء، 28 ديسمبر 2016

شذرات ثلاثية الابعاد بقلم : بن يونس ماجن لندن


مع سهيل عيساوي في قصتين حديثتين للأطفال

بقلم : الدكتور منير توما / كفرياسيف

كان الأستاذ سهيل ابراهيم عيساوي قد اصدر في السنوات الأخيرة عدة كتب للأطفال والناشئة تتضمن قصصاً شائقة ممتعة لجيل الطفولة والناشئين حيث أهداني مشكوراً كتابين من هذه الكتب صدرا له عام 2016 , الأول بعنوان " جدِّي يعشق أرضه " , والثاني يحمل عنوان " في ضيافة رجال الفضاء " , وقد أبدى الأستاذ عيساوي رغبةً في استطلاع رأيي في هذين الكتابين من خلال كتابة تعليق عليهما يعكس انطباعاتي عمّا ورد فيهما من موضوعات تثير اهتمام القارئ .
يتمحور موضوع الكتاب الأول " جدي يعشق أرضه " حول حب جد الراوي لأرضه وتعلّقه بها وبترابها ورفضه القاطع لبيعها رغم ما عرضه عليه رجل غريب من ثمن مرتفع مُغرٍ لبيعها . وكما هو واضح في هذه القصة , فإنَّ الغرض منها بيان مدى تمسّك الإنسان القروي الأصيل المُتّسِم بالعراقة بأرضه ِ رغم كل المغريات المادية المعروضة ثمناً للأرض العزيزة والغالية على قلب هذا الجدّ الشيخ الذي يرى في أرضه ِ مصدراً لمعيشته ِ ومعيشة أولاده ِ وأحفاده من بعده ِ , فهي في نظره ِ جزءٌ لا يتجزأ من حياته وكيانه ووجوده مع عائلته ِ التي سيورثها هذه الأرض . وقد كان رد الجدّ على جارهُ السمسار عدنان المرافق للشاري خير مثال على هذا القصد حيث جاء في ردّه ِ : " أعتاش وسوف يعتاش الأبناء والأحفاد من بركة الأرض "
( ص 11 ) . وهنا يحضرني ما قاله جبران خليل جبران مبلوراً معاني فضل الأرض على الإنسان وخيراتها على بني البشر بما تمنحه لهم من كرم وعطاء لا ينضب.
وفي ذلك يقول جبران :
" ما أكرمكِ أيتها الأرض وما أطول أناتك ِ . نحنُ نُجَدِّف وأنت ِ تباركين , نحن نًنّجِّس وأنت تُطَهِّرين . نحن نهجع ولا نحلم , وأنت ِ تحلمين في سهرك السرمدي , نحن نكلّم صدرك بالسيوف , وأنتِ تغمرين كلامنا بالزيت والبلسم . نحن نستودعكِ الجيف , وأنتِ تملئين بيادرنا بالأغمار ومعاصرنا بالعناقيد " .
وتوحي لنا القصة أنّه على الأبناء والأحفاد أن يتشبّثوا بأرض وتربة آبائهم وأجدادهم وأن لا يفرِّطوا بها مهما كانت الإغراءات السخيّة مادّياً لأن فيها بركة الحياة وأرزاق الناس تعطيهم خير الثمار والطعام , وقد ورد في قول النبي العربي الكريم ( ص) في هذا الصدد : " التمسوا الرزق في خبايا الأرض " .
لقد أراد الكاتب في هذه القصة أن يكون ما ورد فيها من السرد الحكائي مثالاً طيّباً كي َيحتذي به ِ الناشئة ليتمسكوا بما أورثه السلف الصالح من أرضٍ وأن لا ينقادوا وراء أهوائهم ببيع الأرض التي تزودهم بالخيرات وتشكّل سنداً لهم في هذه الحياة على المدى القريب والبعيد ايضاً , وقد صدق الشاعر أميّة بن أبي الصلت حين قال واصفاً الأرض في هذا الشأن :
هي القرار , فما نبغي لها بدلاً
                                                   ما أرحم َ الأرضَ , إلّا أننا كُفُرُ .
وإذا انتقلنا الى قصة الأستاذ عيساوي الثانية : " في ضيافة رجال الفضاء " نجد أن الكاتب يطرق باب الخيال العلمي ( science fiction ) كنموذج يستهوي الأطفال والناشئين حيث يصف رحلة فضائية برفقة مخلوقات فضائية اختطفوا ولداً يافعاً وهو في طريقه ِ الى مدرسته ِ ليأخذوا عينة ً من دمه وخصلة من شعره ِ وكذلك حقيبته المدرسية كي يدرسوا لغة وأفكار وكتب الجنس البشري للتواصل مع البشر في المستقبل .
ويخبرنا الولد راوي القصة أنَّ هذه المخلوقات الفضائية قد أرجعوه في نهاية المطاف سالماً الى الكرة الأرضية والى بيته في اليوم نفسه ِ .
في هذه القصة , يتوخى الكاتب ويعمد الى انتقاد أهل الكرة الأرضية بشكل غير مباشر متخذاً وسيلة ً من الرسالة الشفهية التي حمّلوها للولد المخطوف كي ينقلها لسكان المعمورة , والتي مفادها أنَّ هناك ثلاثة أمور تؤدّي الى زوال الكرة الأرضية وتثير غضب هذه المخلوقات الفضائية , وهي أصوات الانفجارات وحروب البشر مما يمنعهم من النوم الهادئ , وكذلك ظلم المستضعفين في الأرض وصرخات آلامهم , وأخيراً التلوث البيئي .
أنَّ المغزى الذي نستنتجه من أحداث هذهالقصة يكمن في أن الكاتب يهدف الى انتقاد سلبيات وعيوب المجتمع البشري في هذا العالم من خلال إيراده ِ لما تضمنته الرسالة الشفهية للمخلوقات الفضائية , مشيراً بالإيحاء الى أنه قد يكون هناك عوالم أخرى مختلفة عن عالمنا , وربما تكون أكثر علماً وتطوّراً من العالم أو الكون الذي نعيش فيه , وهذه الإشارة أو الإيماءة الموحية من الخيال العلمي , تحفِّز الأطفال والأولاد على إعمال خيالهم وفكرهم , والتحليق فكرياً في تصوّرات علمية تدغدغ حب الاستطلاع فيهم وتعمل على تنمية عنصر الابتكار الذهني المؤدي الى الرغبة في الاستزادة من قراءة هذه النوعية من القصص بمستوى سردي يتلاءم مع أعمارهم في المستقبل حين يبلغون سناً يثير فيهم روح التخيّل والإبداع .
مما تقدّم , نستخلص أن الأستاذ سهيل ابراهيم عيساوي قد أبلى بلاءً حسناً , وأجاد في تقديم هاتين القصتين للأطفال والناشئة بغية طرح أفكار ومعان ٍ حياتية يستفيد منها القرّاء في هذه الأعمار للوصول الى المغزى المنشود في كل قصة , مما يدعونا الى الإشارة بالجهد المحمود الذي بذله الكاتب في صياغة مضمون القصتين , متمنين له دوام التوفيق , والمزيد من الإبداع والعطاء .






الثلاثاء، 27 ديسمبر 2016

زيتونة في طريقها الى العولمة

 
من الصعب ويكاد يكون مستحيلاً تطبيق القناعات والإستخلاصات الثقافية العميقة النزيهة على النهج اليومي ودمجها في قيم الأخلاق والتصرفات الإجتماعية. لكن عائلة سالفيديميني العريقة من جنوب إيطاليا تذهب لأبعد من هذا: غايتانو سالفيديميني قد أسس حزب يصبو لتنفيذ مبادئ حرية الإنسان وكرس جل حياته مُضحياً ومناضلاً، متشرداً مُعرضاً نفسه للهلاك وبعنادة وصلابة قاوم لتطبيق قناعاته الثقافية والعمل على إنسجامها في أخلاقيات التصرف. 
ولدعام 1873 في باليرمو صقلية – إيطاليا ، مدينة المئة مسجد خلال الوجود العربي والذي جعل من جنوب إيطاليا ساحات علوم وفنون تنهل منها القارة الأوروبية وما زال السكان هناك يحمدون الوجود العربي خلافاً ما جرى في الأندلس. تخرج في كلية الآداب في فلورنس عام 1896وشغر عدة مناصب آكاديمية في إيطاليا ومنها مدير كاتدراء التاريخ المعاصر في جامعة ميسينا ومدرساً في جامعة بيزا ومن ثم
في جامعة فلورنس . 
يناضل في صفوف الحزب الإشتراكي الإيطالي ناشراً مقالاته منذ 1897 . ينشر عدة كتب سياسية وفي عام 1911 يدشن صحيفة الإتحاد ، لونيتا، لسان حال الحزب الشيوعي الإيطالي واضعاُ لبناته مع انطونيو غرامشي ويرأس تحريرها لعام 1920ويعمل على تأسيس حزب " الرابطة الديمقراطية من أجل تجديد السياسة الوطنية" .
يتخذ موقف واضح ضد سياسة النمسا وإحتلالها .
في 1919 يتم إنتخابه كنائب برلماني ويشكل معارضاً لموسيليني .
يصدر صحيفة ضد الفاشية عام 1925 ، يُعتقل وبعد تحريره يلجأ الي فرنسا . ينتقل بعدها الى انجلترا ومن ثم الى الولايات المتحدة 1934 حيث عين بروفوسور في جامعة هارفارد .
يدرس في جامعات فرنسا ، بريطانيا والولايات المتحدة وينشر العديد من الكتب . 
يرجع لإيطاليا عام 1949 ليدرس في جامعة فلورنس . 
يصدر عشرات المؤلفات ويحصل على عشرات الإعترافات والشواهد . توفي عام 1957 . ودفن في مدينة فلورنس .
العشرات من المدارس والساحات والشوارع في المدن الإيطالية تحمل وتخلد إسمه .
والحي فيها حركة سالفيميني الفعالة بإدارة : كوسمو سالفيميني . 
ولد في باري 1943، جنوب إيطاليا حيث تواجد العرب والكثير من البلدان هناك ما زالت تحمل أسامي عربية وتحن للعهد العربي . يتخرج في جامعة باري بالعلامة القصوى عام 1965 في كلية العلوم السياسية. يعمل كصحفي ويشغر مناصب إجتماعية مهمة وعام 1974 يتخرج بالعلامه القصوى في كلية الحقوق في روما . ينشط في العمل الجامعي ويدشن دار نشر في ميلانو . يصدر عشرات المؤلفات في القضايا القانونية والإقتصادية في اوروبا . عام 1980 يرأس ويدير حركة سالفيميني ، ويدير كلية الصحافة . يرأس اتحاد الجمعيات الثقافية في إيطاليا وعدة جمعيات ثقافية اوروبية . يحرر صحيفة الأتواليتا الإلكترونية اليومية والورقية الشهرية بمئة الف نسخة . نال على عشرات الجوائز الإيطالية والعالمية . وهو صاحب اكثر من ثلاثين مؤلف في القضاء ، السياسة، الإقتصاد والمجتمع. 
وبفضل منشورات الزيتونة ونشاطها الثقافي العالمي وإصدارات مديرها الدكتور الشاعر اصلاح محاميد فقد عُين كسيناتور لمدى الحياة في الإتحاد العالمي بين الدول وكان اعضاءه يشكلون الجناح الثقافي في البرلمان العالمي للسلام فأتحدوا تحت هذا اللواء برئاسة الناقد الفني العريق بيترو فراتانتارو من مدينة ميسينا في صقلية والذي رغم سنواته الطويلة وجيله المتقدم يجول بعناد وصلابة من اجل تجنيد الفن والأدب في خدمة السلام العالمي وحوار الثقافات . يتبوأ كوزمو سالفيميني منصب الأمين العام للإتجد العالمي بين الدول ويرأس إتحاد الجمعيات الثقافية في إيطاليا والتي تضم مئات الجمعيات وإثر مطالعته لنشاط الزيتونة فقد ضمها لإتحاد الجمعيات مع صلاحيات واسعة بنشر مواد فنية وأدبية تصل ورقياً الى قرابة المئة الف مشترك باللغة الإيطالية في أرجاء المعمورة . يضم الإتحاد عشرات الآكاديميات المنتشرة في إيطاليا وأوروبا ويطول تاثيرها القمم السياسية والثقافية في إيطاليا وأوروبا. وفي بداية السنة القادمة سيكون إجتماع وتقديم بين الدكتور صلاح محاميد وقمة الإتحاد في نابولي وروما ، يشارك بها الشاعر جاني ينيالي ذو رتبة فارس والشخصية الثالثة في الإتحاد ، وسعادة البرلماني جاكومو كانوني للبحث في : إنشاء دورات تحضيرية لطلاب عرب وتسهيل تسجيلهم في الجامعات الإيطالية، برمجة لقاءات فنية ذو مستوى عالمي وإستقبال مسارح عربية وخاصة تلك المتعاونة مع الزيتونة وحالياً تجهز لتقديم مسرحية جان دارك وإبتهالات الوالي فرانتشيسكو بالعربية في غزة. تسجيل عناصر عربية في الإتحاد من منظمات حقوق الإنسان في العالم العربي وطرح قضايا الحقوق العربية عالمياً ،إستقطاب قيمين للنشاط في الحفاظ على التراث والثقافة، تثبيت برنامج نشر أدبيات باللغتين. تهيب الزيتونة بالقيمين العرب من وزارات ومؤسسات وجمعيات بالإندماج في هذا الصرح العالمي حيث ان الثقافة النزيهه تشكل الوسيلة والوحيدة لإحلال السلام العالمي .
الصور من اليمين لليسار : 
جاني يانيالي
كوسمو سالفيميني 
غايتانو سالفيميني
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلات
تعليق

الاثنين، 26 ديسمبر 2016

صدر حديثا : أغية لأمي للشاعر يحيى عطا الله

صدر  حديثا   :  ديوان  أغنية لأمي  للشاعر  يحيى عطا الله ، عن  مؤسسة انصار  الضاد ، يقع  الديوان  في  74 صفحة من  الحجم  الصغير ، يهدي  الشاعر  كتابه  الى   روح  امه ، قدم  الكتاب  الأستاذ محمد  عدنان جبارين ، مدير  مؤسسة انصار  الضاد ، جاء في  كلمته  " اغنية لامي :  ولادة  ديوان جديد للشاعر يحيى عطا الله ، أغنية جديدة يرسلها الينا الشاعر يحيى عطا الله بطعم الشعر الأصيل ، بنكهة الأمل والألم ، بروح الأم الحنون .." من  قصائد  المجموعة :  أغنية لأمي ، وادي عبقر ، يا مصر ، سلطان  المضيق ،
أريدك ، عن بعد ، خذيني ، سمر ، أعيش بعقلي ، قل  للمعري ، سمراء ، عدنان ، أيار عاد ، شرف  الى  التكريم ،  لخضراء  العينيين ، علمتني  يا  دهر ، كبرت ، حان  المشيب .

المؤلف  :  الشاعر  يحيى عطا الله 

-  مواليد 1960

- يعيش  في  قرية  يركا  الجليلية

- مدرس  للغة  العربية  في  مدرسة  يركا  الثانوية

- حاصل  على اللقب الأول  والثاني في  موضوع  اللغة  العربية من  جامعة  حيفا

- صدر  له  ديوان  صهيل  عام  2009

- شارك  في  العديد  من  الندوات  الثقافية

 

من   أجواء  الديوان   قصيدة  سمراء 

سـمراء سـمراء يا قمرا تلفّعَ بالعسلْ
يا طَفْلةً معجونة بالشهدِ
يا وهْجَ الرّحيق على الرحيقِ...
أَهيم جوعا في حلاكِ
فـقرّبـي ثغري إلى صحن القبلْ

سمراء يا ظلاً لطيف الظلِّ
لفينـي بظلك حين يحتدّ الشعاعُ
وأُطرُدي حَمي بحمّكِ
هكذا قال المثلْ
ودعي سمارك يـعتلي نظري لأنظرَ
كيف يشربني السمارُ
وكيف أشربه إلى حد الثملْ

سمراء يا حورية البن التي
يحلو بحرقتها الغزلْ
يا قهوة عربية في كل وقت تُشتهى
في الصبح أو عند المسا
في الصحو في الأحلامِ
في شطح الخيالِ وفي الحقيقةِ
في الفراغ وفي العملْ
أنا كل أوقاتي تصر على ارتشافكِ
كل ساعاتي تريدكِ
إن كلَّ دقيقة تصبو إليكِ
وكل ثانية تعيش على أملْ

 

طه عبد الرحمن: الحوار ينزل "منزلة الحقيقة".. و"العولمة" ليست نهاية التاريخ


في كتابه "حوارات من أجل المستقبل"

طه عبد الرحمن: الحوار ينزل "منزلة الحقيقة".. و"العولمة" ليست نهاية التاريخ

 

يقول الفيلسوف الفرنسي الشهير جان جاك روسو "تكلّم، حتى أعرفك". وفي هذا الكتاب يتكلم الفيلسوف المغربي الدكتور طه عبد الرحمن باستفاضة معرفاً عن نفسه ومشروعه الفكري، ومتفرعاً في مواضيع وقضايا مثارة في فضاءات الثقافة والفكر والفلسفة.. ومجيباً عن تساؤلات شتى تبحث عن أجوبة محددة وشافية.

الكتاب عبارة عن حوارات أجرتها مؤسسات إعلامية عربية مع عبد الرحمن، الذي أعاد ترتيبها وصياغتها، بما يسهل على القارئ فهمها، على أن هذه الحوارات لم تكن من نوع "الدردشات" التي يُملئ بها الفراغ في الصحف، كما يشدّد المؤلف، بل هي بمثابة بيانات كاشفة، وتأملات هادفة، لا يقل فيها هم الاجتهاد والتجديد، عما تنطوي عليه مؤلفاته الأخرى الكاملة.

من هذا المنطلق يحتل الحوار أهمية كبيرة في فكر الفيلسوف المغربي الدكتور طه عبد الرحمن، الذي عُني على مدار عشرات السنين بسبل تعزيز الحوار، بما يخدم الفضاء الفكري الكوني، ويصحح المفاهيم الخاطئة التي يؤمن بها بعض المفكرين.

ويرى عبد الرحمن في كتابه "حوارات من أجل المستقبل" أن الساحة الفكرية في بلاده مازالت تنأى بنفسها عن هذا الفضاء الحواري الجديد، وأن "أهل الفكر المغاربة لا يتحاورون"، داعيًا إياهم إلى "التعجيل بوضع خطة تربوية دقيقة وشاملة توفر تكوينًا متينًا في منهجيات الحوار وأخلاقياته".

مؤكدا أننا لا نحتاج إلى شيء خلال منعطف التغيير الذي دخلت فيه المجتمعات العربية في مطلع القرن الجديد، قدر احتياجنا إلى "الروح العقلانية النافعة"، و"الروح الجماعية الصالحة"، اللتين تورثهما الممارسة الحوارية.

الحوار.. منزلة الحقيقة

ينطلق عبد الرحمن في كتابه "حوارات من أجل المستقبل"، من اعتبار أن "الحوار ينزل منزلة الحقيقة،" موضحًا أنه إذا كان الأصل في الكلام من جهة مضمونه هو الحقيقة، فكذلك الأصل فيه من جهة قائله هو الحوار".

ويقول المؤلف "إن طريق الوصول إلى الحق ليس واحدًا، وإنما طرق شتى لا حدّ لها" معتبراً أن "الحق هو نفسه على خلاف الرأي السائد، ليس ثابتًا لا يتغير بل أصله أن يتغير ويتجدد، وما كان في أصله متجددًا، فلابد من أن يكون الطريق الموصل إليه متعددًا، ومتى وُجد التعدد في الطرق، فثمة حاجة إلى قيام حوار بين المتوسلين بها".

إن تواصل الحوار بين الأطراف المختلفة، من وجهة نظر المؤلف، يُفضي مع مرور الزمن إلى تقلص شقة الخلاف بينهم، فالحوار يسهم في توسيع العقل، وتعميق مداركه، لأن الحوار هو بمنزلة نظر من جانبين اثنين، وليس النظر من جانب واحد كالنظر من جانبين اثنين.

ومادام العقل يتقلّب بتقلب النظر في الأشياء، كما يرى، فعلى قدر تقلبه يكون توسعه وتعمقه، والعقل الذي لا يتقلب ليس بعقل حي على الاطلاق، وأن "العقل الذي يبلغ النهاية في التقلب هو العقل الحي الكامل، فلزم أن يكون تقلب العقل في حالة النظر من جانبين، ضعف تقلبه في حالة النظر من جانب واحد".

يقسم عبد الرحمن كتابه إلى تسعة فصول، يتضمن كل فصل منها حوارًا دار حول موضوع ما أو قضية معينة، في مقدمتها "قضية التراث"، والتي شكلت محورًا مهمًا في مشروع المؤلف الفكري، ولذا خصص لها مؤلفات مستقلة.

وفي الفصل الأول الذي جاء على شكل أسئلة طُرحت عليه، يفسّر المؤلف أسباب تراجع الاشتغال بالتراث الاسلامي العربي، نافيًا أن "يكون دليلاً على أن اشكالية التراث قد وجدت حلّها النهائي أو أن وزنها قد ضعف في النفوس"، ومؤكدًا أن "التعامل مع التراث الأصلي كان وسيبقى مطلوبًا لنا كلما أردنا أن نجدد ثقتنا بقدراتنا، ونُؤصل مصادر استلهامنا".

ويدحض الكاتب المنهجيات والنظريات المطروحة على الساحة الفكرية للتعامل مع التراث، موضحًا أن "أغلبها يصعب قبول مسلماته، بسبب وقوع هذه المنهجيات، والنظريات في أخطاء صريحة بصدد مضامين التراث، فقد استعجل أصحابها إصدار الأحكام على هذه المضامين، مع أن واجبهم الأول هو أن يطلبوا معرفتها على حقيقتها". مضيفاً إلى ذلك، "ضعف قدرة هؤلاء على امتلاك ناصية الأدوات المنهجية، العقلانية، والفكرانية، التي توسلوا بها في نقد التراث"، ويستعرض هنا وجهة نظره التي كان قد طرحها في كتابه "تجديد المنهج في تقويم التراث" وتعرّض فيه لنموذج المفكر الشهير محمد عابد الجابري في نقده التراث مبينًا أوجه القصور في هذا التناول.

وردًا على سؤال حول تعريفه الجامع لـ"التراث" يبدأ عبدالرحمن إجابته بالمقارنة بين مفهوم التراث، ومفهومين آخرين يدخلان في حقله وهما "الثقافة"، و"الحضارة"، مؤكدًا أن  "التراث أعم من الثقافة ومن الحضارة".

وبناء على هذه المقارنة، يضع تعريفه الجامع للتراث الاسلامي العربي وهو "أن التراث عبارة عن جملة المضامين، والوسائل الخطابية، والسلوكية، التي تحدد الوجود الانتاجي للمسلم العربي في أخذه بمجموعة مخصوصة من القيم القومية، والانسانية، حية كانت أم ميتة".

 

آفات الفلسفة العربية

في الفصل الثاني الذي خصصه لقضية "الفلسفة"، يشخّص عبد الرحمن الواقع الفلسفي في العالم العربي، باعتبار أنه "واقع مترد لا يقل سوءًا عن تردي الوضع السياسي لهذا الوطن، لأنه واقع تقليد بالغ، وتبعية عمياء". مشيرًا إلى أن "الخطاب الفلسفي العربي، مصاب بالكثير من الآفات أهمها الآفة السلوكية، وهي الخلط بين الفلسفة والسياسة، والآفة الخطابية التي يقع فيها المقلدون من المتفلسفة العرب، وهي آفة الفصل بين الفلسفة والمنطق".

أما سبب اقتران اسمه - كأكاديمي- بالمنطق، فيكشف عن عبد الرحمن في الفصل الثالث من الكتاب، موضحًا أن هناك سببين للربط بين اسمه والمنطق، أولهما تدريسه لمادة المنطق بالجامعة، وجهوده الكبيرة في العمل على تطويرها، أما السبب الثاني فهو تعاطيه البحث والتأليف في هذه المادة التي كانت موضوع أطروحته لنيل درجة الدكتوراه.

وفي الفصل الرابع يتحدث الفيلسوف عن ملامح مشروعه العلمي والبحثي، موضحًا أن هذ المشروع يتحدد بواقع البحث في التراث الإسلامي العربي، خاصة في المناهج العلمية التي تميز هذا التراث؛ حيث سيطر على هذا البحث اتباع منهجيات لا يسلّم بصلاحيتها، فهي "منتجات منقولة لا موصولة".

وهذه المنهجيات، في تقديره، لا تستوفي الشروط المنطقية للموضوع الذي تُنزل عليه؛ كونها مستعارة من مجالات معرفية مغايرة لهذا المجال الذي تُسلط عليه تسليطاً، من غير مراجعة لصفاتها الإجرائية، أو مراعاة للخصوصيات المنطقية في هذا المجال.

غير أن مشروع عبد الرحمن يسلم من هذه النقائض التي تندرج تحت عيبين اثنين، هما "النقل والدخل"، فهو يأخذ منهجه بطرق المنطق الرياضي الحديث، وطرق نظريات الحجج المعاصرة، وبما تتناسب في خصائصها مع خصائص الموضوع الذي تنصب عليه؛ منوها إلى أن "الموضوع التراثي مبني بناءً لغوياً منطقياً، ولا يمكن وصفه وصفاً كافياً ولا تعليله تعليلاً شافياً، إلا إذا كانت الوسيلة الواصفـة ذات طبيعة لغوية منطقية".

ويعود الفيلسوف إلى واقع الفلسفة العربية مرة أخرى في الفصل الخامس، لدى حديثه عن الترجمة، مؤكدًا أن "الترجمة، وإن كانت تعني بالنسبة للفلسفة العربية مسألة حياة أو موت، إلا أن ذلك لا يعني أن الفلسفة تحيا بوجود الترجمة وتموت بفقدها، بل إن الفلسفة قد تموت مع وجود الترجمة".

ويعتقد عبد الرحمن أن "هذا هو وضع الفلسفة العربية، فعلى الرغم من وجود الترجمة فهي أشبه بالميت منها بالحي، لأن حياة الفلسفة تُقاس بوجدان الإبداع فيها، فيما يُقاس موتها بفقدان هذا الإبداع منها"، والفلسفة العربية –كما يقول- "لا إبداع فيها، والسبب في موتها هو الطريقة التي تمارس بها هذه الترجمة"، حيث يصفها بأنها "طريقة بكماء لا تنطق، ولا إبداع بغير نطق، وهي كذلك طريقة عمياء لا تبصر، ولا إبداع بغير إبصار".

ما الحل إذن؟

يجيب المؤلف بأنه لا سبيل إلى حياة الفلسفة إلا بترجمة ناطقة، ومبصرة، ولا يمكن أن تكون الترجمة ناطقة، حتى تتوسل بالبيان العربي في نقل ألفاظ الأصل، وتبليغ مضامينه، ولو اقتضى ذلك التصرف حسب الحاجة في هذه الألفاظ وتلك المضامين.

"التعولم" التاريخي

أما الفصل السادس، من كتاب "حوارات من أجل المستقبل"، فيوضح فيه عبد الرحمن رؤيته لفلسفة "ابن رشد"، والأسباب التي دفعته إلى رفض أفكاره، والتي لخصها في كون "ابن رشد" مقلدًا، في تقديره، بل إنه "فتح الباب لغيره في التقليد، فجاءت مؤلفات كثيرة مبنية على منهجيات غربية طرحت قراءات منقوصة ومغلوطة للتراث العربي الإسلامي".

ولماذا حقق "ابن رشد" شهرة كبيرة؟.، يجيب عبد الرحمن بأن "شهرة ابن رشد جاءت نتيجة لاحتياج رجال الفكر الغربيين في القرون الوسطى، إلى من يقرب لهم فلسفة أرسطوطاليس ويُعينهم على مواجهة سلطان اللاهوت الكنسي".

ويوضح عبد الرحمن ذلك بأن أوروبا أقبلت في تلك الفترة على ترجمة كتب "أرسطو" النفسية والطبيعية وما بعد الطبيعة ولم تكن تعرف من كتبه إلا جزءًا ضئيلاً، فوجدت في "ابن رشد" خير من يوضّح ويفصّل لها المضامين الجديدة لهذه الترجمات، ولا سيما أنه بدا أقدر من غيره على العودة إلى الأصول الأرسطية.

ويرى أن دخول فلسفة أرسطو إلى أوروبا أدى لزعزعة السلطة اللاهوتية ذات التوجه "الأوغسطيني" في النفوس، وقد وجد أهل الفكر اللاتيني في "ابن رشد" خير من يستندون إليه ويحتمون به في تقرير وتمرير دعاويهم المناهضة لهذه السلطة.

كما ترجع شهرة "ابن رشد"، من وجهة نظر عبد الرحمن، إلى انقسام المفكرين اللاتين بشأن فلسفته وإصدار الكنيسة لفتاوى تحرم الاشتغال بها، فقد انقسم هؤلاء المفكرين إلى فئتين متصارعتين، هما فئتي "الموالين"، و"المعادين".

ويخصص عبد الرحمن لتجربته الصوفية والروحية الفصل السابع من الكتاب، لافتا إلى أنها "على خلاف ما انغرس في العقول، لا تتعارض أبدًا مع المعرفة العقلية، بل إنها قد تكون سببًا من أسباب إثراء هذه المعرفة والتغلغل فيها"، وأنه "أقبل على هذه التجربة اختيارًا بينما أقبل عليها الإمام الغزالي اضطرارًا".

ويكشف الكاتب عن أسباب إقباله على التصوف، ويلخصها في سببين: الأول، رغبته في تقوية صلته بالله حبًا فيه لذاته، لا فرارًا من غيره، مؤكدًا أنها كانت "متعة أكبر من أن ينشغل بسواها". أما السبب الثاني، فهو "التحقق من طبيعة المعاني، التي هي فوق طور العقل الفلسفي، هل هي غير عقلية كليًا، أم أنها عقلية بوجه عام".

وفي الفصل الثامن من الكتاب، يطرح رؤيته للأصوليات الإسلامية التي ظهرت بقوة خلال العقود الأخيرة، وكيف أنها "جاءت بنتائج هي أقرب إلى السياسة الخالصة التي تنفع الجماعة المحدودة، منها الى العمل الإسلامي الروحي والعقلي الذي ينفع الناس جميعًا".

وينتقد عبد الرحمن الخطاب الذي استخدمته فئة "الأصوليين"، إلى جانب فئتي الحكام والمفكرين، أمام الغرب، بهدف تقديم صورة صحيحة عن الإسلام، فجاءت النتائج عكسية، لأن الوسائل التي تم استخدامها في هذا الصدد كانت غير قادرة على الإقناع.

وعلى ذلك، فإن المسلم من وجهة نظر المؤلف مُطالب في هذا العصر أكثر من أي وقت مضى بأن يكون متمكنًا من الوسائل العلمية والعملية التي بإمكانها أن تبيّن للغير حقيقة الإسلام، وتقنعه بضرورة هذا الدين بوصفه عنصرًا أساسيًا في الحضارة العالمية، لأنه تاريخ وتراث ما يزيد عن مليار شخص حول العالم.

وهذه الوسائل يجب أن تكون مختلفة عن تلك التي تم استخدامها من جانب الفئات الثلاث المشار إليها، أي الأصوليين والحكام والمفكرين، حيث يرى الفيلسوف أننا "يجب أن نقدم للآخر من القيم ما ليس عنده، حتى يشعر بالحاجة إلى الإسلام، وأن نقدم له من وجوه الدفع بالتي هي أحسن الموجودة في الاسلام، ما ليس عنده، أو لا يمكن أن تكون عنده، حتى يشعر بالاطمئنان إليه".

وينهي الفيلسوف كتابه بالحديث عن "العولمة"، موضحًا أن أهم ما يميز "التعولم التاريخي" الذي نعاصره هو ازدواج العامل الاقتصادي، فيه بالعامل الاعلامي، متتبعًا العامليّن السياسي والثقافي.

ويدعو عبد الرحمن إلى النظر هذا "التعولم" كغيره من "التعولمات" السابقة، رافضًا التهويل بالقدر الذي يجعلنا نتخيل أن فيه نهاية للإنسان أو نهاية للتاريخ، ومشيرًا إلى أنه "إذا كان البعض يتخيل هذا حد الهوس به، فإن ذلك يرجع إلى بعض الفلاسفة الذين غرسوا في أذهان هؤلاء هذه المفاهيم، ذات الأصل المسيحي".

ويسلّم المؤلف بأن "الفكر سيكون له شأن كبير لا يقل عن شأن الاقتصاد في التعولم الجديد، لكن ذلك ليس مرده أن هذه العولمة ستجعل له مكانة عملاقة، كما تجعلها للاقتصاد، وإنما لأن الانسان قادر على أن ينتزع هذه المكانة منها، بفضل قدرته على إبداع قيمًا أقوى من تلك القيم التي تفرزها، وأنه لن يضعف، مثلما تضعف هي".

ويدعو الفيلسوف المغربي المفكرين العرب إلى أن "لا يتشاءموا وألا يستسلموا بحجة أن العملاق الاقتصادي الإعلامي الذي يسكن التعولم الجديد هو السيد المطلق، وأن القزم الاقتصادي الإعلامي الذي يمثله العرب لا يمكن أن يكون إلا عبدًا مطلقًا، بل إن عليهم أن يعوا حقيقة واجباتهم المستجدة في سياق هذا التعولم الجديد".

ولا يقف الكاتب عند هذا الحد ، بل يذهب لأبعد من ذلك عندما يؤكد أن "دور المفكر العربي في قيادة الأمة في هذا الوضع العالمي المستجد سيكون أهم بكثير وأقوى بدرجات من دور الممارس السياسي"، لأن العمل السياسي – من وجهة نظره- سيكون "محكومًا بمقررات العملاق الاقتصادي، حتى أن الحكام العرب لن يبقى لهم إلا تنفيذ التعليمات، والأوامر، التي تفرض عليهم فرضًا، فيكون المنقذ من هذه التبعية الشديدة هو المفكر وحده".

هكذا ينهى طه عبد الرحمن كتابه "حوارات من أجل المستقبل"، والذي جاء ملخصًا لأفكاره العامة وملامح مشروعه الفكري وبسيطًا يسهل استيعابه من خلال "التحاجج" بطريقة منطقية، وجمل رصينة ومحكمة، تعتمد على الألفاظ السهلة، بعيدا عن الكلمات المعجمية المستغلقة على الفهم.

-------------------------

الكتاب: "حوارات من أجل المستقبل"

المؤلف: د. طه عبد الرحمن

الناشر: "الشبكة العربية للأبحاث والنشر"

الطبعة: الأولى 2011

الصفحات: 177 صفحة

الجمعة، 23 ديسمبر 2016

طوفان الضغائن الطائفية عبر العالم بقلم : البروفيسور محمد الدعمي

 




إننا إذا ما وضعنا الإعلان أعلاه على خلفية ما يجري في الشرق الأوسط اليوم، من ناحية، وعلى طبيعة النظام السياسي الأميركي، من الناحية الثانية، فإننا لا يمكن إلا أن نظفر بخلاصة واحدة، تفيد بأن طوفان الضغائن والصراعات الطائفية في منطقتنا إنما راح يتجاوز حدود إقليمنا المضطرب ليجرف العالم بأسره، بدءًا من غمر أوروبا، وانتهاءً بما يمكن أن يجري في بقية قارات العالم.

دق إعلان دونالد ترامب، على هامش حادث برلين الإرهابي قبل بضعة أيام، الإعلان الذي يفيد بـ”أننا يجب أن نمحو “الإسلاميين الراديكاليين” الذين يريدون قتل “المسيحيين”، جرسًا للإنذار في رأسي، إذ شعرت بأن الرجل ينوي أن يتسبب بسحب أقدام أميركا إلى مهاوي الضغائن ومنزلقات الأحقاد الطائفية. أستطيع أن أقرأ هذه النية مضمنة تحت وفوق النص، وبهذا المعنى فقط، للأسف.
إننا إذا ما وضعنا الإعلان أعلاه على خلفية ما يجري في الشرق الأوسط اليوم، من ناحية، وعلى طبيعة النظام السياسي الأميركي، من الناحية الثانية، فإننا لا يمكن إلا أن نظفر بخلاصة واحدة، تفيد بأن طوفان الضغائن والصراعات الطائفية في منطقتنا إنما راح يتجاوز حدود إقليمنا المضطرب ليجرف العالم بأسره، بدءًا من غمر أوروبا، وانتهاءً بما يمكن أن يجري في بقية قارات العالم. للمرء أن يزعم بأنه ثمة صراعات طائفية آخذة بالطفو على السطح بعدما بقيت مغمورة لعقود: لاحظ ما يجري في جنوب شرق آسيا وفي إفريقيا من بين سواها من أقاليم العالم القابلة للاشتعال على نحو مدمر، على نحو لا يبقي ولا يذر.
ومن منظور ثانٍ، لا بد للمرء أن يقرأ إعلان الرئيس الأميركي المنتخب إزاء خلفية قوامها أبرز نظام سياسي علماني في العالم، وأقصد به النظام الأميركي الذي يعتمد العلمانية عمودًا أساسًا له. عندما نضع الإعلان أعلاه، وهو الإعلان الزاخر بتعابير لم نعهدها من أساطين النظام الأميركي، تعابير وألفاظ، من نمط: مسلمين راديكاليين والمسيحيين، فإننا لا بد وأن نتعرض لرجة وعي من العيار الثقيل. ونظرًا لأن توظيف ترامب هذه الألفاظ المنطوية على عصبية طائفية ودينية واضحة المعالم، فإن علينا الحذر والتحوط من أن يدفع هذا الرجل أقوى قوة في العالم ليورطها في الصراعات الطائفية، خاصة عندما يتم اعتماد ألفاظ تمور بالنَفَس الطائفي، من نمط “مسلمين” و”مسيحيين”، و”قتل” و”نقضي”، وهلم جرا.
والحق، فإن هذا هو ما يلهب مشاعر قطاعات واسعة من الجمهور الأميركي، لأن ترامب لم يخفِ قط اهتمامه بهذا النوع من المعايير الطائفية والدينية، بل وحتى تلك المتعلقة بلون البشرة. هذا بالضبط ما يثير حفيظة اليهود في أميركا، برغم نفوذهم القوي، خشية حدوث ما لا تحمد عقباه بالنسبة إليهم فيما بعد. بل إن هذا، بالضبط، هو ما جعل الرئيس السابق “بيل كلينتون” يدعي بأن ترامب لا يعرف شيئًا، سوى تعبئة عواطف البيض العنصرية والطائفية لصالحه، الأمر الذي قاد الرئيس القادم إلى شيء من الردود الخشنة التي لا تأبه باللياقات التقليدية، ولا تليق برجلين يخصان مؤسسة الرئاسة الأميركية
.


 

صدر حديثا : خطوط مائلة للأديب حسني الناشي





                                                                    حسني الناشي

  

عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة ؛ صدرت رواية « خطوط مائلة » للروائي والقاص العراقي الراحل "حسني الناشي".
الرواية تقع
في 192 صفحة من القطع المتوسط ، وقدَّم لها الأديب العراقي المقيم في ميونيخ "هيثم نافل والي" ، ومما جاء في المقدمة :
تعرفنا على كتابات القاص المرحوم خالد الذكر "حسني الناشي" عن قُرب من خلال اهتمامنا الأدبي بشكل عام ، وترشيف وحفظ وإعادة مخطوطاته من جديد ، تلك التي خطَّها بيده ، وكتابة مقدمة تليق به بعد رحيله عنا جسديًا فقط كقاص عراقي عربي كبير. هذا أتاح لنا معرفة طبيعة أسلوبه الكتابي ، طريقة تفكيره ، الكيفية التي يرسم بها لوحات أعماله ، وما كان ينازعه قبل وأثناء شروعه بالعمل من خلال الخطوط العريضة التي كان يهتم بها لينفذها فيما بعد أعمالاً أدبية استهوت الكثير من القُرَّاء العراقيين خاصة والعرب عامة ، لجمالية نصوصها وتفرده الواضح في رسم شخصيات أبطاله وكأنهم أحياء يشاطرونه حياة الواقع خطوة بخطوة ، مما أدَّى به إلى شيء يكاد يكون أقرب إلى النبوغ في تحليل وتفسير الشخصية الإنسانية ومعاناتها من خلال أفعال وردود أفعال شخوص أعماله الأدبية...
لكن للمسألة جانبٌ آخر ، ومعادلة لم نتطرق إليها بعد لابد من الوقوف عندها ، وبحثها بدقة ، والتنويه عنها ، ألا وهي الرواية وما تعني من عالم للكاتب " حسني الناشي "... فموهبته الروائية لم تكن وليدة ساعة معينة ، بل شعرنا بأنها كانت انفجار لتراكمات عاشها المرحوم وتشبع بجزئياتها المُرَّة والطيبة فتولدت في خلده آهات ومسرات حوَّلها قلمه الفذ العاشق المحب للإنسان المدافع عن إنسانيته إلى عمل أدبي رصين متمثل في روايته التي نتحدث عنها والتي تحمل همًّا شخصيًا كبيرًا انعكس على مزاجه النفسي وأثَّر به كثيرًا لعدم رؤيته للأشياء بشكلها الطبيعي لضعف بصره في سنوات حياته الأخيرة ، مما جعله يرى الخطوط التي يرسمها ويدونها مائلة ، ومن هنا جاءت معاناته عنوانًا لروايته التي أظن ولا أجدني مخطئ بأنها ستكون خالدة كاسمه في عالم الأدب العربي "خطوط مائلة".

 
• • • • •

 
 
 
• • • • •

 
حسني الناشي
ansam_hussni@yahoo.com

ولد الروائي والقاص الكبير حسني الناشي عام 1941 في بغداد ، وتوفي في 24 ديسمبر 2002 في السويد. تخرج من دار المعلمين عام 1958 .
أكمل دراسته الجامعية فحصل على بكالوريوس آداب الجامعة المستنصرية عام 1975. زاول مهنة التعليم لأكثر من ثماني وعشرين عاماً حازت مجموعته القصصية المسماة "لحظات من الجنون" موافقة وزارة الثقافة والإرشاد في حينها عام 1964 ولم يوافق قاصنا على نشر مجموعته لأسباب شخصية تتعلق به. نشر أولى قصصه القصيرة في صحيفة غير حكومية عام 1966 بعنوان "الشارع ومصباح النيون" وكان النشر متأخرًا قياسًا لبداياته المبكرة. صدرت له مجموعة قصصية تحت عنوان "قوة الأشياء في شيبا" عام 2002 قبيل رحيلة بفترة قصيرة. بجهد خالص وبوفاء عظيم من زوجته تم طبع مجموعتيه القصصتين : "المعطف" عام 2005 ، و"كلمات في دائرة مغلقة عام 2015، ثم روايته "خطوط مائلة" عام 2017 في سنوات حياته الأخيرة خانه بصره ولم تخنه بصيرته.. ظل يملي على زوجته وابنته أنسام ما يريد كتابته.. صارتا في تلك الفترة العصيبة القلقة الحزينة عينيه ويديه.. فخطتا وفيتا العهد باليد روايته التي لها معنى ومعاناة ما كان يحمل "خطوط مائلة" لأنه في تلك الفترة لم يعد يرى الأشياء التي تحيطه إلا خطوطًا واهية وبشكل مائل.
 
- البريد الإلكتروني لابنة الروائي: ansam_hussni@yahoo.com
 


• •